فقه العبادات [22]


الحلقة مفرغة

المقدم: في بداية هذا اللقاء نود أن نعرف حكم الصلاة؟ وعلى من تكون؟

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الصلاة من آكد أركان الإسلام، بل هي الركن الثاني بعد الشهادتين، وهي آكد أعمال الجوارح، وهي عمود الإسلام، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عموده الصلاة) يعني: الإسلام، وقد فرضها الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه بشر، وفي أفضل ليلةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدون واسطة أحد، وفرضها الله عز وجل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خمسين مرة في اليوم والليلة، ولكن الله سبحانه وتعالى خفف على عباده حتى صارت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان، وهذا يدل على أهميتها ومحبة الله لها، وأنها جديرة بأن يصرف الإنسان شيئاً كثيراً من وقته فيها، ولهذا دلّ على فرضيتها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ففي الكتاب يقول الله عز وجل: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، ومعنى (كتاباً) أي: مكتوباً مفروضاً.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).

وأجمع المسلمون على فرضيتها؛ ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا جحد فرض الصلوات الخمس أو فرض واحدة منها فهو كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام، يباح دمه وماله إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، ما لم يكن حديث عهد بإسلامٍ لا يعرف عن شعائر الإسلام شيئاً فإنه يعذر بجهله في هذه الحال، ثم يعرف فإن أصر بعد علمه بوجوبها على إنكار فرضيتها فهو كافر.

إذاً: فالصلاة من أفرض الفرائض في دين الإسلام.

المقدم: نود نعرف على من تجب؟

الشيخ: تجب على كل مسلم بالغ عاقل، من ذكر أو أنثى، فالمسلم ضده الكافر؛ لأن الكافر لا تجب عليه الصلاة، بمعنى أنه لا يُلزم بأدائها حال كفره، ولا بقضائها إذا أسلم، لكنه يعاقب عليها يوم القيامة كما قال الله تعالى: إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:39-46]، فقولهم: (لم نك من المصلين) يدل على أنهم عوقبوا على ترك الصلاة.

وأما البالغ فهو الذي حصل له واحدة من علامات البلوغ، وهي ثلاثٌ بالنسبة للرجل، وأربعٌ بالنسبة للمرأة:

إحداها: تمام خمس عشرة سنة.

الثاني: إنزال المني بلذة، يقظةً كان أم مناماً.

والثالثة: إنبات العانة وهي الشعر الخشن حول القُبُل.

هذه الثلاث العلامات تكون للرجال والنساء، وتزيد المرأة العلامة الرابعة وهي الحيض؛ لأن الحيض من علامات البلوغ، وأما العاقل فضده المجنون الذي لا عقل له، ومن الرجل الكبير أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إذا فقد أحد التمييز وهو ما يعرف عندنا بالمهذري، فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذٍ؛ لعدم وجود العقل في حقه.

وأما الحيض والنفاس فهو مانع من وجوب الصلاة، فإذا وجد الحيض والنفاس فإن الصلاة لا تجب.

المقدم: إذا عرفنا حكم الصلاة وعلى من تجب نود أن نعرف حكم ترك الصلاة؟

الشيخ: تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وذلك بدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح.

أما الكتاب: ففي قوله تعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11].

وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله اشترط لثبوت الإخوة بين هؤلاء المشركين وبين المؤمنين ثلاثة شروط: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإذا تخلف أحد هذه الثلاثة لم يكونوا إخوةً لنا في الدين، ولا تنتفي الإخوة في الدين إلا بالكفر المخرج عن الملة، فإن المعاصي مهما عظمت إذا لم تصل إلى حد الكفر لا تخرج عن الإخوة في الدين، ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص فيمن قتل أخاه عمداً قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] فجعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول، مع أن قتل المؤمن عمداً من أعظم الكبائر، ثم تأمل قوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:9-10] .

فجعل الله الطائفة الثالثة المفلحة إخوةً للطائفتين المقتتلتين، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب، وهذا يدل على أن الإخوة في الدين لا تنتفي بالمعاصي أبداً إلا ما كان كفراً، وشرح الآيات المذكورة أنهم إن بقوا على الشرك فكفرهم ظاهر، وإن آمنوا ولم يصلوا فكفرهم أيضاً ظاهر، معلوم من الجملة الشرطية إن تابوا وأقاموا الصلاة، وإن تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فكفرهم ظاهرٌ أيضاً، إلا أن مسألة الزكاة فيها خلافٌ بين أهل العلم: هل يكفر الإنسان إذا تركها أو لا يكفر؟ وفيها تحمل الروايتان، لكن الذي تقتضيه السنة أن تارك الزكاة لا يكفر، ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كان ذلك في يوم مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)؛ فإن هذا الحديث يدل على أنه لا يكفر بمنع الزكاة، إذ لو كفر لم يكن له سبيل إلى الجنة، وعلى هذا فتكون الزكاة خارجةً من هذا الحكم بمقتضى دلالة السنة.

أما الدليل من السنة على كفر تارك الصلاة فقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، ووجه الدلالة من الحديث: أنه جعل هناك فاصلاً بين الإيمان والكفر وهو الصلاة، فهو واضحٌ في أنه لا إيمان لمن لم يصل؛ لأن هذا هو مقتضى الحد؛ إذ أن الحد يفصل بين المحدودين، وقوله: (بين الرجل وبين الشرك والكفر)، ولم يقل: بين الرجل وبين كفرٍ، منكراً، والكفر إذا دخلت عليه (أل) كان المراد به الكفر الحقيقي، بخلاف ما إذا كان منكراً كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) ، فإن هذا لا يقتضي الخروج من الإسلام؛ لأنه قال: (هما بهم كفر) يعني: هاتين الخصلتين.

أما قول الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة.

وقد نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه يرحمه الله على أن تارك الصلاة كافر.

وأما المعنى: فلأننا نقول: كل إنسانٍ عرف الصلاة وقدرها وعناية الشريعة بها ثم يدعها بدون عذر وليس له حجة أمام الله عز وجل فإن ذلك دليلٌ واضح على أنه ليس في قلبه من الإيمان شيء، إذ لو كان في قلبه من الإيمان شيءٌ ما ترك هذه الصلاة العظيمة التي دلت النصوص على العناية بها وأهميتها، والأشياء تعرف بآثارها، فلو كان في قلبه أدنى مثقال من إيمان لم يحافظ على ترك هذه الصلاة مع أهميتها وعظمها، ولهذا تكون الأدلة السمعية والنظرية دالةً على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وتكون مقتضيةً للحذر من هذا العمل الشنيع الذي يتهاون به اليوم كثير من الناس، ولكن باب التوبة مفتوح ولله الحمد، كما قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:59-62].

فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين للقيام بطاعته على الوجه الذي يرضيه عنا.