فتاوى نور على الدرب [458]


الحلقة مفرغة

السؤال: من العادات والتقاليد في مدينتنا عند ختم كتاب الله يأتون بأنواع من الأكل والشراب، هل هذا ثابت في السنة أو هو بدعة؟ وهل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة؟

الجواب: لا يشرع شيء من مثل هذا عند ختم كتاب الله عز وجل، فلا يشرع حفلات، ولا طعام، ولا غيره، فلو قرأ الإنسان القرآن كله ثم أراد عند ختمه أن يصنع وليمةً يدعو إليها الناس، أو أن يتصدق بطعام على الفقراء، أو أن يعمل حفل كلمات وخطب، فإن هذا كله ليس من السنة، وإذا لم يكن من السنة وصنع بمناسبة دينية وهي ختم القرآن فإنه يكون من البدعة، وقد قال أعلم الخلق بشريعة الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق بلاغةً ونطقاً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كل بدعة ضلالة )، وكل للعموم، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم بدعةً من البدع تكون حسنة، وبهذه الكلية الجامعة المانعة نعلم أن تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة خطأ عظيم، وقول على الله بلا علم، فليس هناك بدعة تكون حسنةً أبداً، ومن ظن أن في البدع ما يكون حسناً فإن ذلك على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون ظنه أنها حسنة ليس بصحيح؛ لأنه متى تحققنا أنها بدعة فهي سيئة.

الوجه الثاني: أن يكون ظنه أنها بدعة خطأ، فهو يظن أنها بدعة وليست ببدعة، أما إذا تحققنا أنها بدعة فإننا نتحقق أنها سيئة وليست بحسنة، هذا هو ما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من كلام سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ).

وتقسيم بعض العلماء البدعة إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة يتنزل على ما قلت آنفاً، وهو أنه: إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة وهم ظنوه بدعة، وإما أن يكون هذا الشيء ليس بحسن وهم ظنوه حسناً، أما مع تيقن أن هذا الشيء بدعة فإنه لن يكون حسناً أبداً.

فإن قال قائل: أليس قد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في رمضان على إمام واحد أليس قد قال: نعمت البدعة هذه؟

فنقول: بلى، قال هكذا، لكن هل أراد عمر أنها بدعة في دين الله؟ لا، ما أراد هذا، وعمر من أشد الناس تمسكاً بالسنة، وتحرياً لها، لكنه أراد أنها بدعة بالنسبة لما قبلها من الزمن فقط، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان ليلتين أو ثلاثاً يصلي بهم جماعة ثم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض على أمته، فشرع الصلاة جماعة في قيام رمضان، لكن تركه خوفاً من مفسدة أعظم، وهي إلزام الناس بهذه الصلاة جماعة، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن من هذه المضرة وهي إلزام الناس بهذا القيام؛ لأنه انقطع الوحي أمن بذلك، لكن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم تدم طويلاً، إذ إنها سنتان وأشهر، وكان رضي الله عنه مشغولاً بأحوال الجهاد، وتنظيم الأمة الإسلامية، بعد أن حصل ما حصل من بعضهم من مخالفات بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما كان زمن عمر وانتفت الموانع، وتفرغ الناس بعض الشيء، خرج ذات يوم رضي الله عنه، فوجد الناس يصلون أوزاعاً، يصلي الرجل وحده والرجلان والثلاثة، فرأى رضي الله عنه أن يجمع الناس على إمام واحد، فجمعهم على إمام واحد، ثم خرج ذات ليلة وهم مجتمعون على إمامهم يصلون بصلاته فقال: نعمت البدعة هذه.

إذاً: هي بدعة باعتبار ما سبقها من الزمن، وليست بدعة باعتبار مشروعيتها، إذ إن مشروعيتها قد ثبتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون إطلاق البدعة عليها إطلاقاً نسبياً، أي: أنها بدعة بنسبتها إلى ما سبقها من الزمن، وبه ينقطع الحبل الذي تمسك به أهل البدع، وابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به، واحتجوا بمثل هذه العبارة التي لها وجه غير الوجه الذي يريدونه، وتوجيهها إلى الوجه الذي قلته هو الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة )، إذ لا يليق بأمير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يثني على بدعة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالضلالة، بأنها نعمت البدعة هي، ولقد انفتح أبواب من الشرور، وبدع من قبيل المحظور بهذه الحجة وهي تقسيم بعض العلماء -عفا الله عنهم وغفر لهم- البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ولو أننا تمسكنا بقول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ) لكان أحرى بنا أن نكون أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لو قسمنا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة.

السؤال: ما حكم السواك أثناء الصلاة؟

الجواب: بدعة إن قصد الإنسان أن يتعبد لله بالسواك حال الصلاة، وعبث وحركة مكروهة إن كان الإنسان لا يريد هذا، ولكنه يريد أن يطهر فمه.

والسواك المشروع إنما يكون قبل الصلاة إذا أراد فعلها، وكذلك عند الوضوء، فالسواك عند الوضوء وعند الصلاة سنة، وعلى كل حال فلا يتسوك الإنسان وهو يصلي، وإنني بهذه المناسبة أحب أن أتوسع قليلاً في حكم الحركات في الصلاة.

الحركات في الصلاة قال العلماء: إنها تنقسم إلى خمسة أقسام: حركة واجبة، وحركة مستحبة، وحركة مباحة، وحركة مكروهة، وحركة محرمة.

فأما الحركة الواجبة فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، أي: الحركة التي إن فعلتها صحت صلاتك، وإن لم تفعلها بطلت، مثال ذلك: رجل يصلي فرأى في غترته نجاسة، فهنا يجب عليه أن يتحرك ليخلع غترته حتى لا يكون حاملاً للنجاسة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى بأصحابه ذات يوم وعليه نعلاه، فخلعهما في أثناء الصلاة، ثم خلع الناس نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعوا نعالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً ).

وكذلك لو كان الإنسان يصلي إلى غير القبلة، فجاء رجل فقال له: إن القبلة على يمينك، فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى جهة القبلة، وهذه الحركة واجبة؛ لأنه لو بقي على مستقبله أولاً لبطلت صلاته، ودليل ذلك أن أهل مسجد قباء كانوا يصلون صلاة الصبح إلى جهة الشام، فجاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فاستداروا إلى الكعبة، وصارت القبلة التي كانوا يصلون إليها أولاً خلفهم؛ لأن مستقبل الشام مستدبر الكعبة، ومستقبل الكعبة مستدبر الشام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس، وبقي على ذلك سنةً وأربعة أشهر، أو سنةً وسبعة أشهر، ثم بعد هذا أمر أن يتوجه إلى الكعبة، قال الله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] .

إذاً: الحركة الواجبة هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة.

والحركة المستحبة: هي التي يتوقف عليها تمام الصلاة لا صحتها، ومن ذلك فعل النبي عليه الصلاة والسلام لـابن عباس رضي الله عنهما، فإن ابن عباس رضي الله عنهما من حرصه على العلم بات ذات ليلة عند خالته ميمونة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل قام ابن عباس رضي الله عنهما فوقف عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه، فهذه حركة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن ابن عباس لكنها لإكمال الصلاة.

وكذلك لو كان المصلي يصلي في الصف فرأى فرجةً في الصف الذي أمامه فإنه يستحب له أن يتقدم إلى هذه الفرجة؛ لأن ذلك من تمام الصلاة.

وكذلك لو كان في جيبه شيء يؤذيه في صلاته، ويشوش عليه فأخرجه من جيبه، ووضعه في الأرض، فإن هذه الحركة مستحبة؛ لأنها من تكميل صلاته.

أما الحركة المباحة وهي القسم الثالث: فهي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، حركة يسيرة لحاجة، فإنها تكون مباحة، ومن ذلك لو أن رجلاً من الناس أتى إليك وأنت تصلي فقال: أعطني القلم من فضلك لأكتب به، فأخذته من جيبك وأعطيته إياه فلا حرج، فهذه حركة يسيرة لحاجة.

ومن ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لـعائشة وهو يصلي.

ومن ذلك أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جدها من قبل أمها، فكان يحملها وهو يصلي بالناس، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها على الأرض، هذه حركة لكنها يسيرة لحاجة، فهي جائزة.

وأما الحركة المكروهة وهي القسم الرابع: فهي الحركة اليسيرة إذا لم يكن لها حاجة، كما يفعله كثير من الناس، تجده يخرج الساعة ينظر إليها بدون حاجة، يخرج القلم من جيبه بدون حاجة، يعدل رباط الساعة بدون حاجة، ربما يتجرأ إلى أعظم من هذا، ربما يكون قد نسي شيئاً فذكره وهو يصلي فأخرج القلم وكتب ما نسيه إما براحته وإما بورقة يخرجها من جيبه، كل هذا مكروه؛ لأنه عبث، لم يحتج إليه الإنسان، ولا تتعلق به مصلحة الصلاة.

وأما المحرم من الحركات وهو القسم الخامس: فهو كل حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة، مثل: أن يتحرك الإنسان حركات كثيرة في حال القيام وفي حال القعود، وتتوالى هذه الحركات بدون ضرورة فإنها محرمة وتبطل الصلاة، أما إذا كانت لضرورة كما لو هاجمه أسد، أو هاجمته حية فعمل عملاً كثيراً لمدافعتها، فإن ذلك لا يضره؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239] .

مداخلة: ما حكم السواك أثناء خطبة الجمعة؟

الشيخ: السواك أثناء خطبة الجمعة مما يشغل الإنسان عن استماع الخطبة، واستماع الخطبة واجب، ولكن إذا كان السواك من أجل استماع الخطبة بحيث يصيب الإنسان نعاس فيتسوك لطرد النعاس فإن هذا لا بأس به، بل قد يكون مأموراً به؛ لأن هذا السواك من مصلحة استماعه للخطبة.

السؤال: ما هو الكبر؟ وكيف يكون الإنسان متكبراً؟

الجواب: الكبر فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( بطر الحق، وغمط الناس )، فمعنى ( بطر الحق ) يعني: أن يرد الإنسان الحق، مثل أن يقول قولاً، ثم يقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، خلاف قول هذا الرجل، فيرد ما قاله الرسول ويبقى على قوله، فهذا كبر، بل هذا من أعظم أنواع الكبر؛ لأنه رد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك لو قيل له: قال الله كذا وكذا خلاف ما يقول هو، فإن أصر على قوله فهذا كبر، وهو أعظم أنواع الكبر؛ لأنه رد لقول الله تبارك وتعالى، هذا قسم من أقسام الكبر: رد الحق.

وكذلك لو كان الإنسان مجتهداً في حكم من الأحكام فنوقش فيه وتبين أن الحق في خلاف قوله وإن لم يكن نصاً في المخالفة ولكنه أصر على ما يقول فهذا أيضاً من الكبر.

الثاني: ( غمط الناس ) يعني: احتقارهم وازدراؤهم بحيث لا يرى الناس شيئاً، ويرى أنه فوق الناس، فإن هذا من الكبر، وعلامته: أن يصعر خده للناس، وأن يمشي في الأرض مرحاً، وأن يتخيل أنه فوق رءوس الجبال، وأن الناس في قعر الآبار، هذا من الكبر، ولما قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، قال -أي: النبي صلى الله عليه وسلم-: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس )، وعلى هذا فتجمل الإنسان في ثيابه التي على الجسد، أو التي يركبها وهي النعال ليس من الكبر في شيء، إلا أن يصحبه ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بكونه يغمط الناس ويحتقرهم، فيحتقر من لم يلبس مثل لباسه ويحتقر الفقراء وما أشبه ذلك فهذا كبر.

السؤال: لقد حججت مع زوجي عام 1409هـ، وبعدما رمينا الجمرات يوم الثاني عشر توجهنا إلى مدينة جدة، وفي اليوم التالي صلينا الظهر ثم اتجهنا إلى مكة لكي نطوف طواف الوداع ومن ثم نتجه إلى مكان إقامتنا، ولكن قبل أن نغادر جدة صافحني بعض الرجال الأجانب ولم أستطع أن أجدد وضوئي، وطفت بالبيت طواف الوداع وأنا على هذه الحالة، فما حكم طوافي هذا؟ وماذا يترتب علي من ذلك؟ وإن كان هناك من كفارة فهل يجوز لي أن أرسل بقيمتها إلى المجاهدين أم لا؟

الجواب: خروج هذه المرأة وزوجها إلى جدة قبل طواف الوداع ينظر فيه: فهل جدة هي مكان إقامتهم؟ إن كانت جدة مكان إقامتهم فإن خرجوهم من مكة إليها قبل طواف الوداع محرم، ولا ينفعهم الرجوع بعد ذلك والطواف، بل عليهم الفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء على كل واحد منهم شاة، تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، هذا إذا كانت جدة مكان إقامتهم، أما إذا لم تكن مكان إقامتهم ولكنهم خرجوا إليها لحاجة على أن من نيتهم أن يعودوا إلى مكة ويطوفوا للوداع ويخرجوا إلى مكان إقامتهم فإنه لا شيء عليهم.

وأما ما ذكرت من أنها سلمت على بعض الرجال قبل الطواف، ثم طافت بعد ذلك بدون وضوء، فإن ذلك لا يضر بالنسبة للطواف؛ لأن مس المرأة للرجل أو مس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء، حتى وإن كان بشهوة على القول الراجح، ولكن مصافحتها للرجال الأجانب حرام عليها، ولا يحل لها أن تكشف وجهها، ولا أن تسلم على الرجال الأجانب، ولو كانت كفاها مستورتين بقفاز أو غيره، والواجب عليها أن تتوب إلى الله مما صنعت من مصافحة الرجال الأجانب، وألا تعود لمثل ذلك.

وهنا أنبه على مسألة خطيرة في هذا الباب وهي: أن بعض الناس اعتادوا على أن يسلم أخو الزوج على زوجة أخيه، أو يسلم على ابنة عمته مصافحةً، وهذه عادة سيئة محرمة، ولا يحل لامرأة أن تسلم على رجل ليس من محارمها أبداً، ولو كان ابن عمها، أو ابن خالها، أو ابن عمتها، أو ابن خالتها، أو أخا زوجها، أو زوج أختها، كل هذا حرام ولا يجوز، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

قد يقول قائل: أنا أسلم عليها وأنا بريء وأنا واثق من نفسي ألا تتحرك شهوتي، وألا أتمتع بمسها، فنقول له: ولو كان الأمر كذلك؛ لأن هذه المسألة حساسة جداً، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولهذا جاء في الحديث: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )، وما ظنك باثنين يكون الشيطان ثالثهما.

كذلك أيضاً إذا مس الرجل المرأة فإن الشيطان سوف يجعل في نفسه حركات وإن كان بعيداً منها لكن هو على خطر؛ ولهذا أحذر من أن تصافح المرأة من ليس من محارمها، قد يقول قائل: أنا لو تجنبت هذا ومدت إلي يدها فقلت: هذا لا يجوز؛ لأثر ذلك في العلاقة بيني وبينها، أو بيني وبين أبيها إذا كانت بنت عمي، أو بينها وبين أخي إذا كانت زوجته، أو ما أشبه ذلك، فأقول له: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ [التوبة:13] ، ولقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق: وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37] .

وإذا كان أقاربك من أخ أو عم أو أي أيهما يجدون في أنفسهم عليك إذا أنت فعلت الحق أو تجنبت الباطل فليكن ذلك، فليكن ذلك فإنه لا إثم عليك وإنما الإثم عليهم من وجهين:

الوجه الأول: أنهم وجدوا عليك في أنفسهم وهم من أقاربك.

والوجه الثاني: أنهم وجدوا عليك لأنك فعلت ما تقتضيه الشريعة، وأي إنسان يكره شخصاً فعل ما تقتضيه الشريعة، بل الذي ينبغي مع من فعل ما تقتضيه الشريعة ولا سيما مع مخالفة العادات -الذي ينبغي- أن يجل هذا الرجل، وأن يعظمه، وأن يكرمه، وأن يكون له في قلوبنا منزلة أرقى وأعلى من منزلته السابقة.