شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (أقبل رسول الله من نحو بئر جمل، فلقيه رجل...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: التيمم في الحضر.

حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم : (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) ].

وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي ، وأخرجه مسلم منقطعاً، وحديث أبي جهيم هذا وحديث عمار هما أصح ما ورد في التيمم.

قوله: (بئر جمل) موضعها، موضع الدخول بالمدينة.

قال أبو جهيم : (أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو ذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر؛ ولما كان الماء بعيداً عنه تيمم؛ لأجل أن يذكر الله، وإلا فإنه يجوز أن يرد السلام وليس على وضوء ولا حرج؛ لحديث عائشة في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، لكن هذا التطهر هو من باب الاستحبابـ والتيمم على الجدار جائز إذا كان فيه غبار.

قال النووي رحمه الله: إن حديث أبي جهيم هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، أي: ليس عنده ماء؛ فلهذا تيمم على الجدار، ووافقه الحافظ ابن حجر قال: إن هذا مقتضى صنيع البخاري .

و النووي استدل بهذا على جواز التيمم في الحضر إذا كان عادماً للماء، لكن الحافظ ابن حجر تعقبه وقال: إنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، ولم يجزه استباحة الصلاة، ما أراد استباحة الصلاة وإنما أراد به ذكر الله حتى يكون على طهر، وهذا من باب الاستحباب.

لكن بعضهم أجابوا وأخذوا من هذا أنه لما كان التيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه، فإن من خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم من طريق أولى، لكن هذا ليس بشيء، وفيه نظر، والذي يظهر أنه لابد من الوضوء في الحضر للصلاة، فإذا كان واجداً للماء فلابد أن يتوضأ، ولابد أن يأتي بشرط الطهارة، ولو خشي فوات الوقت ما دام الماء موجود؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، هذا هو الصواب، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تيمم لا ليصلي وإنما ليذكر الله، فلا يقاس عليه التيمم للصلاة؛ لأن التيمم للأمر المستحب أقل من التيمم للأمر الواجب، فلا يقاس عليه التيمم لأجل الصلاة، لكن إذا قيل: إن الماء بعيد، وإنه عادماً للماء في هذه الحالة فلا إشكال، فلو كان يريد الصلاة لتأخر حتى يصل إلى الماء ويتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام تيمم لأجل رد السلام؛ لأن هذا يفوت، والتيمم في الحضر لو فقد الماء لا مانع منه؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

والمؤلف رحمه الله استدل بهذه القصة على التيمم في الحضر، والتيمم في الحضر لا بأس به للصلاة، إذا عدم الماء، قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فيتيمم ولو في الحضر، لكن الغالب أن فقد الماء يكون في غير الحضر.

أما الاستدلال بهذا الحديث على أنه يتيمم الإنسان لخوف فوات الفريضة، أو لخوف صلاة الجماعة، أو لخوف فوات الجمعة، كما استدل به بعضهم فليس بجيد، والصواب: أنه لا يتيمم في الحضر، إذا خشي فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجنازة أو خوف فوات الوقت ما دام الماء موجوداً، لكن لو فقد الماء بالمرة وليس في المكان ماء فيتيمم؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

شرح حديث: (مر رجل على رسول الله في سكة من السكك....)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس ، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذٍ أن قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة فضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) ].

السكة هي: الشارع الصغير، ويسمى زقاقاً.

وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سكة من السكك، وقد خرج لقضاء الحاجة في البلد في شارع من الشوارع، فسلم عليه هذا الرجل فلم يرد عليه، فلما كاد أن يتوارى تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى ومسح ذراعيه ورد عليه السلام.

وفيه أنه ضرب ضربتان في هذا وأنه في البلد.

لكن هذا الحديث ضعيف جداً لا يحتج به؛ فيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف.

فلا يحتج بهذا الحديث على التيمم في الحضر مع وجود الماء، ولا يصح رفع الضربتين، بل الثقات الحفاظ رووه من فعل ابن عمر .

قال الذهبي : ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، والصواب: أنه موقوف على ابن عمر .

وكذلك قوله: (ضرب ضربتين) فالتيمم في الحضر مع وجود الماء لا يجوز.

أما الحديث السابق فإنه عادم للماء؛ لأنه أقبل من نحو بئر جمل، وبئر جمل مكان ليس بقرب المدينة، بل خارج المدينة، إذاً: ليس عنده ماء، فتيمم لرد السلام، أما هذا فكان في وسط البلد في سكة من سكك المدينة، فلا يصح هذا الحديث، ولا يصح لفظ (الضربتين).

[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم ].

أبو داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم، وهو هذا الحديث والنكارة فيه من جهتين: من جهة تيممه مع وجود الماء، ومن جهة كون التيمم ضربتين. وإنما هذا من فعل ابن عمر .

[ قال ابن داسة : قال أبو داود : لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر ].

أبو داود يقول: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين، بل تفرد بذكر الضربتين مع كونه ضعيفاً لا يحتج بحديثه، ورووه -يعني: الثقات- من فعل ابن عمر لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه موقوف على ابن عمر . ويكون هذا اجتهاد منه رضي الله عنه.

شرح حديث: (أقبل رسول الله من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر أخبرنا عبد الله بن يحيى البرلسي أخبرنا حيوة بن شريح عن ابن الهادي أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام) ].

وهذا الحديث حسن لا بأس بسنده، ومعناه معنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه رجل عند بئر جمل، وهو مكان قرب المدينة ما عنده ماء، فسلم عليه الرجل فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، عليه السلام حتى تيمم على الجدار ثم رد عليه السلام.

وفي لفظ قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، فهنا تيمم لرد السلام وليس عنده ماء، وليس فيه أنه تيمم للصلاة. فلا بأس بالتيمم في الحضر إذا فقد الماء. نعم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: التيمم في الحضر.

حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم : (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) ].

وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي ، وأخرجه مسلم منقطعاً، وحديث أبي جهيم هذا وحديث عمار هما أصح ما ورد في التيمم.

قوله: (بئر جمل) موضعها، موضع الدخول بالمدينة.

قال أبو جهيم : (أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو ذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر؛ ولما كان الماء بعيداً عنه تيمم؛ لأجل أن يذكر الله، وإلا فإنه يجوز أن يرد السلام وليس على وضوء ولا حرج؛ لحديث عائشة في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، لكن هذا التطهر هو من باب الاستحبابـ والتيمم على الجدار جائز إذا كان فيه غبار.

قال النووي رحمه الله: إن حديث أبي جهيم هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، أي: ليس عنده ماء؛ فلهذا تيمم على الجدار، ووافقه الحافظ ابن حجر قال: إن هذا مقتضى صنيع البخاري .

و النووي استدل بهذا على جواز التيمم في الحضر إذا كان عادماً للماء، لكن الحافظ ابن حجر تعقبه وقال: إنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، ولم يجزه استباحة الصلاة، ما أراد استباحة الصلاة وإنما أراد به ذكر الله حتى يكون على طهر، وهذا من باب الاستحباب.

لكن بعضهم أجابوا وأخذوا من هذا أنه لما كان التيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه، فإن من خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم من طريق أولى، لكن هذا ليس بشيء، وفيه نظر، والذي يظهر أنه لابد من الوضوء في الحضر للصلاة، فإذا كان واجداً للماء فلابد أن يتوضأ، ولابد أن يأتي بشرط الطهارة، ولو خشي فوات الوقت ما دام الماء موجود؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، هذا هو الصواب، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تيمم لا ليصلي وإنما ليذكر الله، فلا يقاس عليه التيمم للصلاة؛ لأن التيمم للأمر المستحب أقل من التيمم للأمر الواجب، فلا يقاس عليه التيمم لأجل الصلاة، لكن إذا قيل: إن الماء بعيد، وإنه عادماً للماء في هذه الحالة فلا إشكال، فلو كان يريد الصلاة لتأخر حتى يصل إلى الماء ويتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام تيمم لأجل رد السلام؛ لأن هذا يفوت، والتيمم في الحضر لو فقد الماء لا مانع منه؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

والمؤلف رحمه الله استدل بهذه القصة على التيمم في الحضر، والتيمم في الحضر لا بأس به للصلاة، إذا عدم الماء، قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فيتيمم ولو في الحضر، لكن الغالب أن فقد الماء يكون في غير الحضر.

أما الاستدلال بهذا الحديث على أنه يتيمم الإنسان لخوف فوات الفريضة، أو لخوف صلاة الجماعة، أو لخوف فوات الجمعة، كما استدل به بعضهم فليس بجيد، والصواب: أنه لا يتيمم في الحضر، إذا خشي فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجنازة أو خوف فوات الوقت ما دام الماء موجوداً، لكن لو فقد الماء بالمرة وليس في المكان ماء فيتيمم؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس ، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذٍ أن قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة فضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) ].

السكة هي: الشارع الصغير، ويسمى زقاقاً.

وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سكة من السكك، وقد خرج لقضاء الحاجة في البلد في شارع من الشوارع، فسلم عليه هذا الرجل فلم يرد عليه، فلما كاد أن يتوارى تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى ومسح ذراعيه ورد عليه السلام.

وفيه أنه ضرب ضربتان في هذا وأنه في البلد.

لكن هذا الحديث ضعيف جداً لا يحتج به؛ فيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف.

فلا يحتج بهذا الحديث على التيمم في الحضر مع وجود الماء، ولا يصح رفع الضربتين، بل الثقات الحفاظ رووه من فعل ابن عمر .

قال الذهبي : ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، والصواب: أنه موقوف على ابن عمر .

وكذلك قوله: (ضرب ضربتين) فالتيمم في الحضر مع وجود الماء لا يجوز.

أما الحديث السابق فإنه عادم للماء؛ لأنه أقبل من نحو بئر جمل، وبئر جمل مكان ليس بقرب المدينة، بل خارج المدينة، إذاً: ليس عنده ماء، فتيمم لرد السلام، أما هذا فكان في وسط البلد في سكة من سكك المدينة، فلا يصح هذا الحديث، ولا يصح لفظ (الضربتين).

[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم ].

أبو داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم، وهو هذا الحديث والنكارة فيه من جهتين: من جهة تيممه مع وجود الماء، ومن جهة كون التيمم ضربتين. وإنما هذا من فعل ابن عمر .

[ قال ابن داسة : قال أبو داود : لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر ].

أبو داود يقول: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين، بل تفرد بذكر الضربتين مع كونه ضعيفاً لا يحتج بحديثه، ورووه -يعني: الثقات- من فعل ابن عمر لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه موقوف على ابن عمر . ويكون هذا اجتهاد منه رضي الله عنه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر أخبرنا عبد الله بن يحيى البرلسي أخبرنا حيوة بن شريح عن ابن الهادي أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام) ].

وهذا الحديث حسن لا بأس بسنده، ومعناه معنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه رجل عند بئر جمل، وهو مكان قرب المدينة ما عنده ماء، فسلم عليه الرجل فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، عليه السلام حتى تيمم على الجدار ثم رد عليه السلام.

وفي لفظ قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، فهنا تيمم لرد السلام وليس عنده ماء، وليس فيه أنه تيمم للصلاة. فلا بأس بالتيمم في الحضر إذا فقد الماء. نعم.

شرح حديث (الصعيد الطيب وضوء المسلم...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: الجنب يتيمم.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد ح وحدثنا مسدد أخبرنا خالد -يعني: ابن عبد الله الواسطي - عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر ! ابد فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر ؟ فسكت، فقال: ثكلتك أمك أبا ذر ! لأمك الويل، فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعس فيه ماء، فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير) وقال: مسدد : (غنيمة من الصدقة).

قال أبو داود : حديث عمرو أتم ].

وهذا الحديث لا بأس بسنده، أخرجه النسائي والترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: صححه الدارقطني ، وقال ابن القطان : في الباب أحاديث أسانيدها صحاح.

وقول أبي ذر : (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر ! ابد فيها -يعني: اخرج إلى البادية- فبدوت إلى الربذة) يعني: خرجت إلى الربذة، وهو حوالي ثلاثة أميال من المدينة قرية.

قال أبو ذر : (فكانت تصيبني الجنابة، فأمسكت الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر ؟ فسكت، فقال: ثكلتك أمك يا أبا ذر ! لأمك الويل)، هذه الكلمات تجري على اللسان عند العرب، ولا يقصد بها حقيقتها، وقوله: (ثكلتك أمك) يعني: فقدتك أمك، وقوله: (لأمك الويل) يعني: لفقدك، والمراد بها هنا: الحث والعناية بطلب الماء.

قال: (فدعا لي بجارية سوداء فجاءت بعس -القدح- فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير)، قال مسدد : (وغنيمة من الصدقة) أي: زاد (من الصدقة) وحديث عمرو أتم، يعني: أتم من حديث مسدد .

والصعيد اختلف العلماء فيه على أقوال كثيرة، وقد ذكر الشارح أقوال متعددة، منها:

الصعيد: المرتفع من الأرض.

وقيل: الأرض المرتفع.

وقيل: الأرض المنخفضة.

وقيل: ما لم يخالطه رمل ولا سبخة.

وقيل: وجه الأرض.

وقيل: الصعيد الأرض.

وقيل: الأرض الطيبة.

وقيل: هي كل تراب طيب.

وقيل: الأرض المستوية.

وقال الشافعي : الصعيد لا يقع إلا على التراب له غبار.

الأشياء التي يتيمم بها المتيمم

اختلف العلماء بسبب اختلافهم في معنى الصعيد، ما الذي يتيمم عليه؟

فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يتمم إلا على التراب الذي له غبار.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يجزئ التيمم إذا تيمم بما صعد على وجه الأرض.

والصواب: أنه يتيمم بالتراب، فإذا وجد التراب الذي له غبار فإنه يجب عليه أن يتيمم به؛ لقوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، كلمة: (منه) يتيمم بالتراب الذي له غبار، مثل تراب الحرث والزرع، فإن لم يجد تيمم على ما تصعد على وجه الأرض، فإذا كانت الأرض ما فيها إلا رمل يتيمم على الرمل، أولم يجد إلا على أرض صخرية تيمم عليها؛ لقوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، لكن إذا وجد تراباً له غبار فإنه يتيمم على التراب الذي له غبار، فإن لم يجد تيمم على ما صعد على وجه الأرض.

قال الشارح: قلت: التحقيق في هذه المسألة: أن التراب هو المتعين لمن وجد التراب ولا يجوز بغيره؛ لأن الصعيد هو التراب فقط عند بعض أئمة اللغة، فالتيمم عليه جائزاً اتفاقاً، فكيف يترك المتيقن بالمحتمل؟ ومن لم يجد التراب فيتيمم على الرمال والأحجار ويصلي؛ لأنه مدلول الصعيد لغة عند بعض أئمة اللغة، ومن لم يجد الرمال والأحجار فيتيمم على كل ما ذكر آنفاً في تفسير الصعيد، ولا يصلي بغير التيمم، ومن لم يجد هذه كلها فيصلي بغير طهارة، والله أعلم.

وهذا كلام جيد، وهو أنه يتيمم على التراب الذي له غبار إذا وجده، فإن لم يجد إلا أرضاً رملية تيمم، فإذا وجد الأرض صخرية تيمم عليها؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإن لم يجد تراباً ولا ماءً صلى على حسب حاله كما حصل من الصحابة الذين صلوا بغير ماء ولا تراب قبل أن يشرع التيمم، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ولو إلى عشر سنين)، المراد: التكثير لا التحديد، والمعنى: أنه يتيمم حتى يجد الماء، وإن بلغت مدة عدم الماء عشر سنين، وليس معنى ذلك: أن التيمم يكفي لعشر سنين، بل المراد أنه يتيمم ويستمر حتى يجد الماء.

أثر خروج الوقت على التيمم

هل خروج الوقت يبطل به التيمم أو لا يبطل؟

الجمهور من الفقهاء على أنه يبطل، وأنه لا يصلي بالتيمم إلا فرضاً واحداً، فيصلي بالتيمم ما شاء من فروض ونوافل، فإذا خرج الوقت بطل التيمم.

وقال آخرون من أهل العلم: التيمم بالتراب قائم مقام الماء، واستدلوا بقوله في هذا الحديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم) فسماه وضوءاً.

وذهب المحققون من أهل العلم: إلى أن الإنسان له أن يصلي بالتيمم فرضين أو ثلاثة أو أربعة ما لم يحدث أو يجد الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم ولو في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، فقال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين)، فقالوا: لا يبطل التيمم إلا إذا أحدث أو وجد الماء.

والحائط إذا كان له غبار لا بأس بالتيمم به، وسبق أن الحائط إذا كان من الطين فله غبار.

وإذا وجد بعض الماء ولا يكفي يتيمم؛ فإذا كان الماء قليلاً لا يكفي فغسل وجهه وكفيه ويديه وانتهى الماء ولم يبق شيء لرجليه فإنه يتيمم، وكذلك إذا كان عليه جنابة ووجد ماءً قليلاً لا يكفي، فيستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة وإن بقي شيء غسل رأسه، وإن بقي شيء غسل شقه الأيمن، وإن لم يبق شيء تيمم للباقي.

[ حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: (دخلت في الإسلام فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر رضي الله عنه، فقال أبو ذر : إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانها -قال: حماد : وأشك في (أبوالها)- فقال أبو ذر رضي الله عنه: فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: أبو ذر ؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟ قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض؛ ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ! إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك).

قال أبو داود : رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها).

قال أبو داود : هذا ليس بصحيح، وليس في (أبوالها) إلا حديث أنس تفرد به أهل البصرة ].

وهذا هو الصواب، بأن ذكر الأبوال لم يثبت، وإنما قال: (اشرب من ألبانها)؛ ولهذا قال: وأشك في (أبوالها)، قال أبو داود : رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها)، أي: أنه ليس في الحديث ذكر (أبوالها) ولم تذكر إلا في حديث أنس ، تفرد به أهل البصرة في قصة العرنيين، وفيه أنهم لما جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم اجتووا المدينة فأمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها.

أما حديث أبي ذر فلا يثبت فيه أنه أمره بالشرب من أبوالها، وإنما قال: (اشرب من ألبانها).

وفيه دليل على أن أبا ذر كان يصلي بغير طهور، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل على أن صلاته صحيحة وأنه معذور؛ لأنه لم يبلغه الحكم، فلما أبلغه الحكم وجب عليه أن يتيمم، فدل على أن الإنسان إذا لم يعلم وكان جاهلاً فهو معذور.

وفي ذلك قصة الأعرابي الذي جاء وصلى عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتم الركوع ولا السجود، وفيها أنه قال: (والذي بعثك بالحق! لا أحسن غير هذا فعلمني)، فعلمه وأمره أن يعيد الصلاة الحاضرة، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية؛ لجهله.

والحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم، فقال له: (يا أبا ذر ! إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك)، وسماه طهوراً؛ فدل على أنه قائم مقام الماء، وقد احتج به المحققون على أنه لا يبطل التيمم بخروج الوقت؛ لأنه سماه طهوراً، وفي اللفظ الآخر سماه وضوءاً.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [25] 2607 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [10] 2231 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [20] 2121 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [6] 1989 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [7] 1969 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [4] 1889 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [14] 1847 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [9] 1780 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [19] 1771 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [3] 1750 استماع