رمضان الضيف الكريم
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
رمضان الضيف الكريمإذا أُخطر أحدنا بقدوم ضيف كريم، وزيارة شخصية مهمة من تلك الشخصيات التي تُفتح لها صالاتُ كبار الزوار في المطارات، وتُنزل في أفخم الأجنحة بأرقى الفنادق، ويصحبها الحراس والخُدَّام والحشم؛ فإننا لا شك سنستعد لاستقبال هذه الشخصية المرموقة استعدادا ًمعنويًّا وماديًّا، بما يليق بمقامها السامي ومنزلتها الرفيعة، وسوف نفرغ وسعنا في إكرامها والعناية بها.
إن رمضان يفوق في مقامه ومنزلته كل المقامات في عصرنا الحالي، فهو ضيف بلغ أرفع المستويات، ونال أعلى الأوسمة والشهادات؛ لأنه الشهر الذي اختصه الرحمن بأن أنزل فيه كلامه جل وعلا، وفتح فيه أبواب الجنان، وأوصد فيه أبواب النيران، وصفَّد الشياطين، وأعتق فيه رقاباً كثيرة من النار، وفيه ليلة العبادةُ فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة أو يزيد، من حُرِم أجرها فقد حُرِم؛ كما أخبر بذلك رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
إن المستقبلين والمضيِّفين لشهر رمضان المبارك على صنفين:
صنف أحسن استقباله وهش وبش له، وقابله بالحفاوة والترحاب، وأكرم نزله بما هو أهله، فانبسطت أسارير الضيف الكريم وأُثلج صدره؛ فكافأ مضيفه مكافآت سخية، وأجزل له العطاء، وأغدق عليه من المنح والهدايا والجوائز الكبرى ما تقرُّ به الأعين، وتنشرح له الصدور.
وصنف آخر استقبل رمضان ببرود وفتور، ووجه متجهم وصدر منقبض، وعدَّه ضيفاً ثقيل الظل، جاء ليقيِّد حريته ويكبِّل شهواته؛ فتشاغل عنه بالتوافه والسفاسف، وأنزله من المنازل والمقامات ما لا يليق بمثله، ولم يبذل جهداً في إكرامه والإحسان إليه؛ فكان أن خرج منه الضيف مغضباً ساخطاً، ولم يظفر بما معه من العطايا الثمينة والمنح الغالية، وربما كان نصيبه الشقاء والخسران إن لم يتوله الله جلَّ وعلا برحمته وعفوه.
إن الصنف الأول شمَّر في شهر رمضان عن ساعد الجد، فأحيا نهاره وليله بالطاعات والقربات، من صلاة، وذكر، وقراءة قرآن، واعتكاف، وصدقة، وبر والدين، وصلة أرحام، وإفطار صائم، وغيرها من أعمال البر والخير، واستثمر كل لحظة من لحظاته في التقرب إلى الله ابتغاء وجهه ومرضاته؛ فاستحق العلو في الدرجات ومضاعفة الحسنات، وفاز بالجائزة الكبرى: العتق من النيران والفوز بجنة الرضوان.
وإن الصنف الآخر ضيَّع أوقات رمضان الغالية في النوم، والخمول، واللهو، واللعب، والسمر، والأكل، والشرب، وتهاون في الفرائض، وفرَّط في النوافل، واجترأ على المعاصي، دون مراعاة لحرمة الشهر ومنزلته؛ فلم يكن له من صومه إلا الجوع والعطش، واستحق الخيبة والخسران، وباء بسخط الرحمن، حين ضيَّع الفرصة الثمينة التي قد لا يتسنى له تعويضها أبداً.
ولكننا نعود لنقول: إن الفرصة ما زالت سانحة لجبر ما انكسر وإصلاح ما أُفسد، وإن الله تواب رحيم بمن تاب إليه وأناب، وإن من اجتهد فيما بقي غُفر له ما قد سلف؛ لأن الأعمال بالخواتيم.
إن أبواب المغفرة والعتق من النيران ما زالت مفتوحة مواربة بحمد الله تعالى؛ فلننتهز الفرصة قبل فواتها، فنقبل على هذه الأبواب قبل أن تُوصد؛ لنتعرض لهذه النفحات والبركات؛ فلعلنا لا نشقى بعدهاً أبداً.