تفسير سورة الأنبياء (2)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ * ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ * لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء:7-15].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن المشركين من كفار قريش أبوا أن يؤمنوا بوحدانية الله تعالى، ورفضوا التوحيد، ولم يعترفوا به، مع إيمانهم بالله، وأنه رب الأولين والآخرين. وقد أرادوا أن يعبدوا معه أصنامهم التي هي اللات والعزى ومناة، إلى غير ذلك.

وثانياً: أبو أن يعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأصروا على تكذيبه، وعلى عدم الاعتراف به.

وثالثاً: أبو أن يؤمنوا بأن هناك بعد هذه الحياة حياة أخرى، يتم فيها الجزاء على العمل في هذه الدنيا بالخير وغيره. وأكثر السور المكية يعالج هذه القضية واسمعوا!

قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء:7]. فلا تقولون: كيف يكون محمد رسولاً وهو يأكل ويشرب، وهو بشر؟! فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ [الأنبياء:7] يا محمد! إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء:7]. والرسالة لا تكون للنساء قطعاً، بل للرجال، ولم يبعث الله امرأة رسولاً، ولكنه يبعث الرجل نبياً ورسولاً.

فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ [الأنبياء:7] يا رسولنا! إِلَّا رِجَالًا [الأنبياء:7] فضلاء أكارم صلحاء. نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء:7] ما نريد أن يبلغوه لعبادنا، فنوحي إليهم بالشرائع والحكم؛ لتستقيم حياة البشر، ويكملوا ويسعدوا في الدنيا وفي الآخرة؛ إذ الله ليس في حاجة إلى البشر كي يوحي إليهم، ولكن من أجل أن يكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.

وبهذا رد على المشركين دعواهم أن محمداً ليس رسولاً؛ لأنه يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق.

التنبيه على سؤال أهل العلم

قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، أي: فاسألوا أهل القرآن، ومنهم علي بن أبي طالب ، فقد قال: أنا من أهل الذكر، وأبو بكر الصديق وعمر اللذان كانا في مكة يحتضنان القرآن ويقرآنه، فهم أهل الذكر.

وكذلك أهل الذكر أهل الكتب الأولى التوراة والإنجيل والزبور وجميع الكتب، وأهلها علماء اليهود والنصارى، فاسألوا من أسلم من اليهود يخبروكم بالصدق، واسألوا من أسلم من الرهبان وسوف يخبروتكم. فـ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].

وهنا لابد وأن نذكر أن طلب العلم فريضة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). فطلب العلم الشرعي الذي به نعرف الله تعالى ونعبده به؛ حتى نكمل ونسعد ضروري، فيجب أن يحصل عليه كل مؤمن ومؤمنة، والطريق هو أن نسأل أهل العلم ونتعلم، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]. فلا يبقى بيننا جاهل، بل عالمنا يُسأل فيُعلم، وجاهلنا يسأل فيتعلم، ولا يبقى مؤمن في القرية لا يعرف الله، ولا يعرف ما يحب الله، ولا ما يكره الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال، فنكون علماء.

وقال العلماء: في هذه الآية ما يدل على أن الأمي عليه أن يسأل صاحب العلم، وعليه أن يقتدي به فيما علمه، وتطمئن نفسه إلى ذلك، على شرط أن يعرف أن فلاناً من أهل العلم، وأنه قد شهد له بذلك العلماء، وقالوا: هذا عالم، فإذا علمك شيئاً فاعمل به وقلده، ولا حرج في ذلك، والحجة أن تسألوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].

قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، أي: فاسألوا أهل القرآن، ومنهم علي بن أبي طالب ، فقد قال: أنا من أهل الذكر، وأبو بكر الصديق وعمر اللذان كانا في مكة يحتضنان القرآن ويقرآنه، فهم أهل الذكر.

وكذلك أهل الذكر أهل الكتب الأولى التوراة والإنجيل والزبور وجميع الكتب، وأهلها علماء اليهود والنصارى، فاسألوا من أسلم من اليهود يخبروكم بالصدق، واسألوا من أسلم من الرهبان وسوف يخبروتكم. فـ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].

وهنا لابد وأن نذكر أن طلب العلم فريضة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). فطلب العلم الشرعي الذي به نعرف الله تعالى ونعبده به؛ حتى نكمل ونسعد ضروري، فيجب أن يحصل عليه كل مؤمن ومؤمنة، والطريق هو أن نسأل أهل العلم ونتعلم، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]. فلا يبقى بيننا جاهل، بل عالمنا يُسأل فيُعلم، وجاهلنا يسأل فيتعلم، ولا يبقى مؤمن في القرية لا يعرف الله، ولا يعرف ما يحب الله، ولا ما يكره الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال، فنكون علماء.

وقال العلماء: في هذه الآية ما يدل على أن الأمي عليه أن يسأل صاحب العلم، وعليه أن يقتدي به فيما علمه، وتطمئن نفسه إلى ذلك، على شرط أن يعرف أن فلاناً من أهل العلم، وأنه قد شهد له بذلك العلماء، وقالوا: هذا عالم، فإذا علمك شيئاً فاعمل به وقلده، ولا حرج في ذلك، والحجة أن تسألوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].

قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [الأنبياء:8]، يعني: الرسل والأنبياء، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فنحن ما جعلناهم أجساداً لا حياة فيها ولا روح، ولا يأكلون ولا يشربون، بل أجساماً تعيش على الأكل والشرب، وتتنفس الهواء، وتموت أيضاً كسائر البشر. وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [الأنبياء:8]. فأبطل ذلك التملص، وهو قولهم: لن نؤمن برجل يأكل ويشرب، وبين أن كل الرسل يأكلون ويشربون، وينامون ويمرضون، ويداوون ويصحون كسائر البشر، وأنهم ليسوا ملائكة. فالملائكة نعم لا يأكلون ولا يشربون، ولكن الرسل من جنس الناس، فهم بشر مثلهم. وقد اختاره الله لكونه بشراً حتى يعلمكم، وتفهموا عنه، ولو أرسل جناً إليهم أو ملكاً لقالوا: ما فهمنا عنه، فهو ليس منا، فلم نفهم عنه ما يقول، ووالله لقالوا هذا، فمع أنه منهم ولم يؤمنوا به فكذلك لو كان من الجن أو من الملائكة؛ لأنهم مصرون على باطلهم الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، ولا يريدون أن يتخلوا عنه أبداً، ولكن لطف الله ورحمته بعباده شيئاً فشيئاً، فآمنوا كلهم إلا ما شاء الله.

فقال تعالى: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [الأنبياء:8] لا يموتون بل يموتون. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدهم مات ودفن في حجرته في بيت عائشة رضي الله عنها.

قال تعالى: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ [الأنبياء:9]، أي: صدقنا أنبياءنا ورسلنا الذين بعثناهم إلى الأمم، فقد صدقناهم ما وعدناهم به من إنجائهم وإهلاك أعدائهم، وكذلك كان.

فقوله تعالى: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ [الأنبياء:9] أي: الذي واعدناهم به، وهو نصرة أنبيائه وإهلاك أعدائه. فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ [الأنبياء:9]، أي: ممن آمن واتبع رسوله، ومشى معه. وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [الأنبياء:9].

وهنا لطيفة أو لفتة: الإسراف: مجاوزة الحد، فالإسراف في كل شيء هو: الغلو فيه ومجاوزة الحد فيه. وفلان يسرف في أكله وفي شربه أي: يكثر، وفلان يسرف في نفقته أي: يبالغ فيها ويتجاوز الحد، وفلان يسرف في قوله أي: يصرخ، فالإسراف: مجاوزة الحد. والمراد بهم: المشركون والكافرون، والفاسقون والمجرمون. فقد قال تعالى: وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [الأنبياء:9]. وإلى الآن المسرفون يهلكون، ويهلكهم الله عز وجل. والمقصود هنا: الإسراف في الظلم، فهم يطغون، ويظلمون ظلماً لا حد له في الفساد، ويتجاوزون الحد في الشر وفي الخبث، فيهلكهم الله بما شاء بعد أن استوجبوا ذلك. فلنحذر الإسراف نحن المؤمنون، ونحمد الله، فإذا أكلنا فلنأكل بقدر حاجتنا، وإن شربنا فكذلك، وإن لبسنا كذلك، وإن سكنا كذلك، وإن ركبنا كذلك، بلا إسراف، إن الله لا يحب المسرفين، ولو كان مؤمناً موحداً، فإنه إذا كان مسرفاً فالله لا يحب المسرفين.

فالقصد القصد! والاعتدال الاعتدال! فلا غلو ولا إسراف ولا تفريط. فهذا هو وصف المؤمنين السابقين، وحسبنا أن الله يكره ولا يحب المسرفين، فلا نسرف في القول ونتجاوز الحد، ولا نسرف في المدح بأن نمدح الشخص حتى ونجعله كالإله.

فالإسراف معاشر المستمعين والمستمعات! منهي محرم، والله لا يحب أهله، سواء كان الإسراف في الكفر أو في الفسق، أو في الفجور أو في الإنفاق والعطاء، وما إلى ذلك؛ لقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141].

وقوله تعالى: وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [الأنبياء:9]، أي: ونجينا المؤمنين مع رسلهم، وأهلكنا المسرفين في الظلم والشرك، والكفر والباطل.

قال تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ [الأنبياء:10]. وهو كذلك يخاطب العرب والعجم، ويخاطب أهل مكة أولاً بقوله: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ [الأنبياء:10] يا أهل مكة! ويا كفار قريش! ويا عرب! ويا عجم! لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا [الأنبياء:10] عظيماً ضخماً لا يقادر قدره، ولا يعرف أبداً مستواه، ألا وهو القرآن الكريم.

ثم قال تعالى: فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء:10]. فالذكر ما تذكرون به ربكم، فالذي يأخذ في قراءة القرآن لا يذكر الله، ويذكر محابه ومساخطه، ويذكر حدوده، ويذكر كل شيء، ولهذا القرآن هو الذكر، كما قال تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]. فالقرآن ذكر، فبمجرد ما تقول: بسم الله ذكرت الله، ولو قرأت طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [الشعراء:1-2]. فقد ذكرت. فالقرآن ذكر، وهو في نفس الوقت شرف لأصحابه، فالقرآن ذكر وشرف.

فقوله: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء:10]، أي: شرفكم، والعرب ما سادوا وعزوا إلا بالقرآن، وأصبحت أمة الإسلام ممتدة من أقصى الشرق إلى الغرب بالقرآن الكريم. والعرب بالذات ذكرهم الله في القرآن؛ لأنه لغتهم، فكان يقرأه العربي الذي يعرف اللغة، فيعرف أن هذا كلام الله، وصدق الله العظيم في هذه المنة العظيمة عندما قال: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]؟ فلا يذهب عقولكم، وفكروا وتتدبروا وستعرفون هذا. وهذا الكتاب لم ينزل على جبل الصفا، بل نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو رسول الله، وهو الذي أنزل عليه هذا الكتاب الذي فيه ذكرنا، وشرفنا وعزتنا وكمالنا، فلا نقول: لا، ليس برسول؛ من أجل أن لا نمشي وراءه، ونجلس متعنترين نقول ما نشاء ونفعل ما نريد؛ لأننا لا نريد طاعة الله ورسوله.

قال تعالى: وَكَمْ [الأنبياء:11] أي: عدد لا حد له في الحد، قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]. والقرى هي: المدن والحارات. وقد عرف أهل القرآن هذا، وكلمة القرية في اصطلاح الجغرافيين المعاصرين هي: البلد الصغير، وفي اصطلاح القرآن وكتاب الله هي: المدينة الكبيرة التي تجمعت فيها الأمة واجتمعت فيها. فالقرية جمع قرى.

والله يقول: وَكَمْ [الأنبياء:11]، أي: كثيراً، فكم للتكثير. قَصَمْنَا [الأنبياء:11]، أي: قسمنا وقطعنا وأهلكنا ودمرنا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11]، أي: كان أهلها ظالمين في الشرق والغرب، وبلاد العرب وبلاد العجم، فهذا تاريخ البشرية من نوح عليه السلام إلى يومنا هذا.

وقوله: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11]. والقرية لا تظلم، وإنما أهلها هم الظالمون. ومعنى ظالمون أي: مشركون كافرون فاسقون فاجرون.

معنى الظلم ومثاله

الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.

ومن الظلم: أن يقف أحدكم الآن ويدخل أصبعيه في أذنيه ويقول: يا ليلى! ويغني. فهذا ظلم؛ لأنه وضع هذا الشيء في غير موضعه. وكذلك لو فرش سجادة ونام في الشارع فهو ظالم؛ لأن الشارع ليس موضع النوم، فهو ظالم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه.

وكذلك لو يقول: إبليس عبد الله ولم يقل: لعنة الله عليه فقد وضع الشيء في غير موضعه. وكذلك الشرك بالله الذي هو عبادة غير الله في العبادة التي نعبد الله؛ لأننا نحرم الله منها، ونعطيها لغيره من مخلوقاته، فهذا من وضع الشيء في غير موضعه. هذا أظهر ما يكون، ولهذا كلمة الظلم في القرآن أغلبها بمعنى الشرك، كما قال تعالى: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

إذاً: معاشر المستمعين والمستمعات! الشرك هو: أن يعبد المخلوق بما يعبد به الخالق. وهذه كلمة موجزة، وهي: أن يعبد المخلوق بما يعبد به الخالق. فهذا هو الشرك.

ومن ذلك: الحلف، فأنتم تحلفون يرحمكم الله بالله، فلو حلفت برأس فلان أو بعزة فلان، أو بالطعام أو بالملح الذي بينك وبين فلان كما يفعل العوام فهذا والله شرك. ووجه الشرك فيه: أنك بدلاً أن تقول: بالله العلي العظيم أو بالله الذي لا إله غيره أو والذي النفس بيده تقول: ورأس فلان. وهذا وضع للعبادة في غير موضعها. فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله، ومن تعود ومرت عليه السنين وهو يحلف بغير الله وبلغه الآن بواسطتكم أنه لا يحل أبداً أن يحلف بغير الله، وأن من حلف بغير الله فهو مشرك ثم مات على الشرك لم ينحوا أبداً. ولو قال: إنه يجري على لساني؛ لأني ألفت هذا واعتدته فنقول له: لقد حل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة عندما أسلم الناس، فقد أسلم هذا منذ أسبوع، وهذا منذ سنة، وهذا منذ شهرين، وهذا من ثلاثة، ولم يدخلوا في يوم واحد، ولا في عام واحد، فكان الذي عاش طول عمره يحلف: والعزى كلما يريد أن يحلف قال: والعزى أو اللات، وهو لا يريد أن يحلف هكذا، ولكنه كان يجري على لسانه، فحل له الرسول صلى الله عليه وسلم المشكلة بأن يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله، فلو قال: ورأسك فعليه أن يقول: لا إله إلا الله، ولو قال: والكعبة فليقل: لا إله إلا الله، ولو قال: وحق فلان فليقل: لا إله إلا الله، ولو قال: والنبي فليقل: لا إله إلا الله. فبمجرد ما يشعر أنه حلف بغير الله فيمحو هذا الإثم بقوله: لا إله إلا الله. وهذا من إصلاح رسول الله وهدايته لأمته. ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

عاقبة الظلم

قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11] هي: مدينة عاد، وهي أكبر مدينة وجدت في التاريخ البشري، فقد كانت أعمدتها تصل إلى السحاب، واقرءوا إن شئتم في سورة الفجر: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]. فإرم ذات العماد هي أكبر مدينة في العالم، وكذلك مدائن ثمود ومدين، وفرعون والمؤتفكات، وهذه القرى والعواصم كلها أبيدت وأهلكت، كما قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11]، أي: ظالمة لربها ولعباده ولنفسها، فقد ظلموا الله بأن تجاهلوه ولم يعرفوه، بل عرفوا غيره وعبدوا سواه، فظلموا أنفسهم وعرضوها لسخط الله وغضبه، وظلموا الناس أيضاً، وأكلوا أموالهم، وانتهكوا أعراضهم؛ لأنهم لا دين يعصمهم، ولا عقل يردهم، فهم كالبهائم.

ثم قال تعالى: وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]. فإذا أبيدت الأمة يحيي الله تلك الأرض بأمة أخرى يعيشون. فمعنى الآية: وأنشأنا بعد تلك الأمة التي أهلكناها قوماً آخرين أيضاً ليعبدوننا، فإن رفضوا العبادة أهلكناهم أيضاً، وهكذا سنة الله في الخلق. وقد انتهت هذه السنة فقط ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الأمم الأولى كلها إذا أتى أمة منها رسول ورفضت الدعوة يهلكها الله عز وجل، ثم انقطعت هذه السنة عن البشرية من عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى له: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. ولو مشى أصحاب رسول الله إلى الهند أو إلى السند أو إلى أي مكان وبلغوهم وقبلوا الدعوة لم يهلكهم الله، وهاهم إلى الآن لم يهلكهم الله.

ولو أرسلنا إلى الصين أو إلى اليابان أو إلى غيرهم بأن يدخلوا في الإسلام ورفضوا وكفروا لم يهلكهم الله ولم يبيدهم؛ لأن رسالة محمد رسالة رحمة.

وهنا لطيفة ذكرني بها أحد الأبناء بالأمس -وقد قلناها ونسيناها- وهي: أن السر والله أعلم في أن يكتفي الله بمحمد في إرساله البشرية كلها، وقد كان ما من أمة إلا ويرسل فيها رسولاً، وما من مدينة إلا وفيها رسول: أن الله علم أن يوماً سيكون وسيوجد تصبح البشرية كأنها قرية واحدة، وقد تم هذا، فالآن يؤذن المؤذن في مكة ويُسمع في أمريكا وفي الصين. فالآن البشرية كلها تجتمع في أي مكان، وكأنهم قرية واحدة، فليس هناك حاجة إلى أن يبعث في كل إقليم رسولاً ونبياً؛ لعلمه تعالى أن رسالته ستبلغ الأبيض والأسود في العالم وقد تم هذا تم.

الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.

ومن الظلم: أن يقف أحدكم الآن ويدخل أصبعيه في أذنيه ويقول: يا ليلى! ويغني. فهذا ظلم؛ لأنه وضع هذا الشيء في غير موضعه. وكذلك لو فرش سجادة ونام في الشارع فهو ظالم؛ لأن الشارع ليس موضع النوم، فهو ظالم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه.

وكذلك لو يقول: إبليس عبد الله ولم يقل: لعنة الله عليه فقد وضع الشيء في غير موضعه. وكذلك الشرك بالله الذي هو عبادة غير الله في العبادة التي نعبد الله؛ لأننا نحرم الله منها، ونعطيها لغيره من مخلوقاته، فهذا من وضع الشيء في غير موضعه. هذا أظهر ما يكون، ولهذا كلمة الظلم في القرآن أغلبها بمعنى الشرك، كما قال تعالى: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

إذاً: معاشر المستمعين والمستمعات! الشرك هو: أن يعبد المخلوق بما يعبد به الخالق. وهذه كلمة موجزة، وهي: أن يعبد المخلوق بما يعبد به الخالق. فهذا هو الشرك.

ومن ذلك: الحلف، فأنتم تحلفون يرحمكم الله بالله، فلو حلفت برأس فلان أو بعزة فلان، أو بالطعام أو بالملح الذي بينك وبين فلان كما يفعل العوام فهذا والله شرك. ووجه الشرك فيه: أنك بدلاً أن تقول: بالله العلي العظيم أو بالله الذي لا إله غيره أو والذي النفس بيده تقول: ورأس فلان. وهذا وضع للعبادة في غير موضعها. فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله، ومن تعود ومرت عليه السنين وهو يحلف بغير الله وبلغه الآن بواسطتكم أنه لا يحل أبداً أن يحلف بغير الله، وأن من حلف بغير الله فهو مشرك ثم مات على الشرك لم ينحوا أبداً. ولو قال: إنه يجري على لساني؛ لأني ألفت هذا واعتدته فنقول له: لقد حل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة عندما أسلم الناس، فقد أسلم هذا منذ أسبوع، وهذا منذ سنة، وهذا منذ شهرين، وهذا من ثلاثة، ولم يدخلوا في يوم واحد، ولا في عام واحد، فكان الذي عاش طول عمره يحلف: والعزى كلما يريد أن يحلف قال: والعزى أو اللات، وهو لا يريد أن يحلف هكذا، ولكنه كان يجري على لسانه، فحل له الرسول صلى الله عليه وسلم المشكلة بأن يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله، فلو قال: ورأسك فعليه أن يقول: لا إله إلا الله، ولو قال: والكعبة فليقل: لا إله إلا الله، ولو قال: وحق فلان فليقل: لا إله إلا الله، ولو قال: والنبي فليقل: لا إله إلا الله. فبمجرد ما يشعر أنه حلف بغير الله فيمحو هذا الإثم بقوله: لا إله إلا الله. وهذا من إصلاح رسول الله وهدايته لأمته. ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11] هي: مدينة عاد، وهي أكبر مدينة وجدت في التاريخ البشري، فقد كانت أعمدتها تصل إلى السحاب، واقرءوا إن شئتم في سورة الفجر: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]. فإرم ذات العماد هي أكبر مدينة في العالم، وكذلك مدائن ثمود ومدين، وفرعون والمؤتفكات، وهذه القرى والعواصم كلها أبيدت وأهلكت، كما قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء:11]، أي: ظالمة لربها ولعباده ولنفسها، فقد ظلموا الله بأن تجاهلوه ولم يعرفوه، بل عرفوا غيره وعبدوا سواه، فظلموا أنفسهم وعرضوها لسخط الله وغضبه، وظلموا الناس أيضاً، وأكلوا أموالهم، وانتهكوا أعراضهم؛ لأنهم لا دين يعصمهم، ولا عقل يردهم، فهم كالبهائم.

ثم قال تعالى: وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]. فإذا أبيدت الأمة يحيي الله تلك الأرض بأمة أخرى يعيشون. فمعنى الآية: وأنشأنا بعد تلك الأمة التي أهلكناها قوماً آخرين أيضاً ليعبدوننا، فإن رفضوا العبادة أهلكناهم أيضاً، وهكذا سنة الله في الخلق. وقد انتهت هذه السنة فقط ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الأمم الأولى كلها إذا أتى أمة منها رسول ورفضت الدعوة يهلكها الله عز وجل، ثم انقطعت هذه السنة عن البشرية من عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى له: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. ولو مشى أصحاب رسول الله إلى الهند أو إلى السند أو إلى أي مكان وبلغوهم وقبلوا الدعوة لم يهلكهم الله، وهاهم إلى الآن لم يهلكهم الله.

ولو أرسلنا إلى الصين أو إلى اليابان أو إلى غيرهم بأن يدخلوا في الإسلام ورفضوا وكفروا لم يهلكهم الله ولم يبيدهم؛ لأن رسالة محمد رسالة رحمة.

وهنا لطيفة ذكرني بها أحد الأبناء بالأمس -وقد قلناها ونسيناها- وهي: أن السر والله أعلم في أن يكتفي الله بمحمد في إرساله البشرية كلها، وقد كان ما من أمة إلا ويرسل فيها رسولاً، وما من مدينة إلا وفيها رسول: أن الله علم أن يوماً سيكون وسيوجد تصبح البشرية كأنها قرية واحدة، وقد تم هذا، فالآن يؤذن المؤذن في مكة ويُسمع في أمريكا وفي الصين. فالآن البشرية كلها تجتمع في أي مكان، وكأنهم قرية واحدة، فليس هناك حاجة إلى أن يبعث في كل إقليم رسولاً ونبياً؛ لعلمه تعالى أن رسالته ستبلغ الأبيض والأسود في العالم وقد تم هذا تم.

قال تعالى للهالكين: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا [الأنبياء:12] من سحب وعواصف ورياح وتزلزل الأرض لما جاء العذاب بدعوة الرسول لإهلاكهم، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا [الأنبياء:12] أي: وأنه عذاب شديد إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ [الأنبياء:12]، أي: إذا هم يركضون من قراهم ومدينتهم هاربين تائهين في الأرض. وتقول لهم الملائكة ساخرة بهم مستهزئة: لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ [الأنبياء:13] وعماراتكم. فالملائكة تقول لهم لما يشردون من الزلازل والصواعق والعذاب ويهربون: تقول لهم الملائكة: ارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ [الأنبياء:13] من طعامكم وشرابكم، ونكاحكم وأموالكم ولباسكم، وَمَسَاكِنِكُمْ [الأنبياء:13]. فهيا ارجعوا، ولا تهربوا وتشردوا. وهذا من باب التوبيخ والتقريع.

وهنا لطيفة: قالت العلماء: إذا الله أهلك أمة ظالمة وبلغنا نزول البلاء بها فلا بأس أن نسخر منهم كما سخرت الملائكة من هؤلاء. فلو يصاب الروس الآن بفتنة فنضحك ونسخر ونقول: هذا جزاؤهم. وقد قال تعالى في الآية الكريمة: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا [الأنبياء:12]، أي: من تلك المدينة يَرْكُضُونَ [الأنبياء:12]. والركض: الجري.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة المؤمنون (7) 3891 استماع
تفسير سورة المؤمنون (10) 3742 استماع
تفسير سورة الحج (11) 3654 استماع
تفسير سورة النور (12) 3646 استماع
تفسير سورة الأنبياء (9) 3504 استماع
تفسير سورة الأنبياء (5) 3492 استماع
تفسير سورة الأنبياء (14) 3491 استماع
تفسير سورة الأنبياء (15) 3416 استماع
تفسير سورة المؤمنون (6) 3340 استماع
تفسير سورة الحج (17) 3192 استماع