أرشيف المقالات

رحلة إلى ديار الروم

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
1 - رحلة إلى ديار الروم للسيد مصطفى البكري الصديقي للأستاذ سامح الخالدي كانت رحلة الشيخ البكري هذه إلى بلاد الروم هي الثانية فقد رحل قبلاً إلى الآستانة سنة (1135 هـ) وأسماها (تفريق الهموم وتفريق الغموم في الرحلة إلى بلاد الروم) ولكننا لم نعثر على هذه الرحلة ضمن مجموعة رحلات الشيخ المخطوطة والمحفوظة في خزانة الكتب الخالدية، والتي علق عليها الشيخ البكري نفسه، الحواشي عليها وفي رأينا أن هذه الرحلة من ألطف وأشيق رحلات البكري، فقد قطع فيها الشيخ مسافات شاسعة براً وبحراً، إذ توجه إلى الآستانة عن طريق طوروس وقونية، وعاد في مركب إلى الإسكندرية ماراً بسواحل الأناضول وجزيرة رودس ويلاحظ أن الشيخ البكري لم يكن يترك الفرصة تمر لنشر طريقته الخلوتية، حيث كان، ولهذا لم يكن يحجم عن إدخال جمهور المريدين في طريقته سواء في المدن أو القرى، وسواء أكان مقيماً أم مسافراً، بل ما قولك أنه لم يتردد في إدخال المريدين إلى طريقته وهو في المركب في ميناء الآستانة؟ ولقد كان الشيخ البكري، ذا نفوذ عظيم، وقد كثرت أشياعه وأتباعه، فقد كان له أتباع في أكثر القرى والمدن الفلسطينية، كما كان له مريدون في طرابلس الشام، وحمص، وحماه وحلب، وبغداد والبصرة، ومصر، والإسكندرية، ودمياط ورشيد ولم يوفق الشيخ في دعوته في أواسط الأناضول فقد حاول أن يستميل إليه البعض في مدينة (أركله) الأناضولية التركية ولكنه لم ينجح، ذلك لأنهم كانوا أتباع الطريقة (الزادلية) وهي طائفة تنتسب إلى قاضي زاده أجل علماء الروم ممن كانوا يقولون بهدم قبور الأولياء ومقاومة التصوف، وقد جرب الشيخ إقناعهم ففشل وبئس منهم وقال أنه ليس ثمة من فائدة لمباحثة أمثال أولئك ولقد كان الشيخ حريصاً على أن يسير في موكب حافل حيث ذهب وحيث حل، ولذا نراه في هذه الرحلة بدلاً من أن يسلك الطريق السلطاني من القدس إلى الشام عن طريق نابلس، فجنين، فخان التجار فجسر بنات يعقوب فالقنيطرة فدمشق، يسلك طريقاً في داخلية البلاد، فينضم إليه الحاد حسن بن مقلد لجيوسي شيخ بني صعب والشيخ أحمد الباقاني والحاج سلامة الداميني، والحاج حسن الجماعيلي والحاج محمد الكفرعيني من شيوخ جبلي نابلس والقدس ويصف الشيخ لنا الطريق، ويعجب من عمران منطقة النصيرية وكثرة زيتونها، وخراب سور إنطاكية، ويذكر وعورة الطريق من إنطاكية إلى أدنه نقونية، وشدة برد الأناضول في الصيف وينزل الشيخ في مدرسة شمسي باشا في الآستانة، ولشمسي باشا هذا الذي كان حاكماً للشام، مدرسة باسمه في دمشق، ويتقبل دعوة ابن عمه السيد محمد خليل البكري وكان شيخاً (أي رئيساً) لمدرسة حسن باشا المقتول في الآستانة (قتل 1006هـ) ومن العجب حقاً أن يكون الشيخ في سفرته هذه وفي غيرها دائم الاتصال بإخوانه ومريديه، فتراه يحرر لهم الكتب ويرسل لهم القصائد من كل مكان، كما يتلقى منهم الأجوبة على كتبه وكلها بصف شوقهم إلى لقاء الشيخ والاجتماع به فمن ذلك أن سليمان باشا المعظم والى الشام عتب على الشيخ عدم مكاتبته له من الآستانة، فبعث الشيخ يعتذر لجناب الوالي ويذكره أنه أرسل له سلاما خاصاً عن طريق كتاب بعث به إلى صديقه الحاج حسن جلبي بن مكي الغزي، وقد كان في معية الباشا، ثم يقول له إن المانع من مكاتبته هو مراعاة مقام الباشا الخطير ومما يلفت النظر أن الحاج خليل بن كشيش شيخ مقاطعة الرجيل في العراق، وقد كان آنذاك في الآستانة اندرج في سلك المتصوفين وأصبح من أعوان الشيخ، وكان الحاج خليل هذا قد اجتمع بالشيخ البكري يوم زار العراق وكان من عادة الشيخ أن لا يتحرك في سفر، قبل أن يستخير الله، فإذا ما ظهرت الإشارة منبئة بالسفر فعل ذلك، على اعتبار أن إرادة الإنسان الضعيف في الرحلة والسفر، مرتبطة بإرادة الله، وأن ذوي الكشف الرباني ينتظرون ظهور مثل بلك الإشارة قبل التحرك من مكانهم ومع أن الطريق البري يستغرق من 2 ربيع الأول إلى حوالي منتصف جمادى الأولى للوصول من دمشق إلى الآستانة فإن الرحلة البحرية في المركب لم تستنفد أكثر من أربعة عشر يوماً إذ ترك ميناء (بشك طاش) في الآستانة في السابع من رجب ووصل الإسكندرية في 21 منه وعجيب حقاً ما كان يبديه الشيخ من النشاط في بث دعوته، فهو كالحركة الدائمة لا يهدأ في نشرها بين كبار الحكام، وشيوخ الإقطاع، وطبقة التجار، بل وطلاب الأزهر المجاورين من صغار الشبان! ويصف لنا الشيخ سوء معاملة رجال المكس في الإسكندرية ويشكو مر الشكوى منهم، ومن الغريب أن ينطبق هذا على ما وصفه لنا ابن جبير في رحلته عن (جمرك) الإسكندرية في القرن السادس الهجري! ولم يهدأ الشيخ في نشر دعوته في الإسكندرية ورشيد والقاهرة، وهو يصف لنا أشهر مشاهد هذه المدن المصرية، ويذكر لنا من اجتمع إليهم من كبار مشايخ عصره، وقد أخذ البعض منهم عنه الطريق كالشيخ الحفناوي ويلاحظ أن الشيخ انتهز عودة الوزير المشير عثمان باشا فأنضم إلى القافلة العائدة من مصر إلى فلسطين ويذكر الشيخ بألم ظاهر ضعف الحكام، وعدم حزمهم للضرب على أيدي قطاع الطرق في هذا الطريق العالمي، ويعجب من ضعفهم، ومما لا ريب فيه أن القوافل كانت تتعرض لتعدي العربان وأذاهم، وقد كان الشيخ يفقد بعض كتبه في هذه الغارات مما كان يؤلمه ويحز في نفسه ويصف لنا الشيخ حسن استقباله في غزة، ويذكر خراب جامع هذه المدينة، كما ينزل ضيفاً على آل الخيري، ومنهم مفتي الرملة، وقد كان من مريدي الشيخ وأتباع طريقته ولا ريب أن الشيخ البكري، القطب المتصوف، إنما كان يرحل هذه الرحلات لنشر طريقته وإكثار مريديه، وإذا كان أسلوبه، وتفكيره وجل همه موجهاً إلى هذه الناحية، فإنه لا مراء قد ترك لنا ثروة ذاخرة بالمعلومات والآثار مما يلقى ضوءاً على حالة البلاد ومشاهدها، ورجالها وحكامها، والأمن العام فيها في القرن الثاني عشر الهجري وقد يقال أنه لم يصف لنا وصفاً موضوعياً ما شاهده من المدن والقرى والمعاهد، ولم يفصل حيث أوجز، ولكن لو لم يكن الشيخ متصوفاً لما قام بهذه الرحلات، ولكنا حرمنا من هذه المعلومات القيمة، ولكانت معرفتنا لهذا القرن المتأخر ضئيلة زهيدة ولنترك الشيخ البكري الآن يصف لنا رحلته الرومية الثانية: مقدمة الرحلة يقول الشيخ: (وبعد قد أيقظ الحق جل وعلا وتبارك وتعالى، لحظ فؤاد ملاحظ في حبه يتغالى، وكان جال في ميدان الغفلة مجالا يسرح في أكنافه ويحوم، فحرك منه الساكن والجزء الراكن، لهذه الأماكن، ودعاه فلباه إلى ديار الروم (أي الترك) وهناك اشتد محلول العزم، وامتد قصير الحزم، واعتد القلب بعدة الحزم، لما آن للمقعد أن يقوم، وذلك في أوائل عام (1148 هـ) - (1725م)، ما برف عبير عنبر خيشوم) وكان الشيخ قد رحل إليها سنة (1135 هـ - 1722 م) ودون ذلك في كتاب موسوم (بتفريق الهموم وتغريق الغموم.
في الرحلة إلى بلاد الروم وأنشأ في هذه الحظرة رسالة سماها (العرائس القدسية.
المفصحة عن الدسائس النفسية) وكان الواسطة في كتابتها العلم المفرد السيد محمد التافلاني (مفتي الديار القدسية) ولما فارق بلاد الروم توجه إلى جهة العراق ودون رحلته إليها في ما سماه (كشط الصدأ وغسل ألوان.
في زيارة العراق وما والاها من البلدان) ووصل البصرة وعاد فأقام في حلب نصف عام، وتوجه منها إلى دمشق وأقام فيها بعض أيام، ثم قصد زيارة القدس عن طريق جبل لبنان وكتب رحلته (أردان حلة الإحسان.
في الرحلة إلى جبل لبنان) وفي سنة (1145 هـ) توجه إلى الحج وكتب رحلته (الحلة الرضوانية الإنجازية الدانية.
في الرحلة الإحسانية الحجازية الثانية) وأما رحلته الأولى للحجاز فأسماها (الحلة الحقيقية لا المجازية.
في الرحلة الحجازية) ولما عزم على التوجه إلى البلاد الرومية، كتب كتابا إلى السيد محمد نجل السيد أحمد، وقصد في هذه الأثناء غب عشر المحرم التوجه إلى الزيارة العليلية كعادته ومنها إلى نابلس فدمشق فديار الروم، وقد أسمى هذه الرحلة (النحلة الفانية بها رسوم الهموم والغموم.
في الرحلة الثانية القدوم لديار الروم) قال الشيخ: (لما كان يوم الاثنين الرابع عشر من محرم الحرام عام (1148 هـ) توجه كبير الآثام كبير الإجرام بعد ما ودعنا أولاداً أكباداً وخلاناً، وكان هم فرقة الأولاد عم جوانب الفؤاد، وخرج للوداع جم غفير من إخوان وأحباب، وودعناهم عند سعد وسعيد وكان منهم البنية السعيدة والولد السعيد، (علما ومحمد كمال الدين) وقصدت تسلية أحزان بزيارة (نبي الله شمويل).
ورافقنا إلى زيارته الأخ الشيخ أحمد الميقاتي وغيره من الأصحاب، وأقمنا معهم في (بتيونيا) إلى أن صلينا الظهر جماعة وودعناه ومن معه من رفاق، وسرنا والدموع لها وقع على الخدود اللماعة، وثبنا في قرية (عابود) ودعانا في الصباح الأخ علي بن بدير إلى (دير غسان) فلم ندبه إلى المقصود لنفرة قلب من أهلها، فقال نجعل الدعوة إلى (شوفا) فأجبته ولم نبت إلا لدى الأخ الشيخ رضوان الزاوي وأقمنا الليلة الثانية لديه، وطرنا إلى (صنير) ومنها إلى (الخربة) بقصد أبي الحسن والإقبال عليه، ثم قرأنا له ولجيرانه الربعة وأهديناها إليه، ومنها أتينا المائين وثبنا (جماعين)، ولما أشرفت على علم الهدا، قبل الوصول إليها التمست منه الندا، وكتبت على ظهر الدابة ما أمليه من أبيات: علم الهدى أهدى لنا الأرواحا ...
فأراح أشباحا بلى أرواحا وتوجهت ثاني يوم إلى نابلس المحروسة، التي بميائها ورياضها عروسه، وأقمنا بها ثلاثة أيام، وأخذ بها العهود جمع أحبة، ثم بتنا في (كفر قدوم) بانشراح ينفي الهموم، وثبنا أول النهار بحظ (وبسط وسرور) ورافقنا الأخ الحاج حسن بن مقلد (الجيوسي)، إلى قرية (كفر زيباد) وبتنا بها وأتينا (كفر جمال)، وبتنا (الطيبة) بأنس وجمال، وتغدينا في قرية (ارتاح) وودعنا الحاج زين محب بترك الحظ ارتاح، وبتنا في (شويكة) وتغدينا في (عثيل) وبتنا في (زثيا) وأخذ بها العهد الأصيل جماعة، وممن صحبنا إلى الشام الأخ القديم العهد، الشيخ أحمد الباقاني (نسبة إلى قرية باقا) وقد ارتاح الأصحاب في المراح وزمارين وبتنا في (صرفند) واصطحبنا في عتليت وهي قلعة عجيبة البناء، اعبنى فيها بانيها كل الاعتناء، وزرت مقام الخضر عليه السلام، وصليت الظهر في قرية غب الإكرام، وبتنا في (المغار) لدى أولاد الشيخ سهل رفيع المنار، وبعد صلاة العصر توجهنا إلى (كفورتا) ومضينا إلى (البروة) وأضافنا بها الشيخ علي بن الكيال، وصلينا العصر في قرية (عمقا) عند محب له حسن لقا، وجاءنا محمد سعيد نجل المرحوم الأخ السيد محمد السلفيتي، وتوجهنا منها إلى موطن الشيخ حسين وبتنا لديه في (جدين) وكنا في السير مجدين، وصلينا العصر في (ترشيحا) المريحة من الأتعاب والمليحة الفيحاء، وأقمنا فيها إلى ظهر اليوم الثاني بعد ما دعانا المحب الفاني الشيخ أحمد نجل الشيخ حسين وقد بذل الطاقة في الإكرام، وبتنا عند (قلعة) محمد نافع، وحين أتيت في الصباح (القاسي) جاءنا من أولاد مراد، حسن وخالد، وصحبتهم الأخ الشيخ محمد بن المرحوم الشيخ عبد الهادي الصفدي للكلام بقية سامح الخالدي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢