رسالة إلى مدمن


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: هذه رسالة موجهة إلى مدمن، ولعلكم تجدون في الحديث أسلوباً غير مباشر للحاضرين، لكن لعل السامع منكم أن يستفيد من كلماتي.

أيها الأخ الكريم: أوجه إليك هذه الكلمات يا من وقعت في حبائل المخدرات.. يا من بدأت تتعاطى؛ بل أصبحت مدمناً، أوجه إليك هذا الحديث، فارع لي سمعك، وتوقف معي دقائق، واستمع لي.. ولن تخسر شيئاً إن لم تستفد أمراً من كلامي.

لو سألت أكثر المدمنين في هذا الزمن، وأكثر المتعاطين للمخدرات: لِمَ تتعاطون المخدرات؟ ولِمَ أدمنتم عليها؟ ولِمَ وقعتم في حبالها؟ لأجابك أكثرهم: أبحث عن السعادة، أبحث عن الراحة، أريد الطمأنينة.

فلو سألته: هل وجدتها؟ أظن وأجزم بأن أكثر من تعمق في المخدرات وأدمن عليها سوف يجبك بهذه الإجابة ويقول: كلا، كلا والله لا زلت أبحث عنها.

عمَّ تبحث؟ أبحث عن هذه السعادة الموهومة.

جلست يوماً من الأيام أنصح شاباً سلم نفسه بجريمة قَتْل -قَتْل عمداً- قَتَل رجلاً ثم سلم نفسه، فلما جلستُ معه وأخذت أحدثه عن التوبة، وأخوفه بالله جل وعلا فيما فعل، قال لي: يا شيخ! ماذا تقول؟ أنا سبع سنوات مدمن للمخدرات، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! سبع سنوات وأنت مدمن للمخدرات؟ وانظر للنهاية قال: نعم يا شيخ! سبع سنوات وأنا مدمن لهذه المخدرات، قلت له: ماذا كنت تحس؟ قال: يا شيخ! وأنا أدمن وأتعاطى المخدرات أحس كأنني أطير في الهواء، قلت له: ثم ماذا؟ قال: ثم عذاب وألم وحسرة، يقول: وهكذا سبع سنوات لم تنته إلا بالقتل، وسلم نفسه ينتظر القصاص، أتعرف لماذا؟ لأن الله جل وعلا يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً [طه:124] نعم يعيش، يأكل ويشرب ويلبس، ينام ويستيقظ، يمشي ويتحرك، يعيش، لكن انظر إلى عيشته: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى [طه:125] السماء تفطرت، والأرض تزلزلت، والجبال نسفت، والبحار احترقت وسجرت، والقبور بعثرت، والوحوش حشرت، والولدان قد صارت رءوسهم شيباً، ويمشي هذا الرجل المسكين على صراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وجهنم تلهب تحته، يقول: ربِّ إني أعمى، ويجوز الصراط وهو أعمى: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طه:125] يعني في الدنيا، انظر للسبب: قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طه:126] أتذكر ذلك المجلس الذي سمعتَ فيه بعض الآيات؟ أتذكر ذلك الشريط الذي أهدي إليك فاستمعت إليه لكنك نسيت: كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:126].

أخي الكريم: تذكر وأنت تقدم على تعاطي تلك المخدرات، وتقدم على استقائها وعلى تجرعها.. تذكر يا أخي العزيز أنت تتعرض لغضب الرب جل وعلا، واعلم أنك لو مت وأنت على هذه الحال ما دخلت الجنة: (ثلاثة حرم الله عليهم الجنة... منهم: مدمن الخمر) الخمر الذي يذهب العقل، ويتفرع عليه المخدر هذا الزمن. تذكر يا أخي العزيز! وأنت تتجرع هذه المخدرات أن المصير في النهاية والخاتمة أنك تتجرع من ماءٍ صديد، قال تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ [إبراهيم:15-16] نهاية المخدرات والإدمان عذاب في الدنيا، ثم حسرة، ثم موت، ثم جهنم، قال تعالى: مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم:16] قيح وصديد، تتشقق الجلود فتخرج قيحاً يتسابق أهل النار إليه ليأكلوه وليشربوه، قال تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:17].

بل جاء في الحديث الصحيح: (أن شارب الخمر يُسقى من ردغة الخبال) عصارة أهل النار، يخرج بعضها من الجلود، ويخرج بعضها من الفروج، ويخرج بعضها من الأفواه، عصارة أهل النار يتسابق إليها شربة الخمر والمسكر والمخدر ليأكلوها وليشربوها، تذكر إن كنت من المتعاطين هذا المصير، قال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:43-44] كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان:45] لما يأكلون منه تغلي البطون.

أرأيت القدر كيف يغلي بالماء؟ هكذا البطن يغلي ويفور من ذلك الطعام، قطرة من الزقوم لو سقطت على الدنيا لأفسدت الدنيا بما فيها، كيف بمن تكون طعامه؟! تذكر وأنت تقدم على هذه المعصية وذلك الإثم هذا المصير، قال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ [الدخان:43-47] يدفع دفعاً، الملائكة تدفعه إلى قعر جهنم: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الدخان:47] إلى قعر جهنم، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:48] صبوا على رأسه عذاب الحميم، إذا صُبَّ على الرأس يدخل إلى المعدة ويقطع الأمعاء، إنا لله وإنا إليه راجعون! هل تعدل تلك الجلسات، وهذه الهلوسة، وتلك السهرات، وهذه الحبوب، ذلك العذاب؟!

أخي الكريم: مدمن الخمر والمخدرات حاله في الدنيا عذاب وألم، وأظن أنك تستمع إلي الآن وتقول لي: يا شيخ! من قال لك؟ نحن نفرح ونتمتع، نحن نسعد ونلهو، نحن نطير في الهواء، أقول لك: كذبت ولم تصدق نفسك؛ فإن السعادة موهومة، أذكرك بتلك اللحظات التي تتقلب فيها على الفراش، أذكرك بوقت تكون فيه أنت لوحدك في غرفة مظلمة، تحس أن الدنيا قد ضاقت عليك بما رحبت، أذكرك لما نقصت عليك المادة ولم تحصل على بعض الحبوب كيف تألمت وكيف تتعذب، أذكرك يا أخي! وأنت تحاسب نفسك وتعاتبها ماذا تفعلين إذا قدمتِ على الجبار.

قصة شاب أدمن المخدرات وصار يروجها

صليت المغرب يوماً فجاءني شاب قال لي: يا شيخ! أريد الحديث معك، قلت له: تفضل. قال: لا. عندي شخص آخر يريد أن يجلس معك، قلت: الآن؟ قال: لا بعد أن يخرج الناس، خرج الناس وبعد صلاة المغرب جلست معه في زاوية المسجد، جلست معه فإذا بالثاني يخرج لي هوية من جيبه نظرتُ إليها، قال لي: يا شيخ انظر إلى الصورة، نظرت إلى الصورة وأنا في المسجد، الصورة فيها وجه حسن، وجه جميل مضيء، والذي أمامي وجه مخيف مفزع، قبيح مظلم، قال لي: يا شيخ أنظرت إلى الصورة؟ قلت: نعم. قال: هذا أنا، قلت: مستحيل. قال: والله وأنا في بيت الله هذه الصورة صورتي. قلت: يا أخي لا يوجد وجه للشبه أبداً، وما أحببتُ أن أخبرَه أن الصورة أجمل وأحسن بكثير من الوجه الذي أمامي، نور في الصورة وظلام أمامي، قلت له: حدثني عن خبرك. قال لي: يا شيخ! كان لي رفقة عند بيتي، جئتهم يوماً من الأيام، أشرب معهم الشاي كالعادة، يقول: لكن الشاي لم يكن كالعادة، أحسست عند شربي للشاي بلذة، فجئتهم في اليوم الثاني أرجو أن أشرب نفس الشاي، وشربت منه في اليوم الثاني فأحسست بلذة أكبر، يقول: وكأن نفسي أصبحت خفيفة، وفي اليوم الثالث والرابع حتى أدمنت على شرب هذا الشاي، وأنا لا أدري ما الذي به. وفي يوم من الأيام قدمتُ إليهم أسألهم عن هذا الشاي، قالوا لي: يا فلان! أتعرف ماذا بهذا الشاي؟ قلت: لا. قالوا: به حبوب. قلت: وما حبوب؟ قالوا: حبوب مخدرات. قلت: الآن أنا لا أستطيع أن أتخلص منه؟!! ما الحل؟ قالوا: نعطيك منها، لا تخف فالحبوب متوفرة، قلت: أعطوني، قالوا: بالثمن -فأوقعوه الآن في حبالهم- قال لهم: ليس عندي أموال، قالوا: هذا ثمنها ابحث عن الأموال. قلت له: من أين كنت تأتي بالمال؟ قال لي: يا شيخ! كنت أطلب من الوالدة والوالد وكانوا يعطوني في بادئ الأمر، ثم بدأت أسرق منهما، ثم بدأت أسرق من غيرهما، وأستدين وأسرق، قلت: إلى أي درجة؟ قال: قالوا لي يوماً من الأيام: إن أثقلتك الأموال فهناك طريقة أخرى. قلت: وما هي هذه الطريقة؟ قالوا لي: تروج لنا المخدرات، أنت تروج ونحن نعطيك. قال: كيف؟ قال: علموني الطريقة، يقول: بدأت أروج المخدرات وأنا لا أشعر، دخلت في وحل الترويج، قلت له: لم لا تتوب؟ قال: يا شيخ! جربت التوبة جربت أن أتوب، قلت: وما الذي منعك؟ قال: السلاح. قلت: ماذا تقصد؟ قال: يهددوني بالقتل إن لم أستمر في هذا الترويج يقتلونني بالسلاح.

حال الرفقة السيئة في النار

هذا الرجل إن استمر على حاله يُبعث عند الله جل وعلا، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28] يا ليتني ما عرفتهم! يا ليتني ما جلست معهم! يا ليتني ما صاحبتهم! يا ليتني ما سلمت على فلان يوماً من الأيام! لكن ولات ساعة مندم! يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] يسميه عند الرب جل وعلا يقول: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

إذا دخل هذا الشاب وأمثاله إلى جهنم أتعرف ماذا يطلب من ربه؟ يقول يا رب لي طلب. ما طلبه؟ رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ [فصلت:29] أي: يا رب أريد أن أرى ذلك الرجل الذي أعطاني الحبة أول مرة، وسقاني ذلك الكأس، وعلمني طريق المخدر، يا رب أريد أن أراه، في المحشر، إما في المحشر أو في جهنم يتمنى أن يراه.

أنظن أن يتمنى رؤيته ليصافحه؟ ليصادقه؟ ليعانقه بعد فراق طويل؟ لا. اسمع لما يطلب رؤيته يوم القيامة: رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا [فصلت:29] أطأ عليهما برجلي، لمه؟ لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [فصلت:29].

ولكن كل هذا لا ينفع، طالما جاءك الصالحون، وأعطوك الشريط، وأهدوك تلك الكلمات، ونصحوك تلك النصائح، ولكنك عصيتَ واستكبرتَ وأبيت إلا أن تستمر مع هؤلاء: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] إلى أين؟ إلى جهنم كلما دخل رجل لعن صاحبه: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا [الأعراف:38] يقول في جهنم: يا رب هؤلاء الذين دلوني على تلك المجالس، وهذه الأماكن، وتلك المستنقعات يا رب هؤلاء الذين أعطوني هذه الحبوب، وعرفوني ذلك الطريق يا رب: فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] يا رب ضاعف لهم العذاب في النار، فيقول الرب: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] أتظن أخي الكريم أن القضية تنتهي عند حبة وتقف، لا. القضية أكبر وأدهى وأمر، الحبة هي الخطوة الأولى، وهي بداية الطريق إلى الإدمان، وإلا فالطريق مظلم وموحش.

قصة شاب مات من الإدمان حتى انفجر مخه

رأيتُ صورة من الصور عرضها أحد المشايخ الفضلاء لشاب مات أثناء إدمانه، ولعلك وأنت تسمعني تعرف هذه الحقيقة التي يحتاج إليها الإنسان كل يوم، يحتاج أن يزيد ويزيد حتى يصل إلى حد يقتُل الإنسان، وكم نسمع في الأخبار أن شاباً وُجِدت جثته في مزبلة، وآخر في محرقة، وثالث رمي في المسجد، ورابع عند المستشفى، وخامس قبل شهر مقتول ومرمي في الصحراء، وسادس وسابع، وإحصائيات القتلى تزداد يوماً بعد يوم، لا تقل: لا. أنا أضمن نفسي. لا تقل: لا. أنا سوف أتوب قبل الموت، وما يدريك! يذهب عقلك ثم تسقط على الأرض وتفارق الدنيا.

أحدثكم عن الصورة التي رأيتُ، أتعرفون كيف مات هذا الشاب؟

هذا الشاب أيها الأخ العزيز! وهو يتعاطى المخدرات، وزاد في جرعة الإدمان والتعاطي سقط على الأرض وأحس بألم، وتأثَّر حتى انفجر مُخُّهُ وبدأ يسيل مخه من أنفه، ورأيته بالصورة، انظر كيف تعذب في الدنيا قبل الآخرة، إن رأيتَ المنظر لا تتحمل، إن رأيت شكله لعلك لا تطيق طعاماً بعده، أتعرف لماذا؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].

قصة شاب مات في غرفته من المخدرات

وآخر رأيتُ صورته جالس في شقته في غرفته، وكان يتعاطى المخدرات حاله حال المتعاطين المدمنين، ولكنه زاد في الجرعة شيئاً ما، يريد أن يتلذذ وأن يشعر بتلك السعادة، فإذا به يتعاطى جرعة زائدة، فإذا به يموت في غرفته، ما شعر به أحد، ما صلى عليه أحد، ما دفنه أحد، ظل أياماً في غرفته ميتاً، أنتنت الجيفة، أتعرف كيف عرفوا قصته ودروا بخبره؟ وجدوا رائحة منتنة تخرج من الغرفة، والذباب قد تجمع على الباب، كسروا الباب، فإذا بهذه الجثة التي ظلت أياماً، النمل يأكلها من كل جانب، رأيت المنظر بعيني أيها الإخوة، منظر ما أقبحه، بهيئة الساجد على أدوات المخدر، والنمل يأكله من كل جانب، أعوذ بالله من تلك الميتة.

أرأيت إلى خاتمتهم! هل هذا عاش بسعادة كان يرجوها؟! أين السعادة؟! أين النعيم؟! يا مسكين.. يا من تبكي الليالي والأيام.. اجلس مع بعض الصالحين، حدث بعض الأخيار الذين يبكون في الصلاة، ويقرءون القرآن، ويذهبون للعمرة قل لهم: هل وجدتم تلك السعادة التي أبحث عنها؟! أتعرف ماذا يقولون لك؟ يقولون لك: لو كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه إنهم والله لفي عيش طيب، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] تقول أنا ضامن نفسي إن شاء الله لن أموت وأنا أتعاطى المخدر، اسمع لإحصائية وزارة الداخلية: أكثر من ألف وتسعين شخصاً ماتوا بسبب المخدرات في الكويت، فما الذي يضمن أنك لا تكون أحد الأرقام القادمة؟

صليت المغرب يوماً فجاءني شاب قال لي: يا شيخ! أريد الحديث معك، قلت له: تفضل. قال: لا. عندي شخص آخر يريد أن يجلس معك، قلت: الآن؟ قال: لا بعد أن يخرج الناس، خرج الناس وبعد صلاة المغرب جلست معه في زاوية المسجد، جلست معه فإذا بالثاني يخرج لي هوية من جيبه نظرتُ إليها، قال لي: يا شيخ انظر إلى الصورة، نظرت إلى الصورة وأنا في المسجد، الصورة فيها وجه حسن، وجه جميل مضيء، والذي أمامي وجه مخيف مفزع، قبيح مظلم، قال لي: يا شيخ أنظرت إلى الصورة؟ قلت: نعم. قال: هذا أنا، قلت: مستحيل. قال: والله وأنا في بيت الله هذه الصورة صورتي. قلت: يا أخي لا يوجد وجه للشبه أبداً، وما أحببتُ أن أخبرَه أن الصورة أجمل وأحسن بكثير من الوجه الذي أمامي، نور في الصورة وظلام أمامي، قلت له: حدثني عن خبرك. قال لي: يا شيخ! كان لي رفقة عند بيتي، جئتهم يوماً من الأيام، أشرب معهم الشاي كالعادة، يقول: لكن الشاي لم يكن كالعادة، أحسست عند شربي للشاي بلذة، فجئتهم في اليوم الثاني أرجو أن أشرب نفس الشاي، وشربت منه في اليوم الثاني فأحسست بلذة أكبر، يقول: وكأن نفسي أصبحت خفيفة، وفي اليوم الثالث والرابع حتى أدمنت على شرب هذا الشاي، وأنا لا أدري ما الذي به. وفي يوم من الأيام قدمتُ إليهم أسألهم عن هذا الشاي، قالوا لي: يا فلان! أتعرف ماذا بهذا الشاي؟ قلت: لا. قالوا: به حبوب. قلت: وما حبوب؟ قالوا: حبوب مخدرات. قلت: الآن أنا لا أستطيع أن أتخلص منه؟!! ما الحل؟ قالوا: نعطيك منها، لا تخف فالحبوب متوفرة، قلت: أعطوني، قالوا: بالثمن -فأوقعوه الآن في حبالهم- قال لهم: ليس عندي أموال، قالوا: هذا ثمنها ابحث عن الأموال. قلت له: من أين كنت تأتي بالمال؟ قال لي: يا شيخ! كنت أطلب من الوالدة والوالد وكانوا يعطوني في بادئ الأمر، ثم بدأت أسرق منهما، ثم بدأت أسرق من غيرهما، وأستدين وأسرق، قلت: إلى أي درجة؟ قال: قالوا لي يوماً من الأيام: إن أثقلتك الأموال فهناك طريقة أخرى. قلت: وما هي هذه الطريقة؟ قالوا لي: تروج لنا المخدرات، أنت تروج ونحن نعطيك. قال: كيف؟ قال: علموني الطريقة، يقول: بدأت أروج المخدرات وأنا لا أشعر، دخلت في وحل الترويج، قلت له: لم لا تتوب؟ قال: يا شيخ! جربت التوبة جربت أن أتوب، قلت: وما الذي منعك؟ قال: السلاح. قلت: ماذا تقصد؟ قال: يهددوني بالقتل إن لم أستمر في هذا الترويج يقتلونني بالسلاح.

هذا الرجل إن استمر على حاله يُبعث عند الله جل وعلا، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28] يا ليتني ما عرفتهم! يا ليتني ما جلست معهم! يا ليتني ما صاحبتهم! يا ليتني ما سلمت على فلان يوماً من الأيام! لكن ولات ساعة مندم! يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] يسميه عند الرب جل وعلا يقول: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

إذا دخل هذا الشاب وأمثاله إلى جهنم أتعرف ماذا يطلب من ربه؟ يقول يا رب لي طلب. ما طلبه؟ رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ [فصلت:29] أي: يا رب أريد أن أرى ذلك الرجل الذي أعطاني الحبة أول مرة، وسقاني ذلك الكأس، وعلمني طريق المخدر، يا رب أريد أن أراه، في المحشر، إما في المحشر أو في جهنم يتمنى أن يراه.

أنظن أن يتمنى رؤيته ليصافحه؟ ليصادقه؟ ليعانقه بعد فراق طويل؟ لا. اسمع لما يطلب رؤيته يوم القيامة: رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا [فصلت:29] أطأ عليهما برجلي، لمه؟ لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [فصلت:29].

ولكن كل هذا لا ينفع، طالما جاءك الصالحون، وأعطوك الشريط، وأهدوك تلك الكلمات، ونصحوك تلك النصائح، ولكنك عصيتَ واستكبرتَ وأبيت إلا أن تستمر مع هؤلاء: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] إلى أين؟ إلى جهنم كلما دخل رجل لعن صاحبه: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا [الأعراف:38] يقول في جهنم: يا رب هؤلاء الذين دلوني على تلك المجالس، وهذه الأماكن، وتلك المستنقعات يا رب هؤلاء الذين أعطوني هذه الحبوب، وعرفوني ذلك الطريق يا رب: فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] يا رب ضاعف لهم العذاب في النار، فيقول الرب: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] أتظن أخي الكريم أن القضية تنتهي عند حبة وتقف، لا. القضية أكبر وأدهى وأمر، الحبة هي الخطوة الأولى، وهي بداية الطريق إلى الإدمان، وإلا فالطريق مظلم وموحش.