فتاوى نور على الدرب [564]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده؟ وهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه جزاكم الله خيراً.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه بصفاته الحميدة والأخلاق الفاضلة أمر مطلوب مشروع، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ولكن اتخاذ ذلك في ليلة معينة أو يوم معين بلا دليل من الشرع يعتبر بدعة؛ لأن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة، إذا لم يصل إلى حد الغلو، والعبادة لابد أن يكون فيها إذن من الشرع، وما علمنا أن الشرع خص يوماً أو ليلة معينة ليمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا يوم الجمعة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( أكثروا فيه من الصلاة علي فإن صلاتكم معروضة ).

والاحتفال بليلة مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية الشرعية، أما من الناحية التاريخية فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أو في ليلته، وقد حقق بعض الفلكيين العصريين أنه ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، وأما من الناحية الشرعية فلو كان في الاحتفال بمولده أجر وثواب لكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يفعل ذلك، لأنه لن يفوت فرصة فيها أجر وثواب إلا قام بها صلوات الله وسلامه عليه، أو لأرشد أمته إلى ذلك بقوله، وعلى فرض أن الأمر لم يكن في عهده فلم يكن في عهد الخلفاء الراشدين، أعني الاحتفال بمولده، ولا فيمن بعدهم، وأول ما حدث في القرن الرابع الهجري، أحدثه بعض ولاة إربل، فتبعه الناس على ذلك، لكن لم يتبعه أحد ممن ينتمي إلى السلف الصالح فيما نعلم، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا الاحتفال قربة يتقرب به إلى الله، أو بدعة لا تزيد العبد إلا ضلالة، فإن قلنا بالأول بأنه قربة يتقرب بها إلى الله، فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها، وأين الخلفاء الراشدون، وأين الصحابة، فإما أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جهلها، ولم يعلم شرع الله فيها، وإما أن يقال: إنه علمها ولكنه كتمها، وكلا الأمرين خطر عظيم، سواء قلنا: إنه جهلها ولم يعلم، أو قلنا: إنه علمها ولكن كتم، وكيف تكون من شريعة الله وقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، أين الكمال إذا كانت مشروعة ولم تذكر في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم علمها ولكن كتمها عن الناس، فما أعظمها من فادحة؛ لأنه يكون الرسول عليه الصلاة والسلام توفي ولم يبلغ شيئاً مما أنزل الله عليه من الحق، ولهذا لو تأمل الإنسان هذه البدعة وغيرها من البدع لوجد أن البدعة أمرها عظيم وخطرها جسيم، وأنه لولا حسن النية من بعض محدثيها لكان شأنهم شأن خطير جداً، لذلك ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يدعوا هذه البدعة، وأن يكتفوا بما شرع الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما ادعاه محدثوها من أنها إحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقول: إنه إحياء حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال: ( إياكم ومحدثات الأمور )، ثم نقول أيضاً: في الشريعة الإسلامية غنى عن هذا الإحياء، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر في الأذان، ويذكر في الصلاة، ففي الأذان أشهد أن محمداً رسول الله، وفي الصلاة في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، بل نقول: إن من كان حياً فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم ها؛ لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عابد فلابد أن يخلص لله، ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذه ذكرى، وفي هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها، ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة، ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد، التي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم، الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم، وتلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن أخذاً يوم الميعاد بيدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

هذه أبيات في البردة، قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير، لكن الكلام على المضمون لا على الشكل، فالذي يقول للرسول عليه الصلاة والسلام مخاطباً له: إن من جودك الدنيا وضرتها، وضرة الدنيا هي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم، قد ألحقه، أي: ألحق النبي صلى الله عليه وسلم بمقام الربوبية، ولم يبق لله شيئاً، إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها، فما الذي بقي لله، ثم نقول: هذا من أكبر الكذب، أن تكون من جوده الدنيا وضرتها، لماذا؟ لأن الرسول خُلق، حدث في آخر الدنيا، كيف تكون الدنيا من جوده.

ثم إننا نسمع إنه يحصل في هذا الاحتفال من الاختلاط بين الرجال والنساء، وبين الكبار والمراهقين والمردان، ويحصل في هذا شر كبير، ثم إنه يظهر في هذا الاحتفال من شعائر الأعياد كالفرح والسرور، وتقديم الحلوى وما أشبه ذلك، ما يجعله ابتداعاً في دين الله؛ لأن الأعياد الشرعية هي عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الأسبوع الجمعة، ثم إنه يحصل في هذا الاحتفال بذل أموال كثيرة، في غير فائدة، بل في مضرة، وكل هذا يوجب للإنسان الناصح لنفسه أن يبتعد عنه، فهذه نصيحة من أخ مخلص لإخوانه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لها آذاناً صاغية وقلوباً واعية.

السؤال: هل يجوز الحضور في صلاة الجمعة وباقي على الإقامة خمس دقائق فقط؟

الجواب: نعم يجوز الحضور ولو كان قد شرع في الصلاة، لكن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فيجب على الإنسان إذا سمع أذان الجمعة وهو الأذان الذي يكون عند حضور الإمام أن يسعى إليها، ليدرك الاستماع للخطبة الصلاة كاملة، ويدرك الصلاة كاملة، أما قبل أن يؤذن الأذان الثاني فإنه لا يجب الحضور، قال أهل العلم: إلا من كان منزله بعيداً، بحيث لا يصل إلى المسجد إلا بعد الأذان الثاني، فيجب أن يسعى إلى الجمعة بحيث يصل إلى المسجد عند الأذان الثاني.

السؤال: ما مدى صواب هذه العبارة: من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم؟

الجواب: ليست صحيحة هذه العبارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من أحب قوماً فهو منهم )، فمن أحب قوماً فهو منهم ولو عاشرهم يوماً واحداً، ومن ليس بينه وبينهم صله في المحبة فهو لو بقي عندهم أربعين شهراً، فهذه العبارة ليست صحيحة.

السؤال: ما حكم إخراج تربة مكة منها وكذلك إخراج ماء زمزم من مكة؟ نرجو منكم الإفادة.

الجواب: لا بأس بإخراج تراب مكة إلى الحل، ولا بأس بإخراج ماء زمزم إلى الحل.

السؤال: هل قراءة القرآن بالتجويد المعروف الآن من السنة؟

الجواب: الذي يظهر لي أن قراءة القرآن بالتجويد الموجود الآن من تحسين التلاوة، ولكنه ليس بواجب، الواجب إظهار الحروف والحركات، لكن إذا أتى به على النحو المعروف الآن في التجويد، كان هذا من تحسين الصوت، بشرط ألا يبالغ في مخارج الحروف، فإن بعض الناس يبالغ في مخارج الحروف، حتى إنه يتكلف إخراج حرف القلقلة وأشباهها.

السؤال: ما الحكم فيمن يرغب في الزواج من امرأة تقرب له كابنة الخال أو ابنة العم، وهي كذلك، وكذلك ابن الخال أو ابن العم يرغب في الزواج من أخت المتقدم، وهي كذلك ترغب في الزواج منه. المهم أن جميع الأطراف متراضية إن شاء الله، فما هو الحكم الشرعي إذا تم الزواج على هذه الحالة؟ يرجو بهذا إفادة، ويقول في آخر السؤال: إذا كان هذا الزواج يدخل في حكم الشغار الذي حرمه الإسلام، فما هي الطريقة الشرعية المثلى التي يجب أن نسير عليها، حتى يكون هذا الزواج شرعياً وصحيحاً، والحالة ما ذكر مأجورين؟

الجواب: هذا الزواج الذي سأل عنه السائل ليس من باب الشغار؛ لأن باب الشغار أن يشترط عليه أن يزوجه موليته، فيقول: أزوجك أختي بشرط أن تزوجني أختك، أما إذا وقع هذا من غير شرط فلا بأس بذلك، وليس من باب الشغار في شيء.

مداخلة: لكن هل يجب تحديد المهر وتسويته؟

الشيخ: لا يجب تحديد المهر ولا تسويته، بل كل إنسان يعطي من المهر ما يستطيع.

السؤال: الحكمة من تحريم الشغار، وجهونا بهذا؟

الجواب: الحكمة من تحريم الشغار أنه ظلم للمرأة، وأنه يفتح باب المحاباة لمن أراد أن يزوجه، ويدع مراعاة حسن الخلق والدين، لأنه يريد أن يشبع رغبته في نكاح المرأة الأخرى، وهذا شيء مشاهد، فإنه لو أُحل الشغار لم يزوج أحد ابنته إلا من يوافق على أن يزوجه ابنته، وهلم جرا.

السؤال: هل تجوز قراءة القرآن بعد دفن الميت في بيت الميت، أو في أي مكان والاجتماع على القراءة أم لا؟

الجواب: الاجتماع على القراءة بعد دفن الميت سواء في بيت الميت أو في المسجد، أو في بيت رجل آخر بدعة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك، بل اجتماع أهل الميت وتلقي المعزين مكروه عند أهل العلم، فإن اقترن به أن يؤتى بالذبائح والولائم ويجتمعون عليها، فإنه يكون من باب النياحة التي قال عنها جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة، لهذا نحذر إخواننا من تعاطي هذه الأشياء، وأن ينهجوا في تعزيتهم منهج السلف الصالح، حيث أن الواحد يعزى متى وجده الإنسان عزاه، ولم يكن أحد من السلف الصالح يفتح بابه للمعزين الذين يأتون من أطراف البلاد، بل ربما يأتون من بلاد أخرى ويتكلفون المشاق، حتى إنه لو تخلف أحدهم عن ذلك لعده الناس قاطعاً لرحمه، أو عدوه من الجفاة الذين لا يهتمون بهذه الأمور.

السؤال: هل ركعة بعد صلاة العشاء تعد وتراً، أي: بعد الركعتين الأخيرتين؟ وهل هي جهراً أم سراً وتكون في قصار السور أم من طوال السور؟

الجواب: يريد السائل هل يجوز أن يوتر الإنسان بركعة واحدة بعد راتبة العشاء، والجواب: أنه يجوز أن يوتر بواحدة بعد صلاة العشاء وراتبتها، وأن يوتر بثلاث سرداً يتشهد في آخرهن، وأن يوتر بثلاث يسلم من ركعتين ثم يأتي بالثالثة، وأن يوتر بخمس سرداً، وبسبع كذلك، وبتسع سرداً ويتشهد عقب الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم، ويجوز أن يوتر بإحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، فالأمر في هذا واسع، وأما القراءة فيقرأ ما تيسر له، سواء أوتر بواحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة، إلا إنه إذا أوتر بثلاث فالأفضل أن يقرأ في الأولى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وفي الثانية: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

السؤال: عندما يصلي الإنسان لوحده في صلاة جهرية هل يجهر بالقراءة أم هو مخير بذلك، لأن كثيراً من الناس نراهم يجهرون بصلاتهم عندما يصلون لوحدهم، وجزاكم الله خيرا؟

الجواب: يقول العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا صلى وحده في صلاة الليل فهو مخير بين أن يجهر بالقراءة أو يسر بها، ولكن إذا كان معه أحد يصلي فلابد من الجهر، ودليل ذلك حديث حذيفة بن اليمان أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرع في سورة البقرة، وكان لا تمر به آية رحمة إلا سأل، ولا آية وعيد إلا تعوذ، وقال حذيفة : فظننت أنه يركع عند المائة، أي: عند إتمام مائة آية من البقرة، فمضى حتى أتمها ثم قرأ بعدها سورة النساء وآل عمران، يعني قرأ النساء بعد البقرة ثم آل عمران ثم ركع، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بذلك، ولولا هذا ما علم حذيفة بما كان يقوله عند آية الرحمة وآية العذاب، وآية التسبيح، فإنه كان إذا مر بآية تسبيح يسبح، وهنا إشكالان في هذا الحديث؛ الإشكال الأول: هل تشرع صلاة التهجد جماعة أو لا؟ وجواب هذا الإشكال أن يقال: لا تشرع صلاة التهجد جماعة على وجه الاستمرار، أما أحياناً فلا بأس، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى معه حذيفة كما في هذا الحديث، ومرة أخرى صلى معه ابن عباس رضي الله عنهما، ومرة ثالثة صلى معه عبد الله بن مسعود ، ولكنه عليه الصلاة والسلام لا يتخذ هذا سنة راتبة دائماً، ولا يشرع ذلك إلا في قيام رمضان، فإذا كان أحياناً يصلي جماعة في التهجد فلا بأس، وهو من السنة، وأما ما يفعله بعض الإخوة من الشباب الساكنين في مكان واحد من إقامة التهجد جماعة في كل ليلة، فهذا خلاف السنة، الإشكال الثاني: في هذا الحديث حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ سورة النساء بعد البقرة، ثم آل عمران، والذي بين أيدينا أن آل عمران بعد البقرة، والنساء بعد آل عمران، فكيف يكون الأمر؟ الجواب أن نقول: استقر الأمر على أن تكون آل عمران بعد البقرة، ولهذا تأتي الأحاديث في بيان فضائل القرآن بجمع البقرة وآل عمران، مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غماماتان أو فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما يوم القيامة )، فكان الأمر على الترتيب الموجود الآن في المصحف.