فتاوى نور على الدرب [661]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل طباعة الكتب الإسلامية والقيام بتوزيعها يعتبر من الصدقة الجارية؟ أفيدونا مأجورين. وماذا يدخل في الصدقة الجارية؟

الجواب: الصدقة الجارية هي التي يستمر الانتفاع بها؛ ولهذا سميت جارية لأنها غير واقفة، والصدقة غير الجارية هي التي ينتفع بها الإنسان في وقتها فقط.

فمثلاً إذا أعطيت فقيراً ألف ريال، أنفقه في مدة شهر أو شهرين انقطعت الصدقة، وإذا أوقفت عمارة أو بيتاً أو دكاناً ليكون ريعه في الفقراء فالصدقة جارية ما دام ريعه موجوداً.

طباعة الكتب والأشياء النافعة صدقة جارية ما دام الناس ينتفعون بها، فهي جارية الأجر جارية الثواب، وقد تتلف هذه الكتب لكن ينتفع بما نقل منها في كتب أخرى، ثم بما نقل من الكتب الأخرى، فطباعة الكتب النافعة صدقة جارية لا شك فيها.

لكن ينبغي لمن أراد أن يطبع كتباً ينتفع المسلمون بها أن يستشير أهل العلم الموثوق بعلمهم ولا يطبع كل كتاب مقدم إليه، ولا يأخذ بقول كل إنسان وهو لا يعرفه، قد يأتي إنسان متحذلق أعطاه الله تعالى بياناً وفصاحة وأسلوباً جذاباً، فيأتي لشخص ويقول: هذا الكتاب من أفضل الكتب، وأحسن الكتب، اجتماعي، فيه ما لا فيه، فيغتر الرجل -يغتر بكلامه هذا- ويقول: أطبع منه. وهذا تسرع بلا شك، كلما عرض عليك كتاب لطبعه والصدقة به فاستشر أهل العلم الذين تثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، وأنه ليس عندهم حسد لأحد، ربما يقول لك هذا العالم الذي تثق به: أنا لا أستطيع، ليس عندي فراغ، أمهله حتى يفرغ، وقل له: لو تقرأ منه كل يوم ورقة فهو ثلاثمائة ورقة لك ثلاثمائة يوم. ليس هناك مانع.

وهنا أنبه إخواني الذين يراجعون الكتب سواء من مؤلفات أو غيرها أن يجعلوا شيئاً معيناً كل يوم يلتزمون به، خمس ورقات مثلاً، خمس صفحات، المهم ألا يكونوا يراجعون اليوم خمس صفحات، ثم في اليوم التالي ما يراجعون، وبعده ما يراجعون، تروح عليهم الأيام، بل إذا حددوا شيئاً معيناً كل يوم يقضونه -ولو عند ساعة النوم- فإن الكتاب ينتهي، لكن إذا ظل على الفرغة -متى فرغت راجعت- فإنه لن ينتهي بسرعة.

هذا ما أقوله حول طباعة الكتاب النافعة أنها من الصدقة الجارية، سواء بقيت وانتفع بها مباشرة، أو بما نقل منها، أو عالم قرأها وانتفع بها ونشر علمه، فهي من أفضل الأعمال، وأكثرها نفعاً بإذن الله.

لكن الذي أرى أنه من الواجب -والذي أشير به- ألا يقدم أحد من إخواننا التجار على طباعة الكتب إلا بعد مشاورة العلماء الذين يوثق بعلمه وأمانتهم.

مداخلة: وماذا يدخل في الصدقة الجارية؟

الشيخ: كل شيء مستمر مما يقرب إلى الله فهو داخل في الصدقة الجارية.

السؤال: أخطأ الإمام في الصلاة الرباعية، فهل يجوز لنا أن نذكره بالخطأ أثناء الصلاة قبل السلام؟ والخطأ يكون في ركعة نقصاً أو زيادة؟

الجواب: يجب أن تنبهوه إذا أخطأ، فإن كان فيه زيادة فنبهوه.

وبماذا يكون التنبيه؟ يكون التنبيه بالتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، تقول: سبحان الله. إن فهم المراد فهذا هو المراد والمطلوب، وإن لم يفهم اقرؤوا آية تشير إلى هذا.

فإذا قدرنا أنه ترك سجدة ونبهتموه ولكنه لم ينتبه نقول: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]. أو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]. المهم تنبهونه بشيء من القرآن.

لكن أحياناً يقوم الإمام بزيادة، مثل: أن يقوم إلى خامسة في الظهر، فينبهه المأمومون: سبحان الله، سبحان الله. لكن يصر على أن يأتي بهذه الركعة، فهنا نقول: يجلسون ولا يقومون معه، ثم يسلمون معه.

وعليه أن ينبههم لسبب الزيادة؛ لأن سبب الزيادة قد يكون نسيانه لقراءة الفاتحة في إحدى الركعات، والإنسان إذا نسي قراءة الفاتحة حتى قام للركعة التي تليها فإن التي نسي قراءة الفاتحة فيها تلغى وتكون التي بعدها بدلاً عنها، فيجب أن ينبههم أن يقول: أنا أعلم أني قمت إلى خامسة، لكني نسيت قراءة الفاتحة في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية أو في الثالثة... والإنسان إذا نسي قراءة الفاتحة في ركعة حتى قام للركعة التي تليها صارت التي تليها بدلاً عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة.

وهنا أقول: إنه يعتبر هذا النسيان إذا كان النسيان لحقيقة، أما إذا كان شكاً فلا يلتفت إليه إذا كانت الشكوك عنده كثيرة؛ لأن بعض الناس تكون الشكوك عنده كثيرة حتى لا يكاد يفعل شيئاً إلا شك، فهذا يلغي الشك ولا يهتم به، كما لو شك بعد انتهائه فإنه لا يتلفت إلى هذا الشك، ولهذا أمثلة كثيرة، منها: لو شك في المضمضة والاستنشاق وهو الآن يغسل يديه، قال: ما أدري أتمضمضت واستنشقت أم لا؟! نقول: إذا كان هذا الشك يرد عليه كثيراً -كلما توضأ شك- فلا يلتفت إليه وليعتبر نفسه قد تمضمض واستنشق، كذلك لو شك بعد أن فرغ من الوضوء قال: والله ما أدري هل مسحت رأسي أم لا؟! نقول: لا تلتفت إليه؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا عبرة به.

ومثل ذلك لو شك في أشواط الطواف هل طاف ستة أو طاف خمسة؟! نقول: إذا كان في أثناء الطواف فليأتِ بما شك فيه وينتهي الموضوع، وإذا كان بعد أن فرغ من الطواف وانصرف، قال: والله ما أدري هل طفت ستة أو سبعة؟! فلا عبرة بهذا الشك، يلغي هذا الشك ويجعلها سبعة، وهذه قاعدة مفيدة للإنسان، إذا كثرت الشكوك معه فلا يلتفت إليها، إذا وقع الشك بعد الفراغ من العبادة فلا يلتفت إليه، إلا أن يتيقن فإذا تيقن، وجب عليه أن يأتي بما نقص.

السؤال: تبرعت بمبلغ من المال، وكان هذا المبلغ نذراً علي، ولما أردت أن أقوم بهذا الوفاء أرسلت نصف المبلغ لإخواني لكي يقوموا بإيصاله للفقراء الذين كنت قد حددتهم لكي أعطيهم هذا المبلغ وأوزعه عليهم، فكان الإخوة عندما وصلهم نصف المبلغ كانوا في احتياج لأي مبلغ يصلهم، فأخذوه ولم يعطوه لأصحابه، والآن هل يجب علي أن أدفع المبلغ كاملاً إلى من سبق الإشارة إليهم؟

الجواب: لا يجب عليك أن تدفع هذا المبلغ، لكن يجب على إخوتك أن يدفعوه؛ لأنهم ضامنون لذلك، وأنت الآن غريمك أخوتك، ولا يحل لأحد مؤتمن أن يغدر بمن ائتمنه.

وكان الواجب على هؤلاء الأخوة لما وصل إليهم المبلغ أن يكلموا أخاهم، ويقولوا: نحن في حاجة، فاسمح لنا أن نأخذه. فإذا كانوا كما قالوا وسمح لهم فلا بأس وإن كان قد حدد لهم أسماء معينة، ولكن إذا كان قد وعد هؤلاء الذين حددهم فإنه يجب عليه أن يفي بوعده؛ لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق.

وخلاصة الجواب أن نقول: على إخوتك ضمان المال الذي أخذوه يدفعونه إلى من عينتهم لهم، فإن أبوا فإنهم يلزمون بذلك، ثم إن شئت فأعطهم وإن شئت فلا تعطهم.

ثانياً: إذا كنت قد وعدت الذين حددتهم وقلت لهم: سأبعث إليكم بكذا وكذا. فأوفِ بالوعد، وارجع على إخوتك بما أخذوه، وإن شئت فسامحهم.

السؤال: عليّ ذنوب كثيرة من نذور وأيمان وصلوات ضائعة فيما سبق وغيرها، والآن أنا تبت إلى الله. وسؤالي: ماذا أفعل تجاه هذه الذنوب؟ وكيف أكفر عنها؟ علماً بأنني لا أعلم عدد النذور ولا الأيمان ولا الصلوات الضائعة.

الجواب: أما الصلوات التي تركتها -وأخاطب السائل الآن- فإنه يكفي أن تتوب إلى الله تعالى من تركها، وأن تحسنها فيما يستقبل من عمرك، ولا تقضي ما فات؛ لأن من أخرج فرضاً عن وقته بلا عذر شرعي لا يقضيه عنه الدهر كله، بمعنى أنه لو بقي يصلي إلى أن يموت ما نفعه؛ لأن العبادة المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها ثم فعلها بعد الوقت لم تقبل منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي مردود.

وأما بالنسبة للنذور والأيمان فتحرى ما عليك، وما شككت فيه لا يلزمك، فمثلا: إذا قلت في نفسك: ما أدري هل علي عشرة أيمان أو خمسة؟! اجعلها خمسة؛ لأن هذا هو المتيقن، وكذلك النذور إذا كنت شككت هل نذرت عشر مرات أو خمس مرات أن تطعم المساكين؟! فأجعلها خمسة مرات؛ لأن هذا هو المتيقن، وما زاد على ذلك مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.

السؤال: في الحديث الذي رواه المصطفى صلى الله عليه وسلم بما معناه: (بأن للصائم دعوة عند فطره). متى تكون هذه الدعوة؟ هل هي قبل الفطر أم أثناء الإفطار أم بعد الإفطار؟

الجواب: كلمة عند فطره أو حين فطره تشمل ما كان قبيل الإفطار أو معه أو بعده متصلاً به، فأحرص يا أخي الصائم على أن تدعو الله عز وجل عند الفطر بما تشاء من خير الدنيا والآخرة.

السؤال: ما حكم مس المصحف وقراءة القرآن والوضوء في ملابس بها نجاسة؟

الجواب: نعم، يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وعلى ثيابه نجاسة؛ لأنه ليس من شرط جواز قراءة القرآن أن يتطهر من النجاسة.

لكن لا ينبغي على الإنسان أن يبقي على جسده ثوباً فيه نجاسة، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبادر بغسل النجاسة، كما في الحديث الصحيح: (أنه أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لم يأكل الطعام، فأجلسه في حجره، فبال الصبي على حجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه). أي: بادر بإزالة النجاسة.

وهكذا ينبغي للإنسان إذا تنجس ثوبه أو سرواله أو غترته أو مشلحه بل أو فراشه أن يبادر بغسل النجاسة، فإذا قدر أن الإنسان لم يتيسر له أن يغسل النجاسة وصار على ثوبه نجاسة فله أن يقرأ القرآن، سواء مس المصحف إذا كان على وضوء أو قرأ حفظاً عن قلبه، فكل ذلك سواء -أي لا يضره-.

السؤال: يقول: بأنه إمام في أحد المساجد، ويتعذر عليه أن يقرأ من القرآن في صلاة الفجر عن ظهر قلب، وذلك يقول: بأنه يكثر عنده الخطأ، ويقرأ من المصحف نظراً وليس عن ظهر قلب، يقول: لأني أكون مرهقاً نفسياً! ما رأي فضيلتكم فيما ذكر؟

الجواب: لا حرج في هذا، أعني لا حرج أن يقرأ القرآن في الفريضة أو النافلة من المصحف وهو يصلي؛ لأن ذلك حاجة، وهو وإن كان يتحرك بتقليب الورق وحمل المصحف ووضعه على الأرض أو على كرسي حوله لكن هذا عمل يسير لمصلحة الصلاة، وأكثر ما يقع هذا في صلاة الفجر يوم الجمعة، فإن المشروع في صلاة الفجر يوم الجمعة أن يقرأ في الركعة الأولى: ألم تنزيل السجدة، وهي التي بين سورة لقمان والأحزاب، وفي الركعة الثانية: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1]. وهي التي بين القيامة والمرسلات، يقرأ السورتين كاملتين في فجر كل يوم جمعة، ويديم ذلك إلا يسيراً، يعني مثلاً: في الشهر مرة يقرأ بغيرهما في فجر يوم الجمعة؛ لئلا يظن الناس أنه يجب أن يقرأ بهما في فجر يوم الجمعة، فهاتان السورتان طويلتان، ربما لا يتيسر لكل إمام أن يحفظهما عن ظهر قلب فلا بأس أن يقرأ بالمصحف. وهنا نقطة في هذه المسألة وهي أن بعض الأئمة يقسم سورة السجدة في الركعتين، أو يقرأ نصف سورة السجدة في الركعة الأولى ونصف سورة الإنسان في الركعة الثانية، وهذا غلط؛ لأنه حينئذ يكون شطَّر السنة، فإما أن يأتي بالسنة كاملة، وإما أن يقرأ بسور أخرى.

السؤال: دخل الإمام إلى المسجد ولم يؤذن للصلاة، فأقام هذا الإمام الصلاة وصلى بدون أذان. فما رأيكم في ذلك؟

الجواب: إذا كان البلد فيها مؤذنون يسمعون في كل البلد فالأذان فرض كفاية، وقد حصل الفرض بأذان الآخرين، فإذا دخل الإمام وأقام الصلاة بدون أذان فلا حرج، وأما إذا لم يكن في البلد سوى هذا المسجد الذي يؤذن فيه فلا بد أن يؤذن، حتى وإن فات أول الوقت فيؤذن متى حضر ويقيم الصلاة.

وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المؤذنين والأئمة أنصحهم بأن يلاحظوا الأمانة ويراعوها في أداء ما يجب عليهم، فيقوم المؤذن بالأذان على الوجه الأكمل، يؤذن في الوقت ولا يتأخر، ويقيم كلمات الأذان على ما ينبغي، كذلك بعض الأمة يتخلف عن الصلاة أحياناً لعذر وأحيانا تهاوناً، فإن كان بعذر فلا بد أن يقيم من يصلي عنه حتى لا يبقى الناس يتناظرون من يصلي بنا، ولينب عنه من هو أهل للإمامة في قراءته ودينه، وأما إذا كان تخلفه تهاوناً لأنه خرج إلى البر لنزهة أو ما أشبه ذلك فهذا غلط، هذا خلاف الأمانة، فولاة الأمر وكلوا إليه هذا ليقوم به على الوجه المطلوب؛ فلا يجوز له أن يتهاون في هذا الأمر المهم.

هذه نصيحتي لإخواني الأئمة والمؤذنين الذين هم أولى الناس بأن يطبقوا ما يجب عليهم نحو الوظيفة.

السؤال: هل الكلام في المسجد من غير المصلحة كبيع أو شراء يجوز الحديث حول ذلك؟

الجواب: نعم، البيع والشراء والتأجير والاستئجار محرم في المسجد؛ لأنه ينافي ما بنيت المساجد من أجله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. فإن المساجد لم تبن لهذا ).

وكذلك إنشاد الضالة -بأن يضيع للإنسان شيء، ثم يقف في المسجد: يا جماعة، من عيّن كذا وكذا- هذا حرام؛ لأن المساجد لم تبن لهذا، وأما إذا وجد الإنسان لقطة وقال للناس: من هي له؟ فهذه أهون مما إذا سأل عن الضائع، ومع ذلك نقول: أخرج إلى باب المسجد إلى الشارع وتكلم بما شئت ببيع، شراء، إنشاد ضالة... هذا هو الواجب نحو هذه المساجد.

لكن يبقى إشكال يقع عند كثير من الناس، يمر بك مسكين يسأل ومعك ورقة فئة خمسين، وأنت تريد أن تعطيه عشرة فقط، فهل يجوز أن تعطيه الخمسين وتقول أعطني الأربعين؟ هذا في الحقيقة لا يقصد به التجارة، ولا تتم الصدقة إلا به؛ لأنه بين أمرين: إما أن يعطيك أربعين وتعطيه عشرة، وإما أن تقول: ما عندي عشرة. وترد السائل، فأظن والله أعلم أن مثل هذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به التجارة، ولا يقصد به شيء من الدنيا، إنما يقصد به شيء للآخرة، لكن لا وسيلة لنا إلا هذا، فأرجو ألا يكون في هذا بأس.