قل نزله روح القدس من ربك بالحق
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 101، 102].
أولًا: سبب نزولها:
قال المفسرون: إن المشركين قالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدًا، ما هذا إلا مفترًى يتقوَّله من تلقاء نفسه؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ...
﴾.
ثانيًا: تضمنت الآية كما جاء في سبب نزولها ذكر نوعٍ من أنواع السخرية التي كان يقع فيها المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فادَّعوا ما ادَّعوه من أنه صلى الله عليه وسلم يغيِّر الأحكام وَفق هواه - وحاشاه - وكأنهم على اقتناع من أن القرآن كلام الله تعالى.
ثالثًا: نزلت الآية دفاعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، مبرئة لساحته من أن يغيِّر في دين الله تعالى، أو أن يكون متبعًا لهواه، أو أن يسخر بأصحابه؛ وإليك بيانها:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ﴾: التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، فتبديل الآية رفعها بآية أخرى، وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا الآيةُ القرآنية، وعلى أن المراد بتبديلها نسخها.
2- ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ ﴾: جملة معترضة بين الشرط وجوابه؛ للمسارعة إلى توبيخ المشركين وتجهيلهم؛ أي: والله تعالى أعلم من كل مخلوق بما هو أصلح لعباده، وبما ينزله من آيات، وبما يغير ويبدل من أحكام، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة؛ ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].
3- ﴿ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ ﴾: أي: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم عند تبديل آية مكان آية: إنما أنت يا محمد تختلق هذا القرآن من عند نفسك، وتفتريه من إنشائك واختراعك.
4- ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾: هذا فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم؛ أي: لا تهتم أيها الرسول الكريم بما قاله هؤلاء المشركون في شأنك وفي شأن القرآن الكريم، فإن أكثرهم جهلاء لا يعلمون ما في تبديلنا للآيات من حكمة، ولا يفقهون من أمر الدين الحق شيئًا، وقال سبحانه: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾؛ للإشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق وتُدركه، ولكنها تنكره عنادًا وجحودًا وحسدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.
5- ثم لقَّن الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذي يقذفه على باطلهم فيزهقه؛ فقال له: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾.
قوله: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ﴾: وروح القدس: هو جبريل عليه السلام، والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى الصفة؛ أي: الروح المقدس، والمعنى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الجاهلين: إن هذا القرآن الذي تزعمون أنني افتريته قد نزل به الروح الأمين على قلبي من عند ربي نزولًا ملتبسًا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل؛ ليزيد المؤمنين ثباتًا في إيمانهم، وليكون هداية وبشارة لكل من أسلم وجهه لله رب العالمين.
وفي قوله: ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾: تكريم وتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث اختص سبحانه هذا النبي الكريم بإنزال القرآن عليه، بعد أن رباه برعايته، وتولاه بعنايته.
وقوله: ﴿ بِالْحَقِّ ﴾: في موضع الحال؛ أي: نزَّله إنزالًا ملتبسًا بالحكمة المقتضية له، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه.
6- وقوله: ﴿ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾: بيان للوظيفة التي من أجلها نزل القرآن الكريم، وهي وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم، أما الكافرون فهم بعيدون عنها.