أرشيف المقالات

الآثار السيئة للأحاديث الموضوعة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
الآثار السيئة للأحاديث الموضوعة
 
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
الأحاديث الموضوعة هي رأس الحربة المسموم التي طُعِنَ بها الإسلام في الصميم؛ بواسطة الغزو الفكري الذي ما زالت آثاره ومخلفاته باقية إلى الآن، ولم تكن حركة الوضع حركةً ارتجاليةً عفوية في كلِّ الأحيان، بل تطورت إلى حركةٍ مَدروسةٍ هادفة، وخُطةٍ مُدبَّرة شاملة، لها خطرها في جميع الميادين، وها هو أحد كبار الوضَّاعين يقول - بعد ما شاب: (انظروا عمَّن تأخذون دينكم؛ فإنَّا كنا إذا هَوَينا أمراً صَيَّرناه حديثاً، ونحتسب الخير في إضلالكم)[1].
 
ولقد كان للوضَّاعين - على اختلاف منطلقاتهم - مآرب حاولوا الوصول إليها عن طريق الدِّين، سواء منهم الأعداء الماكرون أو الأتباع الحمقى، فألصقوا فيه ما ليس منه، وأحلُّوا القشورَ مواضعَ اللُّباب، وألبسوا التفاهات ثوبَ المهمات، واستبدلوا الشرك بعقيدة التوحيد (فكان من النتائج المباشرة لتلك الحركة المشبوهة على العديد من أجيال المسلمين في العديد من أقطارهم، شيوع ما لا يُحصى من الآراء الغريبة، والقواعد الفقهية الشاذة، والعقائد الزائفة، والافتراضات المُضحِكة التي أيَّدتها وتعاملت بها وروَّجت لها فِرَقٌ وطوائفُ معينة، لبست مسوح الدَّروشة والتَّصوف حيناً، والفلسفة حيناً، والعبادةَ والزهدَ حيناً آخَر)[2].
 
ولقد ساعد على بلوغ الوضع مأربه، وبروز آثاره بشكلٍ واضح، ما مُنِيَ به المسلمون في عصور الانحلال من ضعفٍ في الثقافة الدينية الصحيحة، إلى جانب انتشار المذاهب الهدامة، فأصبحت ظلمات بعضها فوق بعض، بلغت بالأمة إلى ما نراه من جهل وذل وانكسار[3].
 
ومن أبرز الآثار السيئة لانتشار الأحاديث الموضوعة[4]:
1- القضاء على خاصية هذا الدِّين: وهو أنه دين محفوظ لم يطرأ عليه التبديل والتحريف؛ كما هو الشأن في الأديان الأخرى، والوضَّاعون يُريدون هدم هذه الخاصية؛ بأقوالهم وآرائهم وأهوائهم.
 
2- الأحاديث الموضوعة بوابة البدع الكبرى: فمن خلال الوضع في الحديث انتشرت البدع في شتَّى العلوم الشرعية؛ لمحاولة تحويل الدين إلى خرافات وأساطير وأكاذيب؛ كما هو في الأديان المحرفة.
 
قال أبو الفضل الهمداني - مبيِّناً خطر المبتدعة، وانتشار البدع على الإسلام: (مبتدعة الإسلام والواضِعون للأحاديث أشدُّ من الملحدين؛ لأنَّ الملحدين قصدوا إفسادَ الدِّين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل.
فهم كأهل بلدٍ سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالحاضرين من خارج، فالدُّخلاء يفتحون الحِصن، فهم شرٌّ على الإسلام من غير الملابسين له)[5].
 
3- التحريف في العقيدة: فجميع الفِرق التي انحرفت في العقيدة كان السبب الرئيس لانحرافها هو دخول الأحاديث الموضوعة على معتقداتهم مما جعلهم ينحرفون عن الصراط المستقيم؛ بل لم يدخل الشرك في هذه الأمة إلاَّ عن طريق الوضَّاعين الكذَّابين.
 
4- التحريف في العبادات: وذلك بابتداع عبادات في الصلاة والصيام والحج ونحوها، ما أنزل الله بها من سلطان؛ فعلى سبيل المثال البدع المنتشرة في الصلاة؛ كصلاة عاشوراء، وصلاة الرغائب، وصلاة ليالي رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان – كل ذلك وغيرها كان سببها هو انتشار الأحاديث الموضوعة.
 
5- إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين: فمن خلال الأحاديث الموضوعة ظهرت الخلافات السياسية؛ كما حدث بين الأمويين والعباسيين سابقاً، واستمرت هذه الخلافات إلى يومنا هذا، وبسبب الأحاديث الموضوعة أيضاً انتشرت الخلافات المذهبية والتعصب للمذاهب والمشايخ وأُقفل باب الاجتهاد.
 
6- انتشار الخرافات المختلقة: وهذه الخرافات كان لها أثر سلبيٌّ كبير في صدِّ الناس عن الدخول في دين الله أفواجاً، وبسببها تخلَّفت الأمة الإسلامية عن ركب الحضارات – في مجالات شتَّى – بسبب انتشار الخرافات؛ كالأحاديث المكذوبة التي تنهى الناس عن الزراعة والتجارة والإنتاج، والتي تُشجِّع الفقر والكسل والخمول.
 
7- ضياع هيبة الأحاديث الصحيحة: فقد خفَّف الوضعُ وزن الأحاديث الثابتة في النفوس، وزالت هيبتها من القلوب؛ لأن الوضع وصل إلى درجة مزرية من السخافة والمجون والأمور التي تلفظها الفطر السليمة والعقول الراشدة.
 
8- انتشار ظاهرة القُصاص: فما تفشَّت ظاهرة القصاص في المجتمع الإسلامي إلاَّ بسبب انتشار الأحاديث الموضوعة؛ لأن القصص يتطلَّب مادة تجذب آذان العامة إلى القصاص وتشوقهم في الإقبال عليهم والإصغاء لهم، فقد انتحل القصصَ عدد كبير من الناس، اتخذوها مهنة لهم يعيشون من ورائها، فكانت دوافع المبالغة والكذب عندهم قوية جداً حتى يجدوا المادة القصصية المشوقة التي تجلب السامعين، ومن ثم تجذب لهم العطايا والأموال، واتخذها آخرون وسيلة للشهرة، فكان جُلُّ هَمِّهم أن يجتمع الناس حولهم ويستغربون ما يقولون، فيضعون لهم ما يرضيهم ويثير عواطفهم،
 
وعن الآثار السلبية لظاهرة القصاص يقول ابن الجوزي رحمه الله: (وإذا عَرَفنا أنَّ جمهورهم المستمع والمشجع هم العامة الجهال، الذين يصدقون كل ما يسمعون عرفنا عظيم أثرهم وجليل خطرهم، يقول ابن الجوزي رحمه الله: (والقاصُّ يروي للعوام الأحاديثَ المنكرة، ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره، فيخرج العوامُّ من عنده يتدارسون الباطل، فإذا أَنكَرَ عليهم عالِمٌ قالوا: قد سمعنا هذا بـ "أخبرنا" و "حدَّثنا"، فكم قد أفسد القُصَّاص من الخَلْق بالأحاديث الموضوعة، وكم لون قد اصفرَّ من الجوع، وكم هائم على وجهه بالسياحة، وكم مانع نفسه ما قد أبيح، وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها، وكم مُوَتِّم أولاده بالزهد وهو حي، وكم مُعرِض عن زوجته لا يوفِّيها حقَّها، فهي لا أيم ولا ذات بعل)[6].
ويقول أبو قلابة رحمه الله: (ما أمات العلمَ إلاَّ القُصَّاص؛ يُجالس الرجلُ الرجلَ القاصَّ سنةً فلا يتعلَّق منه بشيء، ويجلس إلى العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء)[7].
 
9- تسلل الباطل إلى الدِّين: وهو أمرٌ يُهدِّد سلامة الاعتقاد، وصحة الأعمال، بل يُقوِّض الدِّين، ويُقدِّم الدلائل على ضعف الدِّين وشموله على خرافات وأساطير تصطدم بالواقع إمَّا حاضراً أو مستقبلاً، وهذا أمرٌ يُفرح أعداء الإسلام.
 
(ولقد ردَّ اللهُ كيدَ هؤلاء الوضَّاعين والكذَّابين بأخبار أخيارٍ فضحوهم وكشفوا قبايحهم، وما كذب أحدٌ قطُّ إلاَّ وافتُضِح، ويكفي الكاذب أنَّ القلوب تأبى قبولَ قولِه؛ فإنَّ الباطل مُظلِم، وعلى الحق نور، وهذا في العاجل، وأمَّا في الآخرة فخسرانهم فيها مُتحقِّق.
قال سفيان: ما ستر الله عز وجل أحداً يكذب في الحديث.
وقال ابن المبارك: لو همَّ رجلٌ في السَّحر أنْ يكذب في الحديث لأصبح الناسُ يقولون: فلانٌ كذَّاب)[8].



[1] الجرح والتعديل، (2 /32)، فتح المغيث شرح ألفية الحديث، (1 /258).


[2] الموضوعات، لابن الجوزي - مقدمة المحقق، عبد الرحمن محمد عثمان (1 /9).


[3] انظر: الآثار السيئة للوضع في الحديث النبوي وجهود العلماء في مقاومته، (ص 130).


[4] انظر: الاعتداءات الأثيمة على السنة النبوية القويمة، (ص 25)؛ الوضع في الحديث النبوي، (ص 45)؛ الآثار السيئة للوضع في الحديث النبوي وجهود العلماء في مقاومته، (ص 140).


[5] الموضوعات، لابن الجوزي (1 /51).


[6] الموضوعات، (1 /32).


[7] حلية الأولياء، (2 /287).


[8] الموضوعات، (1 /48-49).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣