شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [16]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

فبعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا، وأحب أن أنبه -قبل أن نقرأ في الفتاوى- إلى موضوع سبق أن ذكرت بأني سأشرع فيه، وهو محاولة تأصيل بعض القضايا التي أثارتها تلكم النابتة المريبة الغريبة، التي بدأت تتكلم في أصول السلف ومناهجهم.

بل بدأت تستهدف هزَّ المسلمات والقطعيات من الدين، ابتداءً من مصادر التلقي: الوحي، والتشكيك في السنة وأسانيدها وفي رجالها، ثم أيضاً في الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضهم، ثم في الطعن في دين السلف وذممهم وأمانتهم، ونسبة الأهواء والظلم -بل وربما خيانة الدين- إليهم.

وأستتبع ذلك ذكر تعاطف هذه النابتة مع الفرق وأهل الأهواء والبدع، والتباكي عليها، ودعاوى أنهم ظلموا، وأن ما يسمى بعقيدة السلف إنما هو قناعات أفراد هم عملاء للسلاطين.. ونحو ذلك مما عرفتموه مما أثارته هذه النابتة؛ مستغلة هذا التداعي العجيب والسريع ضد السنة وأهلها على مستوى العالم، لا سيما في الفضائيات، فقد استغلت هذه النابتة الفرصة، فبدأت تهز كيان مجتمعنا المسلم السني من داخله، لا سيما وأن طائفة منهم يدعون أنهم منا، وهم -كما قلت لكم- مدُّوا لنا الشمال من وراء ظهورهم ويصفعوننا باليمين.

وقد شرعت -بحمد الله- في تأصيل بعض المسائل التي بدءوا يشككون أجيالنا بها، وغرهم بها طائفة من شبابنا الجاهلين بأصول السلف، ومن مثقفينا المغرورين، وغيرهم ممن تعاطفوا معهم، وانضموا إلى خنادقهم.

ولي أمل بأن أطرح أهم القضايا التي بحثتها خلال الإجازة في هذا الموضوع في هذا الدرس.

وسبب الطرح لا يعني أني انتهيت إلى غاية البحث الذي في نفسي، لكن من أجل أن أفتح للإخوة أبواب البحث في هذه الموضوعات، والرد على هؤلاء الذين هجموا على السنة وأهلها هذه الهجمة الشرسة في هذه الظروف الصعبة، واستغلوا هذا الوقت الحرج.

فأنا سأطرح الموضوعات التي كتبتها، وما تيسر لي كتابته هو على شكل مسودة لم تنضج بعد؛ لأنه لم يسعفني الوقت لإكمال موضوعاتها، لكني وضعت الأسس التي في نفسي؛ وسأطرح هذا الموضوع إن شاء الله من خلال هذا الدرس على الإخوة الحاضرين، وعلى غيرهم ممن سيسمع الأشرطة بإذن الله؛ لعلنا نتعاون في درء هذه الفتنة، وبيان فساد منهجها وأسلوبها، لا سيما أنها إلى الآن تدعي العلمية والموضوعية، لا سيما في الفضائيات والإنترنت والمنشورات، بل ويدعون أنهم طرحوا أشياء لم يستطع أهل السنة الجواب عليها، وهذه إحدى الكبر، ينبغي ألا نخذل الحق، وإن كان الحق منصوراً بإذن الله، لكن ليس من الخير لنا أن ينصر الحق على غير أيدينا، ففي هذه الظروف التي نواجه فيها هذه الهجمات الشرسة على السنة، وليس فقط على السنة وأهلها، بل على وحدة هذه البلاد، واجتماع شملها، فظهر لي من خلال الذين أسهموا في تأييد هذه النابتة أنهم لا يخلون من أحد أمرين:

أولاً: الحسد.

الثاني: الملل من النعمة، ويظهر أنه ظهر فيها جيل ملَّ نعمة الأمن والرخاء والاستقرار، بل ونعمة الخير والسنة.

فمن نتائج الرخاء دائماً أن تظهر طوائف وأجيال يعيشون النعمة فلا يقدرونها حق قدرها؛ فصاروا يثبون إلى مثل هذه المنافذ التي تطعن في كيان الأمة والمجتمع.

على أي حال إن شاء الله سأطرح هذه القضايا من خلال الدرس، وفي وقتها أنبه على كل مسألة على عناصرها الرئيسية، وكيفية الإسهام في مثل هذه الموضوعات، نسأل الله للجميع التوفيق.

والآن نستأنف درسنا في شرح الفتاوى، وكما ذكر سابقاً أننا سننتقي من آخر هذا المجلد انتقاءات الأمور غير المكررة، ونتفادى المحارات الكلامية، والأمور الفلسفية التي تتعب الذهن ولا نصل فيها إلى نتيجة؛ لأن المقصود هو الرد على قوم ابتلوا بمثل هذه المصائب، ونحن -بحمد الله- في عافية من مصائب الاتحاد والحلول ووحدة الوجود.

فـشيخ الإسلام هنا سيذكر أهم وجوه الباطل عند أصحاب وحدة الوجود، ووجه الحق الذي ينبغي أن يعرفه المسلم.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

[فصل.

وأما اتحاد ذات العبد بذات الرب، بل اتحاد ذات عبد بذات عبد، أو حلول حقيقة في حقيقة كحلول الماء في الوعاء؛ فهذا باطل قطعاً، بل ذلك باطل في العبد مع العبد؛ فإنه لا تتحد ذاته بذاته، ولا تحل ذات أحدهما في ذات الآخر.

وهذا هو الذي وقعت فيه الاتحادية والحلولية، من النصارى وغيرهم من غالية هذه الأمة وغيرها، وهو اتحاد متجدد بين ذاتين كانتا متميزتين، فصارتا متحدتين، أو حلول إحداهما في الأخرى؛ فهذا بين البطلان ].

بمناسبة إشارة الشيخ إلى أن مذهب الاتحادية والحلولية ووحدة الوجود من النصارى وغيرهم من غالية هذه الأمة، يحسن التنويه إلى أن أغلب الطرق الصوفية تنتهي إلى هذه العقيدة قديماً وحديثاً إلى يومنا هذا، التي تعتمد البدع والأوراد البدعية في العبادات، والسماعات والتعلق بالشيوخ من قبل المريدين.. إلى آخره، فهم في حقيقة الأمر وصل الأمر بهم إلى اعتقاد وحدة الوجود، وهذا أمر محقق علمياً، ولا يمكن أن يستثنى منه إلا النادر من الطرق التي نشأت حديثاً، مثل: مهدية السودان.. ونحوها، هذه إلى الآن ما يعرف أنها وصلت إلى هذا الاعتقاد، لكن فيها من البدع والطوام ما يجعلها في مصاف الطرق البدعية.

أما اعتقاد وحدة الوجود فعليه سائر الطرق، فقد وصل الأمر عند كبرائهم وشيوخهم وفي كتبهم المعتمدة إلى اعتقاد وحدة الوجود.

قال رحمه الله تعالى: [ وأبطل منه قول من يقول: ما زال واحداً وما ثم تعدد أصلاً، وإنما التعدد في الحجاب، فلما انكشف الأمر رأيت أني أنا، وكل شيء هو الله، سواء قال بالوحدة مطلقاً، أو بوحدة الوجود المطلق دون المعين، أو بوحدة الوجود دون الأعيان الثابتة في العدم.

فهذه وما قبلها مذاهب أهل الكفر والضلال، كما أن الأولى مذهب أهل الإيمان والعلم والهدى ومن كفر بالحق من ذلك أو آمن بالباطل، فهما في طرفي نقيض، كاليهود والنصارى ].

أشار الشيخ أكثر من مرة إلى مسألة التعدد في الحجاب، وهذه عبارة كثير من أهل البدع الذين إما أنهم انتهوا إلى الاتحاد ووحدة الوجود والحلول، أو على الأقل مالوا إلى هذا المذهب الخبيث، فهؤلاء دائماً يتكلمون عن الحجاب، ويقصدون بذلك تسويغاً لمذهبهم الباطل، أما الأنبياء وأتباعهم من الصالحين أهل الحق والهدى فقلوبهم وعقولهم محجوبة عن حقيقة الاتحاد ووحدة الوجود والحلول، يعني: أن مدارك أهل الإيمان من النبيين وأتباعهم وعقولهم لا تدرك هذه الحقيقة بزعمهم، وأن هذه الحقيقة لا تنكشف إلا لخواص الخواص، والخصوصية عندهم هي الإلحاد، إذا وصل المرء عندهم إلى درجة الإلحاد؛ وصل إلى الخصوصية، فيزعمون أنه إذا وصل إلى هذه الدرجة ارتفعت عنه الحجب، فرأى أن الكون واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، وأن الله هو الخلق والخلق هو الله، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما المؤمنون فيؤمنون بحق ذلك دون باطله، وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيهما الهدى والنور، وفيهما بيان الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

فأما إثبات الحق من ذلك وهو ما يحصل لأنبياء الله وأوليائه، الذين هم المتقون من السابقين والمقتصدين، وما قد يحصل من ذلك لكل مؤمن، مثل: محبتهم لله تعالى، ومحبته لهم، ورضوانهم عنه، ورضوانه عنهم، فقد قال الله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].

وقال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

وقال تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].

وقال تعالى: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76].

وقال تعالى: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7].

وقال: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4].

وقال: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].

وقال: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108].

وقال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].

وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4].

وقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ [آل عمران:31].

وقال: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ .. إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ [التوبة:24].

وقال: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125].

وقال: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100].

وقال: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المجادلة:22].

وقال: أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:7-8].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي). (إن الله جميل يحب الجمال). (إن الله نظيف يحب النظافة). (إن الله وتر يحب الوتر). (إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها).

وقال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أموركم).

وفي القرآن من ذكر الاصطفاء والاجتباء والتقريب والمناجاة والمناداة والخلة ونحو ذلك ما هو كثير، وكذلك في السنة.

وهذا مما اتفق عليه قدماء أهل السنة والجماعة وأهل المعرفة والعبادة والعلم والإيمان ].

أراد الشيخ أن ينبه على أمر قدَّم له قبل قليل، ثم ختم أيضاً بهذه الخاتمة التي أراد بها أن يذكر وجه الاستنتاج من هذه النصوص، فالشيخ يقول: إن الذين موهوا على الناس في مسألة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود أخذوا جانباً من الجوانب التي يمكن أن يعبر عنها شرعاً بأنها قرب بين العبد وربه، فاستغلوا مسألة القرب والاجتباء والاصطفاء والمحبة والرضا ليجعلوها وسيلة إلى القول بالوحدة والاتحاد والحلول، لا سيما وأن النصارى أكثر مفاهيمهم للحلول التي عبروا فيها عن التثنية والتثليث تدور حول هذه المعاني، وهو من باب الإيهام.

وهناك قدر صحيح في دلالات ألفاظ الشرع يمكن يعبر عنه بأنه قرب من الله عز وجل لعباده، أو لبعض عباده، وهذا النوع لا يصل إلى حدِّ الاتحاد ولا الحلول ولا وحدة الوجود؛ ولذلك قال الشيخ: (وأما المؤمنون فيؤمنون بحق ذلك دون باطله) يعني: يؤمنون بما فيه دلالة على قرب العباد أو بعض العباد من ربهم، وأن الله يحب من يشاء من عباده، وأنه يرضى عمن يشاء من عباده، وأنه عز وجل يصطفي ويجتبي ويقرب من يشاء من عباده، ويناجي وينادي من يشاء من عباده، هذه كلها معان تدل على القرب بين العبد وربه، وبين العباد وربهم.

لكنها تقف عند حد القرب، ولا تصل إلى حد ما زعموه من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، بل لو تأملنا دلالات ألفاظ القرب لوجدناها تدل على المباينة؛ لأن القرب لا يكون إلا بين المنفصلين، إذا وجد الاندماج ما وجد تقارب ولا قرب، وإذا وجد الاتحاد ما وجد تقارب ولا قرب، وكذلك إذا وجد الحلول ما صار هناك معنى للتقارب ولا للقرب.

فإذاً: كون الله عز وجل يحب بعض عباده ويقربهم ويجتبيهم ويصطفيهم، هذا يدل على أن الله عز وجل غير الخلق وأن الخلق غير الله، وأنه يستحيل أن يكون هناك أي نوع من أنواع الاتحاد والحلول ووحدة الوجود على المعاني التي يذكرها هؤلاء المبتدعة.

ثم قال: (وهذا ما اتفق عليه قدماء أهل السنة والجماعة) قد يفهم بعض الناس أن غير القدماء لا يقولون بذلك، لا، وإنما أراد الشيخ أن يبين لنا أن هذا كان محل إجماع عند المنتسبين للسنة والجماعة في القرون الثلاثة الفاضلة، حتى نهاية القرن الثالث عندما دخلت طوائف من المنتسبين للسنة مثل: ابن كلاب ، والجنيد ، والحارث المحاسبي ، وبعض كبار العباد، ثم تلاميذ أبي الحسن الأشعري الأوائل هؤلاء حادوا عن هذا المعنى، وأنكروا بعض لوازمه، فأنكروا شيئاً من المحبة لله عز وجل، وشيئاً من الأفعال، وتعلق أفعال الله بالمشيئة، بما في ذلك المحبة والرضا كما سيأتي.

فكان هذا اتفاقاً بين قدماء أهل السنة، لكن المتأخرين منهم ممن ينتسب للسنة نازعوا في ذلك، لكن يبقى الأصل والصحيح ما كان عليه القدماء من أهل السنة والجماعة.

يقول: (وهذا مما اتفق عليه قدماء أهل السنة والجماعة، وأهل المعرفة والعبادة والعلم والإيمان)، يعني: حتى أهل المعرفة والعبادة كانوا في القديم يوافقون أهل السنة على هذه المعاني الشرعية، ويعبرون عنها بالتعبيرات الشرعية، حتى جاءت المبالغة في التعبيرات عن الأحوال القلبية من المنتسبين للسنة على يد الحارث المحاسبي ، فقد وصف أحمد بن حنبل رحمه الله أعماله هذه بالمبالغة بالأحوال القلبية، التي قد تؤدي إلى الميل لوحدة الوجود والاتحاد والحلول، وكان ذريعة لأصحاب هذه المذاهب فيما بعد، وسماها الإمام أحمد : وساوس وخواطر، أو الخطرات والوساوس.

فالمبالغة في وصف الأعمال القلبية بلفظ يفهم عند السامعين معاني الوحدة والاتحاد والحلول يؤدي إليه؛ ولذلك خرجت وظهرت المذاهب الباطلة بعد ما بدأت مذاهب العبَّاد تنبئ عن هذه المعاني، فظهر مذهب الحلاج ، واستغل مصطلحات الصوفية الأوائل المنتسبين للسنة، فأعلن قوله بالحلول، ثم بعد ذلك صارت مذاهب الحلول في غالب الطرق الصوفية.

قال رحمه الله تعالى: [ وخالف في حقيقته قوم من الملحدة المنافقين، المضارعين للصابئين ومن وافقهم، والمضارعين لليهود والنصارى، من الجهمية، أو من فيه تجهم، وإن كان الغالب عليه السنة ].

يقصد بمن فيه تجهم متكلمة الأشاعرة والماتريدية والكلابية، فهؤلاء ليسوا جهمية ولا ملاحدة ولا منافقين، لكن فيهم تجهم، وهذا التجهم أدى بهم إلى الدخول في هذه المتاهات، وعدم تحرير التوحيد على وجه شرعي بألفاظ شرعية كما هو مذهب السلف، وصاروا يقررون التوحيد بألفاظ أحياناً ينكرون فيها معاني المحبة، فأهل الكلام أو بعضهم عكس أهل الاتحاد والحلول تماماً؛ لأن أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود بالغوا في الزندقة، أما بعض المتكلمين المنتسبين للسنة فقد أنكروا بعض الأمور التي تتعلق بأفعال الله عز وجل، وأحواله مع عباده، مثل: المحبة، والرضا، والقرب.. ونحو ذلك.

قال رحمه الله تعالى: [ فتارة ينكرون أن الله يخالل أحداً، أو يحب أحداً، أو يواد أحداً، أو يكلم أحداً، أو يتكلم، ويحرفون الكلم عن مواضعه؛ فيفسرون ذلك تارة بإحسانه إلى عباده، وتارة بإرادته الإحسان إليهم، وتارة ينكرون أن الله يحب أو يخالل.

ويحرفون الكلم عن مواضعه في محبة العبد له؛ بأنه إرادة طاعته، أو محبته على إحسانه ].

أي: أنهم يفسرون المحبة بالإحسان إلى العباد، أو بإرادة الإحسان وبالإنعام، وكذلك المودة قد يفسرونها بلطف الله بعباده، وبإحسانه إليهم، وبإرادة الإحسان، ثم ينكرون أن الله عز وجل يحب من يشاء من عباده أو يخالل، وهذه أول من فتقها وابتدعها في الأمة أوائل الجهمية: الجعد بن درهم ، والجهم بن صفوان ، ثم صارت مذهباً لكثير من طوائف المتكلمين.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما إنكار الباطل فقد نزه الله نفسه عن الوالد والولد، وكفر من جعل له ولداً أو والداً أو شريكاً، فقال تعالى في السورة التي تعدل ثلث القرآن التي هي صفة الرحمن، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة من القرآن ما صح في فضلها؛ حتى أفرد الحفاظ مصنفات في فضلها، كـالدارقطني ، وأبي نعيم ، وأبي محمد الخلال .

وأخرج أصحاب الصحيح فيها أحاديث متعددةً، قال فيها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

وعلى هذه السورة اعتماد الأئمة في التوحيد، كالإمام أحمد ، والفضيل بن عياض .. وغيرهما من الأئمة قبلهم وبعدهم.

فنفى عن نفسه الأصول والفروع والنظراء ].

نفي الأصول: هو معنى قول الله عز وجل: وَلَمْ يُولَدْ ، ونفي الفروع: هو معنى قوله عز وجل: لَمْ يَلِدْ ، وفي النظراء والشبيه والمثل: قوله عز وجل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4].

قال رحمه الله تعالى: [ فنفى عن نفسه الأصول والفروع والنظراء، وهي جماع ما ينسب إليه المخلوق من الآدميين والبهائم والملائكة والجن، بل والنبات ونحو ذلك؛ فإنه ما من شيء من المخلوقات إلا ولا بد أن يكون له شيء يناسبه إما أصل، وإما فرع، وإما نظير، أو اثنان من ذلك أو ثلاثة، وهذا في الآدميين والجن والبهائم ظاهر.

وأما الملائكة فإنهم وإن لم يتوالدوا بالتناسل فلهم الأمثال والأشباه؛ ولهذا قال سبحانه: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50]، قال بعض السلف: لعلكم تتذكرون فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.

ولهذا كان في هذه السورة الرد على من كفر من اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، فإن قوله: لَمْ يَلِدْ رد لقول من يقول: إن له بنين وبنات من الملائكة أو البشر، مثل من يقول: الملائكة بنات الله، أو يقول: المسيح، أو عزير ابن الله، كما قال تعالى عنهم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:100].

وقال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات:149-158].

وقال تعالى: وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:30-31].

وقد أخبر أن هذا مضاهاة لقول الذين كفروا من قبل.

وقد قيل: إنهم قدماؤهم، وقيل: مشركو العرب، وفيهما نظر؛ فإن مشركي العرب الذين قالوا هذا ليسوا قبل اليهود والنصارى وقدمائهم منهم، فلعله الصابئون المشركون، الذين كانوا قبل موسى والمسيح بأرض الشام ومصر.. وغيرها، الذين يجعلون الملائكة أولاداً له، كما سنبينه.

وقال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى [النحل:62]، وهو قول من قال من العرب: إن الملائكة بنات الله.

وقال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:56-60].

وقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:15-19].

وهذا القدر الذي عابه الله على من جعل الملائكة بناته من العرب، مع كراهتهم أن يكون لهم بنات؛ فنظيره في النصارى: فإنهم يجعلون لله ولداً، وينزهون أكابر أهل دينهم عن أن يكون لأحدهم صاحبةً أو ولداً، فيجعلون لله ما يكرهونه لأكابر دينهم.

وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:88-95].

وقال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً * لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [النساء:171-173]، فنهى أهل الكتاب عن الغلو في الدين، وعن أن يقولوا على الله إلا الحق، وذكر القول الحق في المسيح، ثم قال لهم: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [آل عمران:179]؛ لأنهم كفروا بالله بتثليثهم، وكفروا برسله بالاتحاد والحلول؛ فكفروا بأصلي الإسلام العام التي هي الشهادة لله بالوحدانية في الألوهية، والشهادة للرسل بالرسالة، وذكر أن المسيح والملائكة لا يستنكفون عن عبادته؛ لأن من الناس من جعل الملائكة أولاده كالمسيح، وعبدوا الملائكة والمسيح ].

قوله: (لأنهم كفروا بالله بتثليثهم) هذه ظاهرة وواضحة، لكن قوله: (وكفروا برسله بالاتحاد والحلول) هذه ربما تحتاج إلى بيان، وإن كانت في الجملة بينة، لكن معنى كلامه هو: أن قولهم بالاتحاد والحلول يلغي معنى كون الرسول مرسلاً من الله عز وجل؛ لأن أصحاب الحلول والاتحاد يقولون: لا مرسَل ولا مرسِل؛ لأن الرسول لا يكون إلا من مرسِل، وهذا يعني أن المرسَل غير المرسِل، والقول بالحلول والاتحاد يلغي هذا الاعتبار، فليس هناك مرسِل ولا مرسَل، لأن الكل واحد.

وأيضاً هناك وجه آخر -وهو ظاهر-: وهو أن القول بالاتحاد والحلول كفر بما جاء به الرسل.

قال رحمه الله تعالى: [ ولهذا قال: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80]، فذكر الملائكة والنبيين جميعاً.

وقد نفى في كتابه عن نفسه الولادة، ونفى اتخاذ الولد جميعاً، فقال: وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ [الإسراء:111].

وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون:91].. الآية.

وقال: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الفرقان:2].

وقال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ * أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:16-22].

وقال: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:26-28] ].

الفرق بين الحلول والاتحاد ووحدة الوجود من حيث المآل

السؤال: هل هناك فرق واضح بين الحلول والاتحاد ووحدة الوجود؟

الجواب: في الحقيقة المآل واحد، الحلول ينتهي إلى الاتحاد، ثم الاتحاد ينتهي إلى وحدة الوجود، أو يقال: الاتحاد ينتهي إلى الحلول، والحلول ينتهي إلى وحدة الوجود، لكن قد يتبين الفرق بالمثال:

الحلول: هو أن الله عز وجل يحل في خلقه أو في بعض خلقه كحلول الروح في الجسد، كما يزعمون، تعالى الله عما يقولون، وهذا المذهب أصحابه على طرائق ومذاهب شتى.

والاتحاد: هو أن الخالق متحد بالخلق، مع وجود شيء من التميز العقلي فقط، ليس تميزاً حقيقياً، كاتحاد الماء في الطين أو في العجين، الماء كان ماء والطين كان تراباً، وكان العجين دقيقاً، فلما خلط الماء مع الدقيق صار عجيناً؛ فهذا يمثل عندهم الاتحاد.

وأحياناً يمثلون الحلول بالنور في الزجاجة البيضاء إذا صدع فيها النور، فيقولون: النور يدخل ويحل فيها.

أما وحدة الوجود فتلغي كل هذه الاعتبارات، فلا حلول ولا اتحاد، فهم يعتبرون الوجود واحداً، إنما الاختلاف في التعبير عن الله عز وجل والتعبير عن المخلوقات اختلافاً لفظياً عبَّر به المحجوبون عن الحقيقة وهم الأنبياء والمؤمنون.

حكم القراءة في كتب الحارث المحاسبي

السؤال: ما رأيكم في كتب الحارث المحاسبي خاصة (رسالة المسترشدين)؟

الجواب: طالب العلم المتمكن من العقيدة لا مانع أن يقرأ مثل هذه الكتب، مع أنه ليس بحاجة إليها، أما طالب العلم غير المتمكن فلا ينبغي أن يقرأ مثل هذه الكتب.

و الحارث المحاسبي يعد من العبَّاد المشاهير، وكتبه فيها مداخل غامضة، والتعبيرات فيها عن عقيدة التوحيد تعبيرات دقيقة جداً وغامضة ليست واضحة، وأحياناً تكون محتملة لعدة معان وأوجه؛ فالأولى ألا يرشد إليها المبتدئ، وفي النقي الصافي الكفاية، في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم الذين لم تشبهم الشوائب الكفاية، والحمد لله.


استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [19] 3145 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [9] 3044 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [11] 2796 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [20] 2583 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [12] 2431 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [5] 2404 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [17] 2355 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [7] 2178 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [6] 2039 استماع
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [3] 2011 استماع