في أشد الحاجة لأهل الفطنة - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
لواقع الإسلامي في أشد الحاجة لأهل الفطنة والذكاء، الذين يملكون حساب المفسدة وحساب المصلحة قبل نطق اللسان ، وتحرك الجوارح والأركان. فكم من عالم ذلت قدمه لغياب فطنته فوقع ووقع مريدوه في أخطاء شائنة، بسبب فقده لبعد الفطنة وحساب المفاسد المتوقعة.
وكم من فصيل أو جماعة ذلت قدمها لغياب نفس الشيء!
وكم خسر المسلمون من دماء وأعراض وأموال وأوقات وجهود بسبب غياب الفطنة، وفقدان ميزان المصلحة والمفسدة، بينما توافرت هذه الآلات لمن حملوا لنا أمانة الإسلام في صدر الأمة ومن بعدها.
من الأمثلة الطريفة لعلماء الأمة:
القاضي إياس يُضْرب بفطنته وذكائه المثَل، وإيَّاه عنى أبو تمَّام الطَّائي الشَّاعر بقوله:
إقدامُ عَمْرو في سَمَاحَة حاتم *** في حِلْمِ أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاس
تحاكم إليه رجلان، فقال أحدهما: "إنِّي نزلت إلى النَّهر لأستحمَّ، ولي قطيفة خضراء جديدة وضعتها على جانب النَّهر، وجاء هذا، وعليه قطيفة حمراء عتيقة، فوضعها ونزل الماء، ولما طلعنا، سبقني وأخذ القطيفة الخضراء، فقال: ألكما بينة؟ فقالا: لا.
فأمر بمشط فحضر فمشَّطهما به، فلما فعله خرج الصُّوف الأخضر من رأس صاحب القطيفة الخضراء، فأمر له بها".
- وكان يومًا في بريَّة فأعوزهم الماء، فسمع نُبَاح كلب، فقال: "هذا على رأس بئر، فاستقروا النُّبَاح، فوجدوه كما قال، فسألوه عن ذلك، فقال: لأنِّي سمعت صوته كالذي يخرج من بئر"!
فِطْنَة الخليل بن أحمد الفراهيدي:
يقال: "إنَّه كان عند رجل دواء لظُلْمة العين ينتفع به النَّاس، فمات وأضرَّ ذلك بمن كان يستعمله، فقال الخليل بن أحمد: أله نسخة معروفة؟ قالوا: لا.
قال: فهل له آنية كان يعمله فيها؟ قالوا: نعم، إناء كان يجمع فيه الأخلاط.
فقال: جيئوني به، فجاؤوه به، فجعل يشمُّه ويخرج نوعًا نوعًا، حتى ذكر خمسة عشر نوعًا، ثمَّ سأل عن جميعها ومقدارها، فعرف ذلكم من يعالج مثله، فعمله وأعطاه النَّاس، فانتفعوا به مثل تلك المنفعة، ثمَّ وجدت النُّسخة في كتب الرَّجل، فوجدوا الأخلاط ستة عشر خلطًا، كما ذكر الخليل، لم يفته منها إلا خلط واحد" )الوافي بالوفيات للصفدي، الموسوعة الاخلاقية: الدرر السنية).