الأحاديث المعلة في الطهارة [25]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأول أحاديث هذا اليوم هو حديث قيس بن عاصم: ( أنه أسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل )، هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم من حديث سفيان عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث قد وقع فيه اختلاف على سفيان الثوري، وذلك أنه قد رواه جماعة عن سفيان، رواه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح ومحمد بن كثير العبدي وأبو عاصم وغيرهم، كلهم عن سفيان بهذا يعني من حديث قيس بن عاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرويه عنه خليفة بن حصين عن جده، ولم يذكر في ذلك الواسطة.

واختلف في هذا على وكيع بن الجراح في روايته عن سفيان، فرواه وكيع بن الجراح كما عند الإمام أحمد في كتابه المسند، فرواه عن سفيان به، وجعله من حديث خليفة بن حصين عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والاختلاف بين الإسناد الثاني والإسناد الأول أن الأول كان من حديث خليفة بن حصين عن جده، والثاني من حديث خليفة بن حصين عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أباه، وذكر أبيه هنا في هذا الحديث منكر، والصواب أنه عن جده، وهذا الذي يميل إلى ترجيحه جماعة، وهو الذي عليه سائر الرواة في رواية هذا الحديث عن سفيان الثوري .

وإن كان قد توبع وكيع على روايته هذه كما جاء في حديث عقبة بن قبيصة عند الطبراني فقد رواه عن سفيان عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المتابعة فيها نظر، وذكر أبيه هنا كما تقدم فيه نظر، والصواب في ذلك أنه عن جده.

وهذا الحديث بكلا الوجهين منكر، أولاً بالنسبة للوجه الأول وهو روايته عن جده فإن خليفة بن حصين لم يسمع من جده قيس بن عاصم، وقيس بن عاصم صحابي جليل، وخليفة بن حصين ليس له سماع منه، كما نص على ذلك غير واحد من الحفاظ.

أما بالنسبة للطريق الأخرى وهي رواية خليفة بن حصين عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو خليفة وهو حصين بن قيس بن عاصم مجهول لا يعرف، وحديثه هذا تفرد به خليفة بن حصين، وإن كان خليفة بن حصين ممن يحتج به إلا أن تفرده بهذه الرواية عن أبيه أو عن جده مما يدل على أن في هذا الحديث نظر، وهذا الحكم مما يحتاج إليه، ومعنى الحاجة إليه فإن الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلهم كانوا على كفر ثم دخلوا الإسلام، وأما من ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بلغ فهؤلاء عددهم قليل بالنسبة لمن أسلم معه، وهذا معلوم، ولما لم ينقل ذلك دل على عدم ثبوته.

ومعلوم أن الإنسان في حال تحوله من شيء إلى شيء فإنه يحفظ أول ما يؤمر به، وما يتوجه إليه الخطاب، بخلاف ما كان بعد ذلك، وهذه أمور تدرك بالنظر، فإن الإنسان إذا تحول من إسلام إلى كفر وأُمر بأشياء فإنه يضبط الأول بخلاف الأوسط مما يؤمر به بعد سنة أو سنتين، وبخلاف الإنسان مثلاً إذا كان ما يؤمر به في آخر عهده ونحو ذلك فالنفوس في هذا تفتر، وهذا أمر معلوم، ولما لم ينقل دل ذلك على نكارته وعدم ثبوته.

وقد جاء في ذلك أيضاً جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني في اغتسال الكافر بعد إسلامه على سبيل الوجوب، ويأتي الكلام عليها.

ومما يدل على نكارة هذا الحديث وهو حديث قيس بن عاصم أن هذا الحديث قد تنكب إخراجه البخاري ومسلم، والبخاري ومسلم هما من أئمة الرواية والدراية، وقد قصدا إخراج ما تمس الحاجة إليه من أصول الإسلام، ومعلوم أن ما كان شرطاً لعبادة معلومة من دين الإسلام بالضرورة فإن ذلك الشرط يكون مما يجب أن يعلم من دين الإسلام بالضرورة، وما كان في أركان الإسلام الخمسة كالصلاة فإن الشروط إليها المجمع عليها يجب أن تكون واردة بطرق متواترة، ونواقض هذه الشروط يجب أن تعلم على ذلك النحو.

والعلماء لا يفرقون بين الوسيلة والغاية وما كان من الأصول الكلية، فالذي يجحد الوضوء كمن جحد الصلاة، وليس لأحد أن يقول: إني أؤمن بالصلوات الخمس بأركانها وواجباتها، ولكني لا أوجب الوضوء لها فهذا لا يقبل منه ذلك، بل يقال: إنك مرتد ولو أقررت بالصلوات الخمس؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهارة، فمن نفى الطهارة فإنه نفى الصلاة ضرورة، وهذا أمر محل اتفاق عند العلماء فيه.

ولهذا نقول: إن المواضع التي وقع فيها خلاف عند العلماء إنما وهن القول بها في وجوب الوضوء باعتبار دنو الأحاديث عن الوصول إلى درجة الأصل، والعلماء من جهة ثبوت أمثال النواقض ونحو ذلك للوضوء ينظرون إليها من جهة درجة الأحاديث الواردة في ثبوت الوضوء، يقولون: لابد أن تقترن من جهة القوة أو تقاربها حتى تكون على درجة في الصحة.

كذلك أيضاً بالنسبة للطهارة بالصلاة، فالصلاة قد ثبتت بأحاديث متواترة وجب أن يكون الوضوء قد ثبت بالتواتر، وهكذا، وأن تكون الشروط أيضاً والنواقض التي يصح فيها الوضوء ينبغي أن تكون مقاربة للوضوء، وهكذا على سبيل التدرج، وهذا ينبغي أن ينظر إليه في أبواب العلل.

والحديث الثاني في هذا: حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى في قصة ثمامة بن أثال الحنفي عليه رضوان الله، وهو صحابي جليل، لما أسلم، وقصته معروفة، وقد جاءت في المسند وغيره ( أنه لما أسره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي به فربط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فمر به النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال ثمامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن ترد المال نعطك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما بدا منه الإسلام: أطلقوه، فأطلقوه فذهب إلى حائط أبي طلحة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل )، وهذا الحديث أعني حديث ثمامة تفرد بروايته بهذا الوجه سعيد، يرويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد المقبري تفرد به عنه بذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاغتسال اثنان:

أولهما: عبيد الله بن عمر العمري، وثانيهما: عبد الله بن عمر العمري أخوه، وهذا الحديث قد رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف عن الأخوين عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر العمري كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تفرد بذكر أمر الاغتسال هؤلاء، وقد جاء عنهما من وجوه متعددة يرويه عبد الرزاق ويرويه عبد الرحمن بن مهدي وغيرهم.

وجاء هذا الحديث تارة عن عبد الله بن عمر العمري عن سعيد المقبري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يأتي مقروناً بأخيه عبيد الله.

وهذا الحديث قد تفرد بذكر الأمر فيه، وقد جاء في الصحيح قصة ثمامة وليس فيها ذكر الأمر، قد رواه البخاري ومسلم من حديث الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وليس فيه الأمر، وجاء عند الإمام مسلم من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وجاء أيضاً من حديث محمد بن إسحاق كما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند يرويه محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، ووقع فيه اختلاف تارة يرويه محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وتارة يرويه محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولا يذكر في ذلك أباه، والصواب في ذلك أنه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وليس عن أبيه، وذكر أبيه في هذا الحديث فيه نظر، فهو منكر كما نص على ذلك غير واحد من الحفاظ كـالدارقطني وغيره.

وهذا إنما تنكبه البخاري ومسلم لعدم ثبوت الأمر فيه، وتقدم معنا أن من القرائن التي ينص عليها العلماء في عدم ثبوت بعض الألفاظ أن الحديث إذا جاء في خارج الصحيحين وفيه زيادة وأصل الحديث قد أخرجه البخاري ومسلم من ذلك الوجه أن هذه الزيادة في الغالب تكون معلولة على طرائق البخاري ومسلم، وهذا أمر معلوم، بل يقال: إن البخاري ومسلم إذا أخرجا الحديث في باب من الأبواب، وكانت هذه الزيادة متعلقة فيه فهذا كالنص بالإعلال.

ويؤكد ذلك ويعضده إذا كان البخاري ومسلم قد رويا حديثاً في باب من الأبواب يخالف تلك الزيادة، فإذا رويا حديثاً يخالف تلك الزيادة فإن هذا من علامات النكارة؛ لأنه لم يكتف بإلغاء أو حذف تلك الزيادة من هذا الحديث مجرداً، بل قد روى حديثاً يخالف مضمونها، وهذا علامة على الإعلال، وأشرنا إلى شيء من هذا كما تقدم الكلام عليه، ويأتي ربما مزيد إشارة إلى شيء من هذا وإسهاب في طرائق البخاري ومسلم في عدم ذكرهم للزيادات التي تكون في بعض الأحاديث وهي ثابتة في ظاهرها خارج الصحيحين، ورأي البخاري ومسلم فيها، وشرط البخاري في ذلك أن يستوعب الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام، فإن كتابه هو الجامع المسند المختصر الصحيح لسنن النبي عليه الصلاة والسلام وأيامه، فهو أراد أن يجمع سنن النبي عليه الصلاة والسلام، وأراد بذلك الاختصار يعني أن يورد الأصل ولا يسهب مجموع ما جاء في الباب، وإنما يورد في ذلك أقواه، وهذا تقدم معنا في مواضع عديدة.

وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة في قصة ثمامة وإسلامه، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له لا يصح، وقد جاء من وجوه أخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالاغتسال لمن أسلم، جاء في ذلك جملة من الأحاديث منها ما جاء في حديث قتادة بن الفضل عن أبيه عن عمه هشام بن قتادة عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً من حديث واثلة بن الأسقع، وكلها منكرة، ولا يثبت من الأمر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر.

الحديث الثالث في هذا: حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الغسل من أربع: الغسل من الجنابة، والحجامة، وغسل الميت وغسل يوم الجمعة )، هذا الحديث حديث منكر. وسبب نكارته بهذا السياق هذا العطف في قرن هذه الأغسال بالجنابة، كذلك أيضاً من وجوه النكارة فيه أن بعض ما جاء الأمر فيه في غسل الجنابة لم يكن عليه العمل، وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد ورواه أبو داود في كتابه السنن وغيرهم من حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث منكر إسناداً ومتناً.

أوجه نكارة حديث: ( الغسل من أربع...)

أما نكارته من جهة الإسناد فهو من مفاريد مصعب بن شيبة قد نص على هذا غير واحد من العلماء، كما نص عليه الإمام أحمد والطبراني وغيرهم، ومصعب بن شيبة يروي المناكير، وقد أنكر حديثه هذا علي بن المديني وأحمد بن حنبل وابن المنذر والخطابي وغيرهم، ومصعب بن شيبة له مفاريد يرويها عن طلق، من مفاريده هذا الحديث، ومن مفاريده أيضاً حديث: ( الفطرة عشر ) وحديثه هذا تفرد به ولم يتابع عليه.

ومن وجوه النكارة في هذا الحديث ما يتعلق بفقه الرواة، تقدم الإشارة معنا إلى قاعدة أو قرينة في أبواب العلل أن الحديث إذا كان في الإسناد راو من الرواة وخالف هذا الراوي مرويه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذا من علامات النكارة، ومن علامات النكارة أن عائشة عليها رضوان الله جاء عنها ما يخالف مضمون هذا الحديث، فالحديث فيه الأمر بالاغتسال من الجنابة، ومن غسل الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت، ثبت عن عائشة عليها رضوان الله أنها قالت بعدم الغسل من غسل الميت، وثبت عنها أنها هونت من غسل الجمعة ولم تؤكد عليه، أما بالنسبة لتهوينها من الاغتسال من غسل الميت، فإن هذا قد ثبت عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث يزيد الرشك عن معاذة أن عائشة عليها رضوان الله تعالى سئلت عن الرجل يغسل الميت هل عليه الغسل؟ قالت: لا. وهذا إسناده صحيح عنها.

وأما بالنسبة لما جاء عنها في التهوين من غسل الجمعة وعدم إيجابه فإن هذا ثابت في الصحيح كما جاء في حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها قالت: كان الناس مهنة أنفسهم، أي: يخدمون أنفسهم، ويحضرون إلى الصلاة، فقيل لهم: لو اغتسلتم. وهذا فيه إشارة إلى استحباب ذلك، وأن الأمر متعلق بإزالة الرائحة لا باستباحة الصلاة، لا يقال: إن الإنسان يستبيح بهذا الاغتسال الصلاة، وإنما يستحب له دفعاً لأذية غيره من رائحة ونتن؛ لأنه يخدم نفسه.

وهذا الذي ثبت عن عائشة عليها رضوان الله يوهن الحديث المرفوع؛ لأن القاعدة التي يذكرها الفقهاء وهي أن العبرة بما يرويه الراوي لا بما يراه هذه قاعدة منكرة بهذا الإطلاق، والصحيح فيها أن يقال: إن ما يراه الراوي إما أن يفسر مرويه المرفوع إما بمزيد بيان، أو بتخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو يعل الحديث المرفوع، ولا يجوز عند أئمة العلل أن يهدر الموقوف لأجل المرفوع، وهذا ليس تقديماً للموقوف على المرفوع، وإنما العلماء إذا ثبت عندهم الموقوف وكان الحديث المرفوع فيه نوع إعلال أو وهن، أو ظاهره الصحة والموقوف أثبت منه فإن هذا دليل على صرفه عن ظاهره، ومعنى الصرف عن ظاهره هو أن يقال: إذا جاء فيه الأمر إما أن يحمل على الاستحباب، وإما أن يخصص، وإما يلغى، وذلك أنه يبعد عن أئمة السلف خاصة في الوضوء في استباحة الصلاة أن يكون الحديث عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً ثم يفتون بخلافه، لا يمكن هذا؛ لأن ذلك الجيل مزكون، ومعنى التزكية أنهم لا يمكن أن يتعمدوا في مثل هذه القضايا أن يؤدي الصلاة وهو على غير طهارة، وهذا أمر معلوم.

والثابت عن عائشة عليها رضوان الله تعالى في ذلك إنما قلنا بعد الجمع هنا بالإعلال؛ لأن الحديث المرفوع فيه علة إسنادية توهنه، ولو كان الحديث في ذلك ظاهر إسناده الصحة ولم ينكر لأمكن أن نقول بالاستحباب لا بالوجوب، وإن كان الاستحباب في ذلك فيه ما فيه، وذلك لدلالة الاقتران وإن كانت دلالة الاقتران ليست بقوية، وذلك أن جمهور العلماء لا يحتجون بها، فجاء الاغتسال هنا من الجنابة، والجنابة أمر محتوم ولا خلاف عند العلماء في ذلك، وإنما غسل الجمعة وهذا محل اتفاق عند السلف أنهم لا يرون الوجوب من غسل الجمعة، والحجامة تقدم معنا في ذلك الحديث في غسل المحاجم، وما جاء في ذلك عن عبد الله بن عمر موقوفاً، وكذلك الغسل من غسل الميت، وهذا تقدم معنا الكلام عليه أيضاً، وهذه إذا قلنا بأن الأمر على الاستحباب لا يتأتى هنا باعتبارين:

الاعتبار الأول: العلة الإسنادية في الحديث، وهي كافية في إعلال الحديث، وكذلك أيضاً دلالة اقتران وإن كانت ضعيفة لاعتضادها مع العلة الإسنادية، فإننا نقول بنكارة الحديث وإعلاله بالموقوف.

أئمة أهل الرأي في كلامهم على الأحاديث يطرحون كل موقوف سواء كان الراوي الذي رواه يأتي بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خالف أم غيره، فيقدمون الحديث المرفوع ويطرحون الموقوفات، وهذا فيه نظر، وقد نص على ذلك الإمام مسلم كما في كتابه التمييز حينما تكلم على حديث أبي هريرة في مسألة المسح على الخفين، وذلك أنه لما جاء حديث أبي هريرة في روايته المسح على الخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعل الحديث؛ لأن أبا هريرة ثبت عنه موقوفاً أنه لا يقول بالمسح على الخفين، فكيف يروي حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بالمسح على الخفين، فأعل المرفوع بالموقوف، وهذا له نظائر كثيرة، وتقدم معنا أيضاً الإشارة إلى أن العلماء قد يعلون المرفوع بمخالفة التابعي أيضاً.

والأمر هنا في مسألة غسل الجمعة هذا محل إجماع عند العلماء أنه على الاستحباب، ثمة خلاف متأخر نشأ بعد ذلك أظنه في أواخر القرن الثاني والثالث، وجاء في الرابع، ثم بدأ القول به عند جملة من المغاربة، وبالنسبة لغسل الحجامة تقدم معنا الكلام فيه.

حكم الغسل لمن غسل ميتاً

والغسل لمن غسل الميت تقدم الكلام فيه وهو محل خلاف من جهة استحبابه، أما وجوبه فلا أعلم أحداً من السلف يقول بوجوب الغسل لمن غسل الميت وتقدم معنا التعليل في ذلك، وقد جاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا يغتسلون، وهذا جاء عن جماعة من أصحاب عبد الله بن مسعود، وجاء أيضاً عن أصحاب علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى أنهم اغتسلوا وتركوا، وهذا إسناده ثابت عنهم.

وجاء عن جماعة أنهم لم يروا الاغتسال من غسل الميت، فيكون المروي عنهم محمولاً على الاستحباب، وذلك أنه لا يمكن لأحد أن يسوغ لأحد أن يصلي وقد نقض وضوءه بأحد الخارج من السبيلين ما يدل على أن ثمة بوناً بين مسألة غسل الميت أو حمله، وكذلك أيضاً بين الخارج من السبيلين من البول والغائط والريح.

أما نكارته من جهة الإسناد فهو من مفاريد مصعب بن شيبة قد نص على هذا غير واحد من العلماء، كما نص عليه الإمام أحمد والطبراني وغيرهم، ومصعب بن شيبة يروي المناكير، وقد أنكر حديثه هذا علي بن المديني وأحمد بن حنبل وابن المنذر والخطابي وغيرهم، ومصعب بن شيبة له مفاريد يرويها عن طلق، من مفاريده هذا الحديث، ومن مفاريده أيضاً حديث: ( الفطرة عشر ) وحديثه هذا تفرد به ولم يتابع عليه.

ومن وجوه النكارة في هذا الحديث ما يتعلق بفقه الرواة، تقدم الإشارة معنا إلى قاعدة أو قرينة في أبواب العلل أن الحديث إذا كان في الإسناد راو من الرواة وخالف هذا الراوي مرويه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذا من علامات النكارة، ومن علامات النكارة أن عائشة عليها رضوان الله جاء عنها ما يخالف مضمون هذا الحديث، فالحديث فيه الأمر بالاغتسال من الجنابة، ومن غسل الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت، ثبت عن عائشة عليها رضوان الله أنها قالت بعدم الغسل من غسل الميت، وثبت عنها أنها هونت من غسل الجمعة ولم تؤكد عليه، أما بالنسبة لتهوينها من الاغتسال من غسل الميت، فإن هذا قد ثبت عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث يزيد الرشك عن معاذة أن عائشة عليها رضوان الله تعالى سئلت عن الرجل يغسل الميت هل عليه الغسل؟ قالت: لا. وهذا إسناده صحيح عنها.

وأما بالنسبة لما جاء عنها في التهوين من غسل الجمعة وعدم إيجابه فإن هذا ثابت في الصحيح كما جاء في حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها قالت: كان الناس مهنة أنفسهم، أي: يخدمون أنفسهم، ويحضرون إلى الصلاة، فقيل لهم: لو اغتسلتم. وهذا فيه إشارة إلى استحباب ذلك، وأن الأمر متعلق بإزالة الرائحة لا باستباحة الصلاة، لا يقال: إن الإنسان يستبيح بهذا الاغتسال الصلاة، وإنما يستحب له دفعاً لأذية غيره من رائحة ونتن؛ لأنه يخدم نفسه.

وهذا الذي ثبت عن عائشة عليها رضوان الله يوهن الحديث المرفوع؛ لأن القاعدة التي يذكرها الفقهاء وهي أن العبرة بما يرويه الراوي لا بما يراه هذه قاعدة منكرة بهذا الإطلاق، والصحيح فيها أن يقال: إن ما يراه الراوي إما أن يفسر مرويه المرفوع إما بمزيد بيان، أو بتخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو يعل الحديث المرفوع، ولا يجوز عند أئمة العلل أن يهدر الموقوف لأجل المرفوع، وهذا ليس تقديماً للموقوف على المرفوع، وإنما العلماء إذا ثبت عندهم الموقوف وكان الحديث المرفوع فيه نوع إعلال أو وهن، أو ظاهره الصحة والموقوف أثبت منه فإن هذا دليل على صرفه عن ظاهره، ومعنى الصرف عن ظاهره هو أن يقال: إذا جاء فيه الأمر إما أن يحمل على الاستحباب، وإما أن يخصص، وإما يلغى، وذلك أنه يبعد عن أئمة السلف خاصة في الوضوء في استباحة الصلاة أن يكون الحديث عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً ثم يفتون بخلافه، لا يمكن هذا؛ لأن ذلك الجيل مزكون، ومعنى التزكية أنهم لا يمكن أن يتعمدوا في مثل هذه القضايا أن يؤدي الصلاة وهو على غير طهارة، وهذا أمر معلوم.

والثابت عن عائشة عليها رضوان الله تعالى في ذلك إنما قلنا بعد الجمع هنا بالإعلال؛ لأن الحديث المرفوع فيه علة إسنادية توهنه، ولو كان الحديث في ذلك ظاهر إسناده الصحة ولم ينكر لأمكن أن نقول بالاستحباب لا بالوجوب، وإن كان الاستحباب في ذلك فيه ما فيه، وذلك لدلالة الاقتران وإن كانت دلالة الاقتران ليست بقوية، وذلك أن جمهور العلماء لا يحتجون بها، فجاء الاغتسال هنا من الجنابة، والجنابة أمر محتوم ولا خلاف عند العلماء في ذلك، وإنما غسل الجمعة وهذا محل اتفاق عند السلف أنهم لا يرون الوجوب من غسل الجمعة، والحجامة تقدم معنا في ذلك الحديث في غسل المحاجم، وما جاء في ذلك عن عبد الله بن عمر موقوفاً، وكذلك الغسل من غسل الميت، وهذا تقدم معنا الكلام عليه أيضاً، وهذه إذا قلنا بأن الأمر على الاستحباب لا يتأتى هنا باعتبارين:

الاعتبار الأول: العلة الإسنادية في الحديث، وهي كافية في إعلال الحديث، وكذلك أيضاً دلالة اقتران وإن كانت ضعيفة لاعتضادها مع العلة الإسنادية، فإننا نقول بنكارة الحديث وإعلاله بالموقوف.

أئمة أهل الرأي في كلامهم على الأحاديث يطرحون كل موقوف سواء كان الراوي الذي رواه يأتي بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خالف أم غيره، فيقدمون الحديث المرفوع ويطرحون الموقوفات، وهذا فيه نظر، وقد نص على ذلك الإمام مسلم كما في كتابه التمييز حينما تكلم على حديث أبي هريرة في مسألة المسح على الخفين، وذلك أنه لما جاء حديث أبي هريرة في روايته المسح على الخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعل الحديث؛ لأن أبا هريرة ثبت عنه موقوفاً أنه لا يقول بالمسح على الخفين، فكيف يروي حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بالمسح على الخفين، فأعل المرفوع بالموقوف، وهذا له نظائر كثيرة، وتقدم معنا أيضاً الإشارة إلى أن العلماء قد يعلون المرفوع بمخالفة التابعي أيضاً.

والأمر هنا في مسألة غسل الجمعة هذا محل إجماع عند العلماء أنه على الاستحباب، ثمة خلاف متأخر نشأ بعد ذلك أظنه في أواخر القرن الثاني والثالث، وجاء في الرابع، ثم بدأ القول به عند جملة من المغاربة، وبالنسبة لغسل الحجامة تقدم معنا الكلام فيه.

والغسل لمن غسل الميت تقدم الكلام فيه وهو محل خلاف من جهة استحبابه، أما وجوبه فلا أعلم أحداً من السلف يقول بوجوب الغسل لمن غسل الميت وتقدم معنا التعليل في ذلك، وقد جاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا يغتسلون، وهذا جاء عن جماعة من أصحاب عبد الله بن مسعود، وجاء أيضاً عن أصحاب علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى أنهم اغتسلوا وتركوا، وهذا إسناده ثابت عنهم.

وجاء عن جماعة أنهم لم يروا الاغتسال من غسل الميت، فيكون المروي عنهم محمولاً على الاستحباب، وذلك أنه لا يمكن لأحد أن يسوغ لأحد أن يصلي وقد نقض وضوءه بأحد الخارج من السبيلين ما يدل على أن ثمة بوناً بين مسألة غسل الميت أو حمله، وكذلك أيضاً بين الخارج من السبيلين من البول والغائط والريح.

والحديث الرابع في هذا: حديث علي بن أبي طالب: ( أنه لما توفي أبوه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواريه، ثم أمره بالاغتسال )، هذا الحديث جاء من حديث أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به أبو إسحاق عن ناجية عن علي بن أبي طالب، وأعل بـناجية، فإن ناجية لا يعرف، قال علي بن المديني: لم يروه عنه إلا أبو إسحاق، ورواه عن أبي إسحاق شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسرائيل وزهير وغيرهم، كلهم يروونه عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب .

وهنا أيضاً علة أخرى أن هذا الحديث ليس في معاقل نزول الوحي، وهو حديث كوفي، يرويه أبو إسحاق السبيعي عن ناجية بن كعب، وناجية بن كعب كوفي، يقول علي بن المديني: لم نجده عند غير أهل الكوفة. وهذا إشارة إلى الإعلال، فالوحي نزل في المدينة، وحديث ينبت في الكوفة ولا أصل له في مكة ولا في المدينة، علامة على أنه استنبت فنبت، إما بالوهم والغلط أو بالتعمد؛ ولهذا العلماء ينظرون إلى الأحاديث التي ينفرد فيها غير الحجازيين ويقولون بإعلالها.

ومن وجوه النكارة أيضاً بعد أن ذكرنا أن الحديث إذا كان في بلد من البلدان خارج المدينة ومكة كأن يكون الحديث مصرياً أو كوفياً أو بصرياً أو خراسانياً أو شامياً لا فرق حتى نجدياً، ننظر في في فقه أهل المدينة ومكة، هل يقولون بمضمون هذا الحديث أم لا؟ إن لم يقولوا بمضمونه ندفع الوهم في أن الحديث يمكن أن يكون موجوداً لديهم، ولكن لم يروونه وإنما عملوا به، وهذا يرد؛ لأن الحديث الذي يحتاج إليه ولا يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام بوفرة أو بطرق قوية، أو يستفيض عند الناس إما أن يكون علامة على شهرته واستفاض، أو علامة على أنه غير موجود، فما سكت الناس عنه ويحتاجون إليه إلا لعدم وجوده، نحن نريد أن نعل المتن هنا؛ فحديث ليس في معاقل العلم، ثم نجد أهل العلم في الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ثلاثة قرون لم يعمل به أحد، وما خرج إلا هناك، وبقي في المائة الأولى والمائة الثانية وهو يدور هناك ما خرج من الكوفة، والناس تدخل الكوفة ثم تخرج منها ولا تحمل هذا الحديث، دلالة على نكارته.

وكذلك مسألة الغسل من غسل الميت وحمله يحمله الجماعة؛ لهذا ينبغي أن يؤمروا، وإذا أمروا لا يؤمرون بآذانهم، من حمل ذلك الميت فليغتسل.

لهذا فالقرينة في مسألة اشتهار المسألة وعموم الحاجة إليها لابد أن نميز فيها بين أمرين، قد يقول قائل: الحديث موجود لديهم وما رووه، نقول: لا بأس أنهم لا يروونه، لكن لابد أن يعملوا به، أين العمل؟ فقههم موجود، فقه القرن الأول والثاني والثالث أين هذه المرويات إذا لم توجد فهي علامة على إعلال الحديث المدني فضلاً عن الكوفي والبصري والشامي والمصري وغيرها، ولا فرق بين سائر البلدان، لكن نذكر العراق والشام؛ لأنها أكثر البلدان رواية للأحاديث بعد مكة والمدينة، وأما نجد فلا يكاد يوجد فيها أحاديث أصلاً.

فهذه القرينة نفرق بينها وبين القرينة المقابلة لها، وهو الحديث إذا استفاض ولم يرو عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكان العمل عليه عند العلماء فالتماس استفاضة الطرق فيه نظر؛ لأنه يرى الناس أن هذا الأمر مما لا يحتاج إليه، هل رأيتم من يقوم ويذكر الناس ويقول: أيها الناس، صلاة الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، وصلى الله وسلم على محمد، لا يقول هذا أحد، ربما تأخذ عشر سنوات لا تعلم أحد جاء بهذا التفصيل؛ لأن هذا الأمر مستفيض، وعرفنا الاستفاضة دون أن نعل الأحاديث بالعمل، فإذا ثبت العمل نقول به؛ لهذا تجد كبار الأئمة الحفاظ لا يكثرون من نقل ما استقر عليه العمل عندهم واستفاض، ويدعونه لمرويات الآحاد منه.

فقد يأتيك شخص من غير ملتك يهودياً أو نصرانياً ويسألك كم عدد ركعات الظهر؟ فلا تقل: إنا وجدنا آباءنا على أمة.

فأنا أريد أن أشير إلى قضية المسألة المستفضية، ولكن وجد العمل وأطبق عليه الناس؛ لهذا في أبواب العلل العلماء ينظرون للحديث المستفيض من جهة العمل وغير المستفيض من جهة العمل، ويعلون بهذا ويثبتون بذاك، ومن أقوى وجوه الإعلال العمل عند العلماء على حديث من الأحاديث، ومن أقوى وجوه التقوية العمل أيضاً، سواء في البلد الذي فيه الرواية، أو في البلد الذي ليس فيه الراوية؛ ولهذا مكة والمدينة هي قطب الرحى، وهي التي عليها المدار، كحال أي بلدة هناك حكمها على مكة والمدينة، أي شخص يروي حديثاً من الأحاديث ائت بهذا الحديث ثم أرجعه إلى مكة والمدينة وانظر ما يقولون في هذه المسألة، وهل لديهم حديث في الباب، وهل لديهم عمل، ثم انظر حكم ذلك في أمور العلل.

ولهذا طالب العلم الذي لا يحفظ فقه هؤلاء العلماء من السلف في مكة والمدينة لا يمكن أن يسدد في أبواب العلل، هذا بالنظر للأسباب والتسديد من الله عز وجل، لا يكون الإنسان في ذلك من أهل التسديد والإصابة إلا ما شاء الله عز وجل؛ ولهذا نقول: إنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بفقه أولئك القرون في مكة والمدينة حتى يستطيع أن يقوم بمسائل الإعلال ومعرفة المقاصد.

طبعاً هناك مسائل في أمور العلل لا شأن لأهل مكة والمدينة في حفظها في غير أمور الأحكام، فينفرد أهل اليمن بحديث في فضل اليمن، هذا الأمر محتمل، ينفرد أهل الشام بحديث في فضائل الشام ممكن؛ لهذا نقول: إن مثل هذه الأحاديث التي ينفرد بها أصحاب البلدان في بلدانهم هذا من الدواعي التي تدل على أنهم يحفظون أكثر من غيرهم.

وهذا الحديث حديث أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله هو حديث منكر؛ لأنه كوفي، ولا يوجد إلا عند الكوفيين، وقد تفرد به أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب، وهذا لا يوجد عند غيرهم، كما أعله في ذلك علي بن المديني رحمه الله.

وقد وقع في هذا الحديث وهم، وذلك أن هذا الحديث جاء من حديث أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن حذيفة بن اليمان جعل من حديث حذيفة، والأول من حديث علي بن أبي طالب، وهو منكر، وأكثر الرواة من أصحاب أبي إسحاق كـشعبة وإسرائيل وزهير وغيرهم يروونه عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب، وهو أصح.

وأما لفظ حديث حذيفة بن اليمان فهو وهم من وجهين: من جهة الإسناد أنه ليس من مسند حذيفة، ومن جهة المتن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من غسل الميت فليغتسل ) وهو من حديث حذيفة غلط، ولفظ حديث علي بن أبي طالب أنه دفن أباه، ثم أمره النبي عليه الصلاة والسلام بالاغتسال، هل الاغتسال هو للغسل أم للدفن؟ جاء اللفظ في ذلك عاماً، في حديث علي بن أبي طالب، وخاصاً في حديث حذيفة وهو وهم وغلط كما نص على ذلك الدارقطني وغيره.

فإن قال قائل: هل نستطيع أن نعل حديث علي بن أبي طالب بأن الواقعة مكية، والأمر بالاغتسال من الأحكام كان في المدينة، نقول: نستطيع؟ هذا من وجوه العلل، وهذه لفتة جيدة، وعلة متنية مصيبة.

الخامس في هذا هو حديث الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع: ( إن هذا عيد من أعيادكم، فاغتسلوا فيه بالماء )، الحديث هذا رواه الإمام مالك في كتابه الموطأ عن ابن شهاب الزهري مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عبد الله بن وهب في كتابه الجامع عن الإمام مالك عن الزهري مرسلاً أيضاً، ورواه الطبراني في كتابه المعجم الكبير من حديث يزيد الإسكندراني أبي خالد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري عن عبيد بن السباق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

وهذا الحديث اختلف فيه على مالك، تارة يرويه الإمام مالك عن الزهري مرسلاً، وتارة عن الزهري عن عبيد بن السباق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فـعبيد بن السباق هو من التابعين الثقات، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وتارة يرويه الإمام مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يرويه عن صفوان بن سليم عن عطاء عن عبد الله بن عباس، وجاء أيضاً من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، ويرويه عنه الزهري وحميد أيضاً.

وهذا الحديث الصواب فيه الإرسال، وإرساله هو عن الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزهري يحدث عمن لا يتهم، وهذا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاغتسال كأنه جعل عليه الصلاة والسلام غسل الجمعة قياساً على غسل العيد، فكأن العيد أولى من غسل الجمعة، وهذا خلاف ما عليه ظواهر النصوص أن غسل الجمعة آكد من غسل العيدين، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث في غسل العيدين، ولا يصح فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الطهارة [24] 2421 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [15] 2391 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [23] 2334 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [29] 2271 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [26] 2246 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [5] 2129 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [14] 2072 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [18] 1947 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [28] 1787 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [2] 1680 استماع