صرخة إسلامية وغضبة نسائية


الحلقة مفرغة

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإنني أسطر هذه الكلمات بحزن وبألم، وأشعر بعجز وأحس بتقصير، ولا أبالغ إن قلت: إنه ينبغي لنا أن نطأطئ الرءوس على فقدان أمر مهم، ألا وهو غيرتنا الإسلامية وحميتنا الإيمانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لنفسه، لكن إذا انتهكت محارم الله غضب غضباً لم يغضب كغضبه أحد من الناس.

إنها صرخة إسلامية وغضبة نسائية، تحدثت بها امرأة يوم سكت كثير من الرجال، وصدعت بها امرأة يوم تأخر كثير من الرجال، ولقد حذرت من قضية اختلال الأمر في بلادنا، واختلال التطبيع الإسلامي، حتى يصبح ما هو إيماني إسلامي في بلاد الحرمين ومنبع الإسلام ومهبط الرسالة أمراً شاذاً مخالفاً، ويصبح هذا الشاذ المخالف لديننا بعد فترة من الزمن مألوفاً مقبولاً.

وأتركك -أيها القارئ- قليلاً لنستمع إلى كلمات هذه الصرخة الإسلامية والغضبة النسائية، التي جاءت بعد توالي أحداث تنتظم في سلك واحد، يوجه إلى نسائنا المؤمنات في بلاد الحرمين خاصة، ويزعزع البنيان الإيماني والكيان الإسلامي من خلال التماسك والترابط الاجتماعي الأسري.

سأمضي مع هذه الصرخة وأعود من بعد إلى واقعها، واعذرني ابتداء إن خرج الحديث عن سياقه المعتاد وانضباطه المألوف، فإن في المسألة والحقيقة ما قد يؤدي إلى ذلك.

تقول هذه الصرخة النسائية: كل يوم تفجعنا صحافتنا حتى بتنا لا نثق بها ولا نحترمها، كل يوم يطالعنا مقال يسيء للنساء في بلاد الحرمين، فهذه صحيفة تصف عباءاتنا بأنها أكياس فحم، وتلك تصفنا بالنعاج، تركنا الصحف لهم وتركنا قراءة مقالاتهم، فبدءوا يطلون علينا في الشاشات، يخرج نساء ويتحدثن باسمنا وعلى ألسنتنا، تأتي امرأة متبرجة معترضة على الأحكام الشرعية، وتقدم على أنها امرأة سعودية ونموذج لنساء الحرمين، حتى طفح كيل النساء المسلمات العفيفات فصرخن مثل هذه الصرخات.

تقول الصارخة المؤمنة: المتحدثات بألسنتنا قلة من البنات، بل إنهن في حكم الشاذات، إنهن يسعين لهدم الدين والتقاليد والعادات، والسبب أن الإعلام معهن وفي صفوفهن، ثم تبكي وتقول: ما أقسى كلمة التخلف والرجعية والتقليد إذا قالوها وهم يقصدون المرأة المسلمة المتحجبة العفيفة المصونة! وكل يوم يكتبونها ويقولونها دونما رادع أو مانع، ويحق لهم؛ لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.

تأتي واحدة -كما تقول الكاتبة- فتحرض بناتنا على اختراق المجتمع وسياسة الدولة، وتأتي أخرى فتتهمنا بأننا نريد الفساد والتخلف، وكلامها يوحي بأننا ضعيفات وجاهلات ومتخلفات وأن لدينا ازدواجية.

كيف نسكت على من تقول: بأن الجنة والنار والآخرة أشياء لا وجود لها؟!

ولقد أضنيت نفسي في البحث عن صحة هذه المقالة، فوجدتها بنصها على قناة للدولة، ومثل هذه المقالة تستهدف ديار الإسلام على وجه العموم، وديار الإسلام في بلاد الحرمين على وجه الخصوص.

تقول هذه المرأة المنحرفة على هذه القناة: إن (المطاوعة) -أي: الدعاة والعلماء- يخوفوننا ويربطون الحجاب بالجنة والنار والآخرة، وهذه أشياء لا وجود لها أصلاً.

تمضي هذه المرأة المسلمة الغيورة متسائلة: متى ستحاسب مثل هؤلاء النساء المنحرفات؟!

ثم تقول من بعد مخاطبة المسئول الأول في بلادنا: أنت تحبنا وتعبر عن هذا الحب لنا، ولا نشك في ذلك أبداً، لكننا نريد البرهان اليوم، فإذا كنت تحبنا فهل ترضى أن يؤذينا أحد؟! أسألك بالله هل سترضى لنا بالأذى؟

تنقلنا إلى الحقيقة المهمة، إلى التطبيع الإسلامي الذي ذكرته، حيث تقول: إن امرأة أو عشراً من النساء أو مائة أو ألفاً لا يعبرن عن ملايين من النساء هن نصف مجتمعنا صينات عفيفات مخدرات، قائمات بإيمانهن عاملات بإسلامهن، منشغلات بدعوتهن، مربيات لأبنائهن، عالمات متخصصات في مجالاتهن.

أقول: إنه الإعلام يجعل الواحد بألف وآلاف، إنها الكلمة التي تكتبها الكاتبات فتطير في شرق الأرض وغربها، وأمثالنا صامتون ساكتون، وربما لا يجيدون هذا الفن، أو إذا أرادوا الظهور في تلك الشاشات أو الكتابة على تلك الصفحات حيل بينهم وبين ما يشتهون.

هذه امرأة تعبر عن حقيقة تلمسها، وعن واقع تعيشه، عن أمثلة حية نراها بأعيننا، تقول لنا عن نساء هذه البلاد الطاهرات: ما رأيت امرأة اشتكت من السعادة والاستقرار وراحة البال؛ لأن المرأة المسلمة فرحة بدينها، راضية بإيمانها، مستقرة ومحبة لزوجها، حنونة على أبنائها، ملكة في بيتها، قائمة بواجبها.

والمفسدون يقولون: إنها مغلوبة على أمرها، إنها مقيدة تريد التحرر، إنها مكبلة تريد الانطلاق. لكن نساءنا يقلن غير ذلك، تقول: كلا، فهم يريدوننا بالقوة أن نشتكي من الفضيلة والشرف الذي يمنحنا إياه الحجاب الذي فرضه الله علينا.

وتخبر عن نسائنا فتقول: العاقلات منهن في ازدياد، ولا يغرنكم البنات في الأسواق، فإن الماكثات في البيوت آلاف الأضعاف، ما رأيت مثل إقبالهن على الله، لو رأيتم صفوفهن في المساجد في رمضان، والبنات في المدارس ينتظرن الندوات ويخشعن أمام المحاضرات، ويقبلن على القرآن بشغف وشوق، وهن في أوج المراهقة، وكان عدد المعتكفات في هذه السنة في مسجد الملك خالد في الرياض في حدود ثمانين معتكفة اعتكافاً كاملاً، نصفهن شابات في ربيع العمر.

لقد أظهرت غيظها وحنقها على أولئك الإعلاميين الذين يقلبون الحقائق، وأظهرت حقيقة الأمر حيث تقول: أغلبيتنا الساحقة داعية مثقفة محترمة، تعرف المؤامرة، وتدرك خطورة الانسياق وراء الغرب من بعض شعوب العرب.

إنهن يدركن المآل الذي نراه اليوم في بلاد مسلمة لديها تصريحات لممارسة البغاء والزنا، وبلاد عربية مسلمة فيها ملاهي الليل التي تحتسي فيها الخمور، والتي تدار فيها الكئوس وتتعرى الأجساد، ليست هذه المظاهر في بلاد غربية أو غير مسلمة، بل هي في بلاد المسلمين، ترونها كلما سافرتم، وتسمعون عنها وتعلمونها يقيناً، وبعض الناس يقارننا ببلاد تقرب منا بمسافات قصيرة، وكأن الجغرافيا هي التي تفرض العقائد وتفرض الشرائع والدساتير والأخلاق والقيم، وكأننا نقتبس من أي أحد، وكأننا في أعماق الجب نريد من يخرجنا، وكأننا في غياهب الظلمات ننتظر من ينير لنا الطريق، وكأنه ليس بين أيدينا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هناك تاريخ عظيم لنساء مؤمنات مسلمات عالمات على مر التاريخ الإسلامي.

ثم أعود مرة أخرى لندائها وهي تخاطب المسئولين في بلادنا فتقول: لابد للدولة من أن تتدخل لإلجام ألسنة الكاذبات من النساء اللاتي يقمن بتشويه سمعة هذه الدولة المباركة أمام العالم.

تأتي هذه الصرخات الكلمات والمواقف لتصور لنا الحقيقة، وتبين لنا الخروقات التي يوشك أن تتسع على الراقع، وأول الغيث قطر ثم ينهمر، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وإن الجبال من الحصى.

مسألة خطيرة في بنائنا الاجتماعي، بل في معتقدنا الإيماني وفي التزامنا الإسلامي، تلك المتحدثة المنحرفة تقول: ما العيب في أن تكون العباءة ملاصقة للجسم؟

ثم تخاطبنا في مقالة وليست في مقابلة تلفزيونية بحديث خطير يمرر ويقر ويقرأ، ويجوس خلال الديار، تقول: في الآونة الراهنة تشتد حاجتنا إلى إجراءات سريعة وحلول فاعلة، تقلل من احتمال تفاقم الميل إلى العنف عند الأجيال الجديدة.

إنها تريد أن تقدم لنا علاجاً لمشكلة العنف والإرهاب التي ركب موجتها كل أحد في قلبه غيظ على الإسلام والدين والعفة والحشمة، وفي فكره خلل.

ثم تعطينا بعض هذه الخطوات اللازمة حيث تقول: لابد منها وبسرعة شديدة، منها -على سبيل المثال لا الحصر- ضبط مرجعيات الإفتاء.

ولست أدري هل تريد أن تكون إحدى المفتيات، وهي تخبرنا عما هو موجود وما هو غير موجود!

ثم تقول: وتغيير الخطب الدينية التي تلقى هنا وهناك في عرض البلاد وطولها.

أي خطب هذه التي تغير؟! هل سنتكلم بلسان غير لساننا؟ هل سنقرأ في المنابر نصوصاً من التوراة بدلاً من القرآن؟! وهل سنذكر سيرة غير سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأحاديثه؟!

تريد تغيير الخطب الدينية في كل المساجد المؤسسة على التقوى في الحرمين الشريفين التي تنطق باسم المسلمين في كل مكان.

وتضيف قائلة: والبعد عن الاكتفاء بشجب التفجيرات واتخاذ الإجراءات الحاسمة.

وانظر إلى هذا القول: اتخاذ الإجراءات الحاسمة! وأقول: هل المراد اتخاذ الإجراءات الحاسمة تجاه المخدرات، وتجاه المسكرات، وتجاه العصابات، وتجاه الإجرام، أم تجاه أي تجمع ديني سواء كان لشباب أو على مستوى الندوات غير الرسمية التي تقيمها سيدات المجتمع في بيوتهن؟!

تريد أن تقول: أيها النساء! لا تتحدثن في بيوتكن بآيات الله، ولا تقرأن أحاديث رسول الله، ولا تعظن أخواتكن؛ لأن ذلك فيه تغذية للإرهاب وزرع لبذور العنف!

ثم تقول: إنها تريد الحسم ضد تجمعات النساء في بيوتهن.

وهذا من أعجب العجب، فكيف يسكت عنه؟! وكيف يمر دون حساب؟! وأحسب أن الأمر صار احتساباً تقدم فيه الدعارة في المحاكم؛ لأنه يتناولنا جميعاً بلا استثناء، ويتناول أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا ونساء مجتمعنا وأحوالنا الطبعية، تلك هي بلاد الإسلام، الإسلام فيها في كل مكان وفي كل زمان وفي كل تجمع وفي كل بيت وفي كل مدرسة وفي كل جامعة، من أعجبه ذلك فليعجبه، ومن لم يعجبه فبلاد الدنيا كلها فيها من الفسق والعهر والفجور والكفر ما يكفيه ويكفي غيره من الآلاف.

فلماذا لا يريدون بلداً واحداً يبقى على طهارته وعفته وشرفه؟! لماذا يريدون أن يصلوا إلى معقل الإسلام وموئل الإيمان ومنبع الرسالة وبلاد الحرمين الشريفين؟!

الأمر في هذا يطول والحديث فيه عظيم.

ثم تواصل أيضاً في قضية خطيرة، إنها ترى أن عندنا من الخطب والمحاضرات والمواعظ ما نحن في كفاية منه، فأوقفوه وأسكتوه ولا تزيدوا منه أبداً.

تقول: ليس الوقت بالملائم لتوعية أكثر في مجتمع متمسك بالإسلام وبتعاليم دينه؛ لأننا مسلمون متمسكون، فلماذا مرة أخرى تخطبون فينا؟ ولماذا تقولون المحاضرات؟ ولماذا تعدون برامج التوعية في المدارس والجامعات؟

وهذه المرأة تظهر متبرجة على الشاشات وتقول: يكفي فإن في مجتمعنا كفاية.

ثم ماذا تريد بدلاً عن ذلك؟ تقول: والتركيز عوضاً عن ذلك على إقامة مراكز للحوارات الدينية التي تتاح بها فرصة التحدث لكل الرؤى والمعتقدات.

فلنعقد في مساجدنا حواراً يكون المتحدث فيه يهودياً وإلى جواره نصراني وبينهما بوذي ليحدثونا عن أمورنا وعن شأننا، أليس هذا فحشاً من القول وشططاً؟ أليس حرياً بأن تكون هناك صرخات وغضبات عظيمة من معاشر الرجال قبل النساء؟!

أيها الإخ الكريم! دعني أسرد لك جملة من الحوادث قريبة العهد، لتجمع بينها ولترى أن القضية ليست هينة، ولنعلم جميعاً أن الصفحة الأولى في كل جريدة الأصل أن يوضع في الركن الأيمن منها أو في صدرها الخبر الأساسي المهم، الذي غالباً ما يرتبط بحدث سياسي أو أمني خطير، لكننا نطالع في أكبر صحيفة عربية خبراً بصورته، ماذا يقول لنا؟ يقول: أول امرأة سعودية تشترك في سباق الراليات للسيارات.

إنه خبر مهم جداً حتى تصدر الصفحة الأولى بهذا العنوان! إنها امرأة سعودية لا تقود السيارة بل تشارك في سباق للسيارات، وتجرى معها مقابلة تقول فيها: إنها تعبر عن المرأة السعودية، وتفتخر بجسارتها وشجاعتها وأن أهلها لم يعارضوها، وأنها تأمل في المستقبل أن تشارك في السباقات العالمية لترفع اسم بلادها. وغير ذلك مما تعلم.

وبعد ذلك بنحو أسبوع أو أسبوعين خبر آخر لامرأة سعودية تشارك في سباق آخر، وقبل ذلك بفترة أول امرأة سعودية تقود الطائرة، ولو بحثنا عن أول امرأة لوجدنا الكثير مما يبحثون فيه عن واحدة هنا أو هناك ثم يكون التسليط الإعلامي.

ووجه آخر، وهو إظهار هؤلاء النساء على أنهن يمثلن نساء بلادنا، وجلهن لم يعشن في هذه البلاد.

ولقد أتوا إلينا بامرأة عاشت ثلاثين عاماً في أمريكا، وهي تعيش حياتها متحررة من تعاليم دين الإسلام وضوابط الأخلاق، وجيء بها لتقدم محاضرة وهي سافرة متبرجة وتقول: إنها تعتز بانتسابها لهذه البلاد وتمثل المرأة المسلمة السعودية فيها.

ومثل هؤلاء النساء كذلك كلهن أقمن عشرات السنين خارج بلادنا، ثم يقدمن على أنهن النموذج الأمثل الذي يضرب للمرأة في بلادنا!!

أنتقل إلى ومضات أخرى ليست لنا، ولكنها لأولئك المفتونين والمأجورين الذين يتكلمون بلسان غيرهم، ويمررون مخططات غيرهم، ويأخذون ما يأخذون لأغراض لم تعد تخفى على كل صاحب عقل.

وفي صحيفة شهيرة أهدي لك هذه الإحصاءات لتهديها إلى أولئك المغرورين والمغرر بهم، فقد أجري استفتاء ودراسة على النساء في بريطانيا، ولا أحسب أحداً يمكن أن يتهم هذه الدولة بأنها منغلقة فكرياً، وأن نساءها معقدات، وأن رجالها على النساء متسلطون، لا أحد يتهمهم بذلك، ففي دراسة أجريت على ألف وخمسمائة امرأة، وظهرت النتائج أن (68%) من الشابات البريطانيات لا يشعرن بالرضا عن الحياة التي يعشنها.

نقول لهؤلاء المغرورين والمفتونين: فهل تريدون أن نصل إلى ذلك بنسائنا وأخواتنا وبناتنا؟!

المرأة المسلمة تقول: إنها مطمئنة مستقرة، يفيض بريق الفرح من عينيها عندما ترى أبناءها حولها، وتشع ابتسامة الرضا على ثغرها عندما تستقبل زوجها.

وهناك إحصاءات أخرى تقول: إن (63%) من النساء في الغرب يردن تغيير ظروف حياتهن، (67%) يشعرن بأنه ليس لهن أهمية تذكر في مقابل المشاهير.

وانظر إلى الإحصاءات العجيبة، فهناك ما هو أعجب، فواحدة من أصل عشر نساء في الغرب قالت: إنها لا تريد العمل بدوام كامل وترك أولادها في الحضانة. و(25%) يقلن: إنهن يرغبن في البقاء في المنزل للاهتمام بالأطفال. ولو قالت امرأة من نسائنا اليوم ذلك لقيل لها: ما زلت متخلفة رجعية تريدين أن تحبسي نفسك في بيتك.

وهذه إحصائية في بلد غربي تقول: إن (70%) من النساء يقلن: إنهن لا يردن العمل مثل جيل أمهاتهن. و(1%) فقط منهن قلن: إن مسيرتهن المهنية ستبقى تتصدر أولوياتهن بعد إنجاب الأطفال.

وفي دراسة أخرى أيضاً في ذات البلد على الفتيات المراهقات في سن الخامسة عشرة على عينة قدرها ألفا فتاة، منهن (35%) لا يشعرن بسعادة، فإن كانت في هذا السن لا تشعر بسعادة فما مصيرها؟! فبعد أعوام ستنتهك فيها عفتها، وتسلب حريتها، وتشتغل وتكد وتعمل، وتكون لقمة سائغة للذئاب البشرية من الرجال.

ثم تقول الإحصائية: إن (10%) منهن يقلن: إن الحياة لا تستحق مثل هذا المجهود، و(50%) يقلن: إن الضغوط التي يواجهنها أكبر من قدرتهن على الاحتمال. والثلثان يقلن: إن حياة آبائهن وأمهاتهن كانت أسهل بكثير في وجهة نظرهن، و(37%) منهن لآباء وأمهات مطلقات منفصلات، أسر ضائعة مشتتة، و(32%) يشعرن بحب كبير من آبائهن، وخذ الباقي من هذه النسبة، وهي (68%) لا يشعرن بحب آبائهن لهن، و(94%) يشعرن بضغوط لكي يظهرن بصورة جميلة، أي: لابد للفتاة الغربية أن تظهر فتنتها وجمالها، فهي تحتاج إلى أن تشتري الملابس وليس لديها المال، وتحتاج إلى أدوات الزينة وليس عندها، فهي تشعر بالضغط النفسي الرهيب، بينما فتاتنا تلقي على نفسها حجابها وجلبابها وتخرج إلى أي مكان ونفسها مستقرة، وليس عندها مثل هذه الحروب النفسية والضغوط النفسية التي ابتلي بها نساء الغرب وصرن يجأرن من مرها وحرها وقرها.

وهناك كلية عريقة في بريطانيا خاصة بالبنات جاءتها ضغوط؛ لأنها كلية خاصة بالبنات، فأصرت على أنها ستبقى كلية خاصة للبنات، ولها قرن من الزمان وهي تمنع الاختلاط في هذه الكلية.

واليوم يقال: إن هذا ضرب من التخلف والرجعية.

وأحد الأجهزة في الاتحاد الأوروبي قام بدراسة اجتماعية إحصائية ميدانية عام (1999م) وتشمل هذه الدراسة ستاً وأربعين دولة، يبلغ إجمالي أعداد سكانها ثمانمائة وأحد عشر مليوناً من البشر، تقول هذه الإحصائية وهذه الدراسة: هناك انخفاض عدد الزواج في كل الأسر في هذه الدول إلا أربع دول شهدت ارتفاعاً طفيفاً من ست وأربعين دولة. وتقول أيضاً: إن نصف النساء في سن الزواج لا يعقدن عقود زواج رسمية، بينما كان هذا العدد قبل ذلك (90%)، وأما الولادات خارج الزواج ففي ازدياد مستمر، وترصد في بعض الدول بـ(66%) من الولادات خارج نطاق الأسرة في أسكتلندا، و(50%) في النرويج، و(40%) في فرنسا، هل هذه قدوات نسعى إليها؟! هل هذه مجتمعات نريد أن ندخل في أتونها وحريقها ولهيبها؟! عجباً لأمر القوم، ولكنهم في كثير من أحوالهم مسيرون لا مخيرون.

وأقول أمراً أختم به في هذا المقام: إن هؤلاء حالهم كحال مثل ضربه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل رأيت النار إذا اشتعلت كيف تأتي إليها الفراش وتدخل فيها وتحترق؟ ذلكم هو الحال، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب المثل من نفسه فقال -كما صح في حديثه-: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار).

فيا أيها المسلمون! ذبوا عن نسائنا، وذبوا عن مجتمعاتنا، وذبوا عن ديننا، فلنحم أنفسنا من هذه النار المهلكة في الدنيا لننجوا من النار المحرقة والمهلكة في الآخرة.

أسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا إيماننا وإسلامنا، وعفتنا وأخلاقنا، وشرف وحياء نسائنا.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد:

فأيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، والتقوى هي الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن يقيننا بكتاب ربنا وسنة نبينا أعظم وأقوى وأثبت من أن تنال منه هذه الهرطقات وتلك الاعتداءات التي تهذي بما لا تعرف، والتي تناقض الواقع وتنقض الحقائق، ولكننا في الوقت نفسه ينبغي لنا أن ننتبه لهذه المخاطر الداهمة.

وإنني أشكر الصارخة المسلمة والغاضبة المؤمنة، ونحن معها جميعاً نرفع لولاة الأمر الرجاء بأن يضربوا بيد من حديد على أيدي المفسدين؛ لأن هذا هو الفساد بعينه، وهو الذي يسبب اضطراباً وفرقة في المجتمع، وهو الذي يوجد جذوراً لما قد يسمى بالعنف، ولنعلم جميعاً أن أحداً لا يمكن أن يسكت إذا رأى أن عرضه ينتهك، أو أن عفة نسائه تهاجم، أو أن خدر بيته يراد أن ينقض وأن يزعزع.

فالأمور أعظم؛ لأنها دين ندين الله عز وجل به، إن الحجاب ليس من عندنا ولا من بنات أفكارنا، إنه تنزلت فيه آيات القرآن الكريم: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].

إنه قرآن يتلى وأحاديث تروى: (ما تركت بعدي فتنة أضر على النساء من الرجال)، ثم تأتينا تلك وهذه وذاك وأولئك ليقولوا لنا أمراً يناقض ما قاله الله عز وجل وما قاله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

وهناك أمر آخر، وهو من الأمور المؤلمة المحزنة، ولعلي أختم به لأبقي الحزن والألم في القلوب، حتى لا نركن ولا نسكن، بل نتحرك ونغير لديننا ونناصح ونناشد وننبه ونحذر.

فهذا مركز يحمل اسم أم المؤمنين خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كان فيه محاضرة سمع الناس الصدى العظيم الذي تركته اعتراضاً واحتجاجاً لما تضمنته من اعتداء على صحابي جليل، هو أعظم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثرة رواية الحديث عنه.

ويتجدد الأمر في ذات المركز وبلسان محاضرة من بلادنا ومن محافظتنا تقول في بعض تنبيهاتها للنساء: احذرن أن يذهب أبناؤكن إلى المساجد وتحفيظ القرآن لئلا يقعوا في اللواط!

وانظر إلى العجب العجاب في الربط بين بيوت الله وكتاب الله وهذه الفاحشة الكبرى، فأي أمر هذا؟! وأي قول ورجم وقذف هذا؟! والأمر في هذا الشأن فيه خروقات، لكن هي قليلة وشاذة، ولا تعبر إلا عن قلة من الناس، لكن هذه القلة تكلمت وصمتنا، وظهرت واختفينا، وقالت وشاع قولها، ونحن إذا قلنا قيل: لماذا تتحدثون بهذا؟ وإذا غضبنا قيل: لماذا هذا التهييج؟

وأقول: عجباً! أينتهك ديننا ويعتدى على أعراضنا ويراد منا أن نضحك ملء أشداقنا، وأن ننام ملء أعيننا؟! إنها المفارقات العجيبة.

أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ عليها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، وأمنها ورغد عيشها، ونسأل الله عز وجل أن يصرف عنا كيد الفجار وشر الأشرار، وشر فتن ومحن طوارق الليل والنهار.

اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم! احفظ نساءنا وأزواجنا وبناتنا، اللهم! جملهن بالحياء والعفة، واحفظهن بالحياء والحشمة، اللهم! من أرادهن بسوء فرد كيده في نحره، واشغله بنفسه، ولا تبلغه -اللهم- غاية، واجعله -اللهم- لمن خلفه آية.

اللهم! إنا نسألك أن تحفظ مجتمعنا من شرور الفساد والانحلال في الأخلاق، اللهم! يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين! احفظ علينا إيماننا في قلوبنا، وإسلامنا في سلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا، واحفظ عفتنا وحياءنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.

اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم! أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم.

اللهم! لطفك ورحمتك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم واحفظ أعراضهم واحقن دماءهم، وبلغهم -اللهم- فيما يرضيك آمالهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.

اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، واحفظ -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

اللهم! أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وانصر -اللهم- عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.

عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام خصوصاً على أجلهم قدراً وأرفعهم ذكراً ذوي القدر الجلي والمقام العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.