سلسلة منهاج المسلم - (120)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وجمع المسلمين على كلمة الحق، فلا فرق بين هذا وذاك، فمذهبهم واحد، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولادهم وأحفادهم، وها نحن مع [ المادة الثالثة: في الترغيب في الحج والعمرة] الحج فريضة الله على كل مسلم ومسلمة، والعمرة واجبة على كل مسلم ومسلمة، وهيا بنا نسمع الترغيب من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى نرغب ونعتمر ونحج إن شاء الله تعالى.

[ لقد رغب الشارع في هاتين العبادتين العظيمتين ] أي: الحج والعمرة [ وحث على فعلهما ودعا إلى ذلك بأساليب متنوعة، وأضرب من البيان مختلفة، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور ) ] ومعنى ( جهاد في سبيله): من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ) ] وهو يشير إليه [ ( فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ] ولا يوجد ترغيب أعظم من هذا الترغيب؛ ولهذا حج المؤمنون من الأندلس غرباً ومن الهند شرقاً على أرجلهم. فأفضل الأعمال عند الله إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور، والحج المبرور ذاك الذي تأتي به كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تزيد ولا تنقص [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ] والمبرور هو الذي يؤدى كما أداه رسول الله وأصحابه، وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا ابتداع [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم في الترغيب: [ ( جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج المبرور ) ] فالكبير الشيخ المسن، والضعيف المريض، والمرأة أي: المسكينة، فجهاد الكبير لعجزه والضعيف لمرضه والمرأة لعجزها الحج المبرور، فهو جهادهم، وأما أصحاب القوة والإرادة فالجهاد هو المطلوب لهم [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة ) ] أي: إذا اعتمرت وزدت عمرة ثانية [ ( كفارة لما بينهما ) ] فالذنوب التي وقعت من العام الماضي إلى العام الآتي تمحى بالعمرة، فإذا اعتمرت في شعبان ثم اعتمرت في ذي القعدة فالذنوب التي بين العمرتين تمحى بإذن الله مع التوبة الصادقة والإنابة الحقة [ ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ). ] وهذا ترغيب، فقد رغبنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة، فلهذا نحج ونعتمر [ كما رهب ] فقد رغب ورهب أيضاً، فالمؤمن يأخذ بالرهبة والرغبة، فالرغبة يفعلها والرهبة يتركها [ من تركهما، وحذر من التقاعس عن فعلهما بما لا مزيد عليه ] من الوصايا [ فقال ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ( من لم تحبسه حاجة ظاهرة، أو مرض حابس، أو منع من سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً ) ] فمن لم تحبسه حاجة ظاهرة وأمر شغله وهو قوي، أو مرض حابس، وهناك مرض يقدر صاحبه على المشي، ولكن هذا مرض يحبس، أو منع من سلطان جائر كأن تمنعه الدولة ( ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً) [ وقال علي رضي الله عنه: من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ] ويوجد اليوم من المسلمين الملايين ليسوا بعاجزين أبداً، بل أقوياء، وذووا أموال ولم يحجوا [ وذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] ] فـعلي يعلل كلمته: فليمت يهودياً أو نصرانياً بقوله: ( وذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97])، ومن لم يستطع فليس عليه سبيل، ثم قال تعالى: وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران:97]، أي: كفر بالحج فلم يحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، أي: ليس في حاجة إليهم، فسواء حججت أو لم تحج فالله في غنى عنك، وبيته محجوز [ وقال عمر رضي الله عنه ] وهو خليفة للمسلمين [ لقد هممت أن أبعث رجالاً ] أي: من رجاله [ إلى هذه الأمصار ] أي: المدن من الشام إلى العراق، إلى مصر وغيرها [ فينظروا كل من كانت له جدة ] أي: قدرة ووجد [ ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين ] ولا أشك أن مؤمناً يسمع هذا ثم يقصر، بل يحج كيف ما كانت الحالة، والذي ما سمع هذا لا يحج. ولهذا فاجتماعنا في بيوت ربنا كل ليلة وطول العام ندرس كتاب الله وسنة الرسول هذا سبيل نجاتنا، وطريق نجاحنا وفوزنا، ويوم أعرضنا عن بيوت الله وعن كتاب الله وسنة الرسول وقعنا في ظلمة الجهل، فغمرنا الجهل والفسق والظلم والشر والفساد.

و عمر بن الخطاب الخليفة الثاني يخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ( ما سلك عمر فجاً )، أي: طريقاً واسعاً، ( إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه ). وهذا عجب، فالشيطان لا يقوى أن يشم رائحة عمر أو يرى وجهه، ولا إله إلا الله! وأضافوه ليلة على عشاء أو غداء فوضعوا عدة أنواع من الطعام، وليس كما عندنا اليوم، فقد وضعوا نوعاً أو نوعين أو ثلاثة، ونحن عندنا سبعة، فما إن نظر إلى الطعام بألوانه حتى ارتعدت فرائصه كالأسد وقام، وقال: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأحقاف:20]. وأبى أن يأكل، ونحن نسرق ونخطف ونكذب، ونأكل الرشوة والربا من أجل أن نأكل سبع أكلات في اليوم. ونعوذ بالله منا.

وهذه قاعدة: كل من يكفر بشيء فرضه الله فهو كافر وليس بمسلم، وأيما عبد يكفر بالصلاة ويقول: لن أصلي، ويقول للحج أو في الصيام أو في بر الوالدين أو في تحكيم شرع الله: لا أعترف به فقد خرج من الإسلام. وهذه قاعدة عامة. فما دام قادراً وقال: لن أحج ولن أكلف نفسي فليس بمسلم، فتضرب عليه الجزية. هذه المادة الثالثة.

[ المادة الرابعة: في الركن الأول من أركان الحج والعمرة ] والركن: ما عليه ينبني الشيء، وإذا سقط سقط البناء. ونقول: (مادة) لأننا رغبنا المسلمين في هذا الكتاب كالدستور، ووالله لو طبق في قرية أو في مدينة لكان أهلها أكمل الناس وأسعدهم، فنقول: المادة الأولى والثانية والثالثة لأن القوانين توضع هكذا، فبينا لهم المواد وكيفية الطريق، هذا منهاج المسلم.

[ أركان الحج والعمرة: للحج أربعة أركان ] إذا سقط منها ركن بطل الحج [ وهي: الإحرام ] فمن لم يحرم ووقف بالبيت وطاف أو سعى ووقف بعرفات ورمى الجمرات وغيرها فحجه باطل، فهذا الركن هو من أركانه، فلا بد من الإحرام، والإحرام هو: أن يغتسل المؤمن ويخلع ثيابه وسراويله ويأتزر بإزار ويرتدي رداء، وإذا بلغ الميقات قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك حجاً، ويواصل التلبية، هذا هو الإحرام، فمن لم يفعل هذا فما حج ولا يصح حجه [ والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، فلو سقط منها ركن بطل الحج ] فلو حج ووقف بعرفة ورمى الجمرات وفعل غيرها من أفعال الحج وما طاف لم يصح حجه، ولو طاف وما سعى لم يصح حجه، وحجه باطل. هذه الأركان الأربعة، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة. فلا ننساها أبداً. وأما الوقوف بمزدلفة ومنى فليست بأركان، فلو سقطت تجبر، وأما الأركان هذه فلا تجبر. فلو طاف وسعى وأحرم ولكن ما وقف بعرفة لم يصح حجه، ولو وقف بعرفة قبل الحج بيوم لم يصح حجه، ولو وقف بعرفة بعد عرفة بيوم لا يصح حجه، ولو وقف شهراً كاملاً فهو لم يحج، وليس وقفة واحدة [ وللعمرة ثلاثة أركان ] من أركان الحج، ويسقط الركن الرابع وهو الوقوف بعرفة [ وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، فلا تتم إلا بها، وتفصيل هذه الأركان كالآتي: ]

[ الركن الأول من أركان الحج والعمرة: الإحرام، وهو نية الدخول في أحد النسكين ] فالإحرام لا بد له من النية، وليس مجرد أن يتجرد من الثياب ويغتسل، بل لا بد من النية المقارنة، أي: المصاحبة للتجرد من الثياب واللباس والحذاء والتلبية، وهي: لبيك اللهم لبيك حجاً إذا كان في الحج، ولبيك اللهم لبيك عمرة إذا كان في العمرة [ وله واجبات وسنن ومحظورات ] فهذا الإحرام الذي هو الركن الأول له واجبات وسنن ومحظورات، أي: ممنوعات لا تفعل.

[ أولاً: الواجبات: المراد من الواجبات الأعمال التي لو ترك أحدها لوجب على تاركه دم، أو صيام عشرة أيام، إن عجز عن الدم ] أي: ذبح شاة، فلو ترك واجباً من الواجبات لزمه ذبح شاة، فإن عجز كأن يكون ليس عنده نقود أو لم يجد الشاة ولا مكان بيعها فيصوم عشرة أيام. وهذه قاعدة عامة في كل واجب من واجبات الحج والعمرة، فمن ترك واجباً وجب عليه دم، أي: ذبح شاة، فإن عجز عنها صام عشرة أيام، وليست متتابعة، بل بحسب قدرته [ وواجبات الإحرام ثلاثة ] فالإحرام وحده له ثلاثة واجبات [ هي: ]

الإحرام من الميقات

[ الأول: الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام عنده بحيث لا يجوز تعديه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة ] فالإحرام من الميقات واجب، فلو قال: لن أحرم من أبيار علي، بل سأمشي بعدها ساعتين أو ثلاث ثم أستريح وأحرم لم يصح ذلك. والشارع هو صلى الله عليه وسلم، ومن لم يرد الحج والعمرة فيمشي كيفما شاء [ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ) ] أي: جعله ميقاتاً للإحرام، وذا الحليفة آبيار علي [ ( ولأهل الشام الجحفة ) ] والذين يأتون من الشمال من طريق ينبع يحرمون من الجحفة، وهي رابغ، بينها وبين رابغ عدة كيلو مترات شرقاً، والآن يحرمون من رابغ [ ( ولأهل نجد قرن المنازل ) ] وهو مكان عند الطائف يسمى: قرن المنازل [ ( ولأهل اليمن يلملم ) ] وأهل اليمن يعرفونه، فالقادمون من اليمن يمرون به ولا بد ويحرمون من عنده، ثم [ قال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة ) ] فيجوز لليمني أن يترك يلملم بدون أن يحرم ويأتي إلى الطائف ويحرم من قرن المنازل، ويجوز للشامي أو المغربي أن لا يحرم من رابغ ويأتي إلى المدينة ويحرم من ذي الحليفة ولا حرج، ويجوز لمن كان من نجد أن يمر من قرن المنازل بدون إحرام ويأتي للمدينة ويحرم منها، أو يذهب إلى رابغ ويحرم من رابغ، والنص الكريم يقول: ( فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن )، أي: من جاء عليهن من غير أهلهن [ ( لمن كان يريد الحج أو العمرة، فمن كان دونهن ) ] أي: دون الميقات، كأن يكون بعد ذي الحليفة بكيلو متر أو بخمسة كيلو مترات أو عشرة كيلو مترات أو خمسين كيلو متر أو مائة كيلو متر فيحرم من حيث هو، والذي ميقاته في قرن المنازل إذا مشى كيلو متر أو عشرة وسكن هناك فيحرم من ذلك المكان، واليمني إذا كان يقيم في جدة يحرم من جدة، وهكذا ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة، فمن كان دونهن ) [ ( فمهله من أهله ) ] فالذي يسكن في جدة لا يحرم من قرن المنازل ولا من يلملم ولا من رابغ ولا من المدينة، وإنما من بيته من جدة، ومن كان في قرية دون جدة قريباً من مكة فيحرم من أهله، فمن كان دون المواقيت فمهله من أهله ومن قريته الذي هو فيها أو من بيته الذي يسكنه [ ( وكذلك حتى أهل مكة يهلون من مكة ) ] فالحاج من مكة يعتمر من مكة، فأهل مكة يهلون من مكة، فالمكي إذا أراد العمرة يخرج إلى الميقات، وأما الحج فمن بيته يحج. هذا الواجب الأول.

التجرد من المخيط

[ الثاني: التجرد من المخيط ] فكل شيء مخيط لا يلبسه المحرم [ فلا يلبس المحرم ثوباً ولا قميصاً ولا برنساً، ولا يعتم بعمامة، ولا يغطي رأسه بشيء أبداً، كما لا يلبس خفاً ولا حذاء ] كما تشاهدون وكما فعلتم؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم ] وهو المشرع الحكيم [ ( لا يلبس المحرم الثوب ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف )] والبرنس موجود في المغرب والجزائر وليبيا، وهو معروف، والخفاف: النعال [(إلا من لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما من أسفل الكعبين)] حتى يبقى كعبه ظاهراً بارزاً [ كما لا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران ] رائحته طيبة [ أو ورس ] رائحته طيبة [ ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين؛ لما روى البخاري من النهي عن ذلك ] فالمرأة لا تنتقب، بل يجب أن تكشف وجهها؛ لتعرف أنها محرمة فتحترم وتعظم، ولا يعتدى عليها، وهذه لطيفة عجيبة، فالمحرمة يجب أن تكشف وجهها، فلو كان الوجه مكشوفاً دائماً فلن يقول الشارع: تكشف وجهها؛ إذ هو مكشوف دائماً وأبداً، وتنزع القفازين من الكفين، ولو كانت دائماً كفاها ليس فيهما قفازان فلن يقول: يجب أن تكشف كفيها. فلا إله إلا الله محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهذا حتى تعرف أنها حاجة أو معتمرة، ولا يتعرض أو يتكلم معها أحد، ولو كانت مستترة فلن يعرف أحد أنها حاجة أو معتمرة.

وهذا دليل قاطع على مشروعية الحجاب للنساء، وهو ستر وتغطية وجوههن.

التلبية

[ الثالث: ] من واجبات الإحرام [ التلبية ] فهي واجبة، فلو قال: أنا لن ألبي، أو لم يقل: لبيك اللهم لبيك فقد ترك واجباً، فيجب أن يذبح شاة أو يصوم عشرة أيام، وإلا كانت عمرته أو حجه باطل [ وهي قول: لبيك اللهم لبيك ] ولبيك معناها: إجابة بعد إجابة، فكأن الله قال لك: تعال عبدي فقال: أجبتك أجبتك، مرتين أو ثلاثاً، [ لبيك لا شريك لك لبيك ] هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: إجابة بعد إجابة لك يا رب العالمين! لا شريك لك في عبادتنا يا الله! [ إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ] هذا هو التوحيد، لبيك اللهم لبيك؛ لأنك دعوتني، فها أنا أجبتك [ يقولها المحرم عند الشروع في الإحرام وهو بالميقات لم يتجاوزه ] فيلبي عندما يشرع في الإحرام، فينوي الحج أو العمرة ويقول: لبيك اللهم لبيك بعد التجرد من المخيط [ ويستحب تكرارها ] فهي لا تقال مرة ولا عشر ولا مائة [ ورفع الصوت بها ] ولا حرج [ وتجديدها عند كل مناسبة، من نزول، أو ركوب، أو إقامة صلاة، أو فراغ منها، أو ملاقاة رفاق ] فلو وقفت السيارة يقول: لبيك اللهم لبيك، وإذا جاء وقت النزول قال: لبيك، وإذا ركب قال: لبيك اللهم لبيك، وإذا التقى مع إخوان له قادمين قال: لبيك اللهم لبيك، وهكذا، فكلما تجدد اللقاء نجدد التلبية. وهذه لطيفة. فيكررها المرات العديدة، وكلما يتجدد الأمر يجدد التلبية من جديد.

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد.

[ الأول: الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام عنده بحيث لا يجوز تعديه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة ] فالإحرام من الميقات واجب، فلو قال: لن أحرم من أبيار علي، بل سأمشي بعدها ساعتين أو ثلاث ثم أستريح وأحرم لم يصح ذلك. والشارع هو صلى الله عليه وسلم، ومن لم يرد الحج والعمرة فيمشي كيفما شاء [ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ) ] أي: جعله ميقاتاً للإحرام، وذا الحليفة آبيار علي [ ( ولأهل الشام الجحفة ) ] والذين يأتون من الشمال من طريق ينبع يحرمون من الجحفة، وهي رابغ، بينها وبين رابغ عدة كيلو مترات شرقاً، والآن يحرمون من رابغ [ ( ولأهل نجد قرن المنازل ) ] وهو مكان عند الطائف يسمى: قرن المنازل [ ( ولأهل اليمن يلملم ) ] وأهل اليمن يعرفونه، فالقادمون من اليمن يمرون به ولا بد ويحرمون من عنده، ثم [ قال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة ) ] فيجوز لليمني أن يترك يلملم بدون أن يحرم ويأتي إلى الطائف ويحرم من قرن المنازل، ويجوز للشامي أو المغربي أن لا يحرم من رابغ ويأتي إلى المدينة ويحرم من ذي الحليفة ولا حرج، ويجوز لمن كان من نجد أن يمر من قرن المنازل بدون إحرام ويأتي للمدينة ويحرم منها، أو يذهب إلى رابغ ويحرم من رابغ، والنص الكريم يقول: ( فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن )، أي: من جاء عليهن من غير أهلهن [ ( لمن كان يريد الحج أو العمرة، فمن كان دونهن ) ] أي: دون الميقات، كأن يكون بعد ذي الحليفة بكيلو متر أو بخمسة كيلو مترات أو عشرة كيلو مترات أو خمسين كيلو متر أو مائة كيلو متر فيحرم من حيث هو، والذي ميقاته في قرن المنازل إذا مشى كيلو متر أو عشرة وسكن هناك فيحرم من ذلك المكان، واليمني إذا كان يقيم في جدة يحرم من جدة، وهكذا ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة، فمن كان دونهن ) [ ( فمهله من أهله ) ] فالذي يسكن في جدة لا يحرم من قرن المنازل ولا من يلملم ولا من رابغ ولا من المدينة، وإنما من بيته من جدة، ومن كان في قرية دون جدة قريباً من مكة فيحرم من أهله، فمن كان دون المواقيت فمهله من أهله ومن قريته الذي هو فيها أو من بيته الذي يسكنه [ ( وكذلك حتى أهل مكة يهلون من مكة ) ] فالحاج من مكة يعتمر من مكة، فأهل مكة يهلون من مكة، فالمكي إذا أراد العمرة يخرج إلى الميقات، وأما الحج فمن بيته يحج. هذا الواجب الأول.