أرشيف المقالات

شرح البيقونية: الحديث المدبج

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
شرح البيقونية: الحديث المُدَبَّج
 
وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ *** مُدَبَّجٌ، فَاعْرِفْهُ حَقًّا وَانْتَخِهْ
 
الأقران لغة: جمع قرين بمعنى المصاحب[1].
وفي الاصطلاح: الأقران: هم الرواة المتقاربون في السن والإسناد.
 
والمدبج في اللغة: اسم مفعول من التدبيج، والمُدَبَّجَ: "بضم الميم وفتح المهملة، وتشديد الموحدة وآخره جيم، وسُمي بذلك أخذًا من ديبَاجَتَي الوجه، وهما الخدان، لتساويهما وتقابلهما، أو أنه لما فيه من الحسن والزينة، من دَبَّجْتُ بمعنى زَيَّنتُ، والذي سماه بذلك الدارقطني وصنَّف فيه كتابًا[2].
 
ورواية الأقران: أن يروي أحد القرينين المتقاربان في السن والإسناد عن الآخر[3].
 
أما المدبج في الاصطلاح، فهو أن يروي راويان متقاربان في السن والإسناد كل واحدٍ منهما عن الآخر[4].
 
قال الحافظ ابن حجر: "فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في أمرٍ من الأمور المتعلقة بالرواية مثل السن واللقي، وهو الأخذ عن المشايخ، فهو النوع الذي يقال له: رواية الأقران؛ لأنه حينئذ يكون راويًا عن قرينه.
 
وإن روى كلٌّ منهما؛ أي: القرينين عن الآخر؛ فهو المُدبج، وهو أخـص من الأول، فكل مُدبجٌ أقران وليس كل أقران مدبجًا.
 
وإذا روى الشيخ عن تلميذه صَدَق أن كلًّا منهما يروي عن الآخر؛ فهل يسمى مُدبجًا، فيه بحثٌ، والظاهر: لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر والتدبيج مأخوذٌ من ديباجتي الوجه، فيقتضي أن يكون ذلك مستويًا من الجانبين، فلا يجيء فيه هذا"[5].
 
"إذًا فرواية الأقران هو أن يروي أحد القرينين عن قرينه، ورواية المدبَّج هو أن يروي كل قرينٍ عن قرينه إما حديثًا واحدًا أو أكثر من حديث.
 
والفرق بينهما: أن المدبج يُحدِّث كلٌّ منهما عن الآخر، أما الأقران فأحدهما يُحدِّث عن الآخر فقط بدون أن يُحدِّث عنه صاحبه"[6].
 
ومثال المُدَبَّج:
1- أن يروي القرينان عن بعضهما بواسطة.
2- أن يروي القرينان عن بعضهما بلا واسطة.
 
ورواية المدبج موجودة في الصحابة والتابعين وأتباع التابعين.
♦ مثال رواية القرينين عن بعضهما بواسطة؛ مثل:
رواية الليث عن يزيد بن الهاد عن مالك، وكذلك يروي مالك عن يزيد بن الهاد عن الليث، وكلٌّ من الليث ومالك قرينان.
 
♦ مثال رواية القرينين عن بعضهما بلا واسطة:
1- في الـصحابة: كرواية أبي هريرة عن عائشة، ورواية عائشة عن أبي هريرة.
2- في التابعين: كرواية الزهري عن أبي الزبير، ورواية أبي الزبير عن الزهري.
3- وفي أتباع التابعين: كرواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عن مالك.
 
مثال رواية الأقران:
رواية سليمان التيمي عن مسعر بن كِدَام، فهما قرينان، لكن لا نعلم لِمسعر رواية عن سليمان التيمي[7].
"وكذلك رواية الأعمش سليمان بن مهران عن سليمان بن طرخان التيمي وهما قرينان.
 
وقد يجتمع جماعة من الأقران في سلسلة؛ كرواية أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن ابن معين، عن علي بن المديني عن عبيدالله بن معاذ؛ لحديث أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنهما: "كنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذنَ من شعورهنَّ حتى تكون كالوفرة"[8].
 
فالخمسة كما قال الخطيب أقران[9].
 
4- وفي أتباع الأتباع: كرواية أحمد بن حنبل عن علي بن المديني، وعلي ابن المديني عن أحمد بن حنبل[10].
 
فائدة معرفة المدبج: من فوائد معرفته:
1- ألا يظن الزيادة في الإسناد؛ لأن الأصل أن يروي التلميذ عن شيخه، فإذا روى عن قرينه ربما ظن مَن لم يدرُس هذا النوع أن ذكر القرين المروي عنه زيادة من الناسخ.
 
كما إذا روى الليث عن مالك وهما قرينان عن الزهري، فيظن أن قوله: (عن مالك) زائد، والأصل: رواية الليث عن الزهري.
 
2- ألا يظن إبدال "عن" بـ"الواو"؛ أي: ألا يتوهم السامع أو القارئ لهذا الإسناد أن أصل الرواية حدثنا فلان وفلان، فأخطأ فقال: حدثنا فلان عن فلان[11].
 
أشهر المصنفات في المدبج ورواية الأقران:
♦ كتاب "المُدَبَّج"؛ للدراقطني[12].
♦ "ذكر رواية الأقران"؛ لأبي الشيخ الأصبهاني[13].
 
قول الناظم: (فاعرفه حقًّا وانتخه).
"أي: اعرفه وافتَخر بمعرفته، فمعني قوله وانتخه؛ أي: افتخِر به.
فالانتخاء معناه: "الافتخار"[14].



[1] "القاموس المحيط".


[2] "عقد الدرر" للألوسي ص (358).


[3] انظر: "التقييد والإيضاح والتدريب" (2/ 217).


[4] انظر: "تدريب الراوي" (2/ 246).


[5] "نزهة النظر مع النكت" (145).


[6] "شرح البيقونية"؛ لابن عثيمين ص (130).


[7] "تيسير مصطلح الحديث" (194).


[8] رواه مسلم (320) ولكن بإسناد آخر من طريق عبيدالله بن معاذ، ثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة.


[9] "عقد الدرر" للألوسي ص (356).


[10] "عقد الدرر" للألوسي ص (358).


[11] "القلائد العنبرية"؛ لعثمان بن المكي الزبيدي ص (93-95)، و"تيسير مصطلح الحديث" ص (194).


[12] انظر: "النكت على نزهة النظر" ص (145)، و"تيسير مصطلح الحديث" ص (194).


[13] انظر: المرجع السابق.


[14] "القلائد العنبرية" ص (95).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣