خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [640]
الحلقة مفرغة
السؤال: حصل لزوجة الوالد هذا العام في العمرة أن نسيت أن تقصر من شعرها وحلت من الإحرام بعد الطواف والسعي ولم تذكر التقصير إلا في الرياض، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب: إذا نسيت أن تقصر في العمرة ولم تذكر إلا وهي في الرياض فإنها تقصر ولا حرج عليها إن شاء الله. وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواننا المسلمين أنهم إذا أرادوا أن يفعلوا عبادة -أي عبادة كانت- فليقبلوا إليها بجد وليشغلوا قلوبهم بها وليهتموا بها. هذه ناحية.
والناحية الثانية: أن يتعلموا أحكامها، وماذا يجب عليهم فيها حتى يعبدوا الله تعالى على بصيرة، وما أكثر الذين يسألون عن أشياء أخلوا بها في مناسكهم في الحج أو العمرة، وربما يمضي عليهم سنوات كثيرة لم يتفطنوا إلا بعد مضي هذه السنوات، وهذا لاشك أنه نقص، نقص في الإنسان.
إن واحداً منا لو أراد أن يسافر إلى بلد فإنه لن يسافر إلا بهاد يدله الطريق، أو بهاد يصف له الطريق حتى يعرف كيف يسير إلى هذه البلاد وإلى أين يتجه، فما بالك بالسير إلى جنات النعيم، أليس الأجدر بالإنسان أن يهتم به اهتماماً بالغاً؟!
وهكذا ينبغي في المعاملات، فالتاجر ينبغي له أن لا يشتغل بالتجارة حتى يعرف ما الذي يجوز منها وما الذي لا يجوز، وهكذا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق، فالإنسان لا يطلق حتى يعرف حدود الله تعالى في الطلاق.. إلى غير ذلك من شرائع الدين وشعائره فإنه ينبغي للإنسان أن يتلقاها بهمة وعزيمة ونشاط وإحضار قلب، وأن يقوم بها على علم وبصيرة، فقد قال الله تبارك وتعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9].
مداخلة: إذاً هذه الزوجة فضيلة الشيخ ماذا يلزمها؟
الشيخ: يلزمها كما قلت أولاً أن تقصر وهي في مكانها.
السؤال: حول من بدأت أثناء السعي العمرة فنقص عليها شوط كاملاً جهلاً منها بعد أن ضاع وليها ماذا عليها؟
الجواب: عليها إن وجدت وليها عن قرب أن تأتي بما نقصت من أشواط واحداً كان أو أكثر، وأما إذا لم تجده إلا بعد مدة تنقطع بها الموالاة فإن عليها أن تعيد الطواف من جديد؛ لأن الطواف عبادة واحدة لابد أن يكون متوالياً، ولا يسمح بقطعه إلا إذا أقيمت الصلاة المفروضة أو حضرت جنازة أو تعب فاستراح قليلاً ثم استأنف وأكمل.
السؤال: الوالد في الحج رمى عن زوجته وعن الأخت في حج الفرض خشية الزحام الشديد، فما الحكم في ذلك يا شيخ؟
الجواب: الحكم أنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً يرمي عنه، ولو جاز ذلك لأذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يوكلوا من يرموا عنهم وأن يتأخروا في المزدلفة حتى يدفعوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو جاز التوكيل لأذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يوكلوا من يرموا عنهم، فالرمي جزء من أجزاء الحج وقد قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وتهاون الناس فيه اليوم لا مبرر له، أعني: أن بعض الناس يتهاون في الرمي، تجده يوكل من يرمي عنه بدون ضرورة لكن يريد أن لا يتعب، يريد أن يستريح، يريد أن يجعل الحج نزهة، وهذا من الخطأ العظيم، والذي يوكل غيره يرمي عنه وهو قادر لا يجزئ الرمي عنه، وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
أما مسألة الزحام فالزحام مشكلته لها حل وهي: أنه بدل أن يرمي في وقت الزحام يمكنه أن يؤخر إلى آخر النهار، إلى أول الليل، إلى نصف الليل، إلى آخر الليل ما دام لم يطلع الفجر من اليوم الثاني، لكن أكثر الناس -كما قلت- يتهاونون كثيراً في مسألة الرمي.
مداخلة: هذا يا شيخ محمد حفظكم الله في الفرض وفي التنفل؟
الشيخ: لا فرق بين الفرض والنفل؛ لأن النفل يجب إتمامه، كما قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] وهذا قبل نزول فرض الحج.
السؤال: هل يجوز لمدرس مادة العلوم أن يقوم بشرح المادة الدراسية في المرحلة المتوسطة باستخدام مجسمات صغيرة ومتوسطة لحيوانات وطيور مصنوعة من البلاستيك القوي أشبه ما تكون بالتماثيل، أو استخدام مجسمات لجسم الإنسان بالكامل بما فيه الرأس؟
الجواب: هذا حرام عليه لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن بإمكانه أن يصف الحيوان بالمقال أو أن يجزئه أجزاءً فيجعل الرأس وحده والبدن وحده واليدين والرجلين وحدها، وليس هناك ضرورة بأن يأتي بصور مجسمة، وأخشى أن ينزع الله البركة من علمه إذا هو أتى بهذه الصور، لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
وأرجو من إخواننا أن لا يتهاونوا بالصور، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى بيته ذات يوم فوجد فيه الصور فلم يدخل عليه الصلاة والسلام حتى أزيلت واستعملت على وجه مباح.
السؤال: ما حقيقة حدوث الخسوف والكسوف، حيث يوجد في بعض الكتب أن الخسوف يحدث لوقوع الأرض بين القمر والشمس؟
الجواب: هذه حقيقة محسوسة، يعني: أن الكسوف وهو اختفاء بعض ضوء الشمس أي: بعض جرمها يكون سببه الحسي: أن يحول القمر بين الشمس والأرض، ولهذا لا يقع الكسوف إلا في آخر الشهر حيث يمكن أن يحول القمر بين الشمس والأرض.
أما الخسوف خسوف القمر فإن سببه الحسي: أن تحول الأرض بين القمر وبين الشمس، ولهذا لا يقع إلا في تمام المواجهة بين القمر والشمس وذلك في ليالي الإبدار، فلا يمكن كسوف الشمس في نصف الشهر ولا في أول الشهر ولا يمكن خسوف القمر في أول الشهر ولا في نصف الشهر. وهذه ظاهرة كونية معلومة، حتى إن العلماء السابقين رحمهم الله تحدثوا عنها كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وهذا لا ينافي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى يخوف عباده بالخسوف والكسوف؛ لأن الله تعالى يخوف العباد بأمر سببه حسي ولا مانع، كما أن قواصف الرعد والصواعق لها سبب حسي ومع ذلك يخوف الله به العباد، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [الرعد:12-13]، فالأمر الحسي لا ينافي الحكمة من إيجاده، ولكن كوننا نبسط القول في هذا للناس حتى يظنوا أنه أمر عادي لا يفزعون عند الكسوف ولا عند الخسوف هذا هو الذي ينبغي أن يتجنبه الإنسان، وأن لا يتحدث به بين العامة، لأن العامي يضيق قلبه أن يجمع بين السببين الشرعي والحسي.
السؤال: هل تناول المدرسين للإفطار في الفسحة الأولى جماعياً في المدرسة حرج حيث يكون عدد من المدرسين يراقب التلاميذ في تلك الفترة؟
الجواب: إذا كانوا يخلون بالواجب الذي يوجبه العقد بينهم وبين الدولة فإن ذلك حرام عليهم، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] ، وهذا يشمل الوفاء بالعقد أصلاً ووصفاً. وأما وأنه كان هذا لا يؤثر فلا حرج، وهذه الأمور ترجع إلى إدارة المدرسة، فيجب على المدير إذا أخل أحد ممن تحت سلطته بما يجب عليه أن يذكره بالله وأن يلزمه به، وأن لا يحابي بذلك أحداً، فالناس في الحكم بينهم على حد سواء، من استحق شيئاً فله، ومن أخل بواجب فعليه، لا فرق بين الشريف والوضيع والصديق وغير الصديق.
السؤال: ما حكم التمثيل الفكاهي والهادف والديني في المسارح وذلك في المدارس؟
الجواب: كثير من إخواننا يمنع من التمثيل مطلقاً ويقول: إنه لا يجوز لأنه يتضمن الكذب وربما يتضمن استهزاءً بالشعائر الدينية، كما لو تقمص الممثل شخص رجل كبير السن ووضع عليه لحية من الصوف وما أشبه ذلك.
ومن الناس من يقول: إذا كان التمثيل هادفاً ولم يتضمن محظوراً بكذب على أحد ولا بقيام الرجل بدور المرأة والمرأة بدور الرجل ولم يكن فيه تقليد للحيوانات فإنه لا بأس به، فيجيز التمثيل بشروط. وليعلم أن الأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل فإنه لابد من إقامة الدليل على التحريم، إذا قلنا إن هذا حرام وقال الآخرون هذا حلال فالقول مع المحلل إلا إذا كان هناك دليل يدل على التحريم وجب اتباع الدليل، هذا في غير العبادات.
أما العبادات وهي ما يقصد به التقرب إلى الله فإن الأصل فيها المنع والتحريم؛ لأن العبادات طريق إلى الله عز وجل وهي صراط الله، ولا يمكن أن نفتري على الله ما لم يجعله طريقاً موصلاً إليه، فلهذا كانت هذه القاعدة المشهورة عند العلماء قاعدة سليمة دل عليها الكتاب والسنة والنظر الصحيح: أن الأصل في العبادات المنع والحظر حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، والأصل في غير العبادات من الأفعال والأقوال والمنافع الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على المنع.
ونضرب مثلاً: إنسان عامل بمعاملة بيع أو رهن أو تأجير فاختلف الناس فيها فقال بعضهم: إنها حرام وقال آخرون: إنها حلال، نقول: الأصل مع من قال: إنها حلال حتى يقوم دليل على أن هذا ممنوع، وكذلك من أكل من الأشجار النابتة في الأرض أو من الطيور أو من الزواحف فقال قوم: إنه حرام وقال: آخرون إنه حلال؛ فالأصل مع من قال: إنه حلال حتى يقوم دليل على المنع، لقول الله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وعلى هذا فقس.
السؤال: ما حكم رمي التلاميذ بقايا طعامهم وشرابهم في القمامة؟
الجواب: أما ما لا يؤكل فلا بأس كقشور البرتقال والتفاح والموز وما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا حرمة له في نفسه، وأما ما يؤكل كبقايا الخبز والإدام وشبهه فإنه لا يلقى في الأماكن القذرة، وإذا كان لا بد أن يلقى في الزبالة فليجعل له كيس خاص يوضع فيه حتى يعرف المنظفون أنه محترم.
السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! بالنسبة لخروج المدرس في المرحلة المتقدمة بعد الدرس الخامس أو السادس بعد أن يكون قد انتهى من جميع دروسه المقررة في ذلك اليوم رغم تبقي درس سادس أو سابع للدوام الدراسي؟
الجواب: هذا على حسب النظام، إذا كان النظام يمنعه أن يخرج إلا بانتهاء الدوام فإنه يجب أن يبقى وإن لم يكن له عمل، وإن كان النظام يبيح له إذا انتهت حصصه أن يخرج فليخرج.
السؤال: سائل يستفسر عن الآية الكريمة: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64].
الجواب: ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذا أن الحياة الدنيا لعب ولهو، لعب بالأبدان ولهو بالقلوب، وبين أن الدار الآخرة هي الحيوان، يعني: من الحياة الكاملة التي ليس فيها نقص، وهذا كقوله تعالى: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، فالحياة الحقيقية هي حياة الآخرة لأنها حياة ليس بعدها موت، فصارت هي الحياة الحقيقية، وهذا هو معنى قوله: لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] أي: لهي الحياة الكاملة من كل وجه.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3648 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3497 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3479 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3439 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3343 استماع |