أرجوزة نزهة الأعلام في ذكر ما للوحي من أقسام
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أرجوزة نزهة الأعلامفي ذكر ما للوحي من أقسامِ
نظم الثمانية مراتب من صور وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم
من كتاب زاد المعاد للعلامة ابن القيم رحمه الله
حَمْدًا لمُحْيِي القَلبِ بالوحْيِ المُنِيرْ
ثم الصلاةُ والسلام للبشيرْ
وآله وصحبه ذوي التُّقَى
ما أشرقَ الوحيُ المبينُ وارتَقَى
وبعد إن هذه أرجوزة
لطيفة في بابها وجيزة
سميتها ب: ((نُزْهَة الأعلامِ
في ذكر ما للوحي مِن أقسامِ))
أعني: به وحيَ الإلهِ ذي العُلا
للمُصطفى المختار أفضل الملا
على الذي أورده ابنُ القيِّمِ
في ((زَادِه)) أنعِمْ به وأنعمِ
فصل: في ذكر أنواع الوحي على الإجمال
أنواعُ وحيِ الله دونَما مِرَا
للمُصطفى المختار: "سبعَةٌ" تُرى
وقيل: بل - يا صاحبي-:"ثمانيهْ"
فهاكَها منظومةً كما هيَهْ[1]
فصل:
الوحي أقسامٌ: فرؤيا صادقهْ
بُديْ بها، وتأتينْ محققهْ
والثانِ: ما يُلقيه في الرُّوع المَلَك
ينفث فيه، كل ذا مِن غير شكْ
والثالثُ: الإتيانُ مثلَ البشرِ
كدِحيةَ الكلبيِّ[2] دونَ مُنكَرِ
رابعها: صلصلةٌ كالجرسِ
وهْو أشدها بلا ملتبسِ
خامسها: رؤيتُهُ للملَكِ
كما براه خالقٌ للفلَكِ
سادسُها: ما ربنا أوحاهُ
إليه مِن فوقِ السما، بُشراه[3]
سابعها: ما عَن إلهه بِلا
واسطةٍ كما لموسى المُعْتَلى
وبعضُهم قد زاد نوعا ثامنًا:
بلا حِجابٍ، بل كفاحا بُينا
♦♦♦♦
وها هنا تم نظامُ ((النزهةِ))
فارضَ إلهي، واعفُ عن خطيئتي
نظمتها بطابة المطيبهْ
جوارَ ذي الوَحي عليِّ المرتبهْ[4]
نص كلام العلامة ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد في هدي خير العباد)[5]:
"...وكمل الله له - أي: للنبي صلى الله عليه وسلم - من مراتب الوحي مراتب عديدة:
إحداها: الرُّؤيا الصادقة، وكانت مبدأَ وحيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
الثانية: ما كان يُلقيه الملَكُ في رُوْعه وقلبه من غير أن يراه؛ كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَن تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ".
الثالثة: أَنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتمثَّلُ له المَلَكُ رجلًا، فيُخاطبه حتى يَعِيَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.
الرَّابعة: أَنّه كان يأتيه في مثل صَلْصَلَةِ الجرس، وكان أَشدَّه عليه فَيَتَلَبَّسُ به الملكُ حتى إن جبينه ليتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راسلته لتَبْرُكُ به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاءه الوحيُ مرةً كذلك، وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضُّها.
الخامسة: أنه يَرَى المَلَكَ في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يُوحِيَه، وهذا وقع له مرتين، كما ذكر الله ذلك في سورة [النَّجم: 7-13].
السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السماواتِ ليلَة المعراج مِن فرض الصلاة وغيرها.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة مَلَكٍ، كما كلَّم اللهُ موسى بن عِمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو في حديث الإِسراء.
وقد زاد بعضهم: مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب، وهذا على مذهب من يقول: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربَّه تبارك وتعالى، وهي مسألة خلاف بين السلفِ والخلف، وإن كان جمهور الصحابة بل كُلُّهم مع عائشة، كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعاً للصحابة؛ انتهى.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وأستغفر الله لي ولوالدي ولمشايخي ولجميع المسلمين؛ آمين.
[1] (أي: وفق ترتيب الأصل المنثور دون تصرف).
[2] ( في خ: في صورة الرجل دونَ مُنكَرِ).
[3] (في خ: طوباهُ).
[4] (أي: صاحب الوحي الموحى إليه صلى الله عليه وسلم بالأنواع السبعة التي نظمتها هنا).
[5] (1/ 78).