فتاوى نور على الدرب [501]


الحلقة مفرغة

السؤال: سمعت كثيراً من الأقوال والآراء عن رؤية الخطيب لمخطوبته، البعض يقول: بأنه جائز، البعض يتحرز لذلك بوجود ولي الأمر، والبعض يعتمد على رؤية إحدى القريبات، فهل يجوز رؤية الخطيب لمخطوبته قبل عقد زواجها؟

الجواب: يجوز للخاطب أن يرى مخطوبته لكن بشروط:

الشرط الأول: أن يحتاج إلى رؤيتها، فإن لم يكن حاجة فالأصل منع نظر الرجل إلى امرأة أجنبية منه؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] .

ثانياً: أن يكون عازماً على الخطبة، فإن كان متردداً فلا ينظر، لكن إذا عزم فينظر ثم إما أن يقدم وإما أن يحجم.

ثالثاً: أن يكون النظر بلا خلوة، أي: يشترط أن يكون معه أحد من محارمها إما أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها؛ لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت ).

الرابع: أن يغلب على ظنه إجابتها وإجابة أهلها، فإن كان لا يغلب على ظنه ذلك فإن النظر هنا لا فائدة منه، إذ أنه لا يجاب إلى نكاح هذه المرأة سواء نظر إليها أم لم ينظر إليها، وقد اشترط بعض العلماء ألا تتحرك شهوته عند النظر، وأن يكون قصده مجرد الاستعلام فقط، وإذا تحركت شهوته وجب عليه الكف عن النظر؛ وذلك لأن المرأة قبل أن يعقد عليها ليست محلاً للتلذذ بالنظر إليها، فيجب عليه الكف، ثم إنه يجب في هذا الحال أن تخرج المرأة إلى الخاطب على وجه معتاد، أي: لا تخرج متجملة بالثياب، ولا محسنةً وجهها بأنواع المحاسن؛ وذلك لأنها لم تكن الآن زوجةً له، ثم إنها إذا أتت إليه على وجه متجمل لابسة أحسن ثيابها فإن الإنسان قد يقدم على نكاحها نظراً لأنها بهرته في أول مرة، ثم إذا رجعنا إلى الحقائق فيما بعد وجدنا أن الأمر على خلاف ما واجهها به أول مرة.

السؤال: رجل وجد ماشية في الطريق وأخذها وقام ببيعها بمائة ريال، يقول: قد كنت محتاجاً إلى النقود في ذلك الوقت، ولما رزقني الله ماذا أفعل هل أشتري ماشية وأقوم بتركها بدل الأولى أم أتصرف في هذه النقود؟

الجواب: الواجب على من وجد ماشية أن يبحث عن أهلها، ونعني بالماشية: ما يجوز التقاطه كالغنم، وأما ما يحرم التقاطه كالإبل فإنه لا يجوز له أن يتعرض لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( سئل عن ضالة الإبل فقال: دعها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ).

لكن إذا كانت الضالة غنماً أو شبهها مما لا يحمي نفسه من صغار السباع فله أن يلتقطها ولكن بشرط أن يكون ذلك بنية ردها إلى صاحبها، وأن ينشدها لمدة سنة كاملة، فإن جاء صاحبها وإلا فهي له، والسائل كما يتبين من سؤاله لم يفعل ذلك، فهو لم ينشد هذه الضالة بل أخذها وباعها وأنفق ثمنها، فالواجب عليه إذاً أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتصدق بالثمن الذي باعها به، وإن كانت تساوي أكثر مما باعها به فليتصدق بما تساوي وقت بيعها مع التوبة إلى الله، ولينوي بهذا الصدقة من هي له، والله سبحانه وتعالى يعلم من هي له.

السؤال: وجدت في أحد الكتب في أحد المساجد حديث: ( من أدى فريضة في رمضان فذلك يعادل سبعين فريضة، ومن أدى نافلةً كمن أدى فريضة وما سواه، ومن أفطر يوماً من رمضان متعمداً لم يقبل منه القضاء ولو صام الدهر كله ). وقرأت أن هذا الحديث ضعيف، بينما أئمة المساجد يتحدثون بهذا الحديث بأنه صحيح، وكذلك في الإذاعة، فأرجو من فضيلة الشيخ إجابتي وإرشادي؟

الجواب: الحديث المذكور كما ذكر الأخ السائل هو حديث ضعيف، لكن بعض أهل العلم -غفر الله لنا ولهم- يتساهلون في الحديث إذا كان ضعيفاً وهو في فضائل الأعمال، ويقولون: إن المقصود به الترغيب، فإن كان صحيحاً فهذا هو المطلوب، وإن لم يكن صحيحاً فإنه لا يضر لأنه يعطي الإنسان قوةً في الطاعة إذا كان في الترغيب، أو بعداً عن المعصية إذا كان في الترهيب، ولكن القائلين بهذا يقولون: لا بد من ثلاثة شروط:

الأول: ألا يكون الضعف شديداً.

والثاني: أن يكون لهذا الحديث أصل صحيح، مثل أن يرد حديث في فضل صلاة الجماعة وهو ضعيف، وهذا له أصل؛ لأن الشرع حث على صلاة الجماعة.

والثالث: ألا يعتقد صحته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الجزم، بل يقول: يروى أو يذكر أو ما أشبه ذلك، لكن بعض العلماء المحققين قالوا: لا يجوز رواية الضعيف وإلقاؤه بين الناس سواء تمت فيه هذه الشروط أم لم تتم؛ لأن فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفاية، وهذا أقرب إلى الصواب؛ لأن الباب الأول لو فتح لم يميز الناس بين الضعيف الشديد الضعف والضعيف الخفيف الضعف، ولتعلق الناس بأحاديث ضعيفة وحفظوها في صدورهم، وأصبحت كالعقيدة عندهم، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال الكفاية.

السؤال: يوجد في جوار الحرم المكي أشخاص عند كبينة الهواتف الموجودة في جوار الحرم، وإذا طلب أحد الإخوة أن يصرف ريالات حديد للاتصال يقولون: الريال الحديد بريالين من الورق أو ثلاثة ريالات حديد بخمسة ريالات من الورق، أرجو من فضيلة الشيخ إرشادي في هذا هل هذا حرام أم حلال؟

الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، فمن العلماء من يقول: إنه لا يحل أن يصرف تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية؛ لأن قيمة هذا هي قيمة هذا، وأنت لو ذهبت إلى السوق لتشتري شيئاً قيمته ريال ورق لاشتريته بما قيمته ريال من المعدن، والعكس بالعكس، وإذا كان كذلك فإن الزيادة تكون من الربا، ويرى آخرون من العلماء أن هذا لا بأس به، وأنه يجوز أن يصرف عشرة ريالات بتسعة من المعدن، لكن بشرط أن يكون ذلك يداً بيد، وهذا أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )، وعلى هذا فيجوز أن تعطيه عشرة ريالات ورقية ويعطيك تسعة ريالات معدنية.

السؤال: ما هي الأسباب المعينة على المحافظة على الدين؟ نرجو بهذا إفادة.

الجواب: من الأسباب المعينة على قوة الإيمان كثرة الطاعات، وأهمها الواجبات ثم النوافل؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، وكلما ازداد الإنسان طاعةً لله ازداد إيماناً وتقوى، قال الله تبارك وتعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17] .

فالحرص على كثرة القرآن والذكر والصلاة والصدقات وغيرها من القربات كل هذا يزيد الإنسان إيماناً وقوةً وحباً للخير، والمعاصي هي أسباب الشر والفساد كما قال الله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، قال العلماء: لا تفسدوها بالمعاصي، وكلما فعل الإنسان المعصية نقص إيمانه، وبعد من ربه عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].

ومن أسباب زيادة الإيمان: أن يطالع الإنسان في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام، فإن فيها تربيةً للقلب والعقل والفكر، وفيها زيادة الإيمان، ومحبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وتربي الإنسان تربيةً تامة على غرار ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

السؤال: ماذا يفعل الإنسان بالشعر المتساقط أو الأظافر هل يتم حرقها أم وضعها في التراب؟

الجواب: ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينبغي للإنسان أن يدفن ما يزيل عن نفسه من شعر وظفر، واستدلوا لذلك بفعل الصحابة رضي الله عنهم، فإن تيسر هذا فذاك، وإن لم يتيسر فلا بأس أن يضعه في أي مكان كان.

السؤال: عندما أقرأ سورة الفاتحة في الصلاة أقول في نهايتها: آمين، هل يجوز هذا؟

الجواب: نعم، يشرع للإنسان إذا أتم قراءة الفاتحة في الصلاة أن يقول: آمين؛ لأن آخرها دعاء - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]- والدعاء ينبغي أن يختم بآمين؛ لأن آمين معناها: اللهم استجب، ثم إني أذكر إخواني المستمعين بأن الفاتحة هي أم القرآن والسبع المثاني، وهي التي لا بد من قراءتها في الصلاة، فلا صلاة لمن لم يقرأ بها، وذلك لما تشتمل عليه من المعاني العظيمة، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ).

فينبغي للإنسان حال قراءة الفاتحة في الصلاة أن يستحضر هذا المعنى العظيم، فإن هذا من أسباب حضور القلب في الصلاة.

السؤال: هل يجوز لي أن أحج بمال أخي علماً بأنني لا أملك مالاً؟

الجواب: يجوز للإنسان أن يحج بما يتبرع به له أبوه أو أخوه أو ابنه أو أحد من إخوانه الذين لا يلحقه منهم مِنَّة، فإن كان يخشى أن يلحقه منهم مِنَّة فإن الأولى ألا يحج بشيء من ماله؛ لأن المنان يقطع عنق صاحبه بمنته عليه، كلما حصلت مناسبة قال: أنا الذي أحججت بك، أنا الذي فعلت، أنا الذي فعلت، فإذا أمن الإنسان من المنة عليه في المستقبل فلا حرج عليه أن يقبل من أحد أقاربه أو أصحابه أن يتبرع له بمال يحج به.

السؤال: أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته؟

الجواب: الفرق بين الاسم والصفة ظاهر، فإذا قلت مثلاً: السميع، فالسميع اسم، والصفة السمع، وإذا قلت: البصير، فالبصير هو الاسم، والصفة البصر، وإذا قلت: العلي، فالعلي هو الاسم، والعلو صفة، وإذا قلت: الحكيم فالحكيم اسم، والحكمة صفة، وهلم جراً، فهذا هو الفرق، فالاسم ما تسمى الله به، والصفة ما اتصف الله به، وهي المعنى القائم بالله عز وجل، وهناك صفات ليست صفات معاني مثل اليد، فلله تعالى يدان اثنتان، قال الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64] ، والعين فلله تعالى عينان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور )، وما أشبه ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، فهذه الصفات وأمثالها ليست صفات معاني ولكنها صفات مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء.

السؤال: عندنا في صلاة الجمعة وقبل دخول الإمام إلى المنبر يقرأ أحد القراء ما يتيسر من القرآن والجميع ينصتون فهل هذا وارد؟

الجواب: هذا ليس بوارد، يعني: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أن أحداً من الناس يقرأ والباقون يستمعون وهم في انتظار صلاة الجمعة، ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك؛ لأن هذا بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ ولأن هذا يشوش على الآخرين ولا سيما من دخل وصلى تحية المسجد، فإنه سوف يلحقه من التشويش ما يجعله لا يستحضر ما يقول ويفعل في صلاته، وهذا أذية للناس، ( وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يصلون في المسجد ويجهرون، فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة ).

والمهم أن ما ذكره السائل بدعة، وأنه لا يجوز لأحد أن يؤذي المصلين في هذا أو غيره.