دراسة سردية لقصة ذي القرنين
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
دراسة سردية لقصة ذي القرنين1- مفهومُ القصَّة القرآنية.
2- سبب ورود ذي القرنين.
3- سبب تسمية ذي القرنين.
4- مضمون القصة.
5- المستوى المورفولوجي.
6- المستوى التركيبي.
7- البعد البلاغي.
8- أبعاد القصة وأهدافها.
9- خاتمة.
♦ ♦ ♦
1.
مفهومُ القصَّة القرآنية:
القصَّة لغة تعني: تتبُّع الأثر؛ يقال: قَصَّ فلان أثرَ فلان؛ أي: تتبَّعَه، قال عز وجل: ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [الكهف: 64]؛ أي: "رجعا (على آثارهما) أي: طريقهما (قصصا) أي: يقصان أثر مشيهما، ويقفوان أثرهما"[1]، وقالت أم موسى: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [القصص: 11]؛ أي: تتبَّعِي أثرَه حتى نعرف من يأخذه.
والقصُّ بمعنى تتبُّع الأخبار والأحوال الماضية؛ قال عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]، وتأتي القصة بمعنى الأمر والحال والخبر.
يُراد بالقصة من الناحية الاصطلاحية: "الإخبار عن قضيَّة ذات مراحل يَتْبَعُ بعضها بعضًا"[2]، يقول تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3]، إنها تشتمل على أسمى درجات البلاغة وجلال المعنى، ولها تأثيرٌ قويٌّ في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق.
إن القصة القرآنية وسيلة من بين الوسائل التي تُستخدم لأغراض نبيلة، وهي التشريع وإصلاح الفرد والمجتمع على حد سواء.
إن للقصة القرآنية، في كل زمان ومكان، أثرَها العميقَ على النفوس؛ لما فيها من عنصر التشويق، وجوانب الاعتبار والاتعاظ، والقصص في القرآن ثلاثة أنواع: قصص الأنبياء، قصص قرآني يتعلق بحوادث عابرة، وقصص يتعلق بالحوادث التي وقَعت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
2.
سبب ورود ذي القرنين:
جاء المشركون يسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين: ما كان شأنه، وما قصته؟ فتلا عليهم خبرَه، وقصَّ عليهم نبأه، وقيل: إن الذين سألوا الرسولَ صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل الكتاب؛ بحكم أنهم كانوا يعرفون أخبار الأمم الماضية، وكان من بين ما سألوه أيضًا قصة أهل الكهف، وعن الروح؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، وقوله أيضًا: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83].
3.
ذُكر ذو القرنين في القرآن الكريم في سورة الكهف، يقول الله تعالى لنبيِّه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾ [الكهف: 83]؛ أي: يسألونك يا محمد عن خبره، ويذكر أنه "بعَث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلَّى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن رجل طوَّاف في الأرض، وعن فتية لا يُدرى ما صنعوا، وعن الرُّوح، فنزلت سورة الكهف"[3].
"جاء نفرٌ من اليهود يسألون النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم صلَّى الله عليه وسلم بأنه شاب من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملَكٌ إلى السماء وذهب به إلى السدِّ"[4].
نخلُص من هذا كله أن ذا القرنين ملكٌ صالحٌ، أعطاه الله عزَّ وجلَّ قدراتٍ كبيرةً جدًّا، وكان يجول الأرض كلَّها ويطوف فيها، ويدعو الناس إلى عبادة الله عَزَّ وجل.
4.
مضمون القصة:
إن ذا القرنين رجلٌ صالحٌ، أعطاه الله عَزَّ وجَلَّ قدراتٍ كبيرة جدًّا، وكان يجول الأرض كلَّها، ويطوف فيها، ويدعو الناس إلى عبادة الله عَزَّ وجَلَّ، فمكَّن الله له بتقواه وعدله أن يبسط سلطانه على المعمورة، وأن يمتلك مشارق الأرض ومغاربها، ويقيم فيها الإصلاح والخير، وبنى سدًّا متينًا مكينًا؛ ليحميَ الناس من شرِّ يأجوج ومأجوج المعروفين بالقتل والسلب والنهب، وسائر وجوه الشَّر: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ [الكهف: 94]، فحين أنهى بناء السدِّ، ردَّ الملِكُ الصالح الأمرَ لله تعالى، لا لقوته البشرية: ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّا ﴾ [الكهف: 98].
5.
المستوى المورفولوجي:
بنية الحدث:
يتركز بناءُ الحبكة السردية في قصة ذي القرنين على نظرة عميقة، تعتمد تسلسلًا منطقيًّا للأحداث، فتتعاقب هذه الأحداثُ وتتطوَّر وتنمو شيئًا فشيئًا، حتى تبلغَ درجة عالية من الصراع، وتعود إلى الأخذ بموقف سابق لبنائه.
ويمكن تقسيم هذه القصَّة إلى ثلاثة أحداث رئيسة، كلُّ حدثٍ رئيسٍ تتولَّدُ عنه أحداثٌ فرعية.
استهلَّت القصة بتعريف شخصية ذي القرنين: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83]، فقد أنعم الله عليه بنعم عظيمة، منها نعمة التمكين في الأرض، ونعمة امتلاك الأسباب.
• الحدث الرئيس الأول:
رحلة ذي القرنين إلى مغرب الشمس؛ ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾ [الكهف: 86].
• الأحداث الفرعية:
• سلك ذو القرنين طريقًا جهة المغرب، ووجد الشمسَ تغرب في ماء وطين، حسب ما شاهَدَ، لا حسب الحقيقة.
•وجد عند العين الحارَّة قومًا من الأقوام، قيل: إنهم كانوا كفَّارًا، فخيَّر الله تعالى ذا القرنين أن يعذِّبهم بالقتل، أو يدعوَهم إلى الإسلام.
• الحدث الرئيس الثاني:
• رحلة ذي القرنين إلى مشرق الشمس؛ ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ﴾ [الكهف: 90].
• الأحداث الفرعية:
• سلك ذو القرنين طريقًا نحو المشرق، حيث مطلع الشمس في عين الرائي.
• وجد الشمس تشرق على أقوامٍ ليس لهم من اللِّباس ما يسترهم في حر الشمس، فإذا طلعت دخلوا التراب، وإذا غربت خرَجوا.
• الحدث الرئيس الثالث:
رحلة ذي القرنين إلى بين السدَّين؛ ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ [الكهف: 93].
• الأحداث الفرعية:
سلك ذو القرنين طريقًا بين المشرق والمغرب في جهة الشمال، حيث الجبال الشاهقة.
وصوله إلى منطقة بين حاجزين عظيمين بمنقطع بلاد الترك بأرمينيا وأذربيجان، بحيث ردم حاجزًا بين يأجوجَ ومأجوجَ.
بنية الزمن:
يعد الزمن عنصرًا أساسيًّا في تقنية الحكي، فهو "يعمق الإحساس بالحدث وبالشخصيات لدى المتلقِّي"[5].
بُنِيَتِ الحبكة السردية في القصة (قصة ذي القرنين) على نظرة عميقة، وذلك بالاعتماد على التسلسل المنطقيِّ للأحداث عبر الزمن، وتعاقبها، وتظهر في هذه القصة بعض المفارقات الزمنية.
تحدث المفارقات الزمنية عندما "يخالف زمن ترتيب أحداث القصة، سواء بتقديم حدث على حدث آخر، أو استرجاع حدث، أو استباق حدث قبل وقوعه"[6]، ومن بين المفارقات الزمنية التي نلمُسُها في بنية هذه القصة نجد الاستباق، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83]، فموطن الشاهد - هنا - هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك ذا القرنين؛ لذا سيخبر عنه بعد نزول الوحي عليه، وهناك مثال آخر للاستباق هو قوله تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84، 85]، فكل من الفعلين "مَكَّنَّا" و"آتَيْنَا" يدوران في فلك التمكين، الذي هو أداة التغيير لكثير من الأحداث التي سيصادفها ذو القرنين في رحلاته.
إيقاع السرد:
يتحدَّد الإيقاع السردي حسب وتيرة سرد الأحداث من ناحية السرعة أو البطء؛ ففي حالة السرعة يتم توظيف بعض التقنيات الزمنية من قبيل الخلاصة والحذف، وفي حالة البطء يتم توظيف تقنيتَي المشهد أو الوقفة، ومن بين الإيقاعات السردية الحاضرة في القصة نجد:
تسريع السرد: ومثاله قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 89، 90]، فالسرد - هنا - جاء سريعًا مكثَّفًا بعيدًا عن الوصف، فتم بذلك تلخيص مجموعة من الأحداث والوقائع التي يمكن أن تجري في هذه الرحلة (الرحلة إلى مشرق الشمس).
تعطيل السرد: في حالة تبطيء السرد، يتم توظيف تقنيات زمنية من قبيل المشهد والوقفة.
المشهد: مثاله في القصة: ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 86 - 88]، وهذا ما يسمى بالسرد المشهدي.
مثال آخر للسرد المشهدي، وهو قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 94]...
﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].
بنية المكان:
يعدُّ المكان شيئًا أساسًا في البنية السردية، بحيث "لا يمكن تصور حكاية بدون مكان، فلا وجود لأحداث خارج المكان؛ ذلك أن كلَّ حدثٍ يأخذ وجوده في مكان محدَّد وزمان معيَّن"[7].
دارت أحداث القصة في ثلاثة أمكنة أساسية، وهي:
المكان الأول: مغرب الشمس، أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب.
المكان الثاني: مطلع الشمس، وجد ذو القرنين الناس هناك بغير أبنية تقيهم من الحرِّ، ودعاهم إلى الله تعالى، وبيَّن لهم كيف يصنعون أكواخًا تمنع عنهم حرَّ الشمس وتقيهم أشعتها الساخنة.
المكان الثالث: بين السدَّين، مكان مختلف في تحديده جغرافيًّا، ففي رحلة ذي القرنين هاته إلى بين السدين، نجده يمرُّ بمجموعة من الأمكنة: (بين السدين، الأرض، السد، الردم، بين الصدفين)، فالمكان - هنا - يحضر بقوة، وهذا الحضور يسهم في بناء الأحداث.
أصبح المكان بطلًا موازيًا للشخصية الرئيسة، بل تدرَّج في بناء القصة؛ ليصبح في لحظات محددة البطلَ كما في هذه الرحلة؛ (رحلة بين السدين).
الشخصيات:
تتأسَّس القصةُ التي نحن بصدد دراستها على شخصيَّة محوريَّة، وهي شخصية ذي القرنين، الرجل الصالح المبشر بالتمكين في الأرض، والذي قام بأحداث الرحلات التي جاب فيها ثلاثة فضاءات (المغرب، المشرق، بين السدين)، واطلع في مسيرته على مجموعة من الأحداث، فقد جعل السرد القرآنيُّ من شخصية ذي القرنين محورًا رئيسًا لبناء الرحلة، فهو الممَكَّن المطلوب منه تحقيقُ العدل، واستعمال التمكين قصد نشر الإيمان.
وهناك حضور لشخصيات أخرى قامت بوظائف ثانوية، وأسهمت بدورها في دعم الشخصية المحورية (ذي القرنين)، وهي شخصية القوم في الرحلات الثلاث.
6.
المستوى التركيبي:
الخطاب وأنواعه: معروض مباشر، ومعروض غير مباشر.
خطاب معروض مباشر: مثاله قوله تعالى - كما جاء على لسان ذي القرنين -: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88]، فالبطل نفسه هو المتحدِّث.
خطاب غير مباشر: مثاله ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ﴾ [الكهف: 86]، فمصدر المعلومات عن الشخصية - ها هنا - هو السارد.
7.
البعد البلاغي:
تضمَّنت القصة التي نحن بصدد دراستها وجوهًا من البيان والبديع.
الطباق: (مطلع/ مغرب).
المقابلة: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ مقابل: ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾.
الجناس: ﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ ﴾ [الكهف: 104] جناس ناقص.
التشبيه: ﴿ جَعَلَهُ نَارًا ﴾ [الكهف: 96] تشبيه بليغ؛ أي: جعله كالنار في الحرارة وشدة الاحمرار، فحُذفت أداة التشبيه ووجهُ الشَّبَه.
الكناية: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 90] كناية على أن هؤلاء القوم ليس لهم من اللِّباس ما يكفي لتغطية أبدانهم من الشمس.
الاستعارة: ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾ [الكهف: 99] شُبِّهوا لكثرتهم وتداخُل بعضهم في بعض، بموج البحر المتلاطم، واستُعير لفظ "يموج" لذلك.
الاستعارة: ﴿ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ﴾ [الكهف: 101]؛ أي: كانوا ينظرون فلا يعتبرون، وتُعرض عليهم الآيات الكونية فلا يتأثرون، فلم تكن أعينهم حقيقة في غطاء وحجاب، وإنما هو بطريق الاستعارة.
8.
أبعاد القصة وأهدافها:
❖ الصراع بين الخير والشر، فالخير يمثِّله ذو القرنين، الرجل الصالح الذي مكَّن الله له في الأرض، وآتاه من القوة والسلطة، والوسائل الممكنة والقدرة، والشرُّ الذي تمثِّله قبيلتا يأجوج ومأجوج، اللتان أفسدتا في الأرض.
❖ انتصار الإيمان على الكفر، بتوافر الشروط اللازمة للنصر والتمكين: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84]، ﴿ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ [الكهف: 96]، وهزيمة يأجوج ومأجوج، وعدم تمكينهما من الإفساد في الأرض.
❖ إشارة الله عز وجل إلى أن أهل الكفر عامة مآلهم الخزي والإذلال والهزيمة.
❖ ضعف مكانتهم أمام قدرة الله عز وجل، وهيمنة الإيمان على الكفر.
❖ تلميح الله عز وجل إلى قوة الأمم السالفة التي انقرضت، وأخذ العِبرة منها.
❖ سؤال اليهود عن قصة ذي القرنين لمعرفة أحداثها،واختبار النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة صدق نبوَّتِه أو عدمها، وإجابته عن سؤالهم.
هدف سرد هذه القصة هو استخلاص العِبرة والدرس، وضرب الأمثال، وتذكير كلِّ الذين يتكبَّرون في الأرض فسادًا أن الله قادر على إهلاكهم.
خاتمة:
وعمومًا فقصة ذي القرنين قصة لعبد مؤمن صالح، منحه الله عز وجل المُلكَ والتمكينَ في الأرض، وأراد سبحانه أن يحقِّقَ على يديه العدل والإيمان، وذلك من خلال الرحلات العجائبية الثلاث التي قام بها.
قائمة المصادر والمراجع:
• القرآن الكريم.
• تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، ط7، بيروت.
• أصول التفسير، محمد صالح العثيمين، دار الفكر 1980.
• الدليل إلى تحليل النص السردي، محمد بوعزة، ط1، دار الحرف.
[1] ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تح سامي بن محمد السلامة، ج 5 دار طيبة للنشر والتوزيع،ط1-1998، ط2، 1999- ص175.
[2] العثيمين، محمد صالح، أصول التفسير، دار الفكر 1980، ص52، 53.
[3] الدمشقي، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، ج3 ص102، 103.
[4] المرجع نفسه، ص103.
[5] بوعزة، محمد، الدليل إلى تحليل النص السردي، دار الحرف، ط1، 2007، ص69.
[6] المرجع نفسه، ص70.
[7] الدليل إلى تحليل النص السردي، مرجع سابق، ص79.