الشباب والاهتمامات


الحلقة مفرغة

صلاة الكسوف سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء، وكيفيتها أن تصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان، وتصلى جماعة في المسجد، وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وصفتها مثل صلاة العيدين، ويخرج الإمام والناس إلى المصلى ويسن تحويل الرداء، والإكثار من الدعاء.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد:

فموضوعنا لهذه الليلة كما ذكر الأخ المقدم هو: الشباب والاهتمامات، وهذا الموضوع جزء من سلسلة دروس تربوية لعل كثيراً منكم إن لم يكن قد حضرها فإنه قد سمع بعضاً منها من خلال الأشرطة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما نعلم حجة لنا لا حجة علينا.

وهذا هو الدرس الحادي عشر من هذه الدروس التي تعنى بالقضايا التي تهم الشباب بدرجة أساس.

إن موضوع الاهتمامات موضوع له حساسيته وله أهميته كما ذكر لنا الأخ الفاضل الذي قدم لهذه المحاضرة، ومع هذه الأهمية التي تميز بها هذا الموضوع نجد أننا لا نعتني به، بل ربما البعض يتساءل: هل يستحق مثل هذا الموضوع أن يفرد بالحديث عنه؟ وهل يستحق مثل هذا الموضوع أن يفرد بهذه العناية؟

أقول: لعل البعض يتساءل حينما لا يدرك مدى تأثير هذه الاهتمامات على شخصية الشاب، وعلى سلوكه، وعلى توجهه، ولعلنا من خلال عرض الموضوع تتضح لنا أهميته أكثر.

عندما نبدأ بالإنسان من مراحله الأولى؛ مرحلة الطفولة، نجد أن الطفل يولد ساذجاً، له اهتمامات غريبة وساذجة، فهو في مرحلة من المراحل يهتم مثلاً باللعبة التي يقتنيها، فهي كل شيء عنده، وهي المقياس، ويرضى ويسخط من أجلها، ودائماً يتحدث عن هذه اللعبة، فإذا كان لديه مبلغ من المال فإنه سيشتري به لعبة، وإذا زار أحد أقاربه فسيقارن بين لعبته ولعبة الابن الآخر، وهكذا تصبح هذه اللعبة هي قضية القضايا عند هذا الطفل، ثم يتقدم به السن وتتقدم اهتماماته قليلاً، لكنها تبقى دائماً محصورة في إطار ضيق، ثم تبقى الفوارق أيضاً عند هؤلاء الأطفال محدودة، ولو أخذت شريحة أو عينة من مجموعة أطفال ونظرت إلى اهتماماتهم لوجدت أنها متقاربة، لكن عندما يتقدم به السن فيصل إلى مرحلة التكليف، فيبلغ ويكلف شرعاً، فحينئذٍ ستجد الاهتمامات عنده أصبحت في مفترق طرق.

اهتمام الشباب بالدنيا

لعلنا قبل أن نتحدث عن الاهتمامات، وما يتعلق بها، وكيف تكون اهتماماتنا، وكيف نضبطها، سنلقي نظرة ولنحرص أن تكون عاجلة حول اهتمامات الشباب، فستجد مثلاً أن فئة من الشباب قد يكون همه الدنيا وتحصيلها، فتصبح هي كل شيء عنده، وهي مقاييسه، وهي التي تستغرق عليه وقته وجهده وتفكيره، حتى قد يصل إلى الحال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).

فقد وصل إلى حال أصبح فيه أسيراً للدنيا، وعبداً للدنيا وفي طوعها، فالدينار والدرهم والمال والدنيا هي كل شيء عنده، فيرضى من أجلها، ويسخط من أجلها، ويضحي من أجلها، وهي الهدف الذي لا يساوم عليه، بل لعلك حتى تدرك فعلاً مدى أسر الدنيا لمثل هذا الشخص أن تتصور كيف أنه باع آخرته لدنياه، وهذا يكفي ليعطيك دلالة على مدى أهمية الدنيا عند مثل هذا الشخص.

فهذه صورة، وقد تكون هذه الصورة الآن قليلة في محيط الشباب، لكنك تجدها في الطبقات الأكبر سناً.

اهتمام الشباب بالرياضة وأثره

ننتقل إلى اهتمام آخر أكثر انتشاراً وتأثيراً عند الشباب ألا وهو الرياضة أو الكرة، فالشباب يهتم بالكرة اهتماماً بالغاً، من خلال الممارسة، ولعب الكرة يأخذ جزءاً كبيراً جداً من وقته من خلال ما يسمى بالمصطلح المعاصر التشجيع، وفي العلم نسميه الولاء، فهو في الواقع ولاء لهذا النادي وما يتعلق به.

ولو كان الشاب اقتصر على قضية الممارسة للرياضة مع ما تأخذ من الوقت فقد يهون الأمر، فنقول: إن الرياضة تأخذ عليه ساعات، فيصبح الأمر هيناً عندما نقارنه بالصورة الأخرى وهي صورة الانتماء الرياضي، فصار هذا الشاب يشجع نادياً من النوادي، وانظر كيف يؤثر عليه هذا الأمر، فهو مثلاً يهتم بأخبار النادي، واللاعبين، وتاريخهم، وربما يقتني أيضاً صور هؤلاء اللاعبين، ويتابع مباريات الفريق أولاً بأول، ويهتم بهذا، ثم تستولي على مشاعره كثيراً.

كذلك يتأثر أيضاً في تفكيره فيصبح تفكيره مربوطاً كثيراً بهذا النادي، حتى إن أشياء ساذجة صارت تحكم عقلية هذا الشاب، فمثلاً اللون الذي يميز هذا النادي يصبح لوناً له قيمته عنده، فهو مثلاً عندما يقتني قلماً يحرص أن يكون القلم يعبر عن شعار هذا النادي، وعندما يضع تلبيسة على سيارته فأيضاً يجب أن تكون تمثل شعار هذا النادي، فصار هذا اللون يحكمه، وصار يعشق هذا اللون؛ لأنه يذكره بهذا النادي الذي أصبح ينتمي إليه.

وهذه حققت مكاسب لفئات كثيرة من الناس: أصحاب الدعاية، فيطبع شعارات ويفرد شعارات وتروج هذه الشعارات؛ نظراً لارتباطها بنادٍ معين عند هذا الشاب الذي صار هذا النادي يسيطر عليه.

وأنت حتى تدرك فعلاً كم يأخذ هذا الانتماء من الشخص، ومن قدراته، ومن طاقاته، دعني أصور لك هذا المثال: شاب يشجع نادياً من النوادي، والآن لديه مباراة لهذا النادي لها أهمية فقد تحدد موقعه أو مصيره، فهو قبل المباراة سيقرأ الصحف، ويقرأ التحليل عن المباراة والتوقعات إلى غير ذلك، فتأخذ عليه جزءاً كبيراً من وقته ومن قراءته، وما يكتفي بصحيفة واحدة، بل يمكن يقرأ جميع الصحف التي تكتب عن المباراة والتحليل لها، ثم يتناقش مع زملائه، ولك بالضرورة أن تتصور طبيعة النقاش الذي يسود أجواء الرياضيين، فهو نقاش غير مؤدب، ونقاش غير لبق، ونقاش ينم عن مستوى الثقافة التي يتمتع بها أمثال هذه الطبقة، ثم يذهب للملعب، وبالتأكيد سيذهب في وقت مبكر؛ حتى يحصل على مكان متقدم.

وانظر ما سيترك من واجبات لأهله ومصالح سيفوتها نتيجة حرصه على الحضور بل الحضور المبكر لهذه المباراة،

وإذا لم يتيسر له الحضور انتقل إلى المرتبة الثانية وهي متابعة المباراة من خلال الشاشة، فسيقف أمام الشاشة أو أمام الملعب وتبدأ المباراة وخلال وقت المباراة كله سيعيش جوا مشحوناً، فقد استجمع كل مشاعره من خلال النظر، ومن خلال التفكير، كل هذه المشاعر استجمعها؛ لأجل متابعة هذه المباراة.

وهذه المشاعر لا يمكن أن يستجمعها مثلاً وهو يقرأ القرآن، ولا وهو يصلي، ولا وهو يسمع الخير، فضلاً عن أن يستجمعها وهو يسمع شرح الأستاذ، أو في أي قضية من قضاياه الجادة، فيستجمع لها مشاعره، ثم يعيش أيضاً مشاعر وعواطف متناقضة خلال هذه المباراة، فهو مثلاً عندما تكون الهجمة على فريقه يعيش شعور خوف ووجل حتى تتبدد على خير، فيرتاح ويستقر، وتعود مرة أخرى فيعود إلى الشعور المعاكس تماماً، فهنا كان عنده شعور خوف، وهنا الآن صار عنده شعور رجاء، فصار يعيش مدة ساعة ونصف بين هذه المشاعر المتناقضة.

فلمصلحة من يضيع الإنسان هذا الوقت وهذا الجهد؟ فهذه المشاعر والعواطف التي عنده: الحب والكراهية والحماس حرام تضيع هذه المشاعر في هذه القضايا، وثق ثقة تامة أنها -كما سيأتي- ستكون على حساب القضايا الأهم.

يا أخي! إن الله سبحانه وتعالى خلق لك نفساً قابلة للحماس، وخلق لك مشاعر معينة، خلقها لحكمة، فهذا إهدار لثروة هائلة قد لا نقيم لها وزناً؛ لكن لها أهمية، فنحن نفكر في ثروة المال، ونفكر في ثروات معينة، وقد أحياناً نفكر في الوقت وأنه ثروة، لكن لا يمكن أن نفكر في هذه المشاعر الذي عندنا أنها ثروة مهمة يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن نستغلها الاستغلال الشرعي؛ لأجل المصلحة التي خلقها الله عز وجل من أجلها.

ثم ما يعقب المباراة والنتيجة التي صارت في المباراة لابد أن يصير فيها إلى حالتين:

إما أن ينتصر فريقه، فيصبح يعيش حالة زهو وفرح يسيطر عليه، وتؤثر على حياته كلها في اليوم التالي، أو العكس أن يهزم فيعيش مشاعر أخرى من السخط والحزن والقلق.

ولعلكم تسمعون كثيراً مثلاً عن حالات طلاق تحصل عن حالات خصام بين الزوجين؛ نتيجة مثل هذا الجنون الكروي، بل أحياناً قد يصل الأمر ببعض الناس إلى حالة الإغماء وحالة الوفاة.

اهتمام البنات بالرياضة

ومن أطرف ما مر علي مقال أحب أن تشاركوني فيه، كتبته إحدى الفتيات، وهي فتاة غيورة كتبت في إحدى الصحف عن علاقة الفتاة بالرياضة، فإنك تجد الفتاة تهتم بأي شيء إلا الرياضة، فهذا المقال كتبته رداً على مقال آخر، تقول الكاتبة: كنت أتصفح إحدى الصحف المحلية ولفت نظري ما أشارت إليه إحدى القارئات بأن تشجيع الفتاة للكرة ليس من تخصصها، ولا يليق بأنوثتها.

ورغم أنني أتفق تماماً مع ما ذهبت إليه إحدى الأخوات في رأيها -لاحظ: أتفق تماماً- إلا أنني أود أن أطرح بعض النقاط والتي أتمنى أن تكون موضع اهتمام هذه القارئة وغيرها:

التشجيع ليس مقتصراً على الشباب فقط حتى نقول إنه ليس من تخصص الفتاة، فلا أعرف من أين استقت هذه الفتاة هذا الرأي. يعني: هذا نقاش علمي ومطالبة بالدليل والحجة والبرهان! فهل تحرم المواطنة من تشجيع منتخب بلدها مثلاً، أليست هي مواطنة تنتمي لبلدها؟! فهناك وفي أكثر الفنادق رجال يعملون في المطبخ، فلماذا لا نقول: إن الطبخ من اختصاص النساء فقط؟ هذا قياس.

إن تشجيع الفتاة للكرة لا يقلل من شأن أنوثتها طالما التزمت برقتها، وهدوئها، وصحيح أنها لا تمارس هذه الرياضة كالشباب لكن من حقها أن تشجعها، ومن حقها أن تمارسها أيضاً، فما المانع؟ عندما تكون هناك نوادٍ، وهناك مباريات رياضية فيما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولا يتعارض مع شريعتنا الإسلامية ما هو الإشكال؟ وما المانع مثلاً أن يكون فيه أيضاً مسارح فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ونوادٍ للرقص مثلاً؟ وإلى غير ذلك.

تقول: كرة القدم ليست محتكرة على فئة معينة دون الأخرى، ومن يتفق على أنها حكر على الشباب فأتمنى أن يدعموا رأيهم بأدلة تثبت ذلك.

وأخيراً أقول: بأن التشجيع هواية لدى الشباب والشابات بدليل الفنون التشكيلية، والرياضات العالمية، وغير ذلك مما أصبحت فيها الفتاة خير نموذج تؤكد نجاحها في كل المجالات فتخيلوا صورة فتاة تلبس برقعاً ومعها مجموعة من الكرات.

إن أخواتنا المسلمات تنتهك أعراضهن في كل مكان، ومنهن من تعيش في السجون، ومنهن من تنتهك أعراضهن، ويتناوب آلاف الرجال عليهن، وتسأل الفتاة: ماذا تصنع بهذا الجنين الذي في بطنها؟ كما نسمع كثيراً عن هذه المآسي.

والفتاة الأخرى تحارب عندما تلبس الحجاب، وتقام معارك في الجامعات هل يسمح للفتاة أن تلبس الحجاب أو لا تلبس الحجاب؟ إلى غير ذلك من المآسي التي تعاني منها الفتاة، ونحن نناقش هنا قضية أحقية الفتاة في تشجيع الكرة! فهذه الصورة لا نريد أن نطيل عندها كثيرا.

اهتمام الشباب بالشهوات

صورة أخرى: صورة ذاك الشاب الذي قد سيطر عليه هم آخر وهو الشهوة، فسيطرت عليه الشهوة، فصارت تحكم تفكيره وحياته، فهو يفكر دائماً في هذه الشهوة، وكيف يقضي شهوته ويصرفها، فيجلس أمام الأستاذ في الفصل والأستاذ يشرح، لكنه يعيش في واد آخر غير هذا الوادي الذي هو فيه.

ويعيش مع الناس لكنه معهم ببدنه وأما قلبه ففي وادٍ آخر، ويسير بسيارته لكنه أيضاً يفكر تفكيراً آخر، ويتطور الأمر لديه وهو في الفصل ربما والأستاذ يشرح الدرس، فيخرج القلم ويخرج كراسة الكشكول أو الكتاب، فيبدأ يكتب عبارات دون أن يشعر، ويتحرك قلمه فيكتب قصائد حب وغرام، ويكتب عبارات معينة، وحروفاً معينة، ورموزاً معينة، كلها تعبر عن هذا الجحيم الذي يعيشه، وتعبر عن هذا الاهتمام الذي سيطر عليه.

وقد يتجاوز الأمر أحياناً فيكتب على كتابه، وربما يكون هذا الكتاب كتاب التفسير، أو كتاب التوحيد مثلاً، وهذا أمر رأيته بعيني، فقد رأيت أحد الطلاب كتب عبارات ساقطة على كتاب التفسير، ولا أستطيع أن أقولها لكم، ولا أتجرأ أن أقول هذا الكلام الذي يكتبه هذا الطالب على كتاب التفسير.

ولا شك أنه كتب هذا الكلام في درس التفسير، فهو قد أخرج الكتاب والأستاذ يشرح وهو يعيش في وادٍ آخر، فالأستاذ يتحدث عن أسماء الله وصفاته، وعن اليوم الآخر، وعن هذا القرآن الذي أنزله الله هداية للناس، وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر.

وربما يتطور الأمر ويصلي ويقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].

والله سبحانه وتعالى يخاطب عبده كما تعلمون (إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، مجدني عبدي، هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر، وله هم آخر، فهو يفكر في هذه الشهوة، وصارت هذه الشهوة مقياساً له يقيس به الناس، حتى قد يتحول الأمر به إلى أن يصبح عبداً وأسيراً لهذه الشهوة تحكمه، حتى إن من الناس من يضحي بدينه، وقد يقول عبارات الكفر -عافانا الله وإياكم- لأجل هذه الشهوة التي أصبح أسيراً لها.

أقرأ لكم كلاماً ذكره ابن القيم رحمه الله، وكلامه في هذه المواضع طويل وكثير جداً، لكن هذا كلام ذكره في (إغاثة اللهفان)، قال وهو يتحدث عن حال العاشق: فهو أعظم ذكراً له -أي: لمعشوقه- من ربه، وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه، وكفى به شاهداً على نفسه، بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].

فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، فإن فضل من وقته فضلة، وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله -إن جعل له- كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه وخالص ماله، وربه على الفضلة وقته، قد اتخذه وراءه ظهريا، وصار لذكره نسياً، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجي ربه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، إلى آخر كلامه رحمه الله.

هذه صورة من صور بعض الاهتمامات التي قد تطغى على الشاب.

الاهتمام بنقد الآخرين أياً كان النقد

وهذه صورة أخرى قد تكون أقل من الصور التي قبلها، لكنها أيضاً صورة من صور الاهتمامات الخاطئة، وهي الاهتمام بنقد الآخرين أياً كان هذا النقد، فيصبح هذا النقد يسيطر عليه، فهو يسمع لينتقد، ويقرأ لينتقد، ويسأل لينتقد، فيأتي يسأل فلاناً وهو يريده أن يجيب إجابة معينة؛ لينتقده فيها، فإذا أجاب على خلاف ما يريد الناقد قال الناقد في حق المسئول: إنه يقول ما لا يعتقد، إنه يعتقد كذا وكذا، ثم يطرح السؤال بصورة أخرى ويلح عليه حتى يجيب بالإجابة التي يريد أن ينتقده فيها، فهذا الشخص قد سيطر عليه النقد وأصبح همه.

الاهتمام بطاعة الله والآخرة

لعلنا نرى نماذج من هذه الصور، وقد تختلف النسب بين من هذا همه وذاك همه، قد تختلف الخواطر، ولكنك ترى أن هذه الهموم كلها هموم تسيطر على فئة وقطاع من الشباب، وتتحكم هذه الهموم في مشاعر الإنسان.

ويضرب لنا ابن الجوزي مثلاً عجيباً في ذلك، فهو يتحدث عن همة المؤمن، ثم يضرب لنا مثلاً في اختلاف اهتمامات الناس وأثرها عليهم، فيقول: همة المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل من شغله شيء فهمته شغله، ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة رأيت البزاز ينظر الفرش ويحزر قيمته، والنجار إلى السقف، والبناء إلى الحيطان، والحائك إلى نسج الثياب.

والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلماً ذكر العقاب، وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نياماً ذكر الموت في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة، فهمته متعلقة بما في الآخرة، وذلك يشغله عن كل أمور الدنيا، إلى آخر كلامه رحمه الله.

وهناك شاب آخر يعيش الظروف نفسها، فهو يعيش في نفس البيئة التي يعيشها الشاب الأول الذي يهتم بالرياضة، أو الشاب الآخر الذي يهتم بشهوته، فيعيش نفس الظروف، ونفس البيئة، ونفس المتغيرات، وربما يعيش البيت نفسه الذي يعيشه فلان، فأنت ترى الشاب الأول له هذا الهم، بينما الآخر يعيش معه في البيت نفسه، ومن أم وأب واحد، ويتلقون تربية واحدة، ولكن هذا له هم آخر غير هم أولئك، ولسان حاله يقول: يا قومي! أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، يا قومي! لي هم غير الهم الذي يشغلكم، فلم تعد الدنيا هماً لي، ولم تعد الرياضة مجالاً أن أفكر فيها أصلاً، فضلاً عن أن أصرف فيها نفيس وقتي ومشاعري وأحاسيسي، وأما الشهوة فهي أبعد إلي من ذلك كله؛ لأني أعرف أنها تقودني إلى ما حرم الله عز وجل.

نعم إنني أصرف شهوتي، لكن فيما أباح الله سبحانه وتعالى، وأؤجر على ذلك، وأتعبد الله بذلك، ولكن لي وادٍ آخر ولي هم آخر غير هذا الهم الذي تهتمون به، فهو يهتم بحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فإذا رأى شاباً تساءل في ذهنه: يا ترى كم يحفظ من القرآن؟ ويسمعه يقرأ فيصغي إلى قراءته ليسمع ماذا يقرأ، وإلى أين وصل في حفظ القرآن، وهل فاقه أم لا؟

بينما ذاك الشاب ينظر إلى هذا الشاب نفسه الذي يقرأ القرآن، لكنه ينظر بعين أخرى، ينظر بنظرة أخرى، ينظر وله هم آخر وصورة أخرى، أرأيت كيف يجتمع هذان في النظر إلى هذا الشاب، لكن هذا له نظرة وذاك له نظرة أخرى!

تماماً كما ذكر ابن الجوزي يدخل الناس القصر، فهذا ينظر إلى الأخشاب، وهذا ينظر إلى الحائط، وهذا يذكره هذا النعيم بنعيم الجنة، ويذكره هذا الجمال والبهاء في الدنيا بزوال الدنيا وفنائها.

وهذه صورة أخرى، فالشاب الذي همه العلم الشرعي وتحصيله، قد تراه يدخل مع غيره المكتبة، وتجد هذا الغير همه مجلة، أو همه صفحة رياضية، أما هذا فهمه كتاب من كتب العلم، ويدخل التسجيلات وله هم، والآخر يدخل تسجيلات أخرى ولكن له هم آخر، في المجالس يتحدث في موضوع، وذاك يتحدث في موضوع آخر.

إذاً: هذه صورة عاجلة عن اهتمامات الشباب.

لعلنا قبل أن نتحدث عن الاهتمامات، وما يتعلق بها، وكيف تكون اهتماماتنا، وكيف نضبطها، سنلقي نظرة ولنحرص أن تكون عاجلة حول اهتمامات الشباب، فستجد مثلاً أن فئة من الشباب قد يكون همه الدنيا وتحصيلها، فتصبح هي كل شيء عنده، وهي مقاييسه، وهي التي تستغرق عليه وقته وجهده وتفكيره، حتى قد يصل إلى الحال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).

فقد وصل إلى حال أصبح فيه أسيراً للدنيا، وعبداً للدنيا وفي طوعها، فالدينار والدرهم والمال والدنيا هي كل شيء عنده، فيرضى من أجلها، ويسخط من أجلها، ويضحي من أجلها، وهي الهدف الذي لا يساوم عليه، بل لعلك حتى تدرك فعلاً مدى أسر الدنيا لمثل هذا الشخص أن تتصور كيف أنه باع آخرته لدنياه، وهذا يكفي ليعطيك دلالة على مدى أهمية الدنيا عند مثل هذا الشخص.

فهذه صورة، وقد تكون هذه الصورة الآن قليلة في محيط الشباب، لكنك تجدها في الطبقات الأكبر سناً.

ننتقل إلى اهتمام آخر أكثر انتشاراً وتأثيراً عند الشباب ألا وهو الرياضة أو الكرة، فالشباب يهتم بالكرة اهتماماً بالغاً، من خلال الممارسة، ولعب الكرة يأخذ جزءاً كبيراً جداً من وقته من خلال ما يسمى بالمصطلح المعاصر التشجيع، وفي العلم نسميه الولاء، فهو في الواقع ولاء لهذا النادي وما يتعلق به.

ولو كان الشاب اقتصر على قضية الممارسة للرياضة مع ما تأخذ من الوقت فقد يهون الأمر، فنقول: إن الرياضة تأخذ عليه ساعات، فيصبح الأمر هيناً عندما نقارنه بالصورة الأخرى وهي صورة الانتماء الرياضي، فصار هذا الشاب يشجع نادياً من النوادي، وانظر كيف يؤثر عليه هذا الأمر، فهو مثلاً يهتم بأخبار النادي، واللاعبين، وتاريخهم، وربما يقتني أيضاً صور هؤلاء اللاعبين، ويتابع مباريات الفريق أولاً بأول، ويهتم بهذا، ثم تستولي على مشاعره كثيراً.

كذلك يتأثر أيضاً في تفكيره فيصبح تفكيره مربوطاً كثيراً بهذا النادي، حتى إن أشياء ساذجة صارت تحكم عقلية هذا الشاب، فمثلاً اللون الذي يميز هذا النادي يصبح لوناً له قيمته عنده، فهو مثلاً عندما يقتني قلماً يحرص أن يكون القلم يعبر عن شعار هذا النادي، وعندما يضع تلبيسة على سيارته فأيضاً يجب أن تكون تمثل شعار هذا النادي، فصار هذا اللون يحكمه، وصار يعشق هذا اللون؛ لأنه يذكره بهذا النادي الذي أصبح ينتمي إليه.

وهذه حققت مكاسب لفئات كثيرة من الناس: أصحاب الدعاية، فيطبع شعارات ويفرد شعارات وتروج هذه الشعارات؛ نظراً لارتباطها بنادٍ معين عند هذا الشاب الذي صار هذا النادي يسيطر عليه.

وأنت حتى تدرك فعلاً كم يأخذ هذا الانتماء من الشخص، ومن قدراته، ومن طاقاته، دعني أصور لك هذا المثال: شاب يشجع نادياً من النوادي، والآن لديه مباراة لهذا النادي لها أهمية فقد تحدد موقعه أو مصيره، فهو قبل المباراة سيقرأ الصحف، ويقرأ التحليل عن المباراة والتوقعات إلى غير ذلك، فتأخذ عليه جزءاً كبيراً من وقته ومن قراءته، وما يكتفي بصحيفة واحدة، بل يمكن يقرأ جميع الصحف التي تكتب عن المباراة والتحليل لها، ثم يتناقش مع زملائه، ولك بالضرورة أن تتصور طبيعة النقاش الذي يسود أجواء الرياضيين، فهو نقاش غير مؤدب، ونقاش غير لبق، ونقاش ينم عن مستوى الثقافة التي يتمتع بها أمثال هذه الطبقة، ثم يذهب للملعب، وبالتأكيد سيذهب في وقت مبكر؛ حتى يحصل على مكان متقدم.

وانظر ما سيترك من واجبات لأهله ومصالح سيفوتها نتيجة حرصه على الحضور بل الحضور المبكر لهذه المباراة،

وإذا لم يتيسر له الحضور انتقل إلى المرتبة الثانية وهي متابعة المباراة من خلال الشاشة، فسيقف أمام الشاشة أو أمام الملعب وتبدأ المباراة وخلال وقت المباراة كله سيعيش جوا مشحوناً، فقد استجمع كل مشاعره من خلال النظر، ومن خلال التفكير، كل هذه المشاعر استجمعها؛ لأجل متابعة هذه المباراة.

وهذه المشاعر لا يمكن أن يستجمعها مثلاً وهو يقرأ القرآن، ولا وهو يصلي، ولا وهو يسمع الخير، فضلاً عن أن يستجمعها وهو يسمع شرح الأستاذ، أو في أي قضية من قضاياه الجادة، فيستجمع لها مشاعره، ثم يعيش أيضاً مشاعر وعواطف متناقضة خلال هذه المباراة، فهو مثلاً عندما تكون الهجمة على فريقه يعيش شعور خوف ووجل حتى تتبدد على خير، فيرتاح ويستقر، وتعود مرة أخرى فيعود إلى الشعور المعاكس تماماً، فهنا كان عنده شعور خوف، وهنا الآن صار عنده شعور رجاء، فصار يعيش مدة ساعة ونصف بين هذه المشاعر المتناقضة.

فلمصلحة من يضيع الإنسان هذا الوقت وهذا الجهد؟ فهذه المشاعر والعواطف التي عنده: الحب والكراهية والحماس حرام تضيع هذه المشاعر في هذه القضايا، وثق ثقة تامة أنها -كما سيأتي- ستكون على حساب القضايا الأهم.

يا أخي! إن الله سبحانه وتعالى خلق لك نفساً قابلة للحماس، وخلق لك مشاعر معينة، خلقها لحكمة، فهذا إهدار لثروة هائلة قد لا نقيم لها وزناً؛ لكن لها أهمية، فنحن نفكر في ثروة المال، ونفكر في ثروات معينة، وقد أحياناً نفكر في الوقت وأنه ثروة، لكن لا يمكن أن نفكر في هذه المشاعر الذي عندنا أنها ثروة مهمة يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن نستغلها الاستغلال الشرعي؛ لأجل المصلحة التي خلقها الله عز وجل من أجلها.

ثم ما يعقب المباراة والنتيجة التي صارت في المباراة لابد أن يصير فيها إلى حالتين:

إما أن ينتصر فريقه، فيصبح يعيش حالة زهو وفرح يسيطر عليه، وتؤثر على حياته كلها في اليوم التالي، أو العكس أن يهزم فيعيش مشاعر أخرى من السخط والحزن والقلق.

ولعلكم تسمعون كثيراً مثلاً عن حالات طلاق تحصل عن حالات خصام بين الزوجين؛ نتيجة مثل هذا الجنون الكروي، بل أحياناً قد يصل الأمر ببعض الناس إلى حالة الإغماء وحالة الوفاة.

ومن أطرف ما مر علي مقال أحب أن تشاركوني فيه، كتبته إحدى الفتيات، وهي فتاة غيورة كتبت في إحدى الصحف عن علاقة الفتاة بالرياضة، فإنك تجد الفتاة تهتم بأي شيء إلا الرياضة، فهذا المقال كتبته رداً على مقال آخر، تقول الكاتبة: كنت أتصفح إحدى الصحف المحلية ولفت نظري ما أشارت إليه إحدى القارئات بأن تشجيع الفتاة للكرة ليس من تخصصها، ولا يليق بأنوثتها.

ورغم أنني أتفق تماماً مع ما ذهبت إليه إحدى الأخوات في رأيها -لاحظ: أتفق تماماً- إلا أنني أود أن أطرح بعض النقاط والتي أتمنى أن تكون موضع اهتمام هذه القارئة وغيرها:

التشجيع ليس مقتصراً على الشباب فقط حتى نقول إنه ليس من تخصص الفتاة، فلا أعرف من أين استقت هذه الفتاة هذا الرأي. يعني: هذا نقاش علمي ومطالبة بالدليل والحجة والبرهان! فهل تحرم المواطنة من تشجيع منتخب بلدها مثلاً، أليست هي مواطنة تنتمي لبلدها؟! فهناك وفي أكثر الفنادق رجال يعملون في المطبخ، فلماذا لا نقول: إن الطبخ من اختصاص النساء فقط؟ هذا قياس.

إن تشجيع الفتاة للكرة لا يقلل من شأن أنوثتها طالما التزمت برقتها، وهدوئها، وصحيح أنها لا تمارس هذه الرياضة كالشباب لكن من حقها أن تشجعها، ومن حقها أن تمارسها أيضاً، فما المانع؟ عندما تكون هناك نوادٍ، وهناك مباريات رياضية فيما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولا يتعارض مع شريعتنا الإسلامية ما هو الإشكال؟ وما المانع مثلاً أن يكون فيه أيضاً مسارح فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ونوادٍ للرقص مثلاً؟ وإلى غير ذلك.

تقول: كرة القدم ليست محتكرة على فئة معينة دون الأخرى، ومن يتفق على أنها حكر على الشباب فأتمنى أن يدعموا رأيهم بأدلة تثبت ذلك.

وأخيراً أقول: بأن التشجيع هواية لدى الشباب والشابات بدليل الفنون التشكيلية، والرياضات العالمية، وغير ذلك مما أصبحت فيها الفتاة خير نموذج تؤكد نجاحها في كل المجالات فتخيلوا صورة فتاة تلبس برقعاً ومعها مجموعة من الكرات.

إن أخواتنا المسلمات تنتهك أعراضهن في كل مكان، ومنهن من تعيش في السجون، ومنهن من تنتهك أعراضهن، ويتناوب آلاف الرجال عليهن، وتسأل الفتاة: ماذا تصنع بهذا الجنين الذي في بطنها؟ كما نسمع كثيراً عن هذه المآسي.

والفتاة الأخرى تحارب عندما تلبس الحجاب، وتقام معارك في الجامعات هل يسمح للفتاة أن تلبس الحجاب أو لا تلبس الحجاب؟ إلى غير ذلك من المآسي التي تعاني منها الفتاة، ونحن نناقش هنا قضية أحقية الفتاة في تشجيع الكرة! فهذه الصورة لا نريد أن نطيل عندها كثيرا.

صورة أخرى: صورة ذاك الشاب الذي قد سيطر عليه هم آخر وهو الشهوة، فسيطرت عليه الشهوة، فصارت تحكم تفكيره وحياته، فهو يفكر دائماً في هذه الشهوة، وكيف يقضي شهوته ويصرفها، فيجلس أمام الأستاذ في الفصل والأستاذ يشرح، لكنه يعيش في واد آخر غير هذا الوادي الذي هو فيه.

ويعيش مع الناس لكنه معهم ببدنه وأما قلبه ففي وادٍ آخر، ويسير بسيارته لكنه أيضاً يفكر تفكيراً آخر، ويتطور الأمر لديه وهو في الفصل ربما والأستاذ يشرح الدرس، فيخرج القلم ويخرج كراسة الكشكول أو الكتاب، فيبدأ يكتب عبارات دون أن يشعر، ويتحرك قلمه فيكتب قصائد حب وغرام، ويكتب عبارات معينة، وحروفاً معينة، ورموزاً معينة، كلها تعبر عن هذا الجحيم الذي يعيشه، وتعبر عن هذا الاهتمام الذي سيطر عليه.

وقد يتجاوز الأمر أحياناً فيكتب على كتابه، وربما يكون هذا الكتاب كتاب التفسير، أو كتاب التوحيد مثلاً، وهذا أمر رأيته بعيني، فقد رأيت أحد الطلاب كتب عبارات ساقطة على كتاب التفسير، ولا أستطيع أن أقولها لكم، ولا أتجرأ أن أقول هذا الكلام الذي يكتبه هذا الطالب على كتاب التفسير.

ولا شك أنه كتب هذا الكلام في درس التفسير، فهو قد أخرج الكتاب والأستاذ يشرح وهو يعيش في وادٍ آخر، فالأستاذ يتحدث عن أسماء الله وصفاته، وعن اليوم الآخر، وعن هذا القرآن الذي أنزله الله هداية للناس، وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر.

وربما يتطور الأمر ويصلي ويقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].

والله سبحانه وتعالى يخاطب عبده كما تعلمون (إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، مجدني عبدي، هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر، وله هم آخر، فهو يفكر في هذه الشهوة، وصارت هذه الشهوة مقياساً له يقيس به الناس، حتى قد يتحول الأمر به إلى أن يصبح عبداً وأسيراً لهذه الشهوة تحكمه، حتى إن من الناس من يضحي بدينه، وقد يقول عبارات الكفر -عافانا الله وإياكم- لأجل هذه الشهوة التي أصبح أسيراً لها.

أقرأ لكم كلاماً ذكره ابن القيم رحمه الله، وكلامه في هذه المواضع طويل وكثير جداً، لكن هذا كلام ذكره في (إغاثة اللهفان)، قال وهو يتحدث عن حال العاشق: فهو أعظم ذكراً له -أي: لمعشوقه- من ربه، وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه، وكفى به شاهداً على نفسه، بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].

فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، فإن فضل من وقته فضلة، وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله -إن جعل له- كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه وخالص ماله، وربه على الفضلة وقته، قد اتخذه وراءه ظهريا، وصار لذكره نسياً، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجي ربه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، إلى آخر كلامه رحمه الله.

هذه صورة من صور بعض الاهتمامات التي قد تطغى على الشاب.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
الباحثات عن السراب 2584 استماع
وقف لله 2320 استماع
رمضان التجارة الرابحة 2254 استماع
يا أهل القرآن 2188 استماع
يا فتاة 2180 استماع
كلانا على الخير 2170 استماع
الطاقة المعطلة 2115 استماع
علم لا ينفع 2083 استماع
المراهقون .. الوجه الآخر 2072 استماع
من حق إخوتنا علينا 2067 استماع