عنوان الفتوى : قضاء الصلوات الباطلة للإخلال بشرط الطهارة أو النية عمدًا
السؤال
مرّت عليّ فترة وأنا لا أصلي، مع غسل غير صحيح، لم يصل فيه الماء إلى كل الجسد، وصلوات دون غسل، وصلوات ربما بنية باطلة، وأنا الآن أصلي صلوات صحيحة -والحمد لله-.
سؤالي هو: علمت أن قضاء الصلاة الفائتة دون عذر عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لا تجب، فما حكم قضاء الصلوات الباطلة بسبب الإخلال بشرط طهارة، أو نية عند شيخ الإسلام ابن تيمية؟ ومن صلّى صلاة باطلة عمدًا، وخرج وقتها، فهل تجب عليه مع التوبة الإعادة؟
الأمر الآخر: إذا اغتسل شخص، ونسي أن يغسل جزءًا من بدنه، ثم صلّى، ثم خرج الوقت، ثم تذكّر أنه نسي غسل جزء من بدنه بعد خروج وقت الصلاة، فهل يعيدها أم إنها قد خرج وقتها وكانت في ظنه صحيحة، وإن الصلاة مؤقتة بوقت خاصة؟ وهناك حديث معناه: إن لله عملًا في النهار، لا يقبله في الليل، وعملًا في الليل، لا يقبله في النهار، خاصة أن النسيان وارد على بني آدم، وهو غسل لا وضوء، وقد صلاها وكانت في ظنه صحيحة، خاصة أنه لا يأثم، وقد سألت إمام المسجد، وقال لي: إنه لا يجب إعادتها إذا خرج وقتها، طالما صليت وظنك أنك استكملت شروطها.
الأمر الثالث: في حكم من يقول بوجوب القضاء، هل يجب قضاء صلاة يومين مع كل يوم، أم يجوز لي -وهو الأيسر- أن أقضي مع كل يوم قضاء يوم؟ يعني أصلي الفجر وبعده فجر واحد لا فجران، وظهر وبعده ظهر واحد، وعصر وبعده عصر واحد وهكذا كل يوم، فهل عليّ إذا فعلت ذلك من حرج، مع أنه الأيسر؟ وهل سألقى الله كمن فرط في دَيْنه؟ وشكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمنصوص عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قوله: إن تارك الصلاة عمدًا، لا يطالب بقضائها، ولا تصح منه، جاء في الفتاوى الكبرى: وَتَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا، لَا يُشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، بَلْ يُكْثِرُ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَكَذَا الصَّوْمُ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد، وَأَتْبَاعِهِ، وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا، بَلْ يُوَافِقُهُ، «وَأَمْرُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْمُجَامِعِ بِالْقَضَاءِ» ضَعِيفٌ؛ لِعُدُولِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ. انتهى.
ولم نقف له على كلام بخصوص حكم قضاء الصلوات الباطلة؛ للإخلال بشرط الطهارة، أو النية عمدًا، لكن إن كان ذلك الإخلال عن عمد، فلا شك أنه يؤول إلى ترك الصلاة عمدًا؛ لأن الطهارة مفتاح للصلاة، ومن أخلّ بشيء منها عمدًا، فقد تعمّد ترك الصلاة بعدم الدخول فيها.
وكذلك النية، فإنه ليس للعبد من عمله إلا ما نوى، فمن لم ينوِ عمدًا، فقد ترك الصلاة عمدًا.
ومن خلال سؤالك يبدو أنك تريد الترخّص بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة.
ونحن ننبّهك إلى أن متابعة مذهب الجمهور في هذه المسألة أحوط، وأبرأ للذمة، وانظر الفتاوى: 128781، 65785، 51257.
وبخصوص سؤالك عمن صلّى صلاة باطلة عمدًا، وخرج وقتها، فهل يجب عليه مع التوبة الإعادة؟
فنقول: نعم -كما ذكرت-، تلزمه التوبة إلى الله تعالى من هذه الكبيرة العظيمة التي اقترفها، كما تلزمه الإعادة، على رأي جماهير العلماء القائلين بأن الصلوات المتروكة عمدًا دين في ذمة تاركها، فلا تبرأ ذمته إلا بقضائها، ويستوي في ذلك من تركها عمدًا، أو أخلّ بشيء من شروطها، أو أركانها.
واستدلّ الجمهور على وجوب القضاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المعذور بالنوم، والنسيان بقضاء الصلاة حين يستيقظ، أو يذكر؛ فالعامد أولى أن يلزمه القضاء.
وبخصوص قولك في أول السؤال: (صلوات دون غسل)، فمن كان جنبًا، وتعمّد الصلاة دون الغسل من الجنابة، لا يخلو من أحد حالين:
إما أن يترك الصلاة، فيكون متعرضًا لسخط الله، وعقوبته العاجلة والآجلة، ويكون مرتكبًا لكبيرة هي من أكبر الكبائر، وهي أكبر من الزنى، وشرب الخمر، وقتل النفس، بل يكون بذلك كافرًا خارجًا من الملة عند كثير من العلماء، وانظر الفتوى: 130853.
وإما أن يصلي في حال جنابته، فيكون أيضًا مرتكبًا لكبيرة من أكبر الكبائر، يعدّ بها خارجًا من الملة عند بعض العلماء، وهم الحنفية، فإنهم يقولون: إن من تعمّد الصلاة بغير طهارة يكفر بذلك -خلافًا للجمهور-، ولا تجزئه صلاته تلك بالإجماع، ولا تبرأ بها ذمته، وانظر الفتوى: 128707، ولبيان كيفية القضاء، انظر الفتوى: 70806.
وأما سؤالك عن شخص اغتسل ونسي أن يغسل جزءًا من بدنه، ثم صلّى، ثم خرج الوقت، ثم تذكر أنه نسي غسل جزء من بدنه بعد خروج وقت الصلاة، فيجب على هذا الشخص قضاء جميع الصلوات التي صلاها بذلك الغسل الناقص، لكن هذه الإعادة للصلوات هل تكون بعد إعادة جميع الغسل، أو بعد غسل الجزء المنسي من البدن فقط؟
في ذلك اختلاف بين أهل العلم، ففي الأم للشافعي: ولو ترك لمعة من جسده -تقلّ أو تكثر-، إذا احتاط أنه قد ترك من جسده شيئًا فصلى، أعاد غسل ما ترك من جسده، ثم أعاد الصلاة بعد غسله. انتهى.
وفي المدونة: قال ابن القاسم: أيّما رجل اغتسل من جنابة، أو حائض، فبقيت لمعة من أجسادهما لم يصبها الماء، أو توضأ فبقيت لمعة من مواضع الوضوء حتى صليا ومضى الوقت. قال: إن كان إنما ترك اللمعة عامدًا، أعاد الذي اغتسل غسله، والذي توضأ وضوءه، وأعادوا الصلاة. وإن كانوا إنما تركوا ذلك سهوًا، فليغسلوا تلك اللمعة، وليعيدوا الصلاة، فإن لم يغسلوا ذلك حين ذكروا ذلك، فليعيدوا الوضوء والغسل، وهو قول مالك. انتهى.
وإن لم يكن ضابطًا لعدد تلك الصلوات التي صلاها بذلك الغسل الناقص، فعليه أن يصلي ما يغلب على ظنه أن ذمته تبرأ به، وعليه الاحتياط في ذلك، وانطر الفتاوى: 137289، 93608، 60647.
وبخصوص سؤالك الأخير، فنقول: إن من ضيّع صلوات كثيرة، فإنه تجب عليه المبادرة إلى قضائها فورًا في أي ساعة من ليل أو نهار؛ خشية أن يدركه الموت قبل قضائها، وليكن أقلّ ما يقضيه في اليوم الواحد صلاة يومين، ما لم يكن ذلك يؤخره عن كسبه للنفقة على عياله، قال الدسوقي المالكي في حاشيته: فالواجب حالة وسطى، فيكفي أن يقضي في اليوم الواحد صلاة يومين فأكثر، ولا يكفي قضاء يوم في يوم، إلا إذا خشي ضياع عياله إن قضى أكثر من يوم. انتهى.
وانظر الفتاوى: 308572، 339658، 61320.
والله أعلم.