الإصرار على ترك صلاة الجمعة والجماعة من غير عذر
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
الإصرار على ترك صلاة الجمعةوالجماعة من غير عذر[1]
قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42 - 43].
قال كعب الأحبار: ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجُمُعات.
وقال سعيد بن المسيِّب إمام التابعين رحمه الله: كانوا يسمعون: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح فلا يُجِيبون، وهم سالمون أَصِحَّاء.
وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمُرَ بحَطَب فيحطب، ثم آمُرَ بالصلاة فيؤذَّن لها، ثم آمُر رجلاً فيَؤمُّ الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة في الجماعة، فأحرِّق عليهم بيوتهم))[2].
وفي روايةٍ لمسلم أيضًا: من حديث أبي هريرة: ((لقد هممت آن آمر فتياني أن يَسْتَعِدُّوا لي بحزم من حطب، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم تُحرَّق بيوتهم على مَن فيها))[3].
وفي الحديث الصحيح، والآية التي قبله، وعيدٌ شديدٌ لمن يترك صلاة الجماعة من غير عذر؛ فقد رَوَى أبو داود في سننه بإسناده إلى ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سمِع المنادي بالصلاة، فلم يمنعه من اتباعه عذرٌ - قيل: وما العذر، يا رسول الله؟ قال: ((خوفٌ، أو مرض - لم تُقْبَل منه الصلاة التي صلَّى))[4]؛ يعني في بيته.
ورَوَى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئِل عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يصلي في جماعة، ولا يجمع؟، فقال: ((إن مات على هذا فهو في النار))[5].
ورَوَى مسلم: أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ فرخَّص له، فلما وَلَّى دعاه، فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب))[6].
وفي رواية أبي داود: أن ابنَ أمِّ مَكْتُوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهَوَامِّ والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي: ((تسمع حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟))، قال: نعم، قال: ((فأجب، فحيَّهلا)).
وفي رواية قال: يا رسول الله، إني ضرير شاسِع الدار، ولي قائد لا يُلائِمني، فهل لي رخصة؟
وقوله: ((فحيَّهلا))، أي: تَعَالَ، وأَقْبِل.
وروى الحاكم في مستدركه على شرط الصحيحين: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سمِع النداء، فلم يمنعه من اتباعه عذرٌ، فلا صلاة له))، قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: ((خوفٌ أو مرضٌ))[7].
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعن الله ثلاثةً: مَن تقدم قومًا وهم له كارهون، وامرأةً باتت وزوجها عليها ساخطٌ، ورجلاً سمع: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، ثم لم يَجِب))[8].
قال أبو هريرة: "لأَنْ تمتلئ أُذُن ابن آدم رَصَاصًا مذابًا خيرٌ له من أن يسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لا يُجِيب".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا صلاةَ لجارِ المسجد إلا في المسجد، قيل: ومَن جار المسجد؟ قال: مَن يسمع الأذان[9].
وقال أيضًا: "مَن سمِع النداء، فلم يَأْتِه لم تُجَاوِز صلاته رأسَه إلا من عذرٍ"[10].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَن سرَّه أن يَلْقَى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس، حيث ينادَى بهن؛ فإن الله - تعالى - شَرَع لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم سنن الهُدَى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضَلَلْتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، أو مريضٌ، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهَادَى بين الرجلين حتى يُقَام في الصفِّ، يعني يتكئ عليهما من ضعفه؛ حرصًا على فضلها؛ وخوفًا من الإثم في تركها.
فضل صلاة الجماعة:
نجد أن صلاة المسلم في جماعة تجعله في عداد الرجال الذين مدحهم الله ووعدهم بجزيل الثواب، في قوله - سبحانه -: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36-38].
وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه: إحداهما تَحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفع درجة))[11]، ((فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مصلاَّه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه، ما لم يُؤذِ فيه، أو يُحْدِث فيه)) [12].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المَكَارِه، وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط))[13] [14].
[1] وهذه الكبيرة لم يوردها الذهبي مفردة في النسخة الأصلية.
[2] صحيح البخاري (ح644)، وصحيح مسلم (ح651).
[3] صحيح مسلم (ح651).
[4] صحيح الجامع للألباني رحمه الله (ح6300) نحوه.
[5] ضعيف: ضعيف الترمذي (ح36).
[6] صحيح: مسلم (ح653).
[7] صحيح الجامع للألباني رحمه الله (ح6300) بنحوه.
[8] ضعيف: ضعيف الجامع للألباني رحمه الله (ح3057).
[9] صحيح: عن علي رضي الله عنه وهو ضعيف مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم انظر: "السلسلة الضعيفة للألباني" رحمه الله (ح183).
[10] صحيح الجامع (ح6300) للألباني - رحمه الله.
[11] صحيح مسلم (ح654).
[12] صحيح البخاري (ح647).
[13] صحيح مسلم (ح251).
[14] المصدر: كتاب "الكبائر" ص274، 275، 276.