فتاوى نور على الدرب [412]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما الفرق بين حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه فله أجران )، ومعنى الحديث الذي يقول: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه

الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه بأنه لا يمكن أن التعارض في كتاب الله سبحانه وتعالى بين آياته، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أحاديثها الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بين القرآن والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الكل من عند الله، وما كان من عند الله فلن يكون فيه تناقض، قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، ولكن قد يبدو للناظر التعارض في هذا، وحينئذٍ يحتاج إلى الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، أو بين الآيات التي ظاهرها التعارض، والجمع بين الآيات يكون بحمل بعضها على وجه لا يخالف البعض الآخر، مثال ذلك: قول الله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42]، ظاهر هاتين الآيتين التعارض، وأنهم ينكرون أن يكونوا أشركوا بالله في الآية الأولى، وفي الآية الثانية لا يكتمون الله حديثاً، فيخبرون بما هم عليه، ولكننا نقول: الجمع بين هاتين الآيتين: أن للمشركين يوم القيامة أحوالاً، فتارة يقرون بما فعلوا، وتارة ينكرون ما فعلوا، ويوم القيامة يوم مقداره خمسون ألف سنة، وقد يأتي التعارض ويكون أحدهما ناسخاً للأول، وحينئذ لا تعارض؛ لأن النص الأول ليس قائماً حتى يكون معارضاً للنص الثاني، وهذا موجود في القرآن وفي السنة، ففي القرآن مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:65-66]، فالآية الأولى منسوخة، صرح الله بذلك: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا [الأنفال:66]، فلا يكون بينها وبين الثانية تعارض، لأن الأولى بعد النسخ صارت غير قائمة، وكذلك ما جاء في السنة من النهي عن زيارة القبور في أول الأمر، ثم الأمر بزيارتها في آخر الأمر.

على كل حال التعارض بين المنسوخ والناسخ غير قائم، لأن المنسوخ قد رفع حكمه، وقد يأتي التعارض ولكن يرجح أحدهما على الآخر، وإذا رجح أحدهما على الآخر فلا تعارض أيضاً، لأن المنسوخ غير قائم، بل هو مهدر لا يعمل به، ينسخه الثاني.

وبعد هذه المقدمة وهي: أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد التعارض في الكتاب الكريم بين آياته، ولا في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أحاديثها، ولا بين القرآن والسنة يمكن الإجابة على هذا السؤال:

الجواب: نقول: إنه لا تعارض بين الحديثين إن صح الثاني وهو قوله: (ربَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )، فإن المراد بالحديث الأول: (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق ) المراد به الرجل الحريص على قراءة القرآن، فيحرص على قراءة القرآن ولو كان يتتعتع فيه، أي: يشق عليه النطق به على وجه سليم، ومع ذلك فيحافظ على قراءة القرآن فإن هذا له أجران: أجر التلاوة وأجر المشقة في التلاوة، أما الثاني إن صح فالمراد بقارئ القرآن الذي يلعنه القرآن هو القارئ يقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن بأخباره ولا يعمل بأحكامه، يكذب الأخبار ويحرفها ويستكبر عن الأحكام فيخالفها، فمثل هذا القارئ يكون قارئاً للقرآن، لكنه في الحقيقة برئ من القرآن بتكذيبه القرآن أو استكباره عن العمل بأحكامه، ولا فرق بين من يكذب القرآن جملة أو يكذب خبراً واحداً من أخباره، وبين أن يرفض أحكامه جملة أو يرفض حكماً من أحكامه؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الكفر ببعض الشريعة كفراً بها كلها، فقال تعالى ناعياً على أهل الكتاب: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]، وجعل الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض كافرين بالجميع، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:150-151] فهذا هو القول في ما ذكره السائل، وبه يتبين أنه ليس هناك تعارضٌ أصلاً بين ما ذكره السائل.

السؤال: هل يلزم قارئ القرآن أن يكون ملماً بأحكام التجويد؟

الجواب: لا يلزم قارئ القرآن أن يكون ملماً بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد، بل هو مأجور مثاب على قراءته الحروف على ما هي عليه والحركات على ما هي عليه وإن لم يراع قواعد التجويد، لكن التجويد في بعضه تحسين للفظ وتزيين للصوت، ومن المعلوم أنه ينبغي للمرء أن يحسن صوته بكتاب الله العزيز.

السؤال: يقول بأنه في مكان بعيد من المدينة ويعمل في الجبل، يقول: لا أسمع الأذان إلا عن طريق الراديو فأقوم بالأذان والإقامة وحدي، فهل يجوز هذا يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: لا أعرف وجه الإشكال في هذا السؤال؛ لأنه إن أراد أنه يقتصر على سماع الأذن من الراديو فله حكمه، وإن أراد أنه إذا سمع الأذان من الراديو فقام فأذن فله حكمه، فإن كان الأول نظرنا: فإن كان الأذان ينقل مباشرة من المسجد فأرجو أن يجزئه ذلك؛ لأنه سمع الأذان من المؤذن مباشرة، لكن بواسطة هذه الآلة التي نقلته فهو كما لو سمعه من مكبر الصوت في البلد.

وأما إذا كان الأذان ينقل من مسجل كما يوجد في بعض الإذاعات تنقل الأذان من مسجل، وعلى هذا ربما تنقل عن شخص قد مات فإن هذا الأذان لا يجزئ؛ لأن الأذان عبادة لا بد أن يكون من فاعل، والشريط الذي سجل فيه الأذان ليس فاعلاً يتقرب بالأذان، كالمؤذن الذي يؤذن بصوته وبلسانه.

أما إذا كان المراد الثاني أعني أنه إذا سمع المؤذن من الإذاعة قام وأذن وأقام فهذا طيب وجيد ولا بأس به وليس فيه إشكال؛ لأن كونه يراعي أذان الإذاعة الذي يعتبر على الوقت خير من كونه يؤذن تخرصاً وتخميناً؛ لأنه قد يخرص أو يخمن فيضل في ذلك ويصلي قبل الوقت، ولكن ينبغي بل يجب إذا كان بينه وبين البلد الذي نقل منه الأذان مسافة يمكن أن يختلف فيها الوقت يجب عليه أن يراعي ذلك فيتأخر قليلاً ليحتاط.

السؤال: يقول بأنه تقدم أحد الأشخاص لخطبة أخته والزواج منها، ولكن هذا الشخص لا يصلي، فهل يجوز أن نزوجه من أختنا، يقول: لأن أمي تقول بأنني أعرف هذا الشخص وأمه صديقة لي؟ فهل علينا إثم في منعه من هذا الزواج؟ نرجو من فضيلة الشيخ التوجيه والنصح مأجورين.

الجواب: توجيهي ونصحي لهذه الأم التي ترغب أن يتزوج هذا الرجل ابنتها أن تتقي الله عز وجل في نفسها وفي ابنتها، وأن لا تحاول تزويجها بهذا الرجل؛ وذلك لأن هذا الرجل الذي ترك الصلاة كافر مرتد خارج عن الإسلام، والكافر المرتد الخارج عن الإسلام لا يجوز أن يزوج بمسلمة مهما كانت الأحوال، حتى لو كان من بني عمها أو أقاربها الذين يحل لهم أن يتزوجوا بها، فإنه لا يجوز أن يتزوجوا بها ما داموا لا يصلون، فتارك الصلاة كافر بمقتضى دلالة القرآن والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح.

وقد تكلمنا على ذلك كثيراً في هذا المنبر، وتكلم غيرنا في ذلك أيضاً من أصحاب الفضيلة العلماء، ففي كتاب الله يقول الله عز وجل عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، فاشترط الله سبحانه وتعالى لكونهم إخوة لنا في الدين ثلاثة شروط: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ومن المعلوم أن المعلق على شرط لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود هذا الشرط، فإذا عدم الشرط عدم المشروط، ومعلوم أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك فليسوا بإخوة لنا في الدين؛ لأن المشرك ليس أخاً للمسلم في الدين وإن كان أخاً له في النسب، وإن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن كانوا إخوة لنا في النسب وإن لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن كانوا إخوة لنا في النسب، هذا مقتضى الآية، أي: مقتضى مفهومها.

ولكن الزكاة خارجة عن هذا المفهوم فيما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من النار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار).

وهذا الحديث يدل على أن مانع الزكاة ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيُخرج هذا الحكم من الآية بمقتضى دلالة هذا الحديث.

ويبقى الحكمان الأولان فيمن بقي على الشرك وفيمن ترك الصلاة على ما هما عليه، وأما من السنة فقد ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) وفي حديث أخرجه أهل السنن عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، ومن المعلوم أن البينية تقتضي أن يكون ما خرج منها كل واحد منفصل عن الآخر، فالشرك في جانب وفعل الصلاة في جانب آخر، والكافرون في جانب والمؤمنون في جانب آخر والفاصل بينهما الصلاة، فمن أتى بها فهو من المسلمين المؤمنين وإن لم يأت بها فهو من الكافرين المشركين.

وهذا الشرك وإن لم يكن عبادة لغير الله لكنه شرك في مخالفة أمر الله عز وجل، لقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23].

وأما أقوال الصحابة رضي الله عنهم: فقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقال عبد الله بن شقيق وهو من التابعين: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وقد حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور.

وأما النظر الصحيح في كفر تارك الصلاة فإن من المعلوم أن الصلاة لم يرد في شيء من الأعمال ما ورد فيها من الترغيب والحث عليها فعلاً ووصفاً وعقوبة تاركيها وكيفية فرضيتها، فإن الله تعالى فرض هذه الصلوات الخمس على نبيه صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه البشر، وفي أفضل ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرضها سبحانه وتعالى بدون واسطة بينه وبين نبيه صلى الله عليه وسلم، وفرضها سبحانه وتعالى على عبده خمسين صلاة في اليوم والليلة حتى منّ الله بفضله فخففها إلى خمس صلوات بالفعل وهي خمسون في الميزان، كل هذا يدل على عناية الله بها وأن لها شأناً ليس لغيرها من العبادات، ولهذا اختصت بأن تاركها كافر كفراً مخرجاً عن الملة.

ولا شك أن هذه المسألة خلافية: فإن من أهل العلم من قال: إن تاركها لا يكفر، ومعلوم أن مرد المؤمنين عند الخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وإذا رددنا هذا الخلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبين لنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلاهما يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وقد ذكرنا أدلة ذلك.

وأما ما احتج به من قال بعدم التكفير فإن أدلته لا تخرج عن واحد من أقسام خمسة:

إما أن تكون ضعيفة ليس فيها حجة؛ لأن الضعيف ساقط لا يحتج به في إثبات حكم، فكيف يحتج به في معارضة أدلة صريحة صحيحة.

وإما ألا يكون فيها دلالة أصلاً، ولا يمكن أن تدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانت صحيحة السند لكن الاستدلال بها ساقط لعدم دلالتها على المعارضة.

وإما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من ترك الصلاة، كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوم اندرس الإسلام عندهم حتى لم يدركوا منه إلا لا إله إلا الله، فهؤلاء معذورون لأنهم لم يعرفوا شيئاً عن أحكام الإسلام، فإذا ماتوا على قول لا إله إلا الله مع إسلام قلوبهم لله وظواهرهم لما علموا من دين الله فإن هؤلاء لا يحُكم بكفرهم، بل هم مؤمنون لكن هذا هو غاية مقدورهم، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

وإما أن تكون الأدلة التي استدلوا بها مقيدة بوصف يمتنع معه غاية الامتناع أن يدع الإنسان الصلوات الخمس، كحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، ومن المعلوم أن هذا الحديث ليس على الإطلاق، لأننا لو أخذناه على إطلاقه لقلنا: إن كل إنسان عاص مهما بلغت معصيته محرم على النار ولا يمكن أن يدخلها، إذا كان يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، وهذا القول لا يقول به أحد؛ لأنه ما من إنسان عاصٍ إلا وقد استحق دخول النار بمعصيته التي رُتب عليها دخول النار، لكن إذا لم يكن كافراً كفراً مخرجاً عن الملة فإنه يخرج من النار بالأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً لخروجه من النار، وإذا كان هذا الحديث ليس على اطلاقه فإنا نقول: إن وصفه بقوله: (يبتغي بذلك وجه الله) يمنع أن يدع الصلوات الخمس؛ لأن كل إنسان يقول لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله لا يمكنه أبداً أن يدع الصلوات الخمس؛ لأن مبتغي الشيء لا بد أن يطلبه، ومن المعلوم أن الطريق الموصل إلى الله من أهمه سلوك هذا الطريق وهو إقامة الصلاة، وعلى هذا فليس في هذا الحديث دليل على ما ذهبوا إليه؛ لأنه لا يصح الاستدلال به طرداً ولا عكساً.

القسم الخامس: أن تكون الأحاديث عامة، فتخصص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة.

فالقول الراجح الذي لا يخفي رجحانه على من تأمل الأدلة مجرداً نفسه عن أي اعتقاد سابق هو: أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وإن كان يعتقد أنها واجبة، وبناء على ما ذكرناه هنا وما ذكرناه سابقاً: فإنه لا يجوز أن يزوج شخص لا يصلي بامرأة مسلمة، وما أيسر الأمر لهذا الرجل أن يوفق فيتوب إلى الله ويتخلص من كفره بإقامة الصلاة، ثم حينئذٍ نزوجه ونقول: إذا أتانا من نرضى دينه وخلقه زوجناه كما أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخلاصة الأمر: أني أقول لهؤلاء الإخوة: لا تزوجوا هذا الرجل بأختكم، فإن ذلك حرام عليكم ولو عقدتم النكاح له فإن النكاح باطل لا يصح؛ لقول الله تعالى في المؤمنات المهاجرات: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] حتى وإن غضبت الأم لعدم التزويج، فإنكم إنما أغضبتموها لرضا الله عز وجل، ورضا الله مقدم على رضا غيره، فإن من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس وجعل سخطهم رضا، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

وإني أقول لهؤلاء الإخوة بل ولغيرهم أيضاً من المستمعين: إنه لا تجوز طاعة الوالد ولا غير الوالد في معصية الله أبداً.