أرشيف المقالات

من أحكام الطواف

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
من أحكام الطواف
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


قوله: ((ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوِه لم يصح، أو لم ينوِ نُسُكَه بأن أحرم مطلقًا وطاف قبل أن يصرف إحرامه لنُسُك معيَّن لم يصح طوافه، أو طاف وهو عُريان أو نَجِس أو مُحدِث لم يصح)) [1].

قوله: (أو لم ينوِ نُسُكَه) في بعض النسخ: (أو نَكَسَه) بتقديم الكاف على السين وهو الصواب.
 
قال في ((المقنع)): ((وإن طاف منكِّسًا أو على جدار الحِجْر أو شاذَرْوَان الكعبة أو ترك شيئًا من طوافه وإن قلَّ أو لم ينوِه لم يجزه))[2].
 
قال في ((الشرح الكبير)): ((إذا نَكَسَ الطواف، فجعل البيت على يمينه لم يجزه، وبه قال مالك[3] والشافعي[4]))[5].
 
وقال في ((الإفصاح)): ((واتفقوا على أن من شرائط صحة الطواف بالبيت الطهارة وستر العورة[6]؛ إلا أن أبا حنيفة[7] قال: ليستا شرطًا في صحته، إلا أنه يجب بتركها دم))[8].
 
وقال ابن رشد: ((واختلفوا في جواز الطواف[9] بغير طهارة، مع إجماعهم على أن من سُنَّتِه الطهارة:
فقال مالك[10] والشافعي[11]: لا يجزئ طواف بغير طهارة لا عمدًا ولا سهوًا.
وقال أبو حنيفة[12]: يجزئ، ويُستحبُّ له الإعادة، وعليه دم.
 
وقال أبو ثور: إذا طاف على غير وضوء أجزأه طوافه إن كان لا يعلم، ولا يجزئه إن كان يعلم.
والشافعي[13] يشترط طهارة ثوب الطائف كاشتراط ذلك للمصلي، وعمدة من شرط الطهارة في الطواف قوله صلى الله عليه وسلم للحائض - وهي أسماء بنت عميس[14] -: (اصنعي ما يصنع الحاج؛ غير ألاّ تطوفي بالبيت)[15]، وهو حديث صحيح.
 
وقد يحتجون أيضًا بما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحلَّ فيه النُّطق، فلا ينطق إلا بخير)[16].
 
وعمدة من أجاز الطواف بغير طهارة إجماع العلماء على جواز السعي بين الصفا والمروة من غير طهارة[17]، وأنه ليس كل عبادة يشترط فيها الطُّهر من الحيض من شرطها الطُّهر من الحَدَث، أصلها الصوم)
)
[18].
 
وقال البخاري: ((باب: الكلام في الطواف.
 
وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير - أو بخيط أو بشيء غير ذلك - فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: (قُدْهُ بيده)[19])
)
.
 
قال الحافظ: ((قوله: (باب: الكلام في الطواف) أي: إباحته، وإنما لم يُصرِّح بذلك؛ لأن الخبر ورد في كلام يتعلَّق بأمر بمعروف لا بمطلق الكلام، ولعله أشار إلى الحديث المشهور عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)[20] أخرجه أصحاب السنن، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان، قال ابن المنذر[21]: أَولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذِّكر أسلم.
 
قال: واختلفوا في القراءة، فكان ابن المبارك يقول: ليس شيء أفضل من قراءة القرآن.
وفعله مجاهد واستحبَّه الشافعي[22] وأبو ثور.
وقيَّده الكوفيون[23] بالسِّرِّ.
ورُوي عن عروة والحسن كراهته.
وعن عطاء ومالك[24] أنه مُحْدَث.
وعن مالك[25]: لا بأس به إذا أخفاه، ولم يُكثِر منه.
قال ابن المنذر[26]: من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه في الطواف لا حجَّة له)
)
[27].
وقال البخاري أيضًا: ((باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك.
 
وذكر حديث أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النَّحْر في رهط يؤذِّن في الناس: (ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)[28])
)
.
 
قال الحافظ: ((قوله: (باب: لا يطوف بالبيت عريان) أورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك، وفيه حجة لاشتراط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة، والمخالف في ذلك الحنفية[29]، قالوا: ستر العورة في الطواف ليس بشرط، فمن طاف عريانًا أعاد مادام بمكة، فإن خرج لزمه دم))[30].
 
وقال البخاري أيضًا: ((باب: الطواف على وضوء وذكر حديث عرو عن عائشة رضي الله عنها: أن أول شيء بدأ به - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة...)) الحديث[31].
 
قال الحافظ: ((قوله: (باب: الطواف على وضوء).
أورد فيه حديث عائشة: إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ، ثم طاف...
الحديث بطوله.
وليس فيه دلالة على الاشتراط؛ إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)[32].
وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور[33].
 
وخالف فيه بعض الكوفيين[34]، ومن الحجَّة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: (غير ألاّ تطوفي بالبيت حتى تطهري)[35])
)
[36].
 
وقال البخاري أيضًا: ((باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة.
 
وذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة.
قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (افعلي كما يفعل الحاج غير ألاّ تطوفي بالبيت حتى تطهري)[37].
 
وذكر حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، وفيه: (وحاضت عائشة رضي الله عنها فنسكت المناسك كلها؛ غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت)[38].
 
وحديث أم عطية رضي الله عنها وفيه: (ويعتزل الحيض المُصَلَّى)[39])
)
.
 
قال الحافظ: ((قوله: (باب: تقضي الحائضُ المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة).
جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي ذكرها في الباب بذلك.
وأورد المسألة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال، وكأنه أشار إلى ما روي عن مالك في حديث الباب بزيادة: (ولا بين الصفا والمروة)[40].
 
قال ابن عبدالبر[41]: لم يقله أحد عن مالك، إلا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري.
 
قال الحافظ: فإن كان يحيى حفظه فلا يدلُّ على اشتراط الوضوء للسعي؛ لأن السعي يتوقف على تقدُّم طواف قبلَه، فإذا كان الطواف ممتنعًا امتنع لذلك لا لاشتراط الطهارة له، وقد رُوي عن ابن عمر أيضًا قال: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة.
أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
قال: وحدثنا ابن فضيل عن عاصم: قلت لأبي العالية: تقرأ الحائض؟ قال: ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة[42].
 
ولم يذكر ابن المنذر[43] عن أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري.
وقد حكى المجد ابن تيمية من الحنابلة[44] رواية عندهم مثله، وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح: إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتَسْعَ[45].
وعن عبدالأعلى، عن هشام، عن الحسن مثله[46].
وهذا إسناد صحيح عن الحسن، فلعله يفرِّق بين الحائض والمُحدِث كما سيأتي.
 
وقال ابن بطَّال[47]: كأن البخاري فهم أن قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألاّ تطوفي بالبيت) أن لها أن تسعى، ولهذا قال: وإذا سعى على غير وضوء.
 
قال الحافظ: وهو توجيه جيد؛ لا يخالف التوجيه الذي قدَّمتُه، وهو قول الجمهور[48].
وحكى ابن المنذر[49] عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت، وبالإجزاء قال بعض أهل الحديث، واحتج بحديث أسامة ابن شريك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سعيت قبل أن أطوف؟ قال: (طُفْ ولا حرج)[50].
 
وقال الجمهور[51]: لا يجزئه.
وأوَّلوا حديثَ أسامة على مَن سعى بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة، ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث عائشة، وفيه: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألاّ تطوفي بالبيت حتى تَطَّهَّري).
وهو على حذف إحدى التاءين وأصله: تتطهري.
ويؤيده قوله في رواية مسلم: (حتى تغتسلي)[52].
والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل؛ لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض: الجُنُب والمُحدث، وهو قول الجمهور[53].
 
وذهب جمع من الكوفيين[54] إلى عدم الاشتراط، قال ابن أبي شيبة: حدثنا غندر، حدثنا شعبة، سألت الحكم وحمادًا ومنصورًا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة، فلم يروا به بأسًا[55].
 
وروي عن عطاء: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدًا ثم حاضت أجزأ عنها[56].
 
وفي هذا تعقُّب على النووي حيث قال في ((شرح المُهذَّب))[57]: انفرد أبو حنيفة[58] بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف، واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله.
 
قال الحافظ: ولم ينفردوا بذلك كما ترى.
فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة، لكن عند أحمد رواية[59] أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم.
وعند المالكية[60] قول يوافق هذا)
)
[61].

[1] الروض المربع ص209.

[2] المقنع 1 /446- 447.

[3] الشرح الصغير 1 /274، وحاشية الدسوقي 2 /31.

[4] تحفة المحتاج 4 /76، ونهاية المحتاج 3 /280.

[5] الشرح الكبير 9 /111.

[6] الشرح الصغير 1 /274، وحاشية الدسوقي 2 /30- 31، وتحفة المحتاج 4 /72، ونهاية المحتاج 3 /276، وكشاف القناع 6/263.

[7] فتح القدير 2 /243، وحاشية ابن عابدين 2 /585.

[8] الإفصاح 1 /522- 523.

[9] في الأصل: ((الطهارة))، والصواب ما أثبت؛ كما في بداية المجتهد.

[10] الشرح الصغير 1 /274، وحاشية الدسوقي 2 /30- 31.

[11] تحفة المحتاج 4 /72، ونهاية المحتاج 3 /276.

[12] فتح القدير 2 /245، وحاشية ابن عابدين 2 /585- 586.

[13] تحفة المحتاج 4 /72، ونهاية المحتاج 3 /278.

[14] كذا قال، والصواب أنها عائشة رضي الله عنها.

[15] أخرجه البخاري (1650)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[16] أخرجه الترمذي (960)، وابن خزيمة 4 /222 (2739)، وابن حبان 9 /143 (3836)، والحاكم 2 /267، والبيهقي 5 /85 و87، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، به.
قلت: روي هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا، وقد اختلف أهل العلم في الترجيح بينهما:
فرجَّح الرفعَ: ابن السكن، وابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان.
ورجَّح الوقفَ: النسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي.
انظر: البدر المنير 2 /487، والتلخيص الحبير 1 /129.

[17] فتح القدير 2 /248، والشرح الصغير 1 /276- 277، وحاشية الدسوقي 2 /43، وتحفة المحتاج 4 /101، ونهاية المحتاج 3 /291، وشرح منتهى الإرادات 2 /547، وكشاف القناع 6 /269.

[18] بداية المجتهد 1 /318- 319.

[19] البخاري (1620).

[20] سبق تخريجه 3 /326.

[21] الإشراف 3 /276.

[22] تحفة المحتاج 4 /88، ونهاية المحتاج 3 /286.

[23] فتح القدير 2 /182، وحاشية ابن عابدين 2 /529.

[24] المدونة 1 /406، والمنتقى شرح الموطأ 2 /298.

[25] المدونة 1 /406، والمنتقى شرح الموطأ 2 /298.

[26] لم أقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وقد نقله عنه ابن بطال في شرح صحيح البخاري 4 /301.

[27] فتح الباري 3 /482- 483.

[28] البخاري (1622).

[29] فتح القدير 2 /243، وحاشية ابن عابدين 2 /585.

[30] فتح الباري 3 /483.

[31] البخاري (1641).

[32] سبق تخريجه 3 /235.

[33] فتح القدير 2 /243- 244، وحاشية ابن عابدين 2 /585، والشرح الصغير 1 /274، وحاشية الدسوقي 2 /31، وتحفة المحتاج 4 /72، ونهاية المحتاج 3 /278، وشرح منتهى الإرادات 2 /540، وكشاف القناع 6 /263.

[34] فتح القدير 2 /245، وحاشية ابن عابدين 2 /585- 586.

[35] البخاري (1650).

[36] فتح الباري 3 /497.

[37] البخاري (1650).

[38] البخاري (1651).

[39] البخاري (1652).

[40] أخرجه مالك في الموطأ 1 /411 (925).

[41] التمهيد 19 /261.

[42] أخرجهما ابن أبي شيبة 3 /296.

[43] الإشراف 3 /296 (1472).

[44] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 9 /133.

[45] ابن أبي شيبة 3 /299.

[46] ابن أبي شيبة 3 /300.

[47] شرح صحيح البخاري 4 /330.

[48] فتح القدير 2 /248، والشرح الصغير 1 /276- 277، وحاشية الدسوقي 2 /43، وتحفة المحتاج 4 /101، ونهاية المحتاج 3 /291، وشرح منتهى الإرادات 2 /547، وكشاف القناع 6 /269.

[49] الإشراف 3 /294 (1469).

[50] أخرجه أبو داود (2015)، وابن خزيمة 4 /237 (2774)، والطبراني 1 /184 (484)، والبيهقي 5 /146، من طريق زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك رضي الله عنه.
قال الألباني في صحيح أبي داود 6 /256: إسناده صحيح؛ لكن قوله: ((سعيت قبل أن أطوف...)) شاذ، وقد أشار إلى ذلك البيهقي بقوله: ((إن كان محفوظًا)).
وبدونه صحَّحه ابن حبان والحاكم.

[51] فتح القدير 2 /155، وحاشية ابن عابدين 2 /500، والشرح الصغير 1 /273، وحاشية الدسوقي 2 /36، وتحفة المحتاج 4 /99، ونهاية المحتاج 3 /298، وشرح منتهى الإرادات 2 /546، وكشاف القناع 6 /269- 270.

[52] مسلم (1211).

[53] فتح القدير 2 /243- 244، وحاشية ابن عابدين 2 /585، والشرح الصغير 1 /274، وحاشية الدسوقي 2 /31، وتحفة المحتاج 4 /72، ونهاية المحتاج 3 /278، وشرح منتهى الإرادات 2 /540، وكشاف القناع 6 /263.

[54] فتح القدير 2 /245، وحاشية ابن عابدين 2 /585- 586.

[55] أخرجه ابن أبي شيبة 3 /295.

[56] أخرجه ابن أبي شيبة 3 /200.

[57] المجموع 8 /23.

[58] فتح القدير 2 /245، وحاشية ابن عابدين 2 /585- 586.

[59] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 9 /115.

[60] الشرح الصغير 1 /265، وحاشية الدسوقي 2 /21.

[61] فتح الباري 3 /482- 505 بتصرف.

شارك الخبر

المرئيات-١