الاستعاذة من كثرة الديون
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
الاستعاذة من كثرة الديونهناك العديد من فضائل الأعمال التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وحث الصحابة على فعلها، وهناك نوع آخر من تلك الفضائل لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فحسب وإنما أكثر منها وحث على الإكثار منها، وما ذلك – والعلم عند الله تعالى - إلا لعظم ثوابها وأهميتها، هذه الأعمال لا تكلف المرء مالًا ولا جهدًا، يغفل عن فضلها وعظيم أجرها الكثير من الناس، فحري بنا أن نتعرف عليها أولًا ومن ثم نكثر منها كما فعل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
روت عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ »، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ »؛ متفق عليه.
فالحديث يشير إلى كثرة استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يقع في ديون يعجز عن سدادها، فالمغرم هو الدين الذي لا يقوى صاحبه على سداده.
قال بعض أهل العلم: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ سَدّ الذَّرَائِعِ؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اِسْتَعَاذَ مِنْ الدَّيْنِ، لأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْ الدَّيْنِ الاسْتِعَاذَة مِنْ الاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ حَتَّى لا يَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَوَائِل، أَوْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى وَفَائِهِ، ولا تَنَاقُضَ بَيْنَ الاسْتِعَاذَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَجَوَاز الاسْتِدَانَةِ لأَنَّ الَّذِي اُسْتُعِيذَ مِنْهُ غَوَائِل الدَّيْن - أي كثرة الدين - وَقَدْ اِسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَلَبَة الدَّيْن - أي كثرته وثِقَله.
(ابن حجر بتصرف من عدة مواطن).
إنَّ التهافتَ على الاقتراض أصبَحَ ظاهرةً خطيرة في مجتمَعنا، فكثيرٌ من الناس لا يبالي بالاستدانةِ، والبنوك فتحَت لهم الأبواب على مصراعيها بأنواعِ القروض الميسَّرة كما يقولون، سهَّلوا المهمَّةَ في الظاهر ولاحقوا الناس في دوائر عملهم ومكاتبهم يغرونهم بالاقتراض وقالوا: استقرِض منَّا قروضًا ميسَّرة ونعطيك رواتبَ سنةٍ كاملة وإلى غير ذلك، والبعض اطمأنَّ إلى قولهم فحمَّل ذمّتَه فوقَ ما يستطيعُ وفوقَ ما يقدِر عليه، فتفاجئ أنه اصبح مدينًا لهذه البنوك لعشرات السنين، والطامة الكبرى إذا كانت هذه الديون ليست في الضروريات!
إن معظم البنوك سهلت وأغرت الناس بالاقتراض منها لتوقعهم في فخ الديون المتراكمة والمتسلسلة.
وكم سمعنا قصصًا مفجعة عند الانهيار الأسود لسوق الأسهم وكيف قامت تلك البنوك بتسييل محافظ المقترضين منها فتحول المليونير إلى مديونير في لمح البصر ويا ليت الأمر وقف عند هذا وإنما أصاب العديد بسكتات قلبية وجلطات واكتئاب وأمراض لا يعلمها إلا الله.
لذلك ابتعدوا من الاقتراض من البنوك ولا تغرنكم عروضهم المعسولة.
كثيرٌ من الناس تراه يحمِل بطاقاتِ ديون: هذه لسيّارَة، هذا لأثاث، وهذا للسَّفر، فيحمل نفسه ما لا تطيق؟ فليس الدَّين فَخرًا ولا شَرَفًا، إنما الفخرُ راحةُ الذمّة من حقوق الغير، فقد روى عقبة بن عامر صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها) قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: (الدين) رواه أحمد.
فالدَّين همٌّ وحزنٌ وذلّ وصَغار، يطأطِئ رأسَ الإنسان عندما يتوجّه المدّعون عليه، يطلبونَه حقوقَهم ولا يرحمونَه وقد يتكلمون عليه ويشهرون به.
إذًا فالمؤمنُ ينبغي أن يفكِّر عندما يريد الاقتراض من الآخرين: أوّلًا مدى ضرورة هذا الدَّين، ثم هل هو حاجة ملِحّة أم حاجَة كمَالية وحاجةُ مجاراة وحاجَة لأمورٍ لا قيمةَ لها؟ فإن يكن ذلك الدَّين ضروريًّا لك أو حاجَةً ملِحّة أنت بحاجَةٍ إليها فخذ من الدَّين قدرَ ما يغلِب على ظنِّك قُدرتَك على الوفاء به وسداده، وإلاّ فإن حمَّلتَ ذمَّتَك ما لا تطيق فقد وقعت في الحرج.
فاحذَر أن تلقى الله بحقوقِ الخَلق وما أعطَيتَهم حقَّهم، اتّق الله ونَم مُرتاحًا بتخليص ذمَّتك مِن حقوقِ الخلق، وإن اضطُرِرتَ فاكتُب وأشهِد واستوثِق واجعَل الأمرَ واضحًا لك ولمن بعدَك من ذرّيّتك؛ فإنَّ العبدَ لا يَدري متى يفاجئه الأجَلُ وفي ذمّتِه حقوق الناس.
خطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأخبَرَ عن ثوابِ المجاهدين فماذا قال؟ روى أبو قَتَادَةَ رضي الله عنه أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كَيْفَ قُلْتَ)؟ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلاَّ الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لِي ذَلِكَ) رواه مسلم.
يعني الشهادةَ في سبيل الله مع عِظمِها لا تكفِّر الدَّينَ ولا تخفِّف الدّين، فالشهيد يَلقَى الله بالشهادَةِ، ولكن دَينُ العِبادِ في ذمّته، فكيفِ بحالِنا نحن أيّها الإخوة؟! فالمطلوبُ منّا أن لا نحمِّل أنفسَنا ما لا نطيق، وأن نحذَرَ من التهاونِ بحقوق النّاسِ مهما كانت حالُها.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظِّم الدَّينَ في نفوس أصحابِه تعظيمًا عظيمًا، قال جابرُ بن عبد الله: تُوفِّيَ رجل منَّا فغسَّلناه وحنَّطناه وكفّنّاه وأتينا به النّبيَّ ليصلّيَ عليه، فخَطا خطَواتٍ ثم قال: «أعليه دَين؟» قالوا: ديناران يا رسول الله، فتأخَّرَ عنِ الصّلاةِ عليه وقال: « صَلّوا على صاحِبِكم »، فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسولَ الله، قال له النبيُّ: « برِئَت ذمّةُ الغريم وحُقَّ الدين؟ » قال: نعم يا رسول الله، فصلّى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم لقِيَ أبا قتادة في اليومِ الثاني قال: « يا أبا قتادةَ ما فعَل الديناران؟ »، قال: يا رسول الله، إنما ماتَ بالأمس! ثمّ لقِيَه اليومَ الثاني وقال: « يا أبا قتادةَ ما فعل الديناران؟ » قال: يا رسول الله، دفعتُهما لصاحبهما، قال: « الآن برَدت عليه جِلدَته »، قال ابن حجر: وفي هذا الحديث أشعار لصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة.
هكذا علَّم النبيّ أمّته؛ ليعرفوا حقوقَ العباد ولا يظلِم بعضهم بعضًا ولا يتعدَى بعضهم على بعض.
إننا نرى تساهلًا لدى كثير من الناس في سداد ديونهم، فترى البعض يماطل في السداد، بل البعض قد يماطل أو يرفض في سداد الديون التي اقترضها من الدولة كصناديق الإقراض العقاري والصناعي والزراعي وصندوق التسليف المتعدد الأغراض، بحجة أن هذا مال عام، وأن كثير من الناس لا يسددون، فهذه ليست حجة لأن الدين يبقى في الذمة.
اسمعوا معي ما جاء من تحذير لمن امتنع عن السداد، فقد روى ميمون الكردي عن أبيه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّما رجلٍ تَزَوَّجَ امرأةً على ما قَلَّ مِنَ المَهْرِ أوْ كَثُرَ، ليس في نفسِهِ أنْ يُؤَدِّيَ إليها حقَّها؛ خَدَعَها، فماتَ ولمْ يُؤَدِّ إليها حقَّها؛ لَقِيَ اللهَ يومَ القيامةِ وهوَ زَانٍ، وأيُّما رجلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا لا يُرِيدُ أنْ يُؤَدِّيَ إلى صاحِبِه حقَّهُ؛ خَدْعَةً حتى أَخَذَ مالهُ، فماتَ ولمْ يَرُدَّ إليهِ دِينَهُ؛ لَقِيَ اللهَ وهوَ سارِقٌ.
رواه الطبراني وصححه الألباني.
وروى صُهَيْبُ الْخَيْرِ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل تدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا) رواه ابن ماجه والبيهقي.
وروى عبدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ) رواه مسلم
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نُزِّلَ مِنْ التَّشْدِيدِ)؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) رواه النسائي وحسنه الألباني.
وعَنْ سَعْدِ بْنِ الأَطْوَلِ أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلاثَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ عِيَالًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهَا عَلَى عِيَالِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَخَاكَ مُحْتَبَسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَدَّيْتُ عَنْهُ إِلاَّ دِينَارَيْنِ ادَّعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ قَالَ: (فَأَعْطِهَا فَإِنَّهَا مُحِقَّةٌ) رواه ابن ماجه.
وتأملوا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ دبر كل صلاة من المغرم وهو الدين، أي كان يستعيذ من ذلك خمس مرات في اليوم، أي ألف وثمانمائة (1800) مرة في السنة، مما يدل على خطر الوقوع في الديون التي لا يقوى المرء على سدادها، بعض الناس يحاول جاهدًا أن يعيش عيشة الأغنياء المترفين حتى ولو كلفه ذلك إلى الاقتراض فوق ما يطيق، فتجده يدخل في متاهات من الديون والقروض والتقسيطات في سبيل أن تكون له سيارة فارهة، ومنزل فاخر قد يكون فوق مستواه الاجتماعي والاقتصادي، فيذل نفسه بهذه الديون حتى يعجز عن الأداء فيلجأ إلى أخذ الزكاة وينتظر إحسان المحسنين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الدين.
وليدبر كل امرئٍ نفقته على قدر رزقه، ولا ينظر إلى نفقة الأغنياء ولو كانوا أقاربه؛ فإنّ أبا ذر رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من دوني ولا أنظر إلى من فوقي.
بادر الى التخلص من ديونك قدر المستطاع بسدادها ولا تقترض إلا في الأمور الملحة، فقد روى ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلاثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ) رواه الترمذي وابن ماجه
وتذكر أن من رفض السداد في حياته أخذ من حسناته وعذب في النار، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ قُضِيَ مِنْ حَسَنَاتِهِ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ" رواه ابن ماجه
وفي رواية للطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدَّينُ دَينانِ، فمن مات و هو ينوي قضاءَه، فأنا وليُّه، و من مات و لا ينوي قضاءَه فذاك الذي يُؤخذُ من حسناتِه، ليس يومئذٍ دينارٌ و لا درهمٌ.
أذكر لكم ثلاثة أدعية تعين على سداد الديون فأحفظوها:
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ قَالَ: (قُلْ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي رواه أبو داود.
أيّها المسلم، نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الكلماتِ في دُبُر الصلاة أي: قبل أن يسلِّم، يقول في دعائه: ((اللهمّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن والعَجز والكَسَل والبُخل والجُبن وغَلَبة الدّين وقَهرِ الرجال)).
فكان يستعيذ بالله من غَلَبة الدَّين أي: من الدَّينِ الذي يغلبه ويعجزُ عن قضائِه ويلقَى اللهَ وحقوقُ العبادِ في ذمّته، فالنّبيُّ يستعيذ من ذلك لأنّ حقوقَ العباد إذا لم تُؤدَّ في الدنيا أدِّيَت يومَ القيامة من حسناتك، من صلاتك، من صيامك، من حجِّك، من بِرِّك، مِن فعلِك الخير.
حقوقُ العباد لا بدَّ من أدائها، فأدِّها في الدنيا لتبرَأَ منها ذمّتك، أدِّها في الدنيا لتسلمَ من عقوبةِ الله، أدِّها في الدنيا لتريحَ من بعدك من الوَرَثة حتى لا تؤخَذَ أموالهم من بين أيدِيهم فيعودون فقراءَ بعدما كانوا يؤمِّلون الغِنى من الله ثم ممّا خلَّفتَ.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.