فتاوى نور على الدرب [293]


الحلقة مفرغة

السؤال: إذا كان الإنسان جنباً, وتعذر عليه استعمال الماء لشدة البرد وأراد أن يتيمم وقد نزل المطر على الأرض, فبالتالي لا يوجد غبار في هذا التراب، ومن شروط التيمم أن يكون في التراب المستعمل غبار, فماذا يفعل؟

الجواب: إذا كان الإنسان جنباً فإن عليه أن يغتسل؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] فإن كانت الليلة باردة ولا يستطيع أن يغتسل بالماء البارد فإنه يجب عليه أن يسخنه إذا كان يمكنه ذلك, فإن كان لا يمكنه أن يسخنه لعدم وجود ما يسخن به الماء فإنه في هذه الحال يتيمم عن الجنابة ويصلي؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6] وإذا تيمم عن الجنابة فإنه يكون طاهراً بذلك, ويبقى على طهارته حتى يجد الماء, فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم, قال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بالصعيد فإنه يكفيك, ثم حضر الماء بعد ذلك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماء وقال: أفرغه على نفسك ).

فدل هذا على أن المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه أن يتطهر به، سواء كان ذلك عن جنابة أو عن حدث أصغر, والمتيمم إذا تيمم عن جنابة فإنه يكون طاهراً منها حتى يحصل له جنابة أخرى أو يجد الماء, وعلى هذا فلا يعيد تيممه عن الجنابة لكل وقت, وإنما يتيمم بعد تيممه عن الجنابة، يتيمم عن الحدث الأصغر إلا أن يجنب.

وقول السائل: إنه قد نزل المطر فلم يجد تراباً فيه غبار, وأن من شرط التيمم أن يتيمم بتراب ذي غبار.

نقول: إن القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار, بل إذا تيمم على الأرض أجزأه، سواء كان فيها غبار أم لا؛ وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض فاضرب يديك على الأرض, وامسح وجهك وكفيك, وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال؛ لقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون إلى جهات ليس فيها إلا رمال, وكانت الأمطار تصيبهم, وكانوا يتيممون كما أمر الله عز وجل.

فالقول الراجح: أن الإنسان إذا تيمم على الأرض فإن تيممه صحيح، سواء كان على الأرض غبار أم لم يكن.

السؤال: هل يجوز أن أكمل الصلاة بسورة الكوثر, بمعنى أن أقرأ آية من هذه السورة الكريمة في الركعة الأولى, وأكمل في الركعة الثانية بقية الآيات, هل يصح ذلك أم يجب إكمال السورة كل ركعة؟

الجواب: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20], وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي علمه كيف يصلي: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) ولا يجب على المصلي أن يقرأ شيئاً معيناً من القرآن إلا سورة الفاتحة فإنه ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، فإذا قرأت الفاتحة وقرأت معها ما تيسر من القرآن فلا إثم عليك ولا حرج عليك, سواء قرأت آية أو آيتين أو أكثر, وسواء قرأت سورة كاملة في كل ركعة أو قسمت السورة بين الركعتين, أو قرأت أكثر من سورة في ركعة, كل هذا جائز ولا حرج عليك فيه.

السؤال: هل يشترط ستر العورة في الوضوء, بمعنى: هل يجوز الوضوء في الحمام بعد الاستحمام بدون ستر العورة, أي: قبل لبس الملابس؟

الجواب: الأفضل أن الإنسان إذا انتهى من الاغتسال يلبس ثيابه لئلا يبقى مكشوف العورة بلا حاجة, ولكن لو توضأ بعد الاغتسال من الجنابة وقبل أن يلبس ثوبه فلا حرج عليه في ذلك, ووضوءه صحيح, ولكن هذا الوضوء ينبغي أن يكون قبل أن يغتسل, فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ قبل الاغتسال, أما بعد الغسل فلا وضوء.

ولو أن الإنسان نوى الاغتسال واغتسل بدون وضوء سابق ولا لاحق أجزأه ذلك؛ لأن الله تعالى لم يوجب على الجنب إلا الطهارة بجميع البدن, حيث قال عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ولم يوجب الله تعالى وضوءاً, وعلى هذا فلو أن أحداً نوى رفع الحدث من الجنابة وانغمس في ماء في بركة أو بئر أو في البحر وهو قد نوى رفع الحدث الأكبر أجزأه ذلك, ولم يحتج إلى وضوء.

السؤال: لي صديق كثير النسيان, ويشك دائماً في أداء صلاته هل أدى الصلاة بالكامل أم لا؟ وهل قرأ التشهد أم لا؟ وهل صلى صلاته سراً أم جهراً؟ نصحته كثيراً أن يبني على اليقين ويكمل صلاته, هل يجوز له ذلك يا فضيلة الشيخ ونرجو نصحه بما فيه الكفاية؟

الجواب: هذه الشكوك والأوهام والوساوس التي ترد على الإنسان في صلاته وفي وضوئه أيضاً بل قد تنسحب على جميع تصرفاته حتى التصرفات الخاصة مع أهله وأولاده قد تنسحب هذه الأوهام والوساوس والشكوك عليها, فيكون مذبذباً في جميع تصرفاته, والطريق الوحيد إلى دفع هذه الوساوس والأوهام أن يكثر الإنسان من قراءة الأوراد الشرعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا أحس بهذه الوساوس تعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى وإن كان في صلاته, ولا يلتفت إليها, وينتهي عنها ولا تكون له على بال, وهو سوف يشق عليه الأمر في بادي الأمر, ولكن إذا استعان بالله عز وجل وصمم وعزم على ألا يلتفت إلى ذلك فإنه يزول عنه.

ونصيحتي لهذا الأخ ولغيره ممن أصيبوا بهذه المصيبة أن يفعلوا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم والانتهاء عن هذه الوساوس حتى تزول عنهم بإذن الله.

السؤال: يسأل عن كتاب عنوانه بدائع الزهور, يقول: هل ما جاء في هذا الكتاب صحيح أم فيه شيء من المبالغة؟

الجواب: هذا الكتاب فيه شيء وهو بدائع الزهور في وقائع الدهور, هذا الكتاب فيه شيء من المبالغات الكثيرة والكذب, وعلى الإنسان أن يتجنبه, وأن يبعده عن بيته حتى لا يغتر أولاده بما يقرءونه فيه, وإني أنصح هذا السائل وغيره من إخواني المسلمين أن يتحروا فيما يراجعونه من الكتب الإخبارية, بل أن يتحروا فيما يقرءونه من الكتب الإخبارية والأحكامية وأن لا يأخذوا بما كل ما يرونه, وليشاورا أهل العلم في هذه الكتب حتى لا ينخدعوا بما فيها من باطل وضعيف؛ لأن الأمر خطير جداً, لو أن كل إنسان وجد كتاباً أخبارياً أو حكمياً وأخذ بما فيه من غير أن يميّز بين الضعيف والقوي والحق والباطل لضل في ذلك ضلالاً بعيداً, وما دام العلماء والحمد لله موجودين فإنه من المتيسر أن يتصل بهم, ويسألهم عن الكتاب قبل أن يقرأه.

السؤال: هل صبغ شعر الرأس باللون الأسود محرم؟

الجواب: نعم. صبغ الرأس بالأسود محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشيب: ( غيروه، وجنبوه السواد ) وقد ورد حديث إسناده حسن يتضمن الوعيد الشديد على من صبغ شعره بالأسود, ولكن هناك بديل عنه وهو الأشقر الذي يكون بين السواد والحمرة, فيصبغ شعر رأسه ولحيته بذلك, ويستغني به عما حرمه الله عليه, وربما يكون الشعر أطيب لوناً إذا كان بين الحمرة والسواد.

السؤال: بالنسبة للمرأة عندما تقرأ القرآن مجوداً هل في ذلك شيء؟

الجواب: ليس في قراءة المرأة للقرآن مجوداً شيء من الإثم أو الحرج, والمرأة كالرجل في الأذكار والقراءة, وإن كانت تختلف عنه في الأمور التي قد تحصل بها فتنة كرفع الصوت عند الرجال ونحو ذلك, فإذا قرأت المرأة القرآن مجوداً فلا حرج عليها في ذلك, اللهم إلا أن يكون حولها رجال وتقرأ بصوت مرتفع يخشى فيه من الفتنة فإنها لا تفعل.

السؤال: توجد امرأة سبق وأن تزوجت وأنجبت طفلة, ثم تزوجت مرة أخرى من رجل آخر, وكان أبو الطفلة -أي: الزوج السابق- يدفع مصروفاً على طفلته وقدره خمسمائة ريال كل شهر, فهل يحق لأم الطفلة وزوجها الثاني التصرف في نفقة الطفلة وأخذ ما يرون منه سواء لهم أم للطفلة؟ وأريد أن أعرف من له الحق في المصروف هل هو أمها؟ وهل لها أن تأخذ من هذا المصروف لأغراضها الشخصية؟

الجواب: هذه الدراهم التي تأخذها المرأة من زوجها الأول نفقة على ابنتها منه, لا يجوز لها أن تتصرف فيها إلا في نفقة هذه البنت؛ لأن أباها لم يدفع هذه الدراهم إلا لابنته فقط, فإذا زادت هذه الدراهم على المصروفات فإنه يجب عليها أحد أمرين: إما أن تخبر والدها بذلك, وهو يأمر بما شاء, وإما أن تدخره للبنت, ولكن إخبارها والدها بذلك أولى؛ لأنه هو الولي عليها, فإذا أعطاهم خمسمائة ريال مثلاً في الشهر وزادت هذه الخمسمائة على مصروفاتها فإنه يجب أن تخبر والدها بذلك, وهو يفعل ما يراه في هذا, ولا يحل لها أن تتصرف فيه أو أن تعطيه زوجها الثاني أو أولاده أو أولادها منه أيضاً.

السؤال: في السنة الماضية قمت بأداء فريضة الحج طلباً للمغفرة وأداء ركن من أركان الإسلام, وعند طواف الوداع أحدثت أثناء الطواف وكنت أجهل في الحكم, أي: نقضت الوضوء, ووصلت حتى نهاية الطواف وصليت بعدها ركعتين في المقام, وجهلت الحكم أيضاً أو تجاهلت لكثرة الزحام, ما هو الحكم في ذلك, وماذا يجب أن أفعل؟ وهل حجي مقبول؟

الجواب: أما حجك فإنه صحيح؛ لأن طواف الوداع منفصل منه, فهو واجب مستقل؛ وعلى هذا فلا يكون في حجك نقص, ولكن إحداثك في أثناء الطواف مبطل له على قول من يرى أنه تشترط الطهارة من الحدث للطواف, وإذا كان مبطلاً له فإنك تعتبر غير طائف طواف الوداع, وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به, فقال: ( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض ).

فقوله: (خفف عن الحائض) يدل على أنه على غيرها واجب, ولو كان غير واجب لكان مخففاً عنها وعن غيرها, وقاعدة أهل العلم وعامتهم على أن من ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء, والذي فهمت من كلام السائل حيث قال: جهلت أو تجاهلت أن في مضيه في طوافه وصلاته الركعتين بعده وقد أحدث فيه تهاون في هذا الأمر نرجو الله تعالى له العفو والمغفرة, فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما صنع, وألا يعود, بل إذا حصل له حدث في أثناء الطواف فليخرج وإن كان في ذلك مشقة عليه فليحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى.

السؤال: ما حكم قص شعر المرأة, هل يباح قص شيء منه؟ وما هو القدر المباح قصه من هذا الشعر, وإذا كان لا يجوز فأرجو من فضيلتكم ذكر الدليل لنتمسك به؟

الجواب: هذا السؤال سبقت الإجابة على مثله في حلقة ماضية ولا مانع من إعادة القول فيه, فالعلماء رحمهم الله اختلفوا في قص المرأة شعر رأسها: هل هو جائز أو مكروه أو محرم؟ على ثلاثة أقوال, فمنهم من قال: إنه مباح, وقال: إن ذلك هو الأصل إلا بدليل يدل على المنع, ما لم يكن قصه على وجه يصل به إلى مشابهة رأس الرجل فإنه في هذه الحال لا شك في تحريمه, بل إنه من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال, ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء ).

ومنهم من قال: إنه مكروه؛ لأن المرأة جمالها في رأسها, ولهذا لم تؤمر بحلقه في حج ولا عمرة, وإنما المشروع في حقها أن تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة فقط, ومنهم من قال: إنه محرم, وعلل ذلك بأنه مثلة, والمرأة جمالها في رأسها, فإذا قصت صار ذلك مثلة في حقها, والتحريم يحتاج إلى دليل, بل والكراهة تحتاج إلى دليل أيضاً, وإلا فالأصل في غير العبادات الحل, كما قال بعضهم:

والأصل في الأشياء حل وامنع عبادة إلا بإذن الشارع

لكني أكره للمرأة أن تقص شعر رأسها؛ لأنني لا أحب من نسائنا أن يتلقفن كل ما يرد علينا من العادات التي ليست فيها مصلحة ظاهرة تسوغ لنا مخالفة عاداتنا, ويبقى الإنسان على شخصياته وعاداته التي لا تخالف الشرع ولا تفوت مصلحة أولى من كونه تبعاً لغيره إمعة يقول ما يقول الناس ويفعل ما يفعل الناس من غير روية.

فالذي أراه من نسائنا أن يلتزمن بالعادات التي كن عليها مالم تكن مخالفة للشرع أو يحدث عادات فيها مصلحة والتزامها لا يخل بالمروءة ولا بالدين فلا حرج من اتباعها حينئذ, لأني لا أحارب كل جديد, ولكن الجديد الذي لا مصلحة فيه والذي يقتضي أن تخرج نساؤنا عن عاداتهن بدون موجب, لا أحب أن أتبعه.