شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 325-328


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

الحديث الأول عندنا حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الركوع؛ يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه )، متفق عليه. ‏

تخريج الحديث

وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، ورواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، ومن المعلوم أن التبويب في مسلم من الإمام النووي رحمه الله، فهكذا رواه مسلم في كتاب المساجد.

وقد رووه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، فكان حقه لو أراد المصنف رحمه الله أن يستقصي في التخريج.. ماذا يمكن أن يقول؟

ما دام روى الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد ماذا يقول؟

ممكن يقول هكذا: رواه السبعة إلا الترمذي، أو الجماعة إلا الترمذي .

إذاً: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وأيضاً رواه عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والبيهقي في سننه، ورواه أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، ورواه البغوي في شرح السنة.

معنى القنوت

قوله رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت )، القنوت مصدر يدل على خير وطاعة في الدين، وهو كما قال الإمام ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة، قال: القنوت أصل صحيح يدل على الطاعة، فأصله يدور حول الطاعة ثم أصبح يطلق على كل طاعة، سواء كان لطاعة الله تعالى أو لغيره في أي أمر من الأمور.

وقد ذكر أهل العلم باللغة، بل وأهل العلم في الشرع، كـابن فارس، والنووي في المجموع وابن القيم في زاد المعاد، والفيروزآبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز.. وغيرهم، ذكروا للقنوت معاني كلها تدور حول هذا الأصل الذي ذكره ابن فارس، وهو الطاعة والاستسلام.

فمن معاني القنوت: طول القيام، يسمى قنوتاً، وقد جاء في هذا نص وهو حديث جابر في مسلم : ( أفضل الصلاة طول القنوت )، يعني: طول القيام، وطول الوقوف.

كما أن القنوت جاء بمعنى السكوت والإقبال، وهذا جاء فيه نص وهو ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ).

قال ابن فارس : قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] يعني: السكوت والإقبال على الصلاة، فمعنى القنوت هاهنا: هو السكوت والإقبال على العبادة وعلى الصلاة.

كما إن من معاني القنوت: دوام العبادة واستمرارها، وهذا جاء فيه نص وهو:

وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].

ومما يدل على هذا قوله: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26] فإن هذا ظاهر جداً في أن المقصود دوام العبادة والطاعة.

وكذلك من معاني القنوت: الخشوع والدعاء والتسبيح، وكل هذه يصلح لها مثل قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران:43]، وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].. إلى غير ذلك، فهذه بعض معاني القنوت.

في قوله: ( قنت شهراً )، والمقصود بقوله في الحديث: ( قنت شهراً )، ما هو المقصود؟ أي: هذه المعاني؟ أي: دعا.

بيان الأحياء من العرب الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم

أما قوله: ( يدعو على أحياء من العرب )، فإن الأحياء جمع حي، والمقصود به القبيلة من العرب، أي: يدعو على قبائل من قبائل العرب، استحقت الدعاء عليها؛ بإيذائها لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه الأحياء المبهمة في الحديث وردت في صحيح البخاري وغيره على التعيين، فإن هذه القبائل والأحياء التي دعا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي: رعل -بكسر الراء وسكون العين- وذكوان وعصية وبنو لحيان، أربع قبائل دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان في خبر هذه القبائل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم سبعين من أصحابه، كما هي رواية البخاري، وأربعين كما هي رواية ابن إسحاق، ورواية البخاري أرجح، ويمكن الجمع بينهما بأنهم كانوا أربعين ثم ألحق بهم ثلاثين، فصار المجموع سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل من خيرة أصحابه، من الفقهاء وطلاب العلم، وكانوا يسمون بالقراء، فهذه السرية تسمى سرية القراء، وتعرف عند أهل السير باسم: سرية بئر معونة.

وكان رئيس هذه البعثة التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم هو المنذر بن عمرو من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وفيهم جماعة من كبار الصحابة، كـحرام بن ملحان خال أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيهم عامر بن فهيرة الصحابي الجليل المعروف في قصة الهجرة.. وغيرهم.

فذهبوا إلى المشركين، وكان رئيس المشركين هو عامر بن الطفيل العامري، فلما اقتربوا من هذه القبيلة -قبيلة عامر- قال حرام بن ملحان رضي الله عنه لأصحابه: امكثوا قريباً فأذهب إليهم أنا، فإن رأيت شيئاً أمكن أن تنجوا، وإن سلمتُ كنتم قريباً مني، وكانوا يصلون بالليل، ويحتطبون بالنهار، فلما وصلوا إلى قريب من القبيلة وقفوا وذهب حرام بن ملحان رضي الله عنه إلى عامر بن الطفيل، فقال: هل تؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشاروا إليه، فبدأ يتكلم ويدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم -وأصل القصة كما ذكرت في صحيح البخاري، وتوجد زيادات كثيرة عند أهل السير لم أذكرها- فأشاروا إلى رجل فأتاه من خلفه، فطعنه بالرمح في ظهره حتى أنفذه في بطنه، ففار الدم فاستقبله بيديه رضي الله عنه، ووضعه على رأسه ووجهه، وقال: الله أكبر، الله أكبر، فزت ورب الكعبة، ثم قتل رضي الله عنه وأرضاه، وعدت القبيلة على بقية أصحابه فقتلوهم جميعاً رضي الله عنهم سبعين، ولم ينج منهم إلا رجل أعرج كان على رأس الجبل، فنجا وسلم من هذه المقتلة العظيمة.

وكان عامر بن الطفيل هذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وهو رجل يبدو غشيماً، فقال: يا محمد! أنت بين ثلاثة أمور، مخير بين ثلاثة أشياء: إما أن يكون لي أهل المدر، ولك أهل السهل، يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، هذه واحدة.

الثانية: أن أكون خليفة من بعدك، أن يكون لي الأمر من بعدك، وإلا فسوف أملؤها عليك خيلاً ورجالاً، أغزوك بألف وألف، فسفهه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرض عنه، فتهدد وتوعد وفعل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه ما فعل، فابتلاه الله تعالى وأصابه بالطاعون، فطعن هذا الرجل في بيت امرأة من بني سلول، وكانت العرب تزدري هذه القبيلة، أو كان هذا الحي من العرب يزدري هذه القبيلة، فخرج وهو يقول: غدة كغدة البكر، في بيت امرأة من بني سلول، يعني: يحتقر نفسه ويتأسف لما أصابه، فقال: أركبوني، فأركبوه على فرسه فمات عليها عامر بن الطفيل .

وهناك صحابي آخر أيضاً اسمه: عامر بن الطفيل الأسلمي غير هذا، ولكن هذا الرجل الكافر الذي مات كافراً هو عامر بن الطفيل العامري من قبيلة عامر، أما الصحابي الآخر فهو عامر بن الطفيل الأسلمي، وهو راوي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أسأت فأحسن )، رواه المستغفري في كتاب الصحابة، فيفرق ويميز بينهما، وقد أخطأ من عدهما واحداً، فإن هذا أسلمي وذاك عامري، وهذا صحابي، وذاك مات كافراً بالطاعون كما ذكرت وأسلفت.

ولا شك أن هناك فرقاً واضحاً معروفاً بين عامر بن الطفيل هذا، وبين عامر بن الطفيل الأسلمي.

عرفنا الآن عامر بن الطفيل الأسلمي والعامري، يوجد صحابي آخر قد يشتبه اسمه على بعض الناس، وهو: الطفيل بن عمرو وهذا دوسي من قبيلة دوس من أهل الطائف رضي الله عنه، من قبيلة أبي هريرة، المهم هؤلاء هم الأحياء الذي دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شهراً، ثم ترك الدعاء عليهم عليه الصلاة والسلام، فهذه هي الأحياء المذكورة في الحديث.

وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، ورواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، ومن المعلوم أن التبويب في مسلم من الإمام النووي رحمه الله، فهكذا رواه مسلم في كتاب المساجد.

وقد رووه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، فكان حقه لو أراد المصنف رحمه الله أن يستقصي في التخريج.. ماذا يمكن أن يقول؟

ما دام روى الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد ماذا يقول؟

ممكن يقول هكذا: رواه السبعة إلا الترمذي، أو الجماعة إلا الترمذي .

إذاً: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وأيضاً رواه عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والبيهقي في سننه، ورواه أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، ورواه البغوي في شرح السنة.

قوله رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت )، القنوت مصدر يدل على خير وطاعة في الدين، وهو كما قال الإمام ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة، قال: القنوت أصل صحيح يدل على الطاعة، فأصله يدور حول الطاعة ثم أصبح يطلق على كل طاعة، سواء كان لطاعة الله تعالى أو لغيره في أي أمر من الأمور.

وقد ذكر أهل العلم باللغة، بل وأهل العلم في الشرع، كـابن فارس، والنووي في المجموع وابن القيم في زاد المعاد، والفيروزآبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز.. وغيرهم، ذكروا للقنوت معاني كلها تدور حول هذا الأصل الذي ذكره ابن فارس، وهو الطاعة والاستسلام.

فمن معاني القنوت: طول القيام، يسمى قنوتاً، وقد جاء في هذا نص وهو حديث جابر في مسلم : ( أفضل الصلاة طول القنوت )، يعني: طول القيام، وطول الوقوف.

كما أن القنوت جاء بمعنى السكوت والإقبال، وهذا جاء فيه نص وهو ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ).

قال ابن فارس : قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] يعني: السكوت والإقبال على الصلاة، فمعنى القنوت هاهنا: هو السكوت والإقبال على العبادة وعلى الصلاة.

كما إن من معاني القنوت: دوام العبادة واستمرارها، وهذا جاء فيه نص وهو:

وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].

ومما يدل على هذا قوله: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26] فإن هذا ظاهر جداً في أن المقصود دوام العبادة والطاعة.

وكذلك من معاني القنوت: الخشوع والدعاء والتسبيح، وكل هذه يصلح لها مثل قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران:43]، وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].. إلى غير ذلك، فهذه بعض معاني القنوت.

في قوله: ( قنت شهراً )، والمقصود بقوله في الحديث: ( قنت شهراً )، ما هو المقصود؟ أي: هذه المعاني؟ أي: دعا.

أما قوله: ( يدعو على أحياء من العرب )، فإن الأحياء جمع حي، والمقصود به القبيلة من العرب، أي: يدعو على قبائل من قبائل العرب، استحقت الدعاء عليها؛ بإيذائها لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه الأحياء المبهمة في الحديث وردت في صحيح البخاري وغيره على التعيين، فإن هذه القبائل والأحياء التي دعا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي: رعل -بكسر الراء وسكون العين- وذكوان وعصية وبنو لحيان، أربع قبائل دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان في خبر هذه القبائل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم سبعين من أصحابه، كما هي رواية البخاري، وأربعين كما هي رواية ابن إسحاق، ورواية البخاري أرجح، ويمكن الجمع بينهما بأنهم كانوا أربعين ثم ألحق بهم ثلاثين، فصار المجموع سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل من خيرة أصحابه، من الفقهاء وطلاب العلم، وكانوا يسمون بالقراء، فهذه السرية تسمى سرية القراء، وتعرف عند أهل السير باسم: سرية بئر معونة.

وكان رئيس هذه البعثة التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم هو المنذر بن عمرو من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وفيهم جماعة من كبار الصحابة، كـحرام بن ملحان خال أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيهم عامر بن فهيرة الصحابي الجليل المعروف في قصة الهجرة.. وغيرهم.

فذهبوا إلى المشركين، وكان رئيس المشركين هو عامر بن الطفيل العامري، فلما اقتربوا من هذه القبيلة -قبيلة عامر- قال حرام بن ملحان رضي الله عنه لأصحابه: امكثوا قريباً فأذهب إليهم أنا، فإن رأيت شيئاً أمكن أن تنجوا، وإن سلمتُ كنتم قريباً مني، وكانوا يصلون بالليل، ويحتطبون بالنهار، فلما وصلوا إلى قريب من القبيلة وقفوا وذهب حرام بن ملحان رضي الله عنه إلى عامر بن الطفيل، فقال: هل تؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشاروا إليه، فبدأ يتكلم ويدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم -وأصل القصة كما ذكرت في صحيح البخاري، وتوجد زيادات كثيرة عند أهل السير لم أذكرها- فأشاروا إلى رجل فأتاه من خلفه، فطعنه بالرمح في ظهره حتى أنفذه في بطنه، ففار الدم فاستقبله بيديه رضي الله عنه، ووضعه على رأسه ووجهه، وقال: الله أكبر، الله أكبر، فزت ورب الكعبة، ثم قتل رضي الله عنه وأرضاه، وعدت القبيلة على بقية أصحابه فقتلوهم جميعاً رضي الله عنهم سبعين، ولم ينج منهم إلا رجل أعرج كان على رأس الجبل، فنجا وسلم من هذه المقتلة العظيمة.

وكان عامر بن الطفيل هذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وهو رجل يبدو غشيماً، فقال: يا محمد! أنت بين ثلاثة أمور، مخير بين ثلاثة أشياء: إما أن يكون لي أهل المدر، ولك أهل السهل، يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، هذه واحدة.

الثانية: أن أكون خليفة من بعدك، أن يكون لي الأمر من بعدك، وإلا فسوف أملؤها عليك خيلاً ورجالاً، أغزوك بألف وألف، فسفهه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرض عنه، فتهدد وتوعد وفعل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه ما فعل، فابتلاه الله تعالى وأصابه بالطاعون، فطعن هذا الرجل في بيت امرأة من بني سلول، وكانت العرب تزدري هذه القبيلة، أو كان هذا الحي من العرب يزدري هذه القبيلة، فخرج وهو يقول: غدة كغدة البكر، في بيت امرأة من بني سلول، يعني: يحتقر نفسه ويتأسف لما أصابه، فقال: أركبوني، فأركبوه على فرسه فمات عليها عامر بن الطفيل .

وهناك صحابي آخر أيضاً اسمه: عامر بن الطفيل الأسلمي غير هذا، ولكن هذا الرجل الكافر الذي مات كافراً هو عامر بن الطفيل العامري من قبيلة عامر، أما الصحابي الآخر فهو عامر بن الطفيل الأسلمي، وهو راوي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أسأت فأحسن )، رواه المستغفري في كتاب الصحابة، فيفرق ويميز بينهما، وقد أخطأ من عدهما واحداً، فإن هذا أسلمي وذاك عامري، وهذا صحابي، وذاك مات كافراً بالطاعون كما ذكرت وأسلفت.

ولا شك أن هناك فرقاً واضحاً معروفاً بين عامر بن الطفيل هذا، وبين عامر بن الطفيل الأسلمي.

عرفنا الآن عامر بن الطفيل الأسلمي والعامري، يوجد صحابي آخر قد يشتبه اسمه على بعض الناس، وهو: الطفيل بن عمرو وهذا دوسي من قبيلة دوس من أهل الطائف رضي الله عنه، من قبيلة أبي هريرة، المهم هؤلاء هم الأحياء الذي دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شهراً، ثم ترك الدعاء عليهم عليه الصلاة والسلام، فهذه هي الأحياء المذكورة في الحديث.

الحديث الثاني: هي الرواية الأخرى، قال المصنف رحمه الله: ولـأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر. يعني: بسند ثان، وزاد: ( وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا )، يعني: أن الرواية الأخرى عند أحمد والدارقطني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه، وأما في الصبح -يعني: زاد هذا-: فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ).

تخريج الحديث

وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده في (3/162) ونسبه الإمام ابن القيم في زاد المعاد للترمذي، فوهم في ذلك، فإن الترمذي لم يروه، وكذلك رواه البيهقي والدارقطني كما أشار المصنف، والطحاوي في شرح معاني الآثار وغيره.

وإسناد هذا الحديث ضعيف، فإن في سنده أبا جعفر الرازي، واسمه عيسى بن ماهان ضعيف، ضعفه أحمد وغيره، وقال علي بن المديني : كان يخلط.

وكذلك قال أبو زرعة : كان يهم كثيراً، صحح بعضهم أن يهَم بفتح الهاء.

وكذلك قال ابن حبان رحمه الله: يحدث عن المشاهير بالمناكير، فبطل الاحتجاج بحديثه.

ونقل الإمام ابن القيم في زاد المعاد عن شيخه الإمام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: إسناد هذا الحديث.. ويعني بإسناد هذا الحديث: أبا جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، هذا قصده.

يقول ابن تيمية : إسناد هذا الحديث هو إسناد حديث أبي بن كعب رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172].

قال يعني في هذا الإسناد في هذه الرواية قال: ( كان روح عيسى عليه السلام من بين تلك الأرواح، فبعثه الله تعالى إلى مريم، فلما جاءها أخذته، فحل في فمها، أو فدخل في فمها فحملت ).

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا غلط محض، فإن الذي بعثه الله تعالى إلى مريم هو الملك، كما ذكر وبين سبحانه: أن هذا الملك بشرها بـعيسى، كما في سورة مريم وآل عمران وغيرهما، فإن الملك جاءها وبشرها بـعيسى، وقال: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم:19].

فدل على أن المرسل وهو جبريل عليه السلام، غير الغلام الذكي الذي بشرت به، فلا شك بأن هذه الرواية المذكورة عن أبي بن كعب رواية باطلة، ومصادمة لنصوص القرآن الكريم؛ ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله ما قال، وعقب ابن القيم بأن هذا غلط محض.

وقال ابن كثير في التفسير : هذا أثر بين الغرابة والنكارة وكأنه من أخبار بني إسرائيل، وقد وهم الحاكم رحمه الله ثم الذهبي في تصحيح هذا الأثر، كما في المستدرك، فإن الحاكم ذكر الأثر عن أبي بن كعب وصححه ووافقه الذهبي، وهذا وهم وتساهل شديد منهما، فإن الأثر باطل مصادم للنصوص، وكذلك إسناده ضعيف، فيه من؟

أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس وهو سند ضعيف، ولذلك عقب الإمام ابن القيم على هذه القصة حين ساقها بقوله: فلان صاحب مناكير -يعني أبا جعفر - لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث ألبتة.

وهذا الكلام الذي ذكره ابن القيم رحمه الله فيه نظر، صحيح أن أبا جعفر رجل ضعيف، وروايته ضعيفة، سواء روايته في حديث أبي بن كعب، أو روايته في حديث الباب ضعيفة، وكلام الإمام أحمد وابن المديني وأبي زرعة وابن حبان سبق، ولكن قوله: لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث ألبتة، هذا فيه نوع من المبالغة.

فإن الإمام النووي رحمه الله لما ذكر الحديث في كتاب المجموع، ذكر حديث الباب، قوله: ( وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا )، ذكر الحديث وصححه رحمه الله، يقول النووي في المجموع : هذا حديث صحيح، رواه جماعة من الحفاظ وصححوه، يقول هكذا.

منهم: أبو عبد الله البلَخي أو البلْخي، ومنهم الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه .

قال: وممن نص على تصحيحه أبو عبد الله البلخي، وأبو عبد الله الحاكم، والبيهقي، قال الإمام النووي رحمه الله: وقد رواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة، فدل على أن كلام ابن القيم رحمه الله في أنه لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث ألبتة، فيه نوع من الإجمال، والواقع أن هناك من يحتج بما رواه وتفرد به، كما ذكر النووي ذلك عن جماعة منهم أبو عبد الله البلخي، ومنهم: الحاكم، ومنهم: البيهقي، ومنهم: النووي نفسه.

والراجح أن حديث الباب: ( لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا )، ضعيف لا يصح؛ لأنه تفرد به أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، وكلام النووي رحمه الله متعقب.