فقه العبادات [33]


الحلقة مفرغة

المقدم: في مقال مضى سألناكم عن الأموال التي تجب فيها الزكاة، وأيضاً مقدار الزكاة في كل نوع منها، وذكرت هذه الأنواع: الذهب والفضة والخارج من الأرض كالحبوب والثمار، نريد في هذا اللقاء أن نستكمل معرفة هذه الأموال وما يجب فيها؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بهيمة الأنعام

من الأموال الزكوية التي تجب فيها الزكاة: بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ولكن يشترط لوجوب الزكاة فيها شرطان.

الشرط الأول: أن تكون معدة للدر والنسل والتسمين، لا للبيع والشراء.

الشرط الثاني: أن تكون سائمة الحول أو أكثره، يعني: أن تتغذى على السوم وهو الرعي كل الحول أو أكثره، وإن كانت غير معدة للدر والتسمين وإنما هي معدة للاتجار والتكسب فهي عروض تجارة وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، وإن كانت معدة للدر والتسمين فإنه لا زكاة فيها، فلو كان عند الفلاح عشرون بعيراً أبقاها للتناسل وللدر وللقنية، فإنه لا زكاة عليه في ذلك ما دام يعلفها أكثر الحول؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فيما كتبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، قال: ( وفي الغنم في سائمتها )، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: ( أو إبل في سائمتها )، وهذا يدل على أن غير السائمة ليس فيها زكاة وهو كذلك.

وأما مقدار الزكاة في بهيمة الأنعام فإنه يختلف؛ وذلك لأن الأنصبة في بهيمة الأنعام مقدرة ابتداء وانتهاءً ولكل قدر منها واجب خاص بها، فمثلاً في الغنم: لكل أربعين شاة شاة واحدة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وما بين الأربعين إلى مائة وعشرين ليس فيه إلا شاة واحدة، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، فما بين مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين ليس فيها إلا شاتان، ثم في كل مائة شاة، ففي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي ثلاثمائة وواحدة ثلاث شياه، وفي أربعمائة أربع شياه.. وهلم جراً.

ولهذا لا يمكن أن يحدد الواجب في بهيمة الأنعام؛ وذلك لاختلاف النصاب فيه ابتداء وانتهاءً، ومرجع ذلك إلى كتب الحديث وأهل الفقه، أما غير السائمة كالخيل والحمير والبغال فهذه لا زكاة فيها ولو كثرت ولو سامت إذا لم تكن للتجارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، فلو كان عند الإنسان مائة فرس يعدها للركوب والجهاد وغير ذلك من المصالح فإنه لا زكاة عليه فيها، ولو كانت تساوي دراهم كثيرة؛ إلا من كان يتجر في الخيل؛ يبيع ويشتري فعليه فيها زكاة العروض.

هذه ثلاثة أموال تجب فيها الزكاة: النقدان وهما: الذهب والفضة، والخارج من الأرض، والثالث: بهيمة الأنعام.

عروض التجارة

الرابع: عروض التجارة: وهي الأموال التي عند الإنسان يريد بها التكسب، ولا تختص بنوع معين من المال، بل كل ما أراد به الإنسان التكسب من أي نوع كان من المال ففيه الزكاة، سواء كان المال عقاراً أو حيواناً أو مملوكاً من الآدميين، أو سيارات، أو أقمشة، أو أواني، أو ثياب، أو غير ذلك، المهم كل ما أعده الإنسان للتجارة والتكسب ففيه الزكاة، ودليل ذلك عموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فالأصل في الأموال وجوب الزكاة إلا ما دل عليه الدليل، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وصاحب العروض إنما نوى التجارة، وليس له حاجة أو غرض في نفس العروض، بدليل أنه يشتري السلعة في أول النهار، فإذا ربح في آخر النهار باعها، وليس كالإنسان المقتني للسلع الذي يبقيها عنده سواء زادت أو نقصت.

فإذاً: يكون مراد هذا المالك هو القيمة، وهي الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، ولأننا لو قلنا بعدم وجوب زكاة العروض لسقطت الزكاة عن كثير من أموال التجار؛ لأن غالب أموال التجار التي يتجرون بها إنما هي عروض التجارة.

هذه الأربعة أنواع من الأموال تجب فيها الزكاة.

زكاة العسل

واختلف العلماء في العسل: هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ فمنهم من قال: إنها لا تجب الزكاة، ومنها من قال: إنها تجب، واستدلوا بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمسألة عندي محل توقف والعلم عند الله.

زكاة العقارات وما يعد للقنية

وبناء على ذلك فإنه لا زكاة على الإنسان فيما يقتنيه من الأواني والفرش والمعدات والسيارات والعقارات وغيرها، حتى وإن أعده للإجارة، فلو كان للإنسان عقارات كثيرة تساوي قيمتها الملايين ولكنه لا يتجر بها، أي: لا يبيعها ويشتري بدلها للتجارة مثلاً، وإنما أعدها للاستغلال، فإنه لا زكاة في هذه العقارات ولو كثرت، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو نماء، فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد، فإن لم يتم عليها الحول فلا زكاة فيه؛ لأن هذه الأشياء ما عدا الأصناف الأربعة السابقة: الأصل فيها براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب، بل قد دل الدليل على أن الزكاة لا تجب فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة )، فإنه يدل على أن ما اختصه الإنسان لنفسه من الأموال غير الزكوية ليس فيه صدقة، أي: ليس فيه زكاة، والأموال التي أعدها الإنسان للاستغلال من العقارات وغيرها لا شك أن الإنسان قد أرادها لنفسه ولم يردها لغيره؛ لأنه لا يبيعها، بل يستبقيها للاستغلال والنماء.

زكاة الأراضي

المقدم: لكن بالنسبة لهذه الأراضي التي قد اشتراها أصحابها؛ وكسدت في أيديهم نظراً لقلة قيمتها، هم يقدرونها تقديرات عالية، والسوق لا تساوي فيه إلا الشيء القليل، فكيف تزكى هذه الأراضي؟

الشيخ: الأراضي التي اشتراها أهلها للتجارة كما هو الغالب ينتظرون بها الزيادة، هذه عروض تجارة، وعروض التجارة تقوم عند حول الزكاة بما تساوي، ثم يؤخذ ربع العشر منها؛ لأن العبرة بقيمتها وقيمتها من الذهب والفضة، والذهب والفضة زكاتهما ربع العشر، ولا فرق بين أن تكون قيمة هذه الأراضي تساوي قيمة أو لا، فإذا قدرنا أن رجلاً اشترى أرضاً بمائة ألف وكانت عند الحول تساوي مائتي ألف، فإنه يجب عليه أن يزكي عن المائتين جميعاً، وإذا كان الأمر بالعكس اشتراها بمائة ألف، وكانت عند تمام حلول الحول تساوي خمسين ألفاً فقط، فإنه لا يجب عليه إلا خمسين ألفاً، يعني: العبرة بقيمتها عند وجوب الزكاة، فإن شك الإنسان ولا يدري هل تزيد قيمتها عما شراها به أو تنقص أو هي هي؟ فالأصل عدم الزيادة وعدم النقص، فيقومها بثمنها الذي اشتراها به، فإذا قدرنا أن هذه الأرض التي اشتراها بمائة ألف تساوي عند تمام الحول إن طلبت مائة وعشرين، وتساوي إن طلبت ثمانية آلاف، وهو متردد، نقول: قومها إذا اشتريت هذه؛ لأن الأصل عدم الزيادة والنقص، ولكن يشكل على كثير من الناس اليوم أن عندهم أراضٍ كسدت في أيديهم ولا تساوي شيئاً، بل إنهم يعدونها للبيع ولا يجدون من يشتريها، فكيف تزكى هذه الأراضي؟ نقول: إن كان عند الإنسان أموال يمكن أن يزكي من أمواله التي عنده، وإن لم يكن عنده إلا هذه الأراضي الكاسدة فإن له أن يأخذ ربع عشرها ويوزعها للفقراء إن كانت في مكان يمكن أن ينتفع بها الفقير ويعمرها، وإلا فليقيد قيمتها وقت وجوب الزكاة؛ ليخرج زكاتها فيما بعد إذا باعها، وتكون هذه الأراضي مثل الدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء، فالزكاة لا تجب عليه إلا إذا قبض الدين، والصحيح أنه إذا قبض الدين من مدين معسر فإنه يزكيه سنة واحدة فقط، ولو كان قد بقي سنين كثيرة عند الفقير، ويمكن أن يقال في هذه الأراضي التي كسدت ولم يجد من يشتريها: إنه لا يزكيها إلا سنة واحدة سنة البيع، ولكن الأحوط إذا باعها أن يزكيها بكل ما مضى من الثمرات؛ لأن الفرق بينها وبين الدين أن هذه ملكه بيده، والدين في ذمة فقير خرجت في كونه معسراً.