خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34163"> شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [12]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ فصل.
فهذان المعنيان صحيحان ثابتان، بل هما حقيقة الدين واليقين والإيمان.
أما الأول: وهو كون الله في قلبه بالمعرفة والمحبة، فهذا فرض على كل أحد، ولا بد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه فهو ظالم لنفسه، وإن تركه كله فهو كافر بربه ].
يعني: هذا فيما يتعلق بالأحوال القلبية التي أساسها المعرفة بالله عز وجل والمحبة لله، والمحبة لا بد أن ينتج عنها الرجاء والخوف والخشية وسائر الأحوال القلبية، فهو يقول: إن قلب العبد لا بد أن تتحقق فيه المعرفة والمحبة لله عز وجل، وهذا فرض لا يعذر به أحد؛ لأن الواجب على الإنسان أن يعمل ما يستطيعه من الأعمال المفروضة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذا بالنسبة للأعمال، أما بالنسبة للأمور القلبية فهي أحوال لا يعذر بها أحد؛ لأنها أمور لا تحتاج إلى جهد، إنما هي ما يقر في القلب من الإيمان الذي أساسه المحبة والخشية والرجاء، فلا أحد يعذر في أن يكون في قلبه المحبة الكاملة لله عز وجل، وهذا فرض على كل أحد، ولا بد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه في محبة الله فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه تجاه محبة الله عز وجل فهو ظالم لنفسه، وإن ترك ذلك كله فهو كافر، إذا لم يكن في قلبه أدنى ذرة من الإيمان، أو لم يكن في قلبه أدنى ذرة من المعرفة والمحبة لله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [ وأما الثاني: وهو موافقة ربه فيما يحبه ويكرهه، ويرضاه ويسخطه، فهذا على الإطلاق إنما هو للسابقين المقربين، الذين تقربوا إلى الله بالنوافل التي يحبها ولم يفرضها، بعد الفرائض التي يحبها ويفرضها، ويعذب تاركها ].
يعني: الأول يتعلق بالأحوال القلبية، والثاني يتعلق بما ينبعث من الأحوال والأعمال القلبية من أعمال الجوارح، والتسليم لله عز وجل والطاعة.
الثواب على نية عمل الخير
ولا يتوهم أن المراد بذلك: أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع، وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف: قوة المؤمن في قلبه، وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب).
وقال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (فهما في الأجر سواء) في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه، الذي قال: (لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل)، فإنهما لما استويا في عمل القلب وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) ].
خلاصة هذا الفصل: أن الشيخ أراد أن يقرر أن المعنى الشرعي المطلوب من العباد في المحبة لله والمعرفة واليقين: هو التدين بما شرعه الله عز وجل من الدين واليقين والإيمان، الذي هو أحوال القلب في التوجه إلى الله عز وجل بالمحبة والرجاء والخوف وسائر الأعمال القلبية، وأحوال الجوارح بالعمل بما شرع الله عز وجل، هذا هو غاية الدين؛ لينفي بذلك ما ادعاه المبطلون من أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود من أن الغرض هو التنصل من التوحيد والشرائع، والوصول إلى ما يزعمون أنه الاتحاد والحلول ووحدة الوجود، وهذه المعاني التي ادعاها هؤلاء باطلة ليست هي المعاني الشرعية المقصودة، إنما المعاني الشرعية هي ما يتحقق بها الدين واليقين والإيمان كما شرع الله عز وجل وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [ ولهذا كان هؤلاء لما أتوا بمحبوب الحق من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، المنتظمة للمعارف والأحوال والأعمال، أحبهم الله تعالى، فقال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل، مناسب له مناسبة المعلول لعلته.
ولا يتوهم أن المراد بذلك: أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع، وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف: قوة المؤمن في قلبه، وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب).
وقال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (فهما في الأجر سواء) في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه، الذي قال: (لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل)، فإنهما لما استويا في عمل القلب وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) ].
خلاصة هذا الفصل: أن الشيخ أراد أن يقرر أن المعنى الشرعي المطلوب من العباد في المحبة لله والمعرفة واليقين: هو التدين بما شرعه الله عز وجل من الدين واليقين والإيمان، الذي هو أحوال القلب في التوجه إلى الله عز وجل بالمحبة والرجاء والخوف وسائر الأعمال القلبية، وأحوال الجوارح بالعمل بما شرع الله عز وجل، هذا هو غاية الدين؛ لينفي بذلك ما ادعاه المبطلون من أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود من أن الغرض هو التنصل من التوحيد والشرائع، والوصول إلى ما يزعمون أنه الاتحاد والحلول ووحدة الوجود، وهذه المعاني التي ادعاها هؤلاء باطلة ليست هي المعاني الشرعية المقصودة، إنما المعاني الشرعية هي ما يتحقق بها الدين واليقين والإيمان كما شرع الله عز وجل وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [ فصل.
وقد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد، فإن الاتحاد فيه حق وباطل، لكن لما ورد عليه ما غيب عقله أو أفناه عما سوى محبوبه، ولم يكن ذلك بذنب منه، كان معذوراً غير معاقب عليه ما دام غير عاقل، فإن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وإن كان مخطئاً في ذلك كان داخلاً في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ [الأحزاب:5] ].
هذا الكلام الذي قاله شيخ الإسلام هنا يرد كثيراً في كتبه، خاصة في الأجزاء التي تكلم فيها عن السلوك والتصوف، وكذلك في كتبه التي تكلم فيها عن المسالك الصوفية، مثل: (الاستقامة) و(الرد على البكري ).. وغيرها.
في هذه الكتب نجد أن الشيخ في حكمه على شطحات الصوفية الأوائل يقول مثل هذا الكلام، وهو موقف عجيب من شيخ الإسلام رحمه الله، خاصة إذا طبقناه على الأمثلة التي ذكرها الشيخ، هنا يشير إلى ما ورد من أوائل الحلولية والاتحادية في القرن الأول والثاني والثالث الهجري، وأكثر ما كان ذلك في القرن الثاني والثالث.
كانت مجرد شطحات بسيطة في القرن الأول، لكن في القرن الثاني والثالث قبل ظهور الطرق الصوفية ظهرت من أوائل العباد عبارات إلحادية صريحة في الإلحاد، وهؤلاء كثير، منهم: ( رابعة العدوية ، وذو النون المصري ، وابن أبي الحواري ، والتستري ، والبسطامي ، والنوري ، والشبلي ، حتى توج هذا الاتجاه الخبيث الحلاج في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع، توجه بالتصريح بالإلحاد، كان يصرح بالإلحاد حتى عندما ناقشه العلماء، وعندما استتيب ولم يتب، أما قبله فكانت أحوالاً وقع فيها بعض هؤلاء وأمثالهم، فيصرحون بالإلحاد أحياناً، في لحظات يظهر الواحد منهم أنه غير سوي، مثلاً: يكون مغشياً عليه، أو صعق لمفاجأة أتته، أو يكون في حال من الضعف الجسماني بعد السهر والجوع والعطش، فتحصل لهم حالات تشبه ما يسمى في عصرنا بالهستيريا، أثناء هذه الحالات التي تعتريهم يتلفظ كثير منهم فيها بالإلحاد، واحد يقول عن نفسه: سبحاني، وواحد يقول مثلاً للديك والكلب: لبيك لبيك، نسأل الله السلامة، وثالث يقول: ما في الجبة إلا الله. هذا قبل الحلاج ، ورابع يحلق لحيته، ويترك صلاة الجماعة، وتحصل منه تصرفات حتى يدخل مستشفى المجانين، وآخر يقول: لماذا تخافون من النار؟ ما هي إلا أن أنصب عليها خيمتي فتنطفئ.
وغيره يضرب صدره مقابل اليهود ويقول: هؤلاء في ذمتي.
هذه كلمات إلحادية ليست مجرد عبارات مخبولين ولا عبارات مجانين، بل هذه مذاهب.
فـشيخ الإسلام يقصد ما قبل الطرقية، أما الطرقية فللشيخ كلام آخر.
يقول عن هؤلاء: إن هؤلاء تعتريهم حالات من السهر والجوع والعطش، وبسبب جهلهم وضعفهم تعتريهم حالات يتكلمون بهذه الكلمات، ثم يقول: فلعلهم يعذرون في مثل هذا الكلام؛ لأنهم ليسوا عقلاء. وهذا عجيب من شيخ الإسلام .
ولذلك ينبغي أن يتوقف طالب العلم في هذه المسألة؛ لأنه إن فرضنا أنهم تكلموا بغير إرادتهم أو من غير شعور كما نقول، لكن هل يعقل أن تأتي هذه الإلحاديات المقننة التي هي امتداد لمذاهب قديمة إلا في حال الجنون أو الخبال أو السكر.. أو نحو ذلك؟ يحتمل أن يكون أراد أن يتستر بهذه الحالات من أجل ألا يؤاخذ ولا يقتل أو يرجم من العوام؛ لأن مثل هذه الكلمات لا يتركها الناس، فبمجرد ما يسمعها العوام من هؤلاء يرجمونهم بالحجارة أو يطردونهم من القرى التي هم فيها، لكن مع ذلك هؤلاء لم يتخذ إزاءهم أي إجراء، حتى إن بعض العلماء احتسب على هؤلاء، وكانوا مجموعة منهم: التستري ، والبسطامي ، والنوري ، والشبلي ، فقام العلماء المحتسبون ورفعوا بهؤلاء إلى الحاكم فأتوا بهم إلى أحد القضاة، فلما اجتمعوا وسألهم وجد أن عندهم المذاهب الخبيثة التي اتهموا بها، فحكم بقتلهم، فلما جهزت وسائل القتل انبرى أحدهم -وأظنه النوري - فقدم نفسه قبلهم، فرق القاضي لهم وعفا عنهم، وقال كلاماً يدل على أنهم لبس عليهم الأمر.
لكن مثل هذه الكلمات لو كانت غير منتظمة وغير مقننة، ولا تحمل صور المذاهب القديمة المعروفة في الأمم لقلنا: إنها عفوية أو نتيجة جنون، لكنها كلمات إلحادية أصبحت مذاهب فيما بعد، فأقول: ربما أنهم يلجئون إلى الادعاء بأنهم ليسوا أسوياء؛ من أجل أن يسلموا من القتل والمطاردة، ثم إن عندهم تعارضاً حاداً، فهؤلاء الذين أثر عنهم مثل هذه الكلمات الإلحادية أثر عنهم التصريح بوجوب الأخذ بالعقيدة السليمة والتوحيد والسنة، وأن كل أعمالهم يجب أن تعرض على الكتاب والسنة، وما خالفهما يرد.
وهذا أمر عجيب! كيف تقول بكفر صريح، ثم تقول: اعرضوا أعمالنا وأقوالنا على الكتاب والسنة؟ لماذا لم تعرض أعمالك وأقوالك على الكتاب والسنة بنفسك؟
كلام الشيخ هنا يتعلق بهذه الفئة، يقول: (وقد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول والاتحاد) وذكر منها الشيخ نماذج، يقول: (لكن لما ورد عليه ما غيب عقله أو أفناه عما سوى محبوبه) يعني: ورد عليه ما غيب عقله، من المبالغة في الزهد والعبادة والجوع والسهر والعطش، حتى وصل إلى هذه المرحلة، أو أفناه عما سوى محبوبه، لم يكن ذلك بذنب منه كان معذوراً غير معاقب عليه ما دام غير عاقل.
تكلم الشيخ على قاعدة عامة، هل تنطبق على هؤلاء أو لا تنطبق؟
عندما تكلم عن بعض أفرادهم مثل: التستري والبسطامي وابن أبي الحواري وما أثر عنهم من إلحاديات صريحة، قال: لعله غلب عليه عقله، فهذا الاعتذار هل هو تورع من شيخ الإسلام ، أو كما أشار في مقام آخر أنه يرى أن هذه الروايات لم تثبت عنهم، فمن الصعب أن نحكم عليهم، لكن هذا يعترض عليه أنه إذا لم تثبت كان ينبغي أن يقال الحق فيهم لو ثبتت، كأن يقال: إن ثبت هذا عنهم فهذا حرام قطعاً وهو شرك، وإن لم يثبت فهو الغالب، لكن مع ذلك نجد أن الشيخ يدافع عن هؤلاء، فربما أن للشيخ ترجيحاً لم يصرح به، أو صرح به وخفي علينا في الاعتذار لهؤلاء في وقوعهم في الإلحاديات، أو ربما ظن فعلاً أنهم تكلموا في حال غيبة غير مقصودة؛ بسبب ما يعتريهم من الانقطاع الشديد في العبادة والعزلة.. إلى آخره.
فأقول: ومع ذلك يبقى كلام الشيخ مشكلاً، والاعتذار عن مثل هؤلاء يشكل، إلا أن يكون الشيخ قد افترض افتراضات، وقال: إن كانوا قالوا هذا عن اعتقاد وكذا وكذا فهذا كفر وباطل، وإن كانوا قالوه عن غير اعتقاد فربما يكون كذا وكذا إلى آخره، والشيخ لا يفصل في أغلب المقامات، وفي بعض المقامات يقول بأن هذا كفر، ثم يذهب يلتمس لهؤلاء معاذير ويقول: لعلهم قالوه عن كذا وعن كذا من الجهل، أو احتمال العوارض التي ذكرها.
قال رحمه الله تعالى: [ وهذا كما يحكى أن رجلين كان أحدهما يحب الآخر فوقع المحبوب في اليم، فألقى الآخر نفسه خلفه. فقال: أنا وقعت، فما الذي أوقعك؟ فقال: غبت بك عني، فظننت أنك أني ].
هذا كلام تمجه العقول حقيقة مهما كان افتراضه، إلا لو كان في حب الله عز وجل، أما في حب شخص فهذا مما لا يسوغ شرعاً ولا عقلاً.
قال رحمه الله تعالى: [ فهذه الحال تعتري كثيراً من أهل المحبة والإرادة في جانب الحق وفي غير جانبه، وإن كان فيها نقص وخطأ، فإنه يغيب بمحبوبه عن حبه وعن نفسه، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن عرفانه، وبمشهوده عن شهوده، وبموجودة عن وجوده ].
يقصد بمحبوبه وهو الرب عز وجل عن حبه، وبمذكوره وهو الله عز وجل عن ذكر نفسه، وبمعروفه وهو الله عز وجل عن عرفان نفسه، ومشهوده وهو الله عز وجل عن شهود نفسه.. إلى آخره.
قال رحمه الله تعالى: [ فلا يشعر حينئذ بالتمييز ولا بوجوده، فقد يقول في هذه الحال: أنا الحق أو سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله.. ونحو ذلك، وهو سكران بوجد المحبة الذي هو لذة وسرور بلا تمييز ].
لا يرى الشيخ رحمه الله أن هذا سائغ، بل بالعكس هذا كفر، لكن كأن الشيخ يقول: إن هناك طائفة من البشر بجهلهم وبسلوكهم مسالك العبادة على هذا النحو الذي يضيعون به عقولهم يحدث منهم هذا من غير قصد، فهل يحسب عليهم إذا قالوا مثل تلك المقولات المنحرفة في حال عدم وجود العقول لهم؟ هل هذا مما يؤاخذون عليه أو لا يؤاخذون؟ هذا محل النزاع، أما أن يكون كفراً فلاشك أنه كفر، وأن هذه المسالك خطأ، والتمييز بين الحق والباطل مطلوب من المسلم ما دام يعقل، فإذا خرج عن عقله بغير إرادته فهل يرد على ذهنه مثل هذا الكلام؟ ما أظن، لكن كما قال المثل: كل إناء بما فيه ينضح.
هل يعقل أن مسلماً مؤمناً على الفطرة السليمة وعلى الدين الصحيح إذا اعتراه ما يعتريه من غياب عقله أن يتكلم بالكفر؟ ما أظن، بل يستحيل ذلك، إلا إذا تكلم على لسان الإنسان شيطان أو جني هذا أمر آخر، وإلا فكيف يتكلم بالكفر من ليس في قلبه كفر في حال غياب عقله؟ لا يمكن أن يتكلم إلا بما كان في عقله أصلاً، والله عز وجل يسدده ويعصمه من أن يتكلم بالشرك في حال غيابه كما حفظه حال يقظته.
إذاً: لا يكون من ذلك إلا من أخطأ الطريق في التعبد إلى الله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [ وذلك السكران: يطوى ولا يروى، إذا لم يكن سكره بسبب محظور ].
يعني: يتجاهل ولا ينقل خبره، لكن لا يمكن ذلك وقد حشيت كتب القوم ومناهجهم ومسالكهم وطرقهم ودعوتهم لمثل هذه العبارات الخبيثة، وأصبحت مسالك للإلحاد إلى اليوم.
قال رحمه الله تعالى: [ فأما إذا كان السبب محظوراً، لم يكن السكران معذوراً.
وأما أهل الحلول فمنهم من يغلب عليه شهود القلب وتجليه، حتى يتوهم أنه رأى الله بعيني رأسه، ولهذا ذكر ذلك طائفة من العباد الأصحاء، غلطاً منهم ].
هذه القاعدة جيدة: (إذا كان السبب محظوراً لم يكن السكران معذوراً) يعني: هؤلاء الذين يعتذر عنهم أحياناً شيخ الإسلام ابن تيمية بأنهم قالوا هذه الكفريات في حال العوارض، وحال غياب العقل، والسبب في غياب عقولهم هو نزوعهم إلى كثرة العبادة والسهر والعطش والجوع، فهل هذا مشروع؟ هل يشرع للمسلم أن يوقع نفسه في هذا الحد، من أنه يسهر ويعطش ويجوع حتى يفقد عقله؟
إذاً: هم وقعوا في سبب غير مشروع، وإذا كان وقوعهم في السكر وما يعملونه من الأوراد والسماعات والأغاني التي هي أسباب لحضور الشياطين حتى تطيش عقولهم ويقعون في الرقص والهذيان والسكر فهذا أيضاً سبب غير مشروع.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال ، ودعواه الربوبية، قال: (واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت)، وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى متعددة حسنة في حديث الدجال .
فإنه لما ادعى الربوبية، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فرقانين ظاهرين لكل أحد.
أحدهما : أنه أعور والله ليس بأعور.
الثاني: أن أحداً منا لن يرى ربه حتى يموت، وهذا إنما ذكره في الدجال مع كونه كافراً؛ لأنه يظهر عليه من الخوارق التي تقوي الشبهة في قلوب العامة].
قال رحمه الله تعالى: [فصل.
فإذا عرف الاتحاد المعين مما يشبه الحلول أو الاتحاد الذي فيه نوع حق تبين أيضاً ما في المطلق من ذلك.
فنقول: لا ريب أن الله رب العالمين، رب السماوات والأرضين وما بينهما، ورب العرش العظيم، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً، ربكم ورب آبائكم الأولين، رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وهو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل.
خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى.
وهو رب كل شيء ومليكه، وهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الرحمن على العرش استوى، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
قلوب العباد ونواصيهم بيده، وما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، وهو الذي أضحك وأبكى، وأغنى وأقنى، وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، وينزل من السماء ماءً، فيحيي به الأرض بعد موتها.
ويبث فيها من كل دابة.
وهو الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون، وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون، وهو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو القاسم بالقسط، القائم على كل نفس بما كسبت، الخالق البارئ المصور، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، وما شاء الله لا قوة إلا بالله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ منه إلا إليه.
فهذه المعاني وما أشبهها من معاني ربوبيته وملكه، وخلقه ورزقه، وهدايته ونصره، وإحسانه وبره، وتدبيره وصنعه، ثم ما يتصل بذلك من أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، يبصر دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.
فهذا كله حق، وهو محض توحيد الربوبية، وهو مع هذا قد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وأحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين.
وهذا صنع الله الذي أتقن كل شيء، والخير كله بيديه، وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، كما أقسم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (والله، لله أرحم بعباده من هذه الوالدة بولدها)، إلى نحو هذه المعاني التي تقتضي شمول حكمته وإتقانه، وإحسانه خلق كل شيء، وسعة رحمته وعظمتها، وأنها سبقت غضبه، كل هذا حق.
فهذان الأصلان: عموم خلقه وربوبيته، وعموم إحسانه وحكمته، أصلان عظيمان، وإن كان من الناس من يكفر ببعض الأول، كالقدرية الذين يخرجون أفعال العباد عن خلقه، ويضيفونها إلى محض فعل ذي الاختيار، أو الطبعية الذين يقطعون إضافة الفعل إلى الله سبحانه، ويضيفونه إما إلى الطبع، أو إلى جسم فيه طبع، أو إلى فلك، أو إلى نفس.. أو غير ذلك مما هو من مخلوقاته العاجزة عن إقامة نفسها، فهي عن إقامة غيرها أعجز.
ومن الناس من يجحد بعض الثاني أو يعرض عنه، متوهماً خلو شيء من مخلوقاته عن إحسان خلقه وإتقانه، وعن حكمته، ويظن قصور رحمته وعجزها، من القدرية الإبليسية، أو المجوسية وغيرهم ].
كل هذه المذاهب موجودة في طوائف الفرق، الصنف الأول الذين أخلوا بالأصل الأول: عموم الخلق والربوبية: هم القدرية، والذين أشار إليهم الشيخ هنا المجوسية والقدرية، وهم القدرية الأولى والثانية، والقدرية الأولى: القدرية المعبدية والغيلانية، الذين نفوا تقدير الله عز وجل لجميع أفعال العباد، بل نفوا جميع مراتب القدر، وأن الله عز وجل لم يعلم ولم يكتب، ولم يقدر أفعال العباد، ثم بعد ذلك لما صدم بالنصوص، وكفر السلف من أنكر العلم، وقفوا عند إنكار التقدير، وزعموا أن الله عز وجل لم يقدر بعض أفعال العباد، وهذا هو الذي عليه القدرية الثانية قدرية المعتزلة.
فهؤلاء أخلوا بالأصل الأول وهو عموم خلق الله وربوبيته، فجعلوا خلق الله ليس عاماً، إنما جعلوا معه خالقاً من دونه سبحانه، كما فعلت المجوسية، فزعموا أن الإنسان خالق أفعاله، وبعضهم لم يصرح بالخلق، لكنه يلزمه؛ لأنهم زعموا أن أفعال العباد أو بعضها ليست من تقدير الله، تعالى الله عما يزعمون وهذا شرك في الربوبية ولا شك.
إذاً: تكون من تقدير من؟ لا بد أن تضاف إلى مقدر، فزعموا أن الإنسان هو الذي يقدر، فهؤلاء جعلوا الإنسان خالقاً مع الله، تعالى الله عما يزعمون، هذا الصنف الأول.
أما الصنف الثاني: فهم الذين أخلوا بعقيدة عموم الإحسان من الله والحكمة، وهم طائفة من المتكلمين، ومنهم متكلمة الأشاعرة، فإنهم نفوا الحكمة والتعليل في أفعال الله عز وجل، وترتب على هذا -وإن كان ليس هو السبب الرئيس- إنكارهم للأسباب.
قال رحمه الله تعالى: [ وإذا كان كذلك، فجميع الكائنات آيات له، شاهدة دالة مظهرة لما هو مستحق له من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وعن مقتضى أسمائه وصفاته خلق الكائنات.
فإن الرحم شجنة من الرحمن خلق الرحم، وشق لها من اسمه، وهو الرزاق ذو القوة المتين ].
قوله: (شجنة) يعني: الرحم شجنة مشتقة من الرحمن، وفي بعض ألفاظ الحديث: (الرحم شجنة من الله عز وجل)، فالشجنة: هي الاشتقاق.
قال رحمه الله تعالى: [ وهو الرازق ذو القوة المتين، يرزق من يشاء بغير حساب، وهو الهادي النصير، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وهو الحكيم العليم الرحيم، الذي أظهر من آثار علمه وحكمته ورحمته ما لا يحصيه إلا هو.
فهو رب العالمين، والعالمون ممتلئون بما فيهم من آثار أسمائه وصفاته، وكل شيء يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، من الناس من يدرك ما فيها من الدلالة والشهادة بالعلم والمعرفة، ومن خرق الله سمعه سمع تأويب الجبال والطير، وعلم منطق الطير.
فإذا فسر ظهوره وتجليه بهذا المعنى فهذا صحيح، ولكن لفظ الظهور والتجلي فيه إجمال كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
وإذا قال القائل: ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله؛ لأنه ربه، والرب متقدم على العبد، أو رأيت الله بعده؛ لأنه آيته ودليله وشاهده، والعلم بالمدلول بعد الدليل، أو رأيت الله فيه، بمعنى ظهور آثار الصانع في صنعته فهذا صحيح، بل القرآن كله يبين هذا ويدل عليه، وهو دين المرسلين، وسبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهو اعتقاد المسلمين أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من أهل العلم والإيمان ذوي المعرفة واليقين، أولياء الله المتقين ].
في هذا الكلام أراد الشيخ أن يقرر الحقيقة، التي هي أن الله عز وجل معروف لدى جميع الخلق بربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأن ذلك مقتضى الدين والفطرة، ومعرفة الله أمر بدهي فطري لا يحتاج إلى مزيد تكلف، وعلى هذا فإن من عرف الله بالفطرة ميز الله عن خلقه، وكذلك من عرف الله من خلال خلقه ميز الله عن خلقه، وهذا أمر لا يشك فيه عاقل، وهو مقتضى الفطرة والعقل السليم ونصوص الشرع، والتمييز بين الله والخلق من خلال النظر أمر واضح جداً بدهي، وبعض البدهيات مع وضوحها وقوتها قد تخفى على بعض من تعمى قلوبهم عن الحق.
ففي هذا الكلام بيان فساد مذهب أصحاب الحلول والاتحاد الذين ما قدروه الله حق قدره، وما عرفوه حق معرفته، ففساد هذا المذهب واضح من خلال النصوص الشرعية والعقل السليم، والحكم السائدة عند البشر التي هي محل إجماع.