أرشيف المقالات

ما يستر المصلي

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
تحقيق شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي
ما يستر المصلي

• حدثنا محمَّد بن عبدالله بن نُمير، ثنا عمرُ بن عبيد، عن سِمَاك بن حَرْبٍ، عن موسى بنِ طلحة، عن أبيه قال: كنا نصلي والدوابُّ تمرُّ بين أيدينا، فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مثل مؤخرة الرَّحْل تكون بين يَدي أحدكم، فلا يضره من مرَّ بين يديه))‏.
 
هذا حديثٌ خرَّجه مسلمٌ بلفظ: ((إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فليصلِّ، ولا يبالِ مَن مرَّ وراء ذلك))[1]، وفي العلل لعبدالرحمن، قال أبو زرعة: رواه إسحاق الأزرق، عن شَريك، عن عثمان بن موهب، عن موسى، قال: وحديث سِماك أشبَه من حديث عثمان، إلاَّ أن يكون رواه عنهما جميعًا[2].
 
• حدثنا محمد بن الصَّبَّاح، أنبأ عبدالله بنُ رجاء المكِّي، عن عُبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تُخرَج له حربةٌ في السَّفر، فيَنصِبُها، فيصلي إليها".‏
 
هذا حديثٌ خرَّجاه في صحيحيهما بزيادة: "والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء"[3]، وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يعرض راحلتَه، فيصلي إليها"، قيل لابن عمر: أفرأيتَ إذا هبتِ الرِّكاب؟ قال: "كان يأخذ الرَّحل، فيُعَدِّلُه، فيصلي إلى آخرته، وكان ابنُ عمر يفعله"[4].
 
• حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بِشر، عن عُبيدالله بنِ عمر، حدثني سعيدُ بن أبي سعيد، عن أبي سلمة[5]، عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حَصيرٌ، يبسطه[6] بالنهار، ويَحْتَجِرُه بالليل يصلي إليه"‏.‏
 
هذا حديثٌ خرَّجاه أيضًا في كتابيهما[7]، وعند النَّسائي بسندٍ صحيح: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سُترة المصلِّي، فقال: ((مثل مؤخرة الرَّحْل))[8].
 
• حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا حُميد بن الأسود، ثنا إسماعيلُ بن أمية، ح وثنا عمارُ بن خالد، ثنا سُفيان بنُ عُيَينة، عن إسماعيل بنِ أميَّة عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حُرَيثٍ، عن جدِّه حُرَيث بن سليم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلَّى أحدُكم فَلْيجعل تلقاءَ وجهِه شيئًا، فإن لم يَجد فلينصِب عصًا، فإن لم يَجِد فليخطَّ خطًّا، ثم لا يضره مَن[9] مرَّ بين يديه))‏.‏
 
هذا حديثٌ خرَّجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه[10]، وصحَّحه أيضًا الإمامُ أحمد بن حنبل، وابن المديني، فيما ذكره عبدالحقِّ[11]، ويشبه أن يكون وَهمًا؛ لما ذكره الخلاَّلُ في عِلَله، قال أحمد: الخطُّ ضعيفٌ، وأنا أرى من صلَّى في فَضاء أجزأَه، قيل له: بأيِّ حديثٍ؟ قال: بحديثٍ ليس بذاك: شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن صهيب - رجل من أهل البصرة - عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في فضاء، ليس بين يديه سُترة، ورواه الحكمُ، عن يحيى، عن ابن عباس، لم يذكر صهيبًا[12]، وقال أبو حاتم في العلل: هذا زادَ رجلاً، وهذا ينقص رجلاً، وكلاهما صحيح[13]، وزعم الدارقطني أنه رُوي عن أبي هريرة مِن طُرق، قال: ولا يصحُّ، ولا يثبت[14]، وقال ابنُ عُيينة: لم نجد شيئًا نشدُّ به هذا الحديث، ولم يَجِئ إلاَّ من هذا الوجه، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدَّث به قال: عندكم شيءٌ تشدونه به؟ وقد أشار الشافعيُّ إلى ضَعفه بقوله في سنن حرملةَ: ولا يَخُطُّ المصلي بين يديه خطًّا، إلاَّ أن يكون ذلك في حديث ثابت يتبع، قال البيهقيُّ: وإنما توقَّف الشافعيُّ في صحة الحديث؛ لاختلاف الرُّواة على إسماعيل في أبي محمد بن عمرو بن حُرَيث، قيل: هكذا، وقيل: عن أبي عمرو بن محمد بن حُريث عن جدِّه، وقيل: عن أبي عمرو بن حريثٍ عن أبيه، وقيل غيرُ ذلك، قال البيهقيُّ: ولا بأس به في مثل هذا الحكم[15]، وقال أبو داود: سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن وصف الخطِّ غير مرة، فقال: هكذا عَرضًا، مثل الهلال، قال أبو داود: سمعت مُسَدَّدًا يقول: قال ابنُ داود: الخطُّ بالطول.
 
وقال ابن عيينة: رأيت شَريكًا صلَّى بنا في جنازة العصر، فوضع قلنسُوَته بين يديه؛ يعني: في فريضةٍ حضرَت، وقال سفيان: قدِم هنا رجلٌ بعدما مات إسماعيل، فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده، فسأله عنه، فخلط عليه، وقيل لسفيان: إنهم يختلفون فيه؟ ففكَّر ساعةً، ثم قال: ما أحفظُ إلاَّ أبا محمد ابن عمرو[16]، وقال أبو بكر بن العربي: وقال قومٌ - رأسهم أحمد - بحديث أبي هريرة في الخطِّ، واختلفوا في صورةِ الخطِّ، فمنهم من قال: يكون متقوسًا كهيئة محارِبنا، ومنهم من قال: يكون طولاً من المشرق إلى المغرب، ومنهم من قال: من الشمال إلى الجنوب، وهذا الحديث لو صحَّ لقلنا به، إلاَّ أنه معلولٌ، فلا معنى للنَّصَب فيه، وقال لي أبو الوفا بنُ عَقيل، وأبو سعد البرداني[17] شيخا مذهب أحمد: كان أحمد يَرى أن ضعيف الأثر خيرٌ من قَوِيِّ النظر، انتهى.
 
وممن قال به أيضًا: الأوزاعيُّ، وسعيدُ بن جُبير، وأبو ثور، ومُسدَّد، وقال الطحاوي: أبو عمرو وجدُّه مجهولان، وفي كتاب التمهيد: قال مالك، والليث، وأبو حنيفة وأصحابه: الخطُّ ليس بشيء، وهو باطل.
 
وفي الباب: حديث سَبْرَة بن معبد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّى أحدكم، فليستتر لصلاته، ولو بِسَهمٍ))، ذكره الحاكمُ، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم[18]، وأبى ذلك ابن القطان، وردَّه بعبدالملك بن الربيع ([19])، وحديث سهل بن أبي حَثْمَة عند أبي داود: ((إذا صلَّى أحدكم إلى سترة، فليَدْنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاتَه))، وقال: رواه واقد بن محمد، عن صفوان، عن محمد بن سَهل، عن أبيه، أو عن محمد بن سهل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: عن نافع بن جُبير، عن سَهل بن سعد: وقد اختلف في إسناده[20]، وفي لفظ عنده عن سهل: "كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القِبلة ممرُّ عنزة"[21]، وعند الحاكم أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرَّحْل، ولو بدقة شعرة))[22]، وسيأتي ذكره عند مسلم أيضًا إن شاء اللهُ تعالى، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفَضْل: ثنا مسعرٌ، عن الوليد بن أبي مالك، عن أبي عبيد، انتهى به إلى أبي هريرة قال: يستر المصليَ مثلُ مؤخرة الرَّحل في مِثل جُلَّة السَّوط، قال أبو بكر: جلَّة السوط: غلظُه، وثنا سفيان، عن أبي إسحاق قال: أخبرني المهلبُ بن أبي صُفرة، قال: أخبرني مَن سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا كان بينك وبين الطريق مثل مؤخرة الرحل، لم يضرَّك مَن مر بين يديك))، وثنا أبو خلدة، قال: قلت لأبي العالية: ما يسترني؟ قال: طولُ الرَّحْل، والعرض ما عرض أحب إليَّ، وحديث أبي جُحيفة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم بالبطحاء، وبين يديه عَنَزة، الظهرَ والعصرَ ركعتين، تمرُّ بين يديه المرأةُ والحِمار"؛ رواه الشيخان في صحيحيهما[23]، وقال مالك: يُجزئ المصلي من السترة غِلظ الرُّمح والعَصا، وارتفاع ذلك قدر عَظم الذراع، ولا تفسد صلاة من صلَّى إلى غير سُترة، وإن كان مكروهًا، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة والثوري: أقلُّ السترة قدر مؤخرة الرَّحل، ويكون ارتفاعها ذراعًا، وهو قول عطاء، قال أبو عمر: وقال قتادة: ذِراعٌ وشبر، وكان الشافعي بالعراق يقول: بالخطِّ، وأبَى ذلك بمصر، قال: إلاَّ أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع، والله أعلم.



[1] صحيح مسلم (499).


[2] علل الحديث (1/ 188)، رقم (537).


[3] البخاري (494)، ومسلم (501).


[4] البخاري (507)، ومسلم (502).


[5] كذا بالأصل، وفي المطبوع: عن أبي سلمة بن عبدالرحمن.


[6] كذا بالأصل، وفي المطبوع: يُبسط.


[7] البخاري (730)، ومسلم (782).


[8] سنن النسائي (2/ 62).


[9] كذا بالأصل، وفي المطبوع: ما.


[10] الإحسان (2361).


[11] الأحكام الوسطى (1/ 345).


[12] رواه النسائي (2/ 65).


[13] علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 90) رقم (241).


[14] أورده الدارقطني في العلل (10/ 278 - 285) رقم (2010)، وتكلم على طرقه، واستفاض.


[15] البيهقي في المعرفة (3/ 191 - 192)، وفي السنن الكبرى (2/ 271).


[16] سنن أبي داود (690)، (691).


[17] ترجمه ابن الجوزي في المنتظم (5/ 49)، وهو محمد بن الحسن.


[18] المستدرك (1/ 252)، وليس في المطبوع قوله: صحيح على شرط مسلم.


[19] بيان الوهم والإيهام (4/ 138) رقم (1579).


[20] سنن أبي داود (695).


[21] سنن أبي داود (696).


[22] مستدرك الحاكم (1/ 252).


[23] البخاري (495)، ومسلم (503).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١