فتاوى نور على الدرب [498]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما رأيكم في من كان عنده فتاة ويتقدم لها الخطاب ولكنه يقوم برفضهم واحداً تلو الآخر حتى بلغت سن الثلاثين عاماً، وحرمها من زهرة شبابها، ما رأيكم في هذه القضية؟

الجواب: رأينا في هذا الرجل الذي يتقدم إلى موليته خطاب كثيرون ولكنه يردهم حتى بلغت سن الثلاثين أنه أخطأ في هذا التصرف، فإنه يجب عليه إذا تقدم إلى موليته خاطب كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها، ولا يحل له أن يمنعها من ذلك، فإن فعل هذا فإنه يكون في ذلك فاسقاً، وتسقط ولايته، وتكون لغيره من الأولياء الأولى فالأولى، حتى ولو كان أباها أو أخاها الشقيق فإنه ليس له الحق في أن يمنعها؛ لأن ذلك خلاف الأمانة التي حمله الله تعالى إياها، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).

وقال الله تبارك وتعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يبادر بإنكاحها أول كفء يخطبها، وعليه أيضاً أن يستحلها مما فعل معها في عدم تزويجها من خطبها من الأكفاء، فإن لم يفعل فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده من الأولياء الأولى فالأولى.

السؤال: ما هو توجيهكم للآباء بالنسبة لغلاء المهور حتى يكون الشاب مستطيع للزواج؟

الجواب: نعم، أنا أوجه إخواني الشباب وأولياء الأمور أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في ترك المغالاة في المهور، فإن المغالاة في المهور قد تؤدي إلى شيء يكرهه الزوج، قد تؤدي إلى أن يتعثر النكاح دونه فيلجأ إلى شيء محرم، وقد تؤدي إلى أن يستدين الإنسان ديوناً تثقل كاهله، وغلاء المهور يؤدي إلى تعلق الرجل بالزوجة وإن كان كارهاً لها فتكون حياتهما حياة سوء، وغلاء المهور خلاف ما حث عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً على نعلين، وقال لرجل آخر: ( التمس ولو خاتماً من حديد )، ولو كانت المغالاة في المهور تقوىً لله أو مكرمة عند الله لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فنصيحتي للجميع: أن يخففوا المهور بقدر المستطاع، والنكاح في الحقيقة ليس من أجل زيادة المهر، أو تحصيل المهر، وإنما النكاح من أجل أن تكون المرأة عند رجل صالح، يحصن فرجها، ويحصل به الحياة السعيدة، والمعونة على البر والتقوى، وتحصين الفرج، وكف النظر، وغير ذلك.

السؤال: ما حكم هذه الأفعال التي تصدر من زوج لزوجته أولاً: يسبها ويشتمها بسبب وبدون سبب.

ثانياً: يقوم بهجرها منذ تسعة أشهر وزيادة على ذلك لا ينام في غرفته، وعندما سألته عن السبب قال: بأنه عازم على الطلاق، ولكن ليس الآن، لا ينفق عليها تقول: في حين بأنه ينفق على أخواته وهن عاملات ومتزوجات، تقول أيضاً: هذه الزوجة تصلي، وتصوم، وتقرأ القرآن، وتقوم بتربية الأولاد على الوجه الأكمل، هذا الزوج في بيتها يتهاون في أوقات الصلاة، ولا يصلي في الجامع وهو قريب من المنزل، ولا يقرأ القرآن، ولا يستمع إليها؟

الجواب: الجواب على هذا السؤال من شقين:

الشق الأول: بالنسبة لهذا الزوج، فإن كان ما ذكرت السائلة عنه صحيحاً فلا شك أنه أخطأ في تصرفه مع أهله، وأن الواجب عليه أن يعاشر أهله بالمعروف كما قال الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].

وقال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] ، فإذا كان هذا الزوج لا يرضى أن تخل امرأته بشيء من المعاشرة الحسنة فكيف يرضى أن يخل هو بشيء من المعاشرة الحسنة بالنسبة لزوجته؟ وليعلم أن أي حق يضيعه من حقوقها فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبه عليه، وإذا كان يرى من نفسه أنه أعلى من الزوجة فإن الله تعالى فوق الجميع، فالواجب عليه أن يراعي الله سبحانه وتعالى، وأن يتقي الله في نفسه أولاً ثم في زوجته ثانياً.

أما الشق الثاني فهو بالنسبة لهذه الزوجة آمرها بأن تصبر وتحتسب الأجر من الله، وتنتظر الفرج، فإن دوام الحال من المحال، وسيجعل الله بعد عسر يسراً، ولتصبر على أذى الزوج من أجل الاحتفاظ بالبقاء معه من شأن الأولاد؛ لأنه لو حصلت الفرقة ضاع الأولاد، وصاروا بين أم وأب متباعدين، فتضيع مصالحهما بسبب هذا الفراق، وإني أقول لها: إن الله سبحانه تعالى قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وقال عز وجل: وَاصْبِرُوا أن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] .

أسأل الله تعالى أن يعين الجميع على ذكره وشكره وحسن عبادته.

السؤال: أنا امرأة من مكة زوجي يتسحر في رمضان فيما يقارب الثالثة صباحاً، وينام حتى الخامسة عصراً، ثم يصلي الصلوات، فهل يسمى ذلك كافراً؟ وهل أبقى عنده؟

الجواب: ليس هذا بكافر، لكنه عاص، وصومه ناقص جداً؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ).

وأي شيء أعظم من ترك الصلاة، وما هذا الرجل إلا شبيه بالمستهزئ بالله عز وجل، كيف يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة والسلام، وجعلها موقوتة بأوقات معلومة لا يجوز تقديمه عليها، ولا يجوز تأخيره عنها، ثم كيف يتقرب إلى الله تعالى بالصيام وهو يتباعد من الله في ترك الصلاة؟ هذا قلب للأمور وقلب للحقائق، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله مما صنع، وأن يجدد عزيمةً صادقة على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ومن تاب تاب الله عليه.

السؤال: عندما أدخل في الصلاة أشعر بالخشوع في الركعتين الأولى والثانية، وبعد ذلك أفقد الخشوع ولا أدرك ذلك إلا في نهاية الصلاة، فأندم على ذلك، فماذا أفعل؟ وما السبيل إلى ذلك؟

الجواب: السبيل إلى إبقاء الخشوع أن تنتهي عن كل ما يرد على قلبك من الوساوس والهواجس، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد شكي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثرة الوساوس، فأمر المصلي أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ففعل الرجل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فأذهب الله عنه ما يجد.

فليكن دائماً مستحضراً عظمة الله سبحانه وتعالى، وأنه واقف بين يديه يناجيه بكلامه، ويتقرب إليه بدعائه، ويتملق إليه بإلحاحه بالدعاء، فإن هذا كله مما يعين الإنسان على حضور القلب في الصلاة.

السؤال: هل تصح الصلاة بإمامة من لا يحسن القراءة؟

الجواب: إمامة من لا يحسن القراءة فيها تفصيل: فإن كان لا يحسن القراءة الواجبة بحيث يلحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى فإن إمامته لا تصح؛ لأن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، وإن كان يلحن لحناً لا يحيل المعنى أو كان لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة ولم يتقص به فإن صلاته لا تبطل، لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون هذا إماماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وإذا كان هذا لا يحسن القراءة فكيف يكون إماماً؟ ولكن ينبغي أن يقال: إن من الأئمة القدامى الذين هم أئمة منصوبون في هذه المساجد من لا يحسن القراءة، فنقول: يعلم هذا كيف يقرأ، فإن استقام لسانه فذاك، وإن لم يستقم فإنه يرفع الأمر إلى الجهات المسئولة لينظر في شأنه.

السؤال: إذا كنت أريد أن أعزي أحداً أو أهنيه أو أسلم عليه وهو جالس هل أمد يدي له أو أنحني له لأسلم عليه؟

الجواب: لا يحل للمرأة أن تصافح الرجل إذا كان من غير محارمها سواء صافحته مباشرةً أو من وراء حائل؛ لأن ذلك فتنة، ووسيلة إلى الفاحشة، وما كان وسيلة للشر كان ممنوعاً، فلا يحل لها أن تصافح أحداً من غير محارمها.

أما محارمها فيجوز لها أن تصافحهم، ولكنها لا تنحني لهم؛ لأن الإنحناء حين الملاقاة والمصافحة منهي عنه، وعلى هذا فنقول في خلاصة الجواب: لا بأس أن تصافح المرأة من كان من محارمها، ولا يحل لها أن تصافح من ليس من محارمها لأي سبب كان.

السؤال: إذا غسلنا الثياب بالماء والصابون وكانت فيها نجاسة، هل يصح الصلاة بها؟ وهل يكفي ذلك؟

الجواب: غسيل الثياب بالماء والصابون يطهرها، بشرط أن تزول عين النجاسة، فإذا كانت النجاسة شيئاً جامداً فلا بد من حكه أولاً بالماء، ثم غسله بعد حكه وإزالته؛ لأنه لا يمكن أن تطهر الثياب وعين النجاسة باقية فيها، وإذا طهر الثوب من أي نجاسة كانت سواء كانت من البول أو الغائط أو دم الحيض فإن الصلاة فيه تجوز؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إذا حاضت وأصاب ثوبها دم الحيض أن تقرصه ثم تغسله بالماء ثم تصلي فيه.

السؤال: إذا كان في عيني مرض ومنعني الطبيب من الماء هل يصح لي التيمم لمدة طويلة؟

الجواب: إذا كان في العين مرض وقال الطبيب: إن الماء يضرها فإنه ينظر هل يمكن أن تمسح على العين مسحاً بأن تبل يديها بالماء وتمسح عليها إن كان كذلك وجب عليها أن تمسح، وإن لم يمكن وكان يضرها الغسل والمسح فإنها تغسل من وجهها ما لا يضره الماء، وتتيمم عن الباقي؛ لعموم قوله تبارك وتعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه [النساء:43].

وقوله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

السؤال: نحن نعلم بأن الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، فما هي الصدقة الجارية والعلم النافع؟

الجواب: الصدقة الجارية مثل أن يبني مسجداً يصلي المسلمون فيه، أو يبني بيتاً للمساكين يسكنونها، أو يطبع كتباً ينتفع المسلمين بها، أو يوقف أرضاً يكون مغلها للفقراء، هذه هي الصدقة الجارية.

أما العلم النافع كأن يعلم الناس مما علمه الله سواء كان تعليماً عاماً الذي يكون في المساجد على عامة الناس، أو تعليماً خاصاً للطلبة، فإن هذا العلم إذا انتفع الناس به بعد موته جرى له أجره بعد الموت، وفي هذا الحديث الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) فيه حث على نشر العلم حتى يتسع أجر الإنسان ويكثر أجر الإنسان.

وفيه حث على تربية الأولاد تربيةً صالحة؛ لأنهم إذا كانوا صالحين بروا بآبائهم في الدنيا، ودعوا لهم بعد الموت.

وفيه أيضاً إشارة إلى أن الدعاء للميت أفضل من العبادة، يعني: أفضل من أن يهدي الإنسان له عبادة، فلو قال شخص: أيهما أفضل أن أدعو لأبي الميت أو أتصدق له؟ قلنا: الأفضل أن تدعو له؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( أو ولد صالح يدعو له )، قال ذلك وهو يتحدث عن الأعمال، ولو كانت الأعمال الصالحة أفضل من الدعاء لأرشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.