ألم تقرئي قول الله تعالى؟
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
ألم تقرئي قول الله تعالى؟ أخبرتني صديقتي متفجعةً بخبر موت زوج ابنة أختها، وهي تندُب حظَّ تلك المرأة المسكينة التي لم تتجاوز الثالثة والثلاثين من عمرها، وقدر الله لها أن تترمَّل في عز شبابها، متحمِّلة مسؤوليةَ ثلاثة من الأطفال.
ومضت صديقتي في التفجُّع والتحسُّر باكية على حظ ابنة أختها، مولولة على قلة بختها، وشقاء قدرها، واصفة إياها بالمنكوبة والمكلومة والتعيسة، وغير ذلك من النعوت البائسة الحزينة.
فقلت لها:
• أخبريني يا صديقتي، ألم تقرئي مرة قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ [المعارج: 19 - 26].
فردَّت:
أعرف هذه الآيات، لكن لِمَ تسألين؟
إن ما أقصده أن حالة التفجع إزاء مصائب الحياة والهلع، وشدة التذمُّر والتخوُّف منها ليست من صفات الإنسان المؤمن حقًّا، فليس أمرًا محمودًا أن يفزع الإنسان من ابتلاءات القدر بشكل كبير ومبالغ فيه؛ لأن ذاك ليس سوى دليل على عدم ثقته بربه، وعدم رضاه بأمره، كما أنه يكشف تعلق هذا الشخص بالدنيا، واهتمامه الشديد بها، فهو يرى نقصان حظه فيها أمرًا بالغ السوء، فكأنها منتهى أمله في وجوده، ولا غاية له سواها، ولماذا هذا التفجع الشديد من أمر قدره الله وقضى به؟ فهل نحن أعلم من الخالق بما يصلح بعباده من الأقدار، أم نحن أرأف عليهم منه؟ إن في كل ما كتبه الله علينا خيرًا مضمرًا؛ لذلك يجب أن نقبله بنفس راضية وسريرة مطمئنة، والمؤمن الحق هو الذي لا يزيد رده عند مواجهة ابتلاءات الحياة عن التسليم والإذعان، دون تفجع أو تذمر وسخط.
• لكن كيف يمكننا ألَّا نتفجع أمام قدر مؤلم كهذا؟ إن الإنسان ضعيف وقدرته على التحمل قد تنهار أمام نوائب الدهر ومصائبه.
• من المباح أن نُبدِيَ ألمنا من هذه النوائب، وأن نعبِّر عن حزننا ووجع نفوسنا، أما أن نهلع ونصيح بهذا الشكل الحاد، ونبالغ في التفجع وندب الحال، وكأن خسارتنا شيء فيه وقوف الدنيا، ونهاية الحياة، فأمر غير محمود لا يُرضي الخالق، وعلينا أن نتجنبه؛ فالله لا يكلف عبده أمرًا لا يستطيع تحمله، وعلى العبد أن يثبت ثقته برحمة ربه بالرضا بأقداره، ومقابلتها بالصبر والاحتساب، وموقفنا أمام نكبات الأيام يجب أن يكون مقرونًا بالإيمان برحمة الله، واليقين بكمال تدبيره لكل الأمور، فكيف نتفجع من أمر من أمور الدنيا، ونحن نعلم أنه لم يحدث صدفة، وأن خالق الكون هو الذي شاءه؟ إن ذلك التفجع لا يكشف إلا عدم الثقة في الله، وسوء الظن به، والمؤمن الحق هو الذي يكون الثبات والصبر الجميل سِمَتَه أمام كل أحداث الدهر.