خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الصلاة [86]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً, وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: (وعلم منه صحة مصافة الصبي في النفل، أو من جهل حدثه أو نجسه حتى فراغ ) هذه المسألة سبق أن تحدثنا عنها, وقلنا: إن مذهب الحنابلة يرون صحة مصافة الصبي في النفل، والصحيح صحتها في النفل والفرض؛ لقول أنس : ( فصففت أنا واليتيم وراءه ).
والقاعدة: أن ما ثبت في النفل جاز في الفرض إلا بدليل, وكذلك صحة من علم نجاسة ثيابه ولا فرق في ابتداء الصلاة أو انتهائها؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا, قال: إن
قال المؤلف رحمه الله: [ ومن وجد فرجة بضم الفاء, وهي الخلل في الصف ولو بعيدة دخلها ].
يعني: إذا صلى المأموم في الصف الثاني أو في الصف التالي وأمامه فرجة لم تسد فإن الأفضل أن يسدها ويسد الخلل حتى ولو أدى ذلك إلى المشي يسيراً؛ لأن هذا المشي لمصلحة الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول, ويتراصون في الصف )، والحديث رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة , ولأمره صلى الله عليه وسلم بسد الفرج كما روى ذلك ابن خزيمة في صحيحه، وهذا فيما إذا كانت الفرجة أمامه، وأما إذا كانت عن يمينه أو شماله فالمذهب أنه لا يفعل وليس عليه كراهة؛ لأن الذي هو قريب من الفرجة هو المأمور بذلك.
وفي رواية عند الحنابلة: أن ذلك لا يكره، والذي يظهر لي والله أعلم أن ذلك لا ينبغي؛ لأن هذا مدعاة لأن تكون في صلاة المأموم حركة.
خاصةً في صلاة الجمعة أحياناً في المساجد الكبيرة تجد المأموم يذهب ذات اليمين ثم ينتقل ذات الشمال ثم يذهب جهة اليمين, وهذا لا يليق في الصلاة، ويذهب وقته كله في التفاته، أو في نظره شذراً ذات اليمين وذات الشمال، ومدعاة إلى أن ينشغل عن الطاعة وعن الخشوع, فإذا كانت الفرجة أمامه تقدم, وهذا هو الأصل, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكذا إن وجد الصف غير مرصوص وقف فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ) ].
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و ابن ماجه , وقد رواه أبو داود بلفظ: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ) وهي رواية خطأ بل هي شاذة, والصحيح رواية: ( على الذين يصلون الصفوف ), والحديث صححه غير واحد من أهل العلم كـابن خزيمة وغيره, والحديث إسناده جيد.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإلا يجد فرجة وقف عن يمين الإمام لأنه موقف الواحد ].
يعني: لو جاء إلى الصف فوجد الصف قد اكتمل ولم يجد فرجة فإنه يقف عن يمين الإمام لأنه موقف الواحد وهو واحد.
والراجح -والله أعلم- أن نقول: لا شك أن وقوف المأموم عن يمين الإمام صحيح؛ لأنه موقف الواحد؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه وقف عن يمين رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما جاء في آخر حياته عليه الصلاة والسلام, فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي, وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر .
وهذا يدل على صحة الصلاة ووقوف المأموم عن يمين الإمام ولو كان خلفه الصف، إلا من جاء والصف قد اكتمل فإنه لو ذهب فصف عن يمين الإمام لكان الذي يأتي بعده سيصف مثله فصار ذلك صفاً آخر.
ومن المعلوم أن الحنابلة يمنعون مصافة الفذ خلف الصف, وقد ذكرنا أن الراجح ليس مذهب الجمهور وليس المذهب عند الحنابلة بل هو الرواية الأخرى، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية أن غاية ما في الحكم هو وجوب عدم الانفراد في الصف، وغاية الواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان.
فإذا جاء والصف قد اكتمل فإنه لا حرج أن يصف خلف الصف؛ لأن هذا غاية ما يمكنه ذلك, ولا شك أنه لو ذهب وتقدم إلى الإمام لكان ذلك مدعاة إلى أن يشغل المصلين؛ لأنه سوف يزيحهم ثم يتقدم, وفي ذلك انشغال عن خشوعهم، هذا الأمر الأول.
والثاني: لأنه إذا لم يستطع أن يصف عن يمين الإمام لأدى ذلك إلى ألا يصلي جماعة, ومن المعلوم أن صلاة الجماعة أعظم وأقوى دليلاً من الصلاة خلف الصف، فيقال: غاية ما هنالك أنه تعارض واجبان فيقدم أقواها, وصلاة الجماعة أقوى من حكم صلاة الفذ خلف الصف.
حكم جذب شخص أو الإشارة له ليقوم مع آخر خلف الصف
إما بصوته كنحنحة أو كلام أو إشارة, ومعنى الإشارة يعني: يروح عن يمين الصف أو عن يساره يقول لشخص يعني: هيت لك، تعال.
ويقول الحنابلة: وكره بجذب قالوا: لأن ذلك تصرف بالغير بلا إذنه, وهذا مدعاة إلى إشغاله بأمر كان خاشعاً فيه، ولأن في ذلك أذية عليه؛ لأنك أحياناً تجر الشخص وهو لا يدري فهب أنه لا يرى هذا القول, وكأنك أكرهته إلى أن يصاف في المكان المفضول وترك الأفضل, وهذه أذية؛ ولهذا ذهب أبو العباس بن تيمية إلى أن ذلك محرم، وقد جاء حديث عند الطبراني من حديث ابن مسعود ولا يصح.
والراجح أن ذلك مكروه, أما التحريم فإنه يصعب أن نقول: محرم, لكنه مكروه كراهة شديدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتبعه من نبه وجوباً ].
يعني: لو قال لشخص: تقدم معي فيجب أن يتبعه إذا تكلم أو تنحنح؛ لأن ما يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلا يتم الصلاة وترك الواجب إلا بهذا فيجب, والصحيح أن ذلك لا يجب، حتى لو قلنا بأن الصلاة خلف الصف واجبة, فغاية الواجب تسقط مع العجز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد : ( تقدموا وأتموا بي, وليأتم بكم من خلفكم )، فهذا يفيد على أنه إذا تقدم الصف الأول فيأتي الصف الثاني ولو واحد فيأتم بمن خلفه, هذا هو الراجح والله أعلم.
حكم الصلاة خلف الصف منفرداً
لم تصح لأن الحنابلة يرون أن الصلاة خلف الصف مقدار ركعة فأكثر لا تصح, وأما دون ذلك فتصح استدلالاً بحديث أبي بكرة عند البخاري : ( زادك الله حرصاً ولا تعد )، حينما ركع خلف الصف ثم تقدم بعد ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكرره لأجل ما أعقبه به ].
يعني: كرر هذا الحكم وقد سبق أن الصلاة خلف الفذ لا تصح؛ لأجل أنه أشار إلى هذه المسائل التي سبقت.
حكم الركوع خلف الصف منفرداً
لا شك أن من ركع خلف الصف, فإما أن يكون لعذر مثل: أن يخشى فوات الركعة, فإن الصلاة صحيحة ولا شيء عليه، إلا أنه لا ينبغي أن يعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ).
الثاني: على المذهب قالوا: إذا كان لغير عذر فإن دخل الصف أو وقف معه آخر قبل أن يرفع الإمام رأسه صحت صلاته وإلا فلا، يعني: لو ركع شخص خلف الصف وحده, فلا يخلو أن يكون على الحالين:
الحالة الأولى: أن يكون لعذر، والحالة الثانية: أن يكون لغير عذر، فإن كان لعذر فإنه يشترط أن يتقدم الصف قبل أن يسجد الإمام أو أن يدخل معه آخر من المأمومين قبل أن يسجد الإمام.
فإن ركع دون الصف من غير حاجة ولا عذر، فالحنابلة يقولون: فإن جاء معه آخر فركع معه حال ركوعهما أو تقدم وهو راكع فدخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت الصلاة، وإلا فإن رفع الإمام قبل أن يدخل الصف وقبل أن يأتي شخص يصافه فإن صلاته حينئذٍ لا تصح.
على المذهب أن سبب التفريق أنه في ركوعه هنا قد تعمد من غير حاجة عدم المصافة، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال له: ( زادك الله حرصاً )، لأجل إدراك الركعة, وقال: ( لا تعد )، فدل ذلك على أن لا تعد هو الأصل, فإن كان لحاجة جاز لحديث أبي بكرة ، وإن كان لغير حاجة بقي الحكم ثابتاً وهو لا تعد، وغاية النهي عند الحنابلة يقتضي الفساد.
والراجح: أنه إن كان لحاجة فيكره، وإن كان لغير حاجة فيكره كراهة شديدة, ولو قيل بالتحريم لم يبعد لكن الصلاة صحيحة, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ صحت صلاته؛ لأن أبا بكرة ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) رواه البخاري ].
وهذا الحديث وإن كان في البخاري فهو من الأحرف التي تكلم فيها العلماء على صحيح البخاري , وقد قلنا إن الأحاديث التي تكلم فيها على البخاري هي لا تعدو أن تكون أربعين ونيفاً, وأما مسلم فتصل إلى المائة والعشرين حديثاً.
يقول ابن تيمية : وغالب القول قول البخاري , وأما في مسلم فالغالب قول غيره، وهذا الحديث مما يرويه الحسن البصري عن أبي بكرة فيما يحتاج إلى مراجعة هل هو من رواية الحسن ؟ المعروف: أن رواية الحسن عن أبي بكرة : ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) لكن هل هذا منها؟ الله أعلم، لكن هذا مما تكلم فيه أهل العلم, وللشيخ عبد الرحمن المعلمي رسالة في هذا الحديث أشار إلى أن الحديث إلى الضعف أقرب, والذي يظهر لي والله أعلم أن الرواية صحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن فعله ولم يخش فوات الركعة لم تصح, وإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل الصف أو يقف معه آخر ].
هذه هي الحالة الثانية التي ذكرناها إن كان لعذر أو لغير عذر, فالحنابلة يرون أن من ركع دون الصف من غير حاجة فإن لم يتقدم بحيث يدرك الصف قبل أن يرفع الإمام أو جاء معه آخر فصف صحت, والله أعلم.
وهذا مثل ما لو تعمد الصلاة خلف الصف وأدرك الركوع ولو لم يمش, يعني: مثل بعض الناس عندنا دائماً في الظهر العمالة أو غيرهم الصف الأول لم يكتمل فيأتي هو ويصف في الخلف, هنا الآن هل هذا إدراك للركعة؟ لا, وهل هناك حاجة؟ لا, فإن ركع الإمام وركع معه ولم يأت آخر معه ولم يتقدم الصف فإنه على المذهب لا تصح الصلاة.
فيلغز بها فيقال: صلى خلف الصف فبطلت صلاته قبل أن يسجد الإمام، على المذهب نقول: هو في حالة ما لو صلى من غير حاجة تذكر ولم يخش فوات الركعة على المذهب.
لعلنا نقف عند هذا والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه ].
إما بصوته كنحنحة أو كلام أو إشارة, ومعنى الإشارة يعني: يروح عن يمين الصف أو عن يساره يقول لشخص يعني: هيت لك، تعال.
ويقول الحنابلة: وكره بجذب قالوا: لأن ذلك تصرف بالغير بلا إذنه, وهذا مدعاة إلى إشغاله بأمر كان خاشعاً فيه، ولأن في ذلك أذية عليه؛ لأنك أحياناً تجر الشخص وهو لا يدري فهب أنه لا يرى هذا القول, وكأنك أكرهته إلى أن يصاف في المكان المفضول وترك الأفضل, وهذه أذية؛ ولهذا ذهب أبو العباس بن تيمية إلى أن ذلك محرم، وقد جاء حديث عند الطبراني من حديث ابن مسعود ولا يصح.
والراجح أن ذلك مكروه, أما التحريم فإنه يصعب أن نقول: محرم, لكنه مكروه كراهة شديدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتبعه من نبه وجوباً ].
يعني: لو قال لشخص: تقدم معي فيجب أن يتبعه إذا تكلم أو تنحنح؛ لأن ما يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلا يتم الصلاة وترك الواجب إلا بهذا فيجب, والصحيح أن ذلك لا يجب، حتى لو قلنا بأن الصلاة خلف الصف واجبة, فغاية الواجب تسقط مع العجز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد : ( تقدموا وأتموا بي, وليأتم بكم من خلفكم )، فهذا يفيد على أنه إذا تقدم الصف الأول فيأتي الصف الثاني ولو واحد فيأتم بمن خلفه, هذا هو الراجح والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2589 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2548 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2545 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2357 استماع |