سلسلة منهاج المسلم - (116)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها: عقيدة، آداباً، أخلاقاً، عبادات، أحكاماً، وقد جمع الأمة ولم يفرقها، فلا فرق بين حنفي ولا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي .. والكتاب ينبغي أن يكون عند رأس كل نائم، فعندما يريد أن يرى مسألة في دينه يجده بالقرب منه؛ لأنه سهل ومبسط، وها نحن مع المادة السابعة في أحكام الصوم من باب الصيام [المادة السابعة: في شروط الصوم، وحكم صوم المسافر، والمريض، والشيخ الكبير، والحامل، والمرضع].

قال: [أولاً: شروط الصوم] وهل للصوم من شروط؟ إي نعم. إذا لم تتوفر لا يصح الصوم أبداً [يشترط في وجوب الصوم على المسلم: أن يكون عاقلاً بالغاً] فالطفل لا يجب عليه الصوم، والمجنون لا يجب عليه الصوم [لقوله صلى الله عليه وسلم] هذا هو الدليل [( رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم )] فهيا نحفظ هذا الحديث، فهو خير والله من ألف ريال، فمن حفظه وعاد به إلى بيته واستقر في قلبه كان خير له من ألف ريال -أستغفر الله- بل خير من مليون ريال، فلنحفظ ماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم ) أي: الملائكة التي تكتب به ( عن ثلاثة ) هؤلاء الثلاثة هم: المجنون حتى يفيق، ويعود إليه عقله، والنائم حتى يستيقظ من نومه، والصبي حتى يحتلم، فهؤلاء الثلاثة ليسوا بمكلفين ولا يجب عليهم الصوم، فالمجنون لا يصوم حتى يفيق، والنائم لا يكلف حتى يستيقظ، فلو رأى الإنسان في نومه أنه يفجر أو يفعل باطلاً فلا يحاسب على ذلك ولا يطالب به، وكذا الصبي حتى يحتلم.

والاحتلام هو: أن يرى النائم في منامه أنه يجامع امرأة فيخرج منه المني، فالاحتلام: خروج المني متدفقاً في يقظة أو منام، ويدل على بلوغ الغلام، وأنه أصبح رجلاً يكلف بسائر التكاليف [وإن كانت مسلمة] هذه أحكام الفتاة المسلمة [يشترط لها في صحة صومها: أن تكون طاهرة من دم الحيض والنفاس] هذه شروط الصيام. فالغلام شرط الصوم له: أن يبلغ. والمجنون شرطه أن يفيق. والنائم شرطه أن يستيقظ. والمرأة شرطها أن تكون طاهرة وليست حائضاً ولا نفساء [لقوله صلى الله عليه وسلم في نقصان دين المرأة] أي: في إخباره صلى الله عليه وسلم أن المرأة ناقصة الدين والعقل [( أليست إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ )] بلى.

إذاً: هذا نقصان في دينها، فهي كل شهر لا تصلي سبعة أيام أو ثمانية أو أقل من ذلك أو أكثر، والصلاة لا تقضيها أبداً، والصيام ما دام أنه في العام مرة فإذا أفطرت خمسة أيام أو ستة فإنها تقضيها، بخلاف الصلاة، وهذا من رحمة الله، فلما كان ترك الصلاة متكرراً في كل شهر فإنها لا تطيق قضاءها، لكن الصيام مرة في السنة فإذا أفطرت خمسة أيام أو ستة قضتها وجوباً.

[ثانياً: المسافر: إذا سافر المسلم مسافة قصر -أي: تقصر فيها الصلاة- وهي ثمانية وأربعون ميلاً] والميل ألفا ذراع، وألفا ذراع ألف متر؛ لأن الذراعين متر واحد، وهذا القول من أعدل الأقوال وأصحها [رخص له الشارع في الفطر على أن يقضي ما أفطر فيه عند حضوره؛ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]] فيفطر ويقضي [ثم هو إن كان الصوم في السفر لا يشق عليه فصام لكان أحسن، وإن كان يشق عليه فأفطر كان أحسن] أولاً: بصورة عامة الصائم مرخص له إلى مسافة مائة وأربعين كيلو متر أن يفطر، لكن يبقى ما هو الأفضل؟ فإن كان الصوم في السفر لا يشق على الصائم، فالصوم أحسن، وإن كان يشق عليه فالفطر أحسن ويقضي [وذلك لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -أحد أصحاب رسول الله من الأنصار- قال: كنا ..] يتكلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [( كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم )] ومعنى يجد: لا يغضب، فلا يعيبه ولا يعاتبه، فكانوا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ومنهم الصائم ومنهم المفطر، فلا يعيب الصائم ولا يعتب ولا يغضب على المفطر [( ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فذلك حسن )] فإذا كان الصائم لا يجد مشقة في الصوم فهو أفضل له، وإذا كان يجد مشقة في سفره فالفطر أفضل له.

[ثالثا: المريض: إذا مرض المسلم في رمضان] إذا مرض المسلم أو المسلمة في رمضان [نظر، فإن كان يقدر على الصوم بلا مشقة شديدة صام، وإن لم يقدر أفطر] هذا حكم المريض، فإذا مرض المسلم في رمضان نظر في نفسه، فإن كان يقدر على الصوم بلا مشقة شديدة صام، والصوم أفضل له، وإن لم يقدر أفطر والفطر أفضل له [ثم إن كان يرجو البرء من مرضه فإنه ينتظر حتى البرء ثم يقضي ما أفطر فيه] هذا المريض إن كان يرجو الشفاء من مرضه -وليست كل الأمراض يرجو المؤمن الشفاء منها- فإنه ينتظر حتى البرء، فإذا برأ قضى، أي: يفطر ولا يصوم حتى يبرأ ثم يقضي ما أفطر فيه [وإن كان لا يرجى برؤه أفطر وتصدق عن كل يوم يفطر فيه بمد من طعام، أي: حفنة قمح؛ لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]] فإذا مرض المسلم في رمضان نظر في نفسه فإن كان يقدر على الصوم بلا مشقة شديدة صام وهو خير له، وإن لم يقدر أفطر وذلك خير له، ثم إن كان المريض يُرجى برؤه من المرض فإنه ينتظر حتى البرء، ثم يقضي ما أفطر فيه بعد ذلك، وإن كان لا يُرجى برؤه، أي: كان مرضه ملازماً له أفطر وتصدق عن كل يوم يفطره بحفنة من الطعام، قمحاً كان أو تمراً أو غير ذلك، والدليل قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] هذا مع المشقة.

[رابعاً: الشيخ الكبير] كيف يصوم؟ [إذا بلغ المسلم أو المسلمة سناً من الشيخوخة لا يقوى معه على الصوم أفطر وتصدق على كل يوم يفطره بمد من طعام] أي: يتصدق بحفنة من طعام، ليس بريالات ولا ذهب ولا فضة، والحفنة بحفنة الرجل المتوسط، وقد قدرناها فوجدناها كيلو، ذهبنا إلى الدكان وأخذنا الحفنة وزدنها قليلاً فصارت كيلو جرام، ولهذا الكيلو الآن أيسر من الحفنة؛ لأن الحفنة تختلف باختلاف أصحابها [لقول ابن عباس رضي الله عنهما: رخص للشيخ الكبير أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه ] فالشيخ الكبير كالملازم للمرض أبداً، يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأنه كلما كبر زاد عجزه، فما عليه إلا أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، لحديث ابن عباس :

(رخص) والذي رخص هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا كالمرفوع.

(للشيخ الكبير) ذكراً كان أو أنثى.

(أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه) أي: لا يطالب بالقضاء، وهنا تجلت رحمة الإسلام، فهذا دين الله الحق.

[خامساً: الحامل والمرضعة] الحامل لولدها في بطنها، والمرضعة التي ترضع ولدها من ثديها [إذا كانت المسلمة حاملاً فخافت على نفسها، أو على ما في بطنها أفطرت] أحياناً الحامل لا تقدر على الصيام، تخاف أن تموت أو تمرض، وأحياناً تخاف على ما في بطنها أن يسقط لو جاعت [وعند زوال العذر وانتهائه قضت ما أفطرته] لما يزول العذر بعد ذلك تقضي ما أفطرته، سواء كانت حاملاً أو مرضعاً، فإذا انتهى حملها، أو إرضاعها لعامين، حينئذٍ تقضي ما أفطرت فيه [وإن كانت موسرة] أي: غير معسرة، عندها بعض المال [تصدقت مع كل يوم تصومه بمد من قمح فيكون أكمل لها وأعظم أجراً] أُذن لها في أن تفطر، لكن إذا أفطرت وانتهى حملها أو مرضها وأخذت تقضي استحب أن تطعم مع كل يوم مسكيناً حفنة من الطعام، فإذا كانت المسلمة حاملاً فخافت على نفسها المرض أو الموت، أو على ما في بطنها أن يموت أفطرت، وعند زوال العذر قضت ما أفطرته، وإن كانت موسرة تصدقت مع كل يوم تصومه بمد من قمح، فيكون أكمل لها وأعظم، وإن كانت معسرة فلا شيء عليها، أي: لا تعطِ شيئاً [وهكذا الحكم بالنسبة إلى المرضعة إذا خافت على نفسها، أو على ولدها ولم تجد من ترضعه لها] إذا ما وجدت امرأة ترضع لها ولدها [أو لم يقبل غيرها] يعني: أبى الطفل إلا أمه فإنها تفطر كما قدمنا، وبعد ذلك تقضي، وإن كانت موسرة تصدقت بطعام مسكين على كل يوم، أما الآن فيضعون الحليب في آلة ثم يرضع الولد، فإذا كان هذا لا بأس لا تفطر، وكأنها وجدت من يرضع لها ولدها، وتعلمون أن موسى عندما ولد وأخذ إلى دار فرعون عند امرأته عرضت عليه كل نساء الإمارة فما قبل واحدة منهن، حتى جاءوا له بأمه فقبلها، قال الله تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:12-13]، هذا تدبير العليم الحكيم [وهذا الحكم مستنبط من قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]] أي: وعلى الذين يطيقونه بتكلف فدية طعام مسكين [فإن معنى يطيقونه: يطيقونه بمشقة شديدة، فإن هم أفطروا قضوا أو أطعموا مسكيناً].

أسأل الله أن يرزقنا العمل بهذه الأحكام، وأن تكون باقية في أذهاننا إن شاء الله.

التنبيه الأول: كفارة من فرط في قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل عليه رمضان آخر

[تنبيهان: الأول: من فرط في قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل عليه رمضان آخر، فإن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً] من أفطر في رمضان لسفر أو مرض ثم عاد من سفره أو برئ من مرضه وقد جاء عليه رمضان الثاني وما قضى، فينبغي أن يطعم مع كل يوم مسكيناً، مداً من طعام؛ لأنه فرط في القضاء حولاً كاملاً.

التنبيه الثاني: أن من مات من المسلمين وعليه صيام قضاه عنه وليه

[التنبيه الثاني: من مات من المسلمين] وكلنا نموت، أو لا أبشركم؟ والله كلنا يموت، فافرحوا بالموت خير من البكاء منه والدموع؛ لأننا في السجن لا نخرج منه إلا بالموت: ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )، فهذه الآلام والأتعاب والحرارة والبرودة نخلص منها بالموت، فهل نفرح إذا خرجنا من السجن وعدنا إلى بلادنا وديارنا؟! المهم أن يتوفانا الله مسلمين [من مات من المسلمين وعليه صيام قضاه عنه وليه] من مات من المسلمين رجلاً كان أو امرأة وعليه صيام أو نذر نذره قضاه عنه وليه، ووليه: أمه أو ابنه أو أخوه أو عمه أو صديقه، هذا هو الولي [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )] وأولياء الرجل أقاربه [وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله قائلاً: ( يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليه صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم -أي: أقضه- فدين الله أحق أن يقضى )] علل لذلك بقوله: (دين الله أحق أن يقضى)، فإذا كنت تقضي دين الناس عن أمك أو أبيك، فدين الله أولى بالقضاء؟

يا عاقل! دين الله أحق أن يقضى! كم من إنسان يموت ووالده عليه دين فيقضيه عنه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[تنبيهان: الأول: من فرط في قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل عليه رمضان آخر، فإن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً] من أفطر في رمضان لسفر أو مرض ثم عاد من سفره أو برئ من مرضه وقد جاء عليه رمضان الثاني وما قضى، فينبغي أن يطعم مع كل يوم مسكيناً، مداً من طعام؛ لأنه فرط في القضاء حولاً كاملاً.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4156 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4082 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3834 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3823 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3607 استماع