خاطرة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
نداء المال. للأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر ما للحياة قد مالت بآمالي؟! وأين مالي؟ لقد كنت معتزا به حتى سميت (صاحب عزة)! وكنت سعيدا في جمعه؛ فغدوت (صاحب سعادة)! ترى: أنادتني شقوة المحرومين لأبلو شقاءهم؟ أم دعتني بلوة المكروبين لأذوق بلاءهم؟ حسبي يا زمان! طالما طال عناقي، وتطاول حمقي؛ حتى نزل العنق بين كتفي وكاد يمحى من كياني، واسترخى الحمق في بلاهة ردتني إلى الحقيقة، فعرفت ميزاني واتزاني! كنت أزن المقادير على قدرك، وأصطنع الجاه في ظلك، أدعى الأصل العريق بأصالتك! كانت الغفلة تركب رأسي؛ فأتغابى عن الحق، وأصور الحياة متعات لاهية تملأ لهوات الأطماع! ما حسبت أن السيادة فطرة الله فتغالبت وتعاليت، حتى أرخصني غلوي، وهبط بي علوي، وتبصرت حاتي فوجدتني صفرا بلا آحاد، بعيد أن كنت واحدا بياهي بأصفار على يمينه! يا مالي!.
أناديك وقد طويت كشحك عني، كأنك ترد إلي (ضريبة) غروري.
وما جدواي من ندائك بعد أن كبا بي جدي، وأخلفت الأيام عهدي؟ يا مالي!.
ليست فيك آمالي؛ فقد علمت أن الآمال في خزانة القلب ممثلة في الرضا، والقناعة، والأمن، والسلامة! يا مالي!.
كان الشيطان يغرني، ويغرر بي، حتى تركني في مزجر الحسرة؛ فرميت مرمى المهانة! يا مالي!.
ماذا دهاني حتى أعاني ما أعاني؟ كنت أضع في مجتمعي حدودا حتى حددت حياتي، وكنت أتخذ (بطانة) تبارك ركابي، فتركت وحدي أقاصي عذابي! أين ظلال الشخوص التي كانت تظل بشمي وغروري؟ وأين مغريات الطغيان لترى بأسائي ومصيري؟ يا مالي!.
كانت أخيلتي مجنحة، تحلق بي إلى عالم وهمي؛ فحسبت الحياة كلها عرضا يباع بك، وكنت في سبيلك أعرض عرضي، لأحصل على مباغي نفسي الطموح، وصرت معلقا بخيوط أوهامي حتى سخرت مني الحياة! كنت أناجيك (يا مالي) مناجاة التخليد، فلم يقع في تقديري أن قدري في يد القدر، حتى أعجزتني المعجزة التي أخرست لساني وألجمت جناني! يا مالي!.
أمسترد علي مجدي؟ أم أن طول التحسر لا يجدي؟ كنت أحسب الزمن يداعبني بملهاة ضاحكة، لكن تبين لي أن الأضحوكة قد تكون حكمة! ما ظننت يوما - يا مالي - أن المحروم المنكد العيش، سيعتز بحياته، ويكون صاحب (عزة) أصيلة عن عزتي الدخيلة! ما حسبت أن مشقوق القدمين الكادح سيشق طريقه في الحياة على عمل جليل، ونظام متسق، ووحدة متآلفة! يا مالي!.
لقد غيبتني الأعجوبة في غيبوبة العجب، وإني لمسائل نفسي كيف استحالت أوضاع حياتي في طرفة العين إلى ما أرى من شجن محترق، وألم لاذع، وحسرة موجعة؟! يا مالي! كنت مسحورا بك، في إخذة الحب، حتى أخذت على غرة فلم يبق في قلبي سوى نداء الأسى! يا مالي!.
.
لست مالي.
.! إليك الحرمان فأمتعه، ودونك الشقاء فأسعده! لم يبق لي غير خفض الجناح، بعد أن جنحت زمانا في آفاق بعيدة عن الإنسانية الفاضلة! لقد كنت لي حلما؛ فاذهب إلى من يرون فيك الحقيقة.
.
حقيقة المساواة في شريعة المعدلة! بور سعيد أحمد عبد اللطيف بدر