خطب ومحاضرات
يا فتاة
الحلقة مفرغة
لأنها الأم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فعنوان هذا الدرس: (يا فتاة)، وهو حديث خاص من نوع خاص، وله لغة خاصة، إنه حديث نخاطب فيه الفتاة، نخاطب فيه الأم المسلمة أياً كان موقعها ومكانها، وهي وإن كانت فتاة يافعة الآن فهي في المستقبل الأم، وهي البانية لهذا المجتمع، وهي أساس المجتمع، فما أن ترى رجلاً إلا ووراءه أم أو زوجة، وراءه أم رعته وربته وقادته إلى ما صار إليه، أو وراءه زوجة إما أن تكون معينة له ومناصرة له ومؤيدة، أو أن تكون خلاف ذلك وتكون عقبة في طريقه.
وهناك سؤال يفرض نفسه: لماذا الحديث إلى الفتاة؟ ولماذا نخصها بالخطاب؟
إنني أعرف أن الإجابة موجودة لدى أختنا، ولكني أقول: إننا نخاطب الفتاة لأنها أمنا، وهل خرج أحدنا للدنيا دون أم، وهل تنفس الصعداء قبل أن يعيش في بطن أمه أشهراً وبين أحضانها ثنيات من عمره وهي ترعاه وتعاهده، وحين يشب طوقه ويصلب عوده يعود به الحنين فطرة فُطر عليها، يعود به الحنين ليلتصق بشريكة حياته فالمرأة والرجل لصيقان، يبدأ حياته وتاريخه من خلالها، ويودع الدنيا كذلك.
لأن الكثير قد تحدثوا عنها فأساءوا
ثانياً: نتحدث إلى الفتاة لأن الكثير يتحدثون عنها، ويرفعون شعار نصرة قضيتها، فالأديب قد سطر شعره ونثره، والكاتب قد وظّف قلمه، والصحفي قد استنفر قواه.. فالجميع أجلبوا بخيلهم ورجلهم ما بين مفكر وعامل، ما بين متحدث وكاتب، الجميع نزلوا بثقلهم ليتحدثوا عنكِ يا فتاة، ليتحدثوا عن قضية المرأة وحقوق المرأة، ويعلو ضجيج وصخب الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، لقد سمعت يا فتاة ذاك الصوت النشاز الذي كان يفخر بقضيتكِ وبكرامتكِ وبشرع الله حين يقول:
حينما كنا صغاراً في الكتاتيب علمونا أن وجه المرأة عورة..
علمونا أن صوت المرأة عورة..
حقنونا بسخيف القول.
علمونا أن صوت المرأة من خلف ثقب الباب عورة.
وسمعت أيضاً هذا الشاعر وهو يتهكم بأعلى ما تملكين وما تعتزين به بالحجاب:
مزقيه ذات البرقع لا تخافي مزقيه مزقيه لا تبالي بأمر الدين فيه
مزقيه واسأليه واسألي الآيات مزقيه أي عار أنتِ فيه
وسمعت الآخر وهو ابن بلدك يقول ساخراً:
محجبة تريك سفور جهل ومسفرة تريك حجاب علم
ومغضية تنوء من الخطايا وشاخصة إليك بغير جرم
أرى كلتيهما فيذوب قلبي لآفات الهوى ويفور عزمي
لقد يحيا العفاف بلا حجاب ولا يحيا بلا خلق وعزم
إنها أصوات لا أشك أنكِ تسمعينها، وتقرأينها هنا وهناك، ويعلو ضجيجها، ويرتفع صخبها، وكلها تدعو إلى دعوة واحدة، وكلها تتحدث عن قضية واحدة هي قضيتكِ.
لقد زعموا أنكِ مظلومة، لقد زعموا أنكِ مهانة، زعموا أنهم يتحدثون باسمكِ، ونقلوا وكالة من دون موافقة صاحبة الشأن، ودون موافقة الوكيل، فصار الجميع يتحدث ويبدئ ويعيد في قضية المرأة.
يا فتاة.. يعلو ضجيج هذه الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح، الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، ألا يحق بعد ذلك للناصحين أن يرفعوا عقيرتهم، وينادوا بصوت مسموع رافعين الراية ليقولوا: ها هنا الطريق يا فتاة، وإياكِ وبنيات الطريق وأزقة الغفلة.
لأن الإسلام أولاها العناية والاهتمام
ثالثاً: نتحدث عن الفتاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوليها العناية والاهتمام اللائق بمقامها، ففي كل عيد يخطب فيه كان يتحدث مع الرجال ثم ينصرف إلى النساء فيحدثهن ويعظهن، وتستغل النسوة هذا الأمر، وتتطلع إلى المزيد، فتبعث إحداهن لتقول له صلى الله عليه وسلم: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا منك يوماً، فيواعدهن صلى الله عليه وسلم ويلقاهن يوماً يخصهن بحديث خاص لا شأن للرجال به.
وحين نتصفح دواوين السنة، ونقرأ ما سُطّر فيها نرى الكثير من النصوص التي توصي بحقكِ ورعايتكِ والعناية بك، ولقد كان صلى الله عليه وسلم في مجمع عظيم في حجة الوداع يجعل قضية المرأة من أهم القضايا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (الله الله في النساء، اتقوا الله في النساء).
ويجعل صلى الله عليه وسلم المرأة معياراً تقاس من خلاله خيرية الرجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) بل إن الأمر يتجاوز مجرد هذا التوجيه لنرى هديه صلى الله عليه وسلم العملي، ونرى تلك المكانة التي يوليها المرأة فيحبس صلى الله عليه وسلم جيشه ويؤخرهم لأن عقداً لزوجه عائشة قد انقطع، فيأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عائشة فينتهرها ويقول: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. ثم حين أقاموا الجمل وجدوا العقد تحته وقد فقدوا الماء، ونزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
إن آية التيمم يا فتاة والتي بعد ذلك أصبحت باباً من أبواب الفقه يتعلمه الصغير والكبير، المرأة والرجل، يتعلمه الجميع؛ كان بركة من بركة تلك المرأة الصالحة، أليس في هذا علو لشأن المرأة ورفعة لمكانتها؟
ويرتفع شأن المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أعظم من ذلك كله، فتأتي أم هانئ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فيقول صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) .
نعم يا فتاة.. هكذا كان صلى الله عليه وسلم يرفع شأن المرأة، إن كلمة هذه المرأة أصبحت نافذة على المسلمين كلهم جميعاً، فلا يجوز لهم أن يخفروا جوار هذه المرأة أو ذمتها، ويصدِّق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم وعلى هذا الأمان الذي تمنحه هذه المرأة.. أفبعد ذلك كله يحق لامرئ أن يهمل شأن المرأة ومكانتها؟
رابعاً: نتحدث عن الفتاة لأنها أم المصلحين والدعاة، أسمعتِ يا فتاة عن المصلحين والمجددين؟ أقرأتِ سير المجاهدين الصادقين؟ وهل خفيت عليكِ صفحات العلماء العاملين؟
تأملي في التاريخ وارفعي الرأس وانظري إلى سماء أمتكِ لتري هناك نجوماً تلوح في الأفق ساهمت في صياغة تاريخ الأمة وصناعة مجدها، وخطّت صفحاته البيضاء، فليس يغيب عن ناظريكِ أبداً اسم عمر بن عبد العزيز والشافعي والإمام أحمد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم، ممن حاز قصب التجديد وأخذ منه بنصيب وافر، ولن تنسي سير نور الدين الشهيد أو صلاح الدين أو الغزنوي أو غيرهم ممن حمل روحه على كفه وسار في ميدان الوغى وشعاره:
أذا العرش إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن أحن يومي سعيداً بفتية يُمسون في فج من الأرض خائف
يتغنى بها صادقاً من قلبه، وقد صفا قلبه لإخوانه أهل الإسلام، وغلا مرجله على أهل الأوثان، وها هي صفحات سيرة أبي حنيفة ومالك وأحمد والعز بن عبد السلام ، وغيرهم كثير ممن أراد الله بهم خيراً، ففقههم في الدين فساروا ينشرون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل أولئك كلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا فتاة.. كم تهزكِ هذه الأسماء هزاً، وكم تطرب أذنكِ ويتشنف سمعكِ حين تسمعين بها، لكن لا تنسي أن أولئك وغيرهم كان لكل منهم أم برة صادقة طالما دعت الله عز وجل أن يجعل ابنها قرة عين لها، وكان له شريكة حياته يسكن إليها ويطمئن إليها، وهي تقول له كل صباح: والله لا يخزيك الله أبداً، وتحتمل اللأواء معه فتصبر وتصابر وتكون خير زاد له ومعين، فإذا كنتِ أنتِ أم الدعاة وأم المصلحين، وأنتِ بعد ذلك الزوجة الوفية لهم، فيحق لنا يا فتاة أن نخاطبكِ ونخصكِ بالحديث.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فعنوان هذا الدرس: (يا فتاة)، وهو حديث خاص من نوع خاص، وله لغة خاصة، إنه حديث نخاطب فيه الفتاة، نخاطب فيه الأم المسلمة أياً كان موقعها ومكانها، وهي وإن كانت فتاة يافعة الآن فهي في المستقبل الأم، وهي البانية لهذا المجتمع، وهي أساس المجتمع، فما أن ترى رجلاً إلا ووراءه أم أو زوجة، وراءه أم رعته وربته وقادته إلى ما صار إليه، أو وراءه زوجة إما أن تكون معينة له ومناصرة له ومؤيدة، أو أن تكون خلاف ذلك وتكون عقبة في طريقه.
وهناك سؤال يفرض نفسه: لماذا الحديث إلى الفتاة؟ ولماذا نخصها بالخطاب؟
إنني أعرف أن الإجابة موجودة لدى أختنا، ولكني أقول: إننا نخاطب الفتاة لأنها أمنا، وهل خرج أحدنا للدنيا دون أم، وهل تنفس الصعداء قبل أن يعيش في بطن أمه أشهراً وبين أحضانها ثنيات من عمره وهي ترعاه وتعاهده، وحين يشب طوقه ويصلب عوده يعود به الحنين فطرة فُطر عليها، يعود به الحنين ليلتصق بشريكة حياته فالمرأة والرجل لصيقان، يبدأ حياته وتاريخه من خلالها، ويودع الدنيا كذلك.
ثانياً: نتحدث إلى الفتاة لأن الكثير يتحدثون عنها، ويرفعون شعار نصرة قضيتها، فالأديب قد سطر شعره ونثره، والكاتب قد وظّف قلمه، والصحفي قد استنفر قواه.. فالجميع أجلبوا بخيلهم ورجلهم ما بين مفكر وعامل، ما بين متحدث وكاتب، الجميع نزلوا بثقلهم ليتحدثوا عنكِ يا فتاة، ليتحدثوا عن قضية المرأة وحقوق المرأة، ويعلو ضجيج وصخب الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، لقد سمعت يا فتاة ذاك الصوت النشاز الذي كان يفخر بقضيتكِ وبكرامتكِ وبشرع الله حين يقول:
حينما كنا صغاراً في الكتاتيب علمونا أن وجه المرأة عورة..
علمونا أن صوت المرأة عورة..
حقنونا بسخيف القول.
علمونا أن صوت المرأة من خلف ثقب الباب عورة.
وسمعت أيضاً هذا الشاعر وهو يتهكم بأعلى ما تملكين وما تعتزين به بالحجاب:
مزقيه ذات البرقع لا تخافي مزقيه مزقيه لا تبالي بأمر الدين فيه
مزقيه واسأليه واسألي الآيات مزقيه أي عار أنتِ فيه
وسمعت الآخر وهو ابن بلدك يقول ساخراً:
محجبة تريك سفور جهل ومسفرة تريك حجاب علم
ومغضية تنوء من الخطايا وشاخصة إليك بغير جرم
أرى كلتيهما فيذوب قلبي لآفات الهوى ويفور عزمي
لقد يحيا العفاف بلا حجاب ولا يحيا بلا خلق وعزم
إنها أصوات لا أشك أنكِ تسمعينها، وتقرأينها هنا وهناك، ويعلو ضجيجها، ويرتفع صخبها، وكلها تدعو إلى دعوة واحدة، وكلها تتحدث عن قضية واحدة هي قضيتكِ.
لقد زعموا أنكِ مظلومة، لقد زعموا أنكِ مهانة، زعموا أنهم يتحدثون باسمكِ، ونقلوا وكالة من دون موافقة صاحبة الشأن، ودون موافقة الوكيل، فصار الجميع يتحدث ويبدئ ويعيد في قضية المرأة.
يا فتاة.. يعلو ضجيج هذه الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح، الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، ألا يحق بعد ذلك للناصحين أن يرفعوا عقيرتهم، وينادوا بصوت مسموع رافعين الراية ليقولوا: ها هنا الطريق يا فتاة، وإياكِ وبنيات الطريق وأزقة الغفلة.
ثالثاً: نتحدث عن الفتاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوليها العناية والاهتمام اللائق بمقامها، ففي كل عيد يخطب فيه كان يتحدث مع الرجال ثم ينصرف إلى النساء فيحدثهن ويعظهن، وتستغل النسوة هذا الأمر، وتتطلع إلى المزيد، فتبعث إحداهن لتقول له صلى الله عليه وسلم: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا منك يوماً، فيواعدهن صلى الله عليه وسلم ويلقاهن يوماً يخصهن بحديث خاص لا شأن للرجال به.
وحين نتصفح دواوين السنة، ونقرأ ما سُطّر فيها نرى الكثير من النصوص التي توصي بحقكِ ورعايتكِ والعناية بك، ولقد كان صلى الله عليه وسلم في مجمع عظيم في حجة الوداع يجعل قضية المرأة من أهم القضايا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (الله الله في النساء، اتقوا الله في النساء).
ويجعل صلى الله عليه وسلم المرأة معياراً تقاس من خلاله خيرية الرجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) بل إن الأمر يتجاوز مجرد هذا التوجيه لنرى هديه صلى الله عليه وسلم العملي، ونرى تلك المكانة التي يوليها المرأة فيحبس صلى الله عليه وسلم جيشه ويؤخرهم لأن عقداً لزوجه عائشة قد انقطع، فيأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عائشة فينتهرها ويقول: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. ثم حين أقاموا الجمل وجدوا العقد تحته وقد فقدوا الماء، ونزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
إن آية التيمم يا فتاة والتي بعد ذلك أصبحت باباً من أبواب الفقه يتعلمه الصغير والكبير، المرأة والرجل، يتعلمه الجميع؛ كان بركة من بركة تلك المرأة الصالحة، أليس في هذا علو لشأن المرأة ورفعة لمكانتها؟
ويرتفع شأن المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أعظم من ذلك كله، فتأتي أم هانئ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فيقول صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) .
نعم يا فتاة.. هكذا كان صلى الله عليه وسلم يرفع شأن المرأة، إن كلمة هذه المرأة أصبحت نافذة على المسلمين كلهم جميعاً، فلا يجوز لهم أن يخفروا جوار هذه المرأة أو ذمتها، ويصدِّق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم وعلى هذا الأمان الذي تمنحه هذه المرأة.. أفبعد ذلك كله يحق لامرئ أن يهمل شأن المرأة ومكانتها؟
رابعاً: نتحدث عن الفتاة لأنها أم المصلحين والدعاة، أسمعتِ يا فتاة عن المصلحين والمجددين؟ أقرأتِ سير المجاهدين الصادقين؟ وهل خفيت عليكِ صفحات العلماء العاملين؟
تأملي في التاريخ وارفعي الرأس وانظري إلى سماء أمتكِ لتري هناك نجوماً تلوح في الأفق ساهمت في صياغة تاريخ الأمة وصناعة مجدها، وخطّت صفحاته البيضاء، فليس يغيب عن ناظريكِ أبداً اسم عمر بن عبد العزيز والشافعي والإمام أحمد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم، ممن حاز قصب التجديد وأخذ منه بنصيب وافر، ولن تنسي سير نور الدين الشهيد أو صلاح الدين أو الغزنوي أو غيرهم ممن حمل روحه على كفه وسار في ميدان الوغى وشعاره:
أذا العرش إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن أحن يومي سعيداً بفتية يُمسون في فج من الأرض خائف
يتغنى بها صادقاً من قلبه، وقد صفا قلبه لإخوانه أهل الإسلام، وغلا مرجله على أهل الأوثان، وها هي صفحات سيرة أبي حنيفة ومالك وأحمد والعز بن عبد السلام ، وغيرهم كثير ممن أراد الله بهم خيراً، ففقههم في الدين فساروا ينشرون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل أولئك كلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا فتاة.. كم تهزكِ هذه الأسماء هزاً، وكم تطرب أذنكِ ويتشنف سمعكِ حين تسمعين بها، لكن لا تنسي أن أولئك وغيرهم كان لكل منهم أم برة صادقة طالما دعت الله عز وجل أن يجعل ابنها قرة عين لها، وكان له شريكة حياته يسكن إليها ويطمئن إليها، وهي تقول له كل صباح: والله لا يخزيك الله أبداً، وتحتمل اللأواء معه فتصبر وتصابر وتكون خير زاد له ومعين، فإذا كنتِ أنتِ أم الدعاة وأم المصلحين، وأنتِ بعد ذلك الزوجة الوفية لهم، فيحق لنا يا فتاة أن نخاطبكِ ونخصكِ بالحديث.
يا فتاة.. من أخاطب في هذه الرسالة؟ ولمن أتحدث؟
إني أخاطب الفتاة الحصان الرزان، الطاهرة العفيفة، فتاة ولدت من أبوين فاضلين، وعاشت في بيت محافظ تستيقظ وتنام وتغدو وتروح وهي تسمع الدعاء لها بالستر والعافية، ولكنها مع فتن العصر وصوارفه، ومع الغربة الحالكة بدأت تنظر ذات اليمين وذات الشمال، وتلتفت إلى الوراء فترفع سماعة الهاتف لتخاطب شاباً لم تعرفه إلا من كلامه، وتسهر أحياناً على فيلم ينسخ من ذاكرتها كل صور البراءة والعفة لتتراءى أمام ناظريها مظاهر السفور والعلاقة المحرمة، فتعيش في دوامة الصراع، فتسمع تارة هذا الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الارتكاس في الحمئة والتخلي عن كل معاني الفضيلة والعفة، وتسمع أحياناً أخرى الصوت الصادق يهزها من داخلها هزاً عنيفاً يقول لها: رويدكِ فهو طريق الغواية وبوابة الهلاك.
وتتصارع هذه الأصوات أمام سمعها، وتتموج هذه الأفكار في خاطرها، ولكن لمن الغلبة والنهاية؟ قد تكون الغلبة للصوت الناصح، والصوت الصادق، وقد تكون الأخرى فتزل بها القدم، وتهوي تحت ثقل داعي الشهوة والهوى، إنها تؤمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان، وتعرف الجنة والنار، وتؤمن بالحلال والحرام، لكن الصراع مع الشهوة قد رجح لغير كفتها، ومع ذلك كله فقد رُزقت أباً غافلاً قد شُغل بتجارته وعلاقاته مع أصدقائه وزملائه، وأماً بعيدة كل البعد عنها، لا يعنيها شأنها، ولا تشغلها قضيتها، ولم تعتد أن تتلقى منهم الابتسامة الصادقة، والكلمة الوادة، ولم تر منهم القلب الحنون، ولم تر منهم من يفتح ذراعيه لها، وحينئذ وجدت بغيتها وضالتها في صاحبتها.. صاحبة السوء التي تلقاها في المدرسة، وربما كانت الضالة في شاب تائه غاو ضال يغويها بمعسول الكلام.
يا فتاة.. إن كنتِ كذلك فما أجدركِ أن نخاطبكِ، وما أجدركِ أن تقدري موقفي، فأصغي لصوتي وحكّمي عقلكِ، فإن سمعتِ خيراً فحي هلا، وإن كان غير ذلك فأنتِ وما تريدين، أما إن كنتِ من أهل الصلاح والاستقامة فاسمعي ما أقول، وكوني رسول خير وترجمان صدق لمن وراءكِ..
إنني يا فتاة حين أتحدث عن هذه الظواهر فإني لستُ أخاطب كل فتاة تستمع لحديثي، سواء كانت حاضرة معي هذا المجلس، أو كانت تستمع من خلال جهاز التسجيل.. إني لا أخاطب كل فتاة على أنها على هذه الحال وهذه الصورة، فإن كانت كذلك فعلاً فإن الخطاب يعنيها بالدرجة الأولى، وإن كانت غير ذلك فلعلها أن تكون رسولة خير، ولعلها أن تساهم معنا في إبلاغ هذا الصوت والذي أصبح وللأسف صوتاً نشازاً، وقد اختفى تحت ركام الأصوات الهائلة التي تدعو الفتاة إلى الغواية، التي تدعو الفتاة إلى الضلال والانحراف، والتي صارت تتاجر بقضية المرأة وحياتها وعفتها، عفواً بل صارت تتاجر بحياء الأمة كلها وعفتها وشباب الأمة، أقول: لقد اختفت تلك الأصوات الناصحة الصادقة، لقد خفت صوتها وصارت حبيسة هذا الركام من المجلات الوافدة والمسلسلات الساقطة والأصوات التي تعلو هنا وهناك، تدعو الفتاة والشباب جميعاً إلى هذا الطريق، وتقول لهم بلسان الحال أو بلسان المقال: هيت لكم.
يا فتاة اعتدت أن تسمعي الكثير من خلال الخطبة والمحاضرة والفصل الدراسي.. اعتدت أن تسمعي الوعظ والترغيب والترهيب، وهو مسلك مطلوب ومنهج سليم، كيف لا وهو منهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج القرآن الكريم، لكني هنا سأخاطبكِ بلغة أخرى، بلغة العقل ومنطق الحوار الهادئ لا رغبة عن الوعظ والترغيب والترهيب، ولا تفضيلاً لهذه اللغة، ولكن كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينوع أسلوبه وخطابه، بل قبل ذلك كله كان هذا من هدي ومنهج القرآن الكريم في خطابه للأمة.
يا فتاة.. إنني حين أتحدث عن قضية الفتاة فلست أتحدث من فراغ، ولا أبني قصوراً في الرمال، أتحدث عن واقع رأيته ولمسته، وحدثني عنه الثقات، فقد قرأت بعيني تلك الرسالة التي سطّرتها فتاة لصديق لم يستقبلها بالأحضان واعتذر عن مبادلة القبلات، فعاشت جحيماً لا يُطاق لتكدر خاطر من كان لا يزول عنها الهم إلا بسماع صوته.
نعم قرأت تلك الرسالة التي سطّرتها أناملها لصديق السوء.
والرسالة الأخرى، والتي كانت من شاب تائه لم يدرك الأمانة ولا مسئولية العمل فيأخذ ورقة رسمية ويطبع عليها رسالة غرام بالآلة الكاتبة ليرسلها إلى صديقته.
وسمعت الرواية بسند متصل رجاله ثقات عن تلك المكالمة والتي كانت تفيض عاطفة وقد علا نشيج الفتاة، وارتفع بكاؤها وهي تسمع التهديد بالقطيعة واختيار البديل، فصاحبها يعرف عشرين فتاة غيرها، وسيختار أوفاهن له وما أبعده عن الوفاء!
إنها صور كثيرة يا فتاة، لا أظن أني مهما بلغت من الإحاطة وحفظت من النماذج.. لا أظن أني سأدرك ما تدركين، وأحيط بما تحيطين، فأنتِ تعيشين هذا العالم، ولن أثير بعد ذلك في كشف الأسرار والحديث عمّا وراء ذلك، لكني أردت أن أقول لكِ: إني لا أتحدث من فراغ.
يا فتاة.. ها أنا أتحدث عن قضايا ربما كانت فترة من الزمن في طي الخفاء، وتحت ستار الكتمان، لكنهما خياران لا ثالث لهما، أن نسدل الستار على النار وهي تدب وتشتعل، أو أن نقول الحقيقة وهي مُرة إلا أنها الخطوة الأولى للإصلاح.
يا فتاة.. إن مبدأ المبالغة واتهام الناس أن عهودهم قد مرجت، وأن خيريتهم قد ولّت، مبدأ مرفوض، ولكن أيضاً في المقابل مع هذا الواقع لا يزال هناك في الزوايا خبايا، لا يزال في الناس بقايا من خير، وإن الحديث عن الأخطاء ينبغي أن لا ينسينا هذا الواقع، وإن الحديث حين يكون حديثاً ناصحاً ينبغي أن لا يكون حديثاً عن خطأ فلان أو فلانة، فإن هذا خرق لسياج العفة في المجتمع، وإشاعة للفاحشة، ولكن مع ذلك كله أيضاً فالتغافل والتعامي وإسدال الستار على هذه الحقائق لا أظن أنه يخدم إلا الأعداء، ولا أظن أنه يهيئ إلا لذاك الجو الذي بعد ذلك يتسع فيه الخرق على الراقع، ويهول الأمر فيه على الناصح.
يا فتاة.. فلنكن صرحاء صراحة منضبطة بضوابط الشرع، وواضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفّة لتكون خطوة للتصحيح ونقلة للإصلاح، وهاهنا لن أتحدث عن الأسباب وتحليل الظاهرة، لكنها دعوة عاجلة للمراجعة وإعادة الحساب.
إن غاية ما أريد أن أقوله في هذا المجلس هي الدعوة.. هي دعوة أرفع بها صوتي، وأشجو بها لكل فتاة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تعود إلى طريق الاستقامة والصلاح، وأن تسلك الطريق التي خلقها الله عز وجل من أجله، واختارها سبحانه لتكون سائرة عليه، ولتكون أماً للأجيال.
يا فتاة.. لقد رأيته في السوق، وعند بوابة المدرسة، وسمعت صوته عبر جهاز الهاتف، وربما التقيت معه وسمعتِ الألفاظ المعسولة، والكلمات التي تسيل رقة وعاطفة مصحوبة بالأيمان المغلظة على صدق المحبة وعمق المودة، وربما كانت يده قد خطت رسالة لكِ تفيض بمعاني العشق والغرام، وربما دار في خاطركِ أن هذا زوج المستقبل.
يا فتاة.. بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الغادر، كوني منطقية مع نفسكِ واطرحي هذا السؤال.. ماذا يريد؟ ما الذي يدفعه لهذه العلاقة؟
إن الصراحة خير من دفع الثمن الباهظ في المستقبل، ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم؟ وبأي لغة يتحدث عنكِ؟
إنني أجزم يا فتاة أنكِ حين تزيحين وهم العاطفة عن تفكيركِ فستقولين وبملء صوتكِ: إن مراده هو الشهوة، والشهوة الحرام ليس إلا.
يا فتاة.. ألا تخشين الخيانة؟ أترين هذا أهلاً للثقة؟ شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خُلق أو وفاء، شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً وآخراً، أتأمنينه على نفسكِ بعد ذلك؟ لقد خان ربه ودينه وأمه، وأنتِ يا فتاة لن تكوني أعز الناس لديه، أنتِ لن تكوني إلا طعماً سرعان ما يحقق مقصوده لتبقي بعد ذلك لا سمح الله صريعة الأسى والحزن والندم.
يا فتاة.. هبي أنكِ قد بنيت علاقة مع فلان من الناس، وزادت المودة، وقويت العلاقة حتى صار خليلاً تبثينه الأشجان وتخشين لفراقه وتحزنين لوداعه، ولكن ألم تحدثي نفسكِ يوماً من الأيام بالمستقبل؟ ألم تسمعي أن هناك من ندم أشد الندم، وتمنى أنه لم يعرف فلاناً أو لم يعرف فلانة؟ ألم تسمعي أن هناك من تمنت أن فلاناً لم يمر طيفه بخاطرها وخيالها؟ من تمنت أنها لم تسمع صوته، أنها لم تخرج إلى تلك الدنيا كلها، والتي كانت سبباً في معرفته؟ وحين لا ينفع الندم في هذه الدار فقد يأتي يوماً تقولين فيه: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:28-29] .
يا فتاة.. إن الله عز وجل حكيم عليم، ما خلق شيئاً إلا لحكمة، ولا قضى قضاء إلا وفيه الخير علم ابن آدم أو جهل.
لقد شاء الله عز وجل بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة تتجاوب مع ما يثيرها لتنفجر رصيداً هائلاً من المشاعر والتي تصنع سلوكها أو توجهه، وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد، فأيُّ هيام سيبلغ بها؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبِّل شاشة التلفاز حين ترى صورته، أو أخرى تعشق صوته فتنتظره على أحر من الجمر لتشنف سمعها بحديثه، وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدا هو البلسم الشافي.
يا فتاة.. بعيداً عن تحريم ذلك وعمّا فيه من مخالفة شرعية، ماذا بقي في قلب الفتاة من حب لله ورسوله، ومن حب للصالحين بحب الله؟ ماذا بقي لتلاوة كلام الله عز وجل والتلذذ به؟ أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر، ومتى؟ في ثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، فأين هي من التلذذ بمناجاة الله عز وجل والانطراح بين يديه؟ بل أين هي من مصالح دنياها، فهي على أتم الاستعداد أن تتخلف عن الدراسة من أجل أمر واحد، هو اللقاء به، إنها على أتم الاستعداد أن تُهمل شئون منزلها من أجل مطلب تافه، هو مطلب الإفاضة في سماع صوته والحديث معه، بل وما بالها تعيش هذا الجحيم والأسى فيبقى قلبها نهباً للعواطف المتناقضة والمشاعر المتضاربة.
فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كـل حـال مخافـة فرقـة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق
إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والحب والوفاء للوالدين، إن هذه المشاعر والتي تهدر لفلان من الناس لا بد أن تكون حتماً على حساب ما يحتاجه أبناؤها، فحين تُرزق الأبناء فلن تجد بعد ذلك رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشئون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازاً.
يا فتاة.. العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف والمشاعر فتصرفيها في غير مصرفها وهي لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟
يا فتاة.. لقد خصك الله سبحانه بهذه العاطفة وهذا الحنان وهذه الرقة وهذا التجاوب مع هذه المشاعر لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، ليبقى هذا رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والأنس، ليبقى رصيداً يدر على الأبناء الصالحين حتى ينشئوا نشأة صالحة، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف لتجنين أنتِ وحدكِ الشقاء في الدنيا؟ فتارة تشتاقين إلى اللقاء، وأخرى تبكين خوف الفراق والأسى، وأخيراً تضعين يدكِ على قلبكِ خوف النهاية والفضيحة، خوف هذه النهاية المؤلمة التي أهدرتِ عواطفكِ، وأهدرتِ أعز ما تملكين من أجل أن تصلي إليها، أعرفتِ الثمن الباهض، الذي تدفعينه حين تصرفين هذه العاطفة في غير مصرفها الشرعي؟
يا فتاة.. مظهر لا أشك أنكِ ترفضينه غاية الرفض، وتمقتينه غاية المقت، إنه يمثل إهداراً لشخصيتكِ وإهانة لكرامتكِ ومقومات أنوثتك، إنه تحويل للمرأة التي كرمها الله عز وجل، وجعل لها حقاً ومنزلة وأوصى ببرها وحسن صحابتها، وربط ذلك برضاه سبحانه وتعالى، وقرن عقوقها بالشرك به وعده من أكبر الكبائر.
أي إهدار رخيص لقيمة المرأة حين تُجعل وسيلة للدعاية والإعلان لترويج السلع والمنتجات. فهل تصل قيمة المرأة والفتاة عند هؤلاء أن توضع صورتها على علبة الصابون أو المناديل؟ أو تزين بها أغلفة المجلات؟ أليس هذا وسيلة للإثارة والإغراء وترويج المطبوعة؟! ألا ترين يا فتاة أن في هذا إهانة وتحويلاً لكِ إلى مصدر للثراء ولجمع المال أيًّا كان مصدره.
لقد بدأت يا فتاة حتى أفجر الممثلات في الغرب يشعرن بسقوط المرأة أمام قدمي الرجل ونفسيته الجشعة، فقد نشرت إحدى الصحف أن ممثلة فرنسية بينما كانت تمثل مشهداً عارياً أمام الكاميرا ثارت ثورة عارمة، وصاحت في وجه الممثل والمخرج قائلة: أيها الكلاب، أنتم الرجال لا تريدون منا نحن النساء إلا أجسادنا؛ حتى تصبحوا من أصحاب الملايين على حسابنا، ثم انفجرت باكية.. لقد استيقظت فطرة هذه المرأة في لحظة واحدة على الرغم من الحياة الفاسدة التي تغرق فيها، استيقظت لتقدم الدليل القاطع على عمق المأساة التي تعيشها تلك المرأة التي قالوا عنها إنها متقدمة.
الصورة الأولى: شاب مستقيم محافظ على طاعة مولاه، قد سخَّر وقته وجهده لعبادة ربه، وأفنى شبابه في طاعته.
والثاني: شاب تائه زائغ تقيمه شهوته وتقعده.
فالأول: تعرض له الفتنة، وتبدو أمام ناظريه فيغض بصره ويعرض عنها، بل وينأى عن مواقعها، إنه كالآخرين يدعوه داعي الشهوة وتحركه العاطفة، لكنه يشعر أن عاطفته وشهوته مأسورة بإطار الشرع ومحاطة بسياجه. تحادثه الفتاة وتنبري أمامه وتسعى لإيقاعه، لكن لسان حاله يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] .
والثاني: ينهار أمام شهوته وينهزم أمامها؛ فيقضي سحابة نهاره وليله في التسكع في الأسواق، أو أمام بوابات المدارس، أو واقفاً تحت سماعة الهاتف، وربما كان يتحدث من خلال هاتف العملة فيبقى طويلاً طويلاً.. يحادث هذه الفتاة وتلك، يبحث هنا وهناك، يبحث عن الصورة الفاتنة والمجلة الساقطة.
يا فتاة.. كوني واقعية، ومنطقية واحكمي بعيداً عن العاطفة، أيهما أكثر رجولة، ومن أحق بالثناء والإعجاب، الشاب الذي ينتصر على شهوته ويستعلي على رغبته استجابة لمرضاة الله عز وجل؟ أم الآخر الذي ينهار أمام داعي الشهوة ويسعى لتحقيقها على أشلاء كل خُلق وفضيلة؟
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الباحثات عن السراب | 2597 استماع |
الشباب والاهتمامات | 2467 استماع |
وقف لله | 2329 استماع |
رمضان التجارة الرابحة | 2259 استماع |
كلانا على الخير | 2220 استماع |
يا أهل القرآن | 2195 استماع |
الطاقة المعطلة | 2124 استماع |
علم لا ينفع | 2089 استماع |
المراهقون .. الوجه الآخر | 2086 استماع |
من حق إخوتنا علينا | 2073 استماع |