فقه العبادات [43]


الحلقة مفرغة

المقدم: بعد أن عرفنا الشيء الكثير عن الحج ونسكه وعرفنا أيضاً الإحرام وصفته، نود في هذا اللقاء أن نعرف ما هي محظورات الإحرام؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

محظورات الإحرام هي المحرمات التي سببها الإحرام، وذلك أن المحرمات نوعان: محرمات في حال الإحرام وحال الحج، وإليها أشار الله بقوله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وكلمة (فسوق) عامة تشمل ما كان الفسق فيه بسب الإحرام وغيره.

المحرمات الخاصة التي سببها الإحرام: إذا تلبس الإنسان بالإحرام فإنها تحرم عليه، وتسن له في حال الحل.

الجماع ومقدماته

فمن محظورات الإحرام: الجماع، وهو أشد المحظورات إثماً وأعظمها أثراً، ودليله قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، فإن الرفث هو الجماع ومقدماته، وإذا وقع الجماع قبل التحلل الأول في الحج فإنه يترتب عليه أمور خمسة: الأول: الإثم، والثاني: فساد النسك، والثالث: وجوب الاستمرار فيه، والرابع: وجوب فدية بدنة يذبحها ويفرقها للفقراء، والخامس: وجوب القضاء من العام القادم، وهذه آثار عظيمة تكفي المؤمن للانزجار عنه والبعد عنه.

ومن المحظورات أيضاً: المباشرة بشهوة والتقبيل والنظر بشهوة، وكل ما كان من مقدمات الجماع؛ لأن هذه المقدمات تفضي إلى الجماع.

عقد النكاح والخطبة والطيب

ومن محظورات الإحرام: عقد النكاح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينكح المحرم ولا ينكِح ولا يخطب ).

ومن محظوراته أيضاً والمحرمات فيه: الخطبة، فلا يجوز للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم بحج أو عمرة.

ومن محظورات الإحرام: قتل الصيد، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95].

ومن محظوراته أيضاً: الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في البدن أو في الثوب أو في المأكول أو في المشروب، فلا يحل للمحرم استعمال الطيب على أي وجه كان بعد عقد إحرامه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فمات: ( لا تحنطوه )، والحنوط أطياب تجعل للميت عند تكفينه.

فأما أثر الطيب الذي تطيب به عند الإحرام فإنه لا بأس به ولا تجب عليه إزالته؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم )، وقالت: ( كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ).

لبس القميص والسراويل والعمائم

ومن محظورات الإحرام: لبس الرجل القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف، هكذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: ( ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف، إلا من لا يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليبس الخفين )، وما كان بمعنى هذه المحظورات فهو مثلها، فالكوت والفنيلة والصدرية والغترة والطاقية والمشلح.. كل هذه بمعنى المنصوص عليه، فيكون لها حكم المنصوص عليه.

وأما لبس الساعة والخاتم وسماعة الأذن ونظارة العين، والكمر الذي تكون فيه الفلوس وما أشبهها فإن ذلك لا يدخل في المنهي عنه لا بالنص ولا بالمعنى، وعلى هذا فيجوز للمحرم أن يلبس هذه الأشياء، وليعلم أن كثيراً من العامة فهموا من قول أهل العلم: إن المحرم لا يلبس المخيط، أن المراد بالمخيط ما فيه خياطة، ولهذا تجدهم يسألون كثيراً عن لبس الكمر المخيط وعن لبس الإزار أو الرداء المرقع، وعن لبس النعال المخروزة وما أشبه ذلك، ظناً منهم أن العلماء يريدون بلبس المخيط لبس ما كان فيه خياطة، والأمر ليس كذلك، وإنما مراد العلماء بذلك: ما يلبس من الثياب المفصلة على الجسم على العادة المعروفة، وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يلبس القميص ولا السراويل ).. إلى آخره، يتبين لك أن الإنسان لو تلفف بالقميص بدون لبس فإنه لا حرج عليه، فلو جعل القميص إزاراً لفه ما بين سرته وركبته فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأن ذلك لا يعد لبساً.

تغطية الرجل رأسه بملاصق

ومن المحرمات في الإحرام: تغطية الرجل رأسه بملاصق معتاد، كالطاقية والعمامة والغترة، فأما تظليل الرأس بالشمسية أو سقف السيارة أو بثوب يرفعه بيديه على رأسه فهذا لا بأس به؛ لأن المحرم تغطية الرأس لا تظليله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم الحصين رضي الله عنها، قالت: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً وأسامة وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقته، والثاني رافع ثوبه أو قالت: ثوباً يظلله به من الحر حتى رمى جمرة العقبة ).

ولا يحرم على المحرم أن يحمل عفشه على رأسه؛ لأن ذلك لا يراد به التغطية، وإنما المراد به الحمل.

نقاب المرأة ولبس القفازين

ومن محظورات الإحرام: أن تنتقب المرأة، أي: تضع النقاب على وجهها، يعني: النقاب لذات الوجه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تنتقب وهي محرمة، فالمشروع للمرأة في حال الإحرام أن تكشف وجهها، إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها، فإنه يجب عليها أن تستر الوجه، وفي هذه الحال لا بأس أن يلاصق الساتر بشرتها، ولا حرج عليها في ذلك.

ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين، وهما جوارب اليدين، وهذا يشمل الرجل والمرأة، فلا تلبس المرأة القفازين في حال الإحرام، وكذلك الرجل لا يلبس القفازين؛ لأنهما لباس، فهما كالخفين بالنسبة للرِجل.

المقدم: قلتم: إنه لا يضع على رأسه ملاصقاً كالغترة والطاقية، هل يشمل أيضاً إذا وضع مثلاً: قطعة ورق أو كرتوناً أو بطانية على رأسه؟

الشيخ: نعم، يشمل هذا، وبهذا إذا احتاج إلى تظليل رأسه فليرفع هذا عن رأسه قليلاً حتى لا يباشره.

المقدم: أيضاً قلتم بالنسبة للمرأة: أنها لا تلبس النقاب ما الفرق بينه وبين البرقع؟

الشيخ: البرقع أخف من النقاب؛ لأن النقاب خمار النساء يتدلى من رأسها ويفتح لعينيها، أما البرقع فإنه قد فصل للوجه خاصة، وغالباً يكون فيه من التجميل والنقوش ما لا يكون في النقاب.

المقدم: لكن هل يجوز للمرأة أن تلبسه؟

الشيخ: لا يجوز؛ لأنه إذا منعت من النقاب فالبرقع من باب أولى.

المقدم: أيضاً قلتم: إذا حضر الرجال فإنها تستر وجهها، هل تستر وجهها بالنقاب أو بشيء آخر؟

الشيخ: بغير النقاب، تستره ليس بنقاب ولا برقع، تغطيه تغطية ثوب.

قتل الصيد

المقدم: أيضاً بالنسبة لهذه المحظورات التي ذكرتم فصلتم في الجماع، وذكرتم أنه يترتب عليه خمسة أمور، لكن بقية المحظورات ما ذكرتم لنا حكم من لابس شيئاً منها؟

الشيخ: أما الصيد فقد بين الله سبحانه وتعالى ما يترتب عليه، فقال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، فإذا كان هذا الصيد مما له مثل من النعم، أي: من الإبل أو البقر أو الغنم فإنه يذبح مثله في مكة ويتصدق به على الفقراء، أو يجعل بدل المثل طعاماً يشترى ويوزع على الفقراء، أو يكون عن إطعام كل مسكين ليلة، هذا إذا كان له مثل، أما إذا لم يكن له مثل، فإن العلماء يقولون: يخير بين الإطعام والصيام، فيقوم الصيد بدراهم، ويطعم ما يقابل هذه الدراهم على الفقراء بمكة، أو يصوم عن كل مسلم يوماً، هذا في الصيد.

حلق الرأس

وفي حلق الرأس بين الله عز وجل أن الواجب فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة يذبحها، وهذه الشاة توزع على الفقراء، وحلق الرأس حرام إلا لمن تأذى بالشعر، كما سنتعرض له إن شاء الله تعالى.