طفلة تحت عجلاتنا - عبد الرحمن السميط
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
ذهبت لزيارة مركز البسام الذي أنشأناه في كينيا في بلدة هولا التي تبعد 15 ساعة عن العاصمة، وبعد 9 ساعات من السير بالسيارة في طريق جيد وصلنا إلى مدينة مالندي ذات الطابع العربي على ساحل المحيط الهندي، والتقينا مع أحد التجار العرب الذي نصحنا بعدم المخاطرة والاستمرار في سفرنا، لأن الطريق فيه أمطار وفيه لصوص مسلحين يسلبون المارة.لكنني أصررت على المضي قدمًا ووصلنا بعد جهد كبير إلى البلدة، ولكن قدر الله أن تنطلق فتاة عمرها لا يتجاوز 4 سنوات وتقذف نفسها تحت السيارة والسيارة تسير بشكل طبيعي، وحمدًا لله أن الطفلة نجت بعد أن كسرت ساقها، أخذنا الفتاة للمستشفى وذهبنا إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن الحادث، وذكر لنا الضابط أن الأمر بسيط خاصة وأن الطبيب ذكر أن الموضوع هو مجرد كسر بسيط يتوقع شفاؤه في حوالي شهر، ولا يتوقع أية مضاعفات، ولكن الضابط حذرنا بأنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا إذا ما تدخل بعض أفراد الشرطة لأنهم من قبيلة أخرى..
ورغم أنه مسؤولهم إلا أنه يخشى المشاكل بسببهم، وطلب منا عدم الحديث أمامهم عن الحادث، ولكن قدر الله أن يسمعوا عن الطفلة، ورغم أن أباها تنازل عن حقوقه بعد أن دفعنا له مبلغًا من المال، إلا أنهم أصروا على أن يكتب الطبيب لنا ضمانًا بأن الطفلة لن تموت، وطبعًا رفض الطبيب هذا الطلب الغريب.
واضطررنا للرضوخ إلى ابتزازهم وترك سيارتنا في عهدة مركز الشرطة، واستأجرنا السيارة الوحيدة المتوفرة في المنطقة بعد أن شاهدنا السيول الغزيرة، ورغم أن من عادتي أن لا أعود دون الوصول إلى هدفي، ولكن ما رأيته إن أكبر جرار في الإقليم قد غطس في مياه السيول وتوقف عن الحركة فاقتنعت أن الأمر جد، وأننا لن نستطيع الاستمرار، فعدنا أدراجنا ولكن العودة لم تكن ميسرة فالسيارة القديمة كانت تنزلق إلى جانب الطريق، فإذا نزلنا ودفعناها بأيدينا انزلقت إلى الجانب الآخر وهكذا..
واضطررنا أخيرًا أن نترك سيارتنا المتهالكة مع السائق وركبنا لوري حكومي لوزارة الزراعة، كان متجهًا إلى أقرب مدينة ولكن الجهد الذي بذلناه وسط الأمطار، والوحل كان كبيرًا حتى أننا شربنا من الماء المتجمع في آثار العجلات في الطريق من الأمطار والمخلوط بالوحل، وكانت الشاحنة مريحة لنا رغم وعورة الطريق نسينا معها راحتنا في سيارتنا الصغيرة في الكويت، وأكثرنا من حمد الله على راحة السيارة، ثم طرقنا باب أحد العرب من أصل يمني وطلبنا منه سيارة فأعطانا شاحنته بعد أن أصلحها من عطب، وعدنا أدراجنا إلى العاصمة نيروبي في طريق مدته 15 ساعة وسط الغابات.
إنها ذكريات لا أستطيع أن أنساها، وأرجو الله أن يجزي خيرًا أولئك الأخوة الذين كنت سببًا في معاناتهم في هذه الطرق، لأنني شجعتهم على مرافقتي وصبروا وتحملوا دون شكوى أو تذمر.
(المرجع: مجلة حياة العدد (49) جمادى الأولى 1425هـ).