من آداب فصل الشتاء
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
من آداب فصل الشتاءمن سنة الله تعالي في خلقه، أنه يقلب الليل والنهار، وجعل الشمس والقمر آيتين وجعل الزمان يتقلب بالناس ما بين حر وبرد وغني وفقر، وصحة ومرض، ولا يدوم أحد على حال إلا الله الواحد الأحد، قال تعالي: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].
وقد أهلَّ علينا فصل الشتاء بما يصحبة من ظواهر كونية من رعد وبرق وريح ومطر، وكل هذه آيات يجب أن نقف معها وقفة تأمل؛ لنأخذ منها الدرسَ والعظة والعبرة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
وهكذا كان حال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم مع تلك الظواهر؛ حيث تذكر السيدة عائشة رضي الله عنها حال النبي عندما يري غيمًا أو ريحًا، فتقول: (ما رأيت النبي مستجمعًا ضاحكًا حتي أري لهواته[1]، إنما كان يبتسم وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا، عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية، فقال: يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ فقد عُذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا)[2]، والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن قوم عاد عندما رأوا الريح، فقالوا كما ذكر القرآن: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]، فعلى المسلم أن يتأثر بهذه الظواهر، وقدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم ويقعد ويدخل ويخرج، أما أصحاب القلوب القاسية، فلا يتأثرون ولا يعتبرون، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ﴾ [الطور: 44]؛ أي: لو سقط عليهم من السماء "كسف"؛ أي قطع من العذاب كبيرة ﴿ يقولوا سحاب مركوم ﴾؛ أي متراكم كالعادة فلا يبالون بما رأوا من الآيات ولا يعتبرون، فلا داء لهم إلا العذاب.
وكان أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم، ومن جاء من بعدهم - يتدبرون هذه الآيات ويخافون من تلك الظواهر، فقد تزلزلت الأرض على عهد سيدنا عمر بن الخطاب فقال: أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا[3].
وفي عهد عمر بن عبدالعزيز حدث رعد وبرق شديد وظلمة عظيمة، فخرج على الناس خطيبًا، وقال: أيها الناس، إن الله يستعجلكم "أي بالتوبة"، فقولوا كما قال يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، وقولوا كما قال آدام عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ويروى عن أبو سليمان الدَّاراني رحمه الله، كان إذا نزل في زمانه الثلج يبكي بكاءً شديدًا، فيقولون: يا أبا سليمان، لِمَ كلُّ هذا البكاء، قال: تذكرت يومًا تتطاير فيه الصحف تطاير الثلج عليكم، هكذا كان حال الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم، يتعاملون مع هذه الأحداث والآيات بقلوب خائفة وجلة تتأسَّى وتعتبر.
وعلَّم النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه كيف يتعاملون مع هذه الظواهر عند حدوثها بأن يفزعوا إلى ذكر الله، والدعاء والصلاة والصدقة، فقد خسفت الشمس في عهد رسول الله، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمش والقمر من آيات الله وأنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا وصلوا وتصدقوا، وفي رواية البخاري: فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه، وفي رواية لمسلم: إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يُكشف ما بكم.
فالمطلوب منا أن نفزع إلى الصلاة والصدقة والذكر والدعاء والتكبير.
من آداب الشتاء:
1- الدعاء وهو من أعظم العبادات، بل هو العبادة كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)[4]، ولذلك علَّمنا صلى الله عليه وسلم بعض الأدعية الخاصة بفصل الشتاء، فقد علَّمنا أن الريح التي تعصف من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فقال: إذا رأيتموها فلا تسبوها، ولكن علَّمنا كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح قال: اللهم إنا نسألك خيرها وخيرَ ما فيها، وخيرَ ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُرسلت به[5].
فإذا نزل المطر علَّمنا النبي أن نقول: اللهم صيِّبًا نافعًا[6]؛ أي نافعًا للبلاد والعباد، فإذا اشتد المطر حتى خيف منه حصول الضرر، نقول: اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية، ومنابت الأشجار، اللهم اجعلها سُقيا رحمة لا سقيا عذاب[7].
واعلم أخي الحبيب أن الدعاء مستجاب عند نزول المطر بإذن الله، وذلك لمن اتقى الله وتحرَّى الحلال، كما أخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم: اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة، ونزول المطر[8].
2- ومن آداب الشتاء الأخذ بالأسباب والرخص، خاصة في أحكام الوضوء والصلاة؛ من المسح على الخف والجورب، وكذلك يجوز الجمع بين الصلوات في البرد الشديد والمطر الشديد، ويجوز أن يصلي المسلم في رحله وبيته عند المطر الشديد.
3- ومن الآداب أيضًا مواساة الفقراء والأيتام بما يحتاجونه من أدوات التدفئة؛ لقول النبي: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي[9].
4- ومن الآداب عدم ترك نار التدفئة مشتعلة في البيت عند النوم، فقد حذَّر رسول الله من ذلك، فقد جاء عن رسول الله أنه قد جاءت فأرة، فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله على الخُمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: [إذا نمتم فأطفئوا سُرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتَحرقكم][10].
وجاء في الحديث: [احترق بيت بالمدينة على أهله، فحُدِّث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم][11].
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على إرشاد أمته على كل خير، ويحذِّرهم من كل شر، ومن ذلك إطفاء النار وإغلاق ينابيع المياه، والتأكد من عدم وجود ما يمكن أن يؤذي عند الغفلة.
5- ومن الآداب أيضًا، بل من السنة أن تعرض نفسك للمطر، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعل ذلك؛ كما جاء في حديث أنس قال: [أصابتنا ونحن مع رسول الله مطر، فحسر رسول الله ثوبه "أي كشفه"، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول: لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى][12].
واعلم أخي الحبيب أن هذه الظواهر والآيات نرى فيها قدرة الله سبحانه وتعالى، وضعف الإنسان، فقد يأذن الله سبحانه بالريح أن تدمِّر البلاد، وتقلع البيوت في غمضة عين، الله قادر على زلزلة الأرض زلزلة تهدم كل ما فوقها، الله قادر على إنزال الماء من السماء، فيغرق الأرض وما فوقها، فكل هذا يحملنا على زيادة الخوف من الله تعالى، نسأل الله ألا يُهلكنا بعذابه، وصلِّ اللهم وسلم على سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم.
[1] اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق، وجمعها لهوات.
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] رواه بن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في سننه.
[4] رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
[5] صحيح الترمذي.
[6] صحيح الترمذي.
[7] رواه البخاري.
[8] أخرجه الشافعي في الأم (1/253).
[9] رواه البخاري ومسلم.
[10] أخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد.
[11] رواه البخاري ومسلم.
[12] صحيح مسلم.