فتاوى نور على الدرب [306]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يمكن صيام السنة مثل يوم عرفة وعاشوراء قبل أن أكمل ما علي من قضاء أيام أفطرتها في رمضان؟

الجواب: صيام التطوع صيام نفل، ليس واجباً على المرء ولا متعلقاً بذمته، والصيام عن كفارة واجبة صوم واجب يتعلق بذمة الصائم، ولا تبرأ ذمته إلا بفعله، وإذا كان كذلك فإنه من المعلوم أن تقديم الواجب أهم، وأن من ذهب يتطوع بالصوم مع بقاء الواجب في ذمته، فقد خالف ما ينبغي أن يفعله، ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه إذا صام تطوعاً مع بقاء الواجب عليه من قضاء رمضان، فإن صومه لا يصح، والذين قالوا بصحة صومه يرون أن الأفضل أن يبدأ بالواجب لأنه أهم، ولأن الذمة مشغولة به حتى يفعله، فمن كان يريد الخير فليبدأ بالواجب عليه قبل التطوع.

هذا بالنسبة للتطوع المطلق، أو التطوع المقيد بيومٍ معين كيوم عرفة ويوم عاشوراء، فأما التطوع التابع لرمضان كصيام ستة أيام من شوال، فإنها لا تنفعه حتى ينتهي من رمضان كله، أي: لا يحصل له ثواب صيام ستة أيام من شوال حتى يصوم رمضان كله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال ) ، ومعلوم أن من عليه قضاء من رمضان لا يقال عنه: إنه صام رمضان، فلو أن أحداً من الناس كان عليه عشرة أيام من رمضان قضاءً، فلما أفطر الناس يوم العيد شرع في صيام أيام الست، فصام ستة أيام من شوال ثم قضى العشرة بعد ذلك، فإننا نقول له: إنك لا تنال ثواب صيام ستة أيام من شوال بهذه الأيام التي صمتها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط في صيامها أن يكون بعد صيام رمضان، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط للثواب المرتب على صيامها أن يكون صيامها بعد رمضان، لأنه قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال ) ، وبناءً على ذلك فإننا نقول: من صام ستة أيام من شوال قبل أن يقضي ما عليه من صيام رمضان فإنه لا ينال ثوابها.

السؤال: يقع في المسجد بجوار منزلنا في اتجاه القبلة، أي: أنه لا يفصل بينهم سوى جدار، هل يمكننا الصلاة مع المصلين ونحن في منزلنا، أي: أنا وبقية الأسرة من النساء حيث نكون خلف صفوف الرجال تماماً؟

الجواب: الذي أراه في هذه المسألة أنه لا يجوز لهن أن يصلين مع الجماعة في بيتهن، لأن الجماعة هي الاجتماع في المكان والأفعال، وإذا كان مكان الجماعة واسعاً، فإن الصلاة في غير مكانهن ليست بصحيحة، أعني: فإن صلاة الجماعة تبعاً لهم في غير مكانهم ليست بصحيحة، لأنه لم يتحقق فيها الاجتماع المشروع، نعم.. لو فرض أنه لا مكان لهن في المسجد لكون النساء ممنوعات منه أو لكونه يمتلئ، ففي هذه الحال لهن أن يصلين مع جماعة المسجد في بيتهن، وأما إذا كان يمكنهن الحضور إلى المسجد فإن الجماعة لا تصح منهن إلا بحضورهن.

ومن المعلوم أن البيوت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة وقريبة من المسجد، ولا نعلم أن أحداً من الناس كان يصلي في بيته مع الجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الأمور الجائزة لكان مفعولاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أو مبينًا جوازه.

وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز لهؤلاء النسوة اللاتي بيتهن خلف المسجد أن يصلين مع جماعة المسجد ولو كن يسمعن صوت الإمام، إلا إذا كان لهن عذر بحيث يمنعن من الحضور إلى المسجد، أو كان المسجد ممتلئاً لا يمكنهن الصلاة فيه.

السؤال: ما هي الحلي التي يجوز للرجل أن يلبسها؟

الجواب: أولاً: لا ينبغي للرجل أن يذهب إلى التحلي، وأن يجعل نفسه بمنزلة المرأة ليس له هم إلا تحسين شكله، فإن هذا من شؤون النساء، قال الله تبارك وتعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:17-18] يعني: كمن لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام، والذي ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين هي المرأة، والذي لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام هو الرجل، فلا ينبغي للرجل أن ينزل نفسه منزلة الأنثى، بحيث ينشئ نفسه في الحلية.

ولهذا حرم على الرجل لباس الذهب، سواء كان قلادة أو سواراً أو خاتماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير: ( حل لإناث أمتي حرام على ذكورها ) وأبيح للمرأة من الذهب كل ما جرت به العادة، سواء كان من الخواتم أو الأسورة أو القلائد أو الخروص، أو غير ذلك مما جرت العادة بلبسه، فأما ما لم تجر العادة بلبسه لكونه إسرافاً، فإن الإسراف لا يجوز في اللباس ولا في الأكل والشرب ولا في غيرهما، لقوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] .

وأما لبس الرجل الخاتم من الفضة فإنه جائز ولا حرج فيه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتماً من ورق، أي: من فضة.

والخاتم من الحديد اختلف أهل العلم فيه، فمنهم من كرهه ومنهم من أجازه، وأظن أن بعضهم حرمه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه من حلية أهل النار، ومثل هذا الوصف يقتضي أن يكون حراماً، لكن الحديث اختلف العلماء في صحته، فمنهم من قال: إنه ضعيف لمخالفته لحديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يردها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: التمس ولو خاتماً من حديد ) ، وهذا يدل على أن الخاتم من الحديد جائز، فمن تنزه عنه - أي: عن خاتم الحديد فهو أولى - وفي غيره من المعادن كفاية.

السؤال: هل يجوز لي أن أزوج ابنتي لرجل مسلم، لكنه يرتكب بعض المعاصي الكبيرة كشرب الخمر والزنا؟

الجواب: لا يجوز لك أن تزوج ابنتك برجل زانٍ حتى تظهر توبته من الزنا وتستقيم حاله، لقول الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] ومعنى الآية الكريمة: أنه يحرم على المؤمنين أن يزوجوا الزاني، أو أن يتزوجوا الزانية، فإن فعلوا ذلك كانوا إما زناة وإما مشركين، ووجه هذا: أن الرجل إذا تزوج الزانية، فإما أن يرفض كون الزواج بها حراماً ولا يعترف به، وحينئذٍ يكون مشركاً، لأنه أحل ما حرم الله، وإما أن يؤمن بأن الزواج بها حرام، ولكن لم يتمكن من التحكم في نفسه حتى عصى الله عز وجل بفعل ذلك فيكون زانياً، لأن النكاح ليس بصحيح.

هذا هو معنى الآية البين الظاهر الواضح الذي لا يحتاج إلى تكلف أو تأويل، وأما إذا كان الخاطب عفيفاً عن الزنا ولكنه يشرب الخمر، فإننا لا ننصحه بتزويجها إياه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ) لأن شارب الخمر لا يرضى دينه، لأنه شارب خمر فاسق حتى يتوب من شرب الخمر ويقلع، ولكن لو زوجها به مع رضاها به فإن النكاح صحيح، بخلاف ما إذا زوجها برجل زانٍ لم تظهر توبته.

السؤال: ما صحة الحديث: ( العين حق ) ، وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين، وكيف تصيب العين الإنسان، وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم مشكورين؟

الجواب: نعم. الحديث صحيح والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس الحاسد.. حاسدٍ يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو - أي: العائن - شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه، فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله عز وجل.

والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن أن يبرك على من رآه متنعماً، فيقول: اللهم بارك على فلان وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد، وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين، فإن العلاج لذلك أن يكثر من قراءة الأوراد صباحاً ومساء، كآية الكرسي وسورة الإخلاص وسورة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] وغيرها مما جاءت به السنة، هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة.

أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن، أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله، فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين.

مداخلة: والغبطة هل تدخل في الحسد؟

الشيخ: الغبطة لا تدخل في الحسد، لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه، ولكنه لا يتمنى زوالها.

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يتزوج بفتاة من أهل الكتاب، وإن كان الجواب بنعم، فما هي الشروط التي تتوفر في الإنسان المسلم وفي الفتاة حتى يتم هذا الزواج؟

الجواب: نعم، يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأةٍ من أهل الكتاب، لقول الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [المائدة:5] .

والشروط التي يجب أن تتوفر في نكاح المسلم الكتابية هي الشروط التي يجب أن تتوفر في نكاح المسلم المسلمة، وأما قول من قال: إنه يشترط ألا يقدر على نكاح مسلمة فقوله ضعيف؛ لأن الله لم يشترط في نكاح نساء أهل الكتاب ذلك الشرط ولكن قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يدل على أن الأولى للمسلم أن يبدأ بنكاح المؤمنات أولاً فيسأل، فإذا لم يتيسر له نكح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فنبدأ بما بداء الله به.

السؤال: في يوم الجمعة عندنا يقوم بعض الناس بالتسبيح، ويقولون: الصلاة وألف سلام يا سيدي يا رسول الله، ويستدلون على هذا بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] ، إلى آخر الآية، فكيف نرد على مثل هؤلاء؟

الجواب: نقول لهؤلاء: ما ذكرتم من الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] ، ما ذكرتموه من الآية دليل عليكم وليس دليلاً لكم، لأن الله عز وجل أمر بالصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم كل وقت ولم يخص ذلك بيوم الجمعة، وأنتم جعلتم هذا في يوم الجمعة فقط، ثم إن الله عز وجل لم يأمر بأن نصلي ونسلم عليه مجتمعين، وأنتم جعلتم الصلاة والسلام عليه مجتمعين، فخالفتم الآية حيث خصصتموها بيومٍ معين وبصفةٍ معينة.

والواجب علينا أن نطلق ما أطلقه الله، وأن نقيد ما قيده الله، وألا نتجاوز ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، ونصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يتقيدوا ما جاء به الشرع من العبادات كمية وكيفية ونوعاً ووقتاً ومكاناً، لأن من شرط صحة العبادة وقبولها: أن تتضمن أمرين:

الأمر الأول: الإخلاص لله عز وجل.

والأمر الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودليل الأمر الأول: قوله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر:14] ، وقوله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

ودليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، و( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .

ولا تتحقق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن تكون العبادة موافقة للشرع في أمورٍ ستة: في سببها، وجنسها، وقدرها، وكيفيتها، وزمانها، ومكانها، فإذا خالفت الشرع في واحدٍ من هذه الأمور الستة لم تتحقق فيها المتابعة وكانت باطلة.

السؤال: عندما يريد الرجل أن يصلح بين اثنين متخاصمين، هل يحق له أن يكذب ويحلف بالله، ولكن نيته أنه يريد الإصلاح فقط فهل هذا جائز؟

الجواب: أما الكذب في الإصلاح بين الناس فإنه جائز، لما فيه من المصلحة التي تربو على مفسدة الكذب، ومع ذلك فإن الأولى للمصلح أن يوري في كلامه، يعني: أن يسلك طريق التورية، بأن يريد بكلامه ما يخالف ظاهره، فإذا أراد أن يقول لأحد الخصمين: والله ما قال فيك فلان شيئاً، وهو يعلم أنه قد قال فيه شيئاً، فلينو بهذا الشيء شيئاً آخر غير الذي قاله فيه، ليكون بذلك صادقاً وهو أمام المخاطب إنما أراد ما اتهم المخاطب به صاحبه فحينئذ يكون سالماً من الكذب، مصلحاً بين المتخاصمين وأما الحلف على ذلك وهو يعلم أنه كذب فأنا أتوقف فيه إلا إذا أراد التورية وحلفه على ما يريد جائز ..