فقه العبادات [52]


الحلقة مفرغة

المقدم: في لقائنا السابق سألناكم عن الأخطاء التي تقع في السعي وفي المسعى، وقلتم: إن هناك مجموعة من الأخطاء، وذكرتم من هذه الأخطاء: النطق بالنية، ورفع اليدين على الصفا والمروة كما ترفع عند الصلاة يعني: يشار بها، وترك السعي الشديد بين العلمين، والرمل أيضاً في جميع السعي من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وتخصيص كل شوطٍ بدعاء، والدعاء من كتابٍ لا يعرف الداعي معناه، ثم البداءة بالمروة، ويكون الساعي قد التغى عليه الشوط الأول ولم يأت إلا بستة، هل هناك أخطاء غير هذه الأخطاء في المسعى أو في السعي؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اعتبار السعي من الصفا إلى الصفا شوطاً واحداً

ومن الأخطاء التي يفعلها بعض الحجاج في السعي وهو الخطأ التاسع باعتبار أن العدد السابق في الحلقة السابقة لهذه: أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا، يظن أنه لا بد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر، فيبدأ بالصفا وينتهي إلى المروة، ويجعل هذا بعض الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحداً، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأٌ عظيم وضلالٌ بين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، لكنه ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة، وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي بل يجب على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة أن يتعلم حدود ما أنزل الله فيها قبل أن يفعلها، وهذا التعلم من فروض الأعيان؛ لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، أعني: تعلم حدود ما أنزل الله في عبادة يريد الإنسان أن يفعلها هو من فرض الأعيان، فيجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة، ليعبد الله تعالى على بصيرة.

السعي في غير نسك

الخطأ العاشر: السعي في غير نسك، يعني: أن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير نسك، أي: في غير حجٍ ولا عمرة، يظن أن التطوع بالسعي المشروع كالتطوع بالطواف، وهذا أيضاً خطأ، والذي يدلنا على هذا أنك تجد بعض الناس في زمن العمرة أو في زمن الحج يسعى بين الصفا والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الإحرام، مما يدل على أنه محرم، فإذا سألته: لماذا فعلت؟ قال: لأني أتعبد لله عز وجل بالسعي كما أتعبد بالطواف، وهذا جهل مركب؛ لأنه صار جاهلاً بحكم الله، وجاهلاً بحاله؛ حيث ظن أنه عالمٌ وليس بعالم.

أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد الوقوف بعرفة فيمكن أن يفعل الإنسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لأنه يتحلل في رمي جمرة العقبة يوم العيد وبالحلق أو التقصير ثم يلبس ثيابه ويأتي إلى مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة.

وعلى كل حال أقول: إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي من غير حجٍ ولا عمرة، وهذا لا أصل له، بل هو بدعة، ولا يقع غالباً إلا من شخصٍ جاهل، لكنه يعتبر من الأخطاء في السعي.

السعي على العربة بدون عذر

الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة بدون عذر، فإن بعض الناس يتهاون بذلك ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا لعذر، وهذه المسألة مسألة خلافٍ بين العلماء، أي أنه: هل يشترط في السعي أن يكون ماشياً إلا من عذر أو لا يشترط؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً ما دام قادراً، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة حين قالت: (إني أريد أن أطوف وأجدني شاكية، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)،، فأذن لها بالركوب في الطواف لأنها مريضة، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان يشق عليه السعي مشقةً تتعبه فلا حرج عليه أن يسعى على العربة.

هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي.

صعود المرأة الصفا

المقدم: من المعروف أن الصفا ضيق والمروة أضيق أيضاً منه، نرى النساء يصعدن إلى الصفا والمروة ويزاحمن الرجال، فهل من السنة صعود المرأة الصفا؟

الشيخ: المعروف عند الفقهاء أنه لا يسن للمرأة أن تصعد الصفا والمروة، وإنما تقف عند أصولهما ثم تنحرف لتأتي ببقية الأشواط، لكن لعل هؤلاء النساء اللاتي يشاهدن صاعدات على الصفا والمروة يكن مع محارمهن، ولا يتسنى لهن مفارقة المحارم؛ لأنهن يخشين من الضياع، وإلا فإن الأولى بالمرأة ألا تزاحم الرجال في أمرٍ ليس مطلوباً منها.

السعي الشديد بين العلمين بعد العودة من المروة إلى الصفا

المقدم: أيضاً ذكرتم من الأخطاء: ترك السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وذكرتم أن العلمين أقرب إلى الصفا، وذكرتم أن السعي يكون في الذهاب من الصفا إلى المروة، فهل يلزم أيضاً السعي الشديد في العودة بين العلمين الأخضرين من المروة إلى الصفا؟

الشيخ: السعي الشديد ليس بلازم، لكن الأفضل أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين في ذهابه من الصفا إلى المروة، وفي رجوعه من المروة إلى الصفا؛ لأن كل مرة من هذه شوط، والسعي بين العلمين مشروعٌ في كل الأشواط.

قراءة: (إن الصفا والمروة) كاملة عند السعي

المقدم: أيضاً ذكرتم من الأخطاء: أن بعض الناس يتلو الآية: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158] الآية عند الصعود للمروة في كل شوط وكذلك الصفا في كل شوط، وقلتم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تلا أول الآية: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به) ، فهل يقول مثل الرسول: (أبدأ بما بدأ الله به) أو يكمل الآية؟

الشيخ: نعم، ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قول جابر : (فلما دنى من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] ) فيحتمل أنه قرأ الآية كلها، ويحتمل أنه قرأ هذا الجزء منها، فإن كمل الآية فلا حرج عليه.

وأما قوله: (أبدأ بما بدأ الله به) فيقولها الإنسان أيضاً اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإشعاراً لنفسه أنه فعل ذلك طاعةً لله عز وجل، حيث ذكر الله أنهما من شعائر الله وبدأ بالصفا.

ترديد الأدعية خلف المطوفين

المقدم: أيضاً ذكرتم من الأخطاء التي تقع في السعي: الدعاء من خلال كتاب، فهل ينطبق هذا أيضاً على الذين يطوفون أناساً ويسعون بهم ويقولون أدعية أيضاً ويرددها الناس خلفهم؟

الشيخ: نعم هو ينطبق على هؤلاء؛ لأن هؤلاء أيضاً كانوا قد حفظوا هذه الأدعية من هذا الكتاب، ولعلك لو ناقشت بعض هؤلاء المطوفين عن معاني ما يقول لم يكن عنده من ذلك خبر، ولكن مع ذلك قد يكون الذين خلفه لا يعلمون اللغة العربية، ولا يعرفون معنى ما يقول، وإنما يرددونه تقليداً لصوته فقط، وهذا من الخلل الذي يكون في المطوفين، ولو أن المطوفين أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم وعلموهم تعليماً عند كل طواف وعند كل سعي، فيقولون لهم مثلاً: أنتم الآن ستطوفون، فقولوا كذا وافعلوا كذا، وادعوا بما شئتم، ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم، فهذا طيب، وهو أحسن من أن يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذين لا يعرفون معناه، والذي قد يكون فيه تشويش على الطائفين، فهم إذا قالوا: نعم أمامكم وأنتم افعلوا كذا، يعني: أشيروا مثلاً إلى الحجر أو استلموه إن تيسر لكم أو ما أشبه ذلك وقولوا كذا، وكبروا عند محاذاة الحجر الأسود، وقولوا بينه وبين الركن اليماني: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، إلى غير ذلك من التوجيهات لكان هذا أنفع للحاج وأخشع، أما أن يؤتى بالحاج وكأنه بغبغاء يقلد لقول وفعل هذا المطوف ولا يدري عن شيءٍ أبداً، وربما لو قيل له بعد ذلك: طف ما استطاع أن يطوف؛ لأنه لم يعرف الطواف وإنما كان يمشي ويردد وراء هذا المطوف، فهذا هو الذي أرى أنه أنفع للمطوفين وأنفع للطائفين أيضاً.

ومن الأخطاء التي يفعلها بعض الحجاج في السعي وهو الخطأ التاسع باعتبار أن العدد السابق في الحلقة السابقة لهذه: أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا، يظن أنه لا بد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر، فيبدأ بالصفا وينتهي إلى المروة، ويجعل هذا بعض الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحداً، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأٌ عظيم وضلالٌ بين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، لكنه ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة، وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي بل يجب على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة أن يتعلم حدود ما أنزل الله فيها قبل أن يفعلها، وهذا التعلم من فروض الأعيان؛ لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، أعني: تعلم حدود ما أنزل الله في عبادة يريد الإنسان أن يفعلها هو من فرض الأعيان، فيجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة، ليعبد الله تعالى على بصيرة.