الأحاديث المعلة في الطهارة [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم في هذا اليوم على جملة من الأحاديث المعلة في أبواب الطهارة.

الحديث الأول: حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما ألقى البحر أو جزر عنه ميتاً فكلوه، وما طفا عليه ميتاً فهو حرام ).

هذا الحديث رواه أبو داود و ابن ماجه في كتابه السنن من حديث يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلف في رفعه ووقفه، وقد تفرد بروايته على هذا الوجه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، و إسماعيل بن أمية مع كونه ثقة إلا أنه قد خولف في هذا، فرواه جماعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه، فرواه سفيان الثوري و ابن جريج و زهير و عبيد الله بن عمر و أيوب و حماد بن سلمة كلهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه وهو أصح.

وقد اختلف فيه على سفيان الثوري بين الوقف والرفع, فرواه وكيع و عبد الرزاق و عبد الله بن وليد العدني و مؤمل و أبو عاصم كلهم عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً.

ورواه أبو أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً وهو وهم وغلط، والصواب في ذلك أنه موقوف على جابر بن عبد الله .

وقد جاء من وجوه أخرى أيضاً لا تصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رواه ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً، وهذا الإسناد مع كون ظاهره الحُسْن إلا أن البخاري عليه رحمة الله تعالى قد أعله، كما نقل ذلك الترمذي في كتابه العلل أن البخاري عليه رحمة الله قال: إني لا أعرف لـابن أبي ذئب عن أبي الزبير حديثاً، والمراد من ذلك أن ابن أبي ذئب في روايته عن جابر بن عبد الله لا يروي بواسطة أبي الزبير , وإنما بواسطة غيره، فإنه يروي عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله , ويروي عن المقبري عن جابر بن عبد الله , ويروي عن المقبري عن القعقاع عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة موقوفاً.

أهمية معرفة التركيب في الإسناد عند الحكم على الحديث

وهذا الإعلال من البخاري عليه رحمة الله لرواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير هو إعلال مهم لطالب العلم أن يتوقف عنده، والمراد من هذا أن طالب العلم لا ينبغي له أن ينظر إلى ذات الرواة ورسومهم، وإنما ينظر إلى تراكيب الإسناد وإن كان ظاهر الإسناد الصحة، فإننا إذا نظرنا إلى رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله نجد أن ظاهرها الحسن والصحة والجودة، ولكن إذا نظرنا إلى هذا التركيب نجد أن ابن أبي ذئب مع كونه له أحاديث عن جابر بن عبد الله إلا أنه لا تعرف له رواية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وهذا مرده إلى السبر؛ وأنه ينبغي لطالب العلم أن يسبر أحاديث الرواة، فيكون سابراً مثلاً لأحاديث جابر بن عبد الله ، وسابراً أيضاً لأحاديث أصحابه، فما خرج عن تلك القاعدة من رواية المشهورين فإنه لا ينبغي قبوله مع ظهور التوثيق فيه.

والعلة في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله يظهر أنها فيمن دون ابن أبي ذئب ، فإن ابن أبي ذئب مع كونه ثقة، وروايته عن أبي الزبير , و أبو الزبير أيضاً ثقة ويروي عن جابر بن عبد الله ؛ فالوهم حينئذ من غيرهم, فكان هذا الإسناد مركباً.

وبه نعلم أن معرفة الأسانيد المركبة والمقلوبة حيث أبدل راو براو أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسان إلا بإدامة نظر, وضبط للأسانيد, ومعرفة للشيوخ والتلاميذ، فإذا نظرنا في ترجمة ابن أبي ذئب فإننا لا نجد أنهم يذكرون من شيوخه أبا الزبير ، وكذلك حينما يترجمون لـمحمد بن مسلم بن تدرس وهو: أبو الزبير لا يذكرون من تلامذته ابن أبي ذئب ، وبهذا نعلم أن هذا من القرائن التي تدل على نكارة هذا الطريق.

وبه نعلم أيضاً أن هذا الطريق الذي يروى به مرفوعاً أنه منكر، والحمل في ذلك على الحسين بن يزيد , فإنه قد تفرد بهذه الرواية، وهو مضعف ولين الحديث.

وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح، والصواب في هذا الوقف.

وهل هذا الوقف صحيح ويقال به؟

أولاً: يقال بالنسبة لرفعه فإنه منكر ولا يصح؛ وذلك لما تقدم من الترجيح في أبواب الإسناد.

ثانياً: لما ثبت في ظاهر كلام الله جل وعلا، وظواهر النصوص من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عمل الصحابة أن ميتة البحر حلال بالإطلاق، سواء ما طفى عليه ميتاً أو ما قذفه البحر.

وهذا الحديث حديث جابر بن عبد الله يفرق بين الحالين، أن ما قذف به البحر بأمواجه إلى الشاطئ ومات على ذلك ووجد ميتاً، وما جزر عنه البحر، بمعنى: أنه كان على سطحه ثم جزر عنه البحر وبقي على أطرافه فهذا حلال، وأما ما طفى عليه ميتاً فهذا حرام، وهذا التفريق لا دليل عليه، والأصل في ميتة البحر أنها حلال، وجاء النص في ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحليل ميتة البحر الطافية, فجاء عن أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب و أبي هريرة و أبي أيوب و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر , وجاء أيضاً عن جماعة من فقهاء البلدان، فروي هذا عن سعيد بن المسيب , و عطاء بن أبي رباح , و مكحول و قتادة و إبراهيم النخعي ، وجماعة من فقهاء الكوفة وغيرهم، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله نفسه, -وهذا أيضاً من وجوه الإعلال- من الإطلاق في حلية ميتة البحر على سبيل العموم، وهذه القرائن التي دلت على نكارة هذا الحديث مرفوعاً.

لكن هل تدل على نكارته موقوفاً أم لا؟

بعض العلماء يميل إلى نكارته موقوفاً أيضاً, باعتبار أن ما عليه عمل الصحابة وظواهر الأدلة يخالف ذلك، وأنه يبعد على جابر بن عبد الله أن يفتي بمثل هذا القول، ويقال: إن إعلال الحديث مرفوعاً لا إشكال فيه، وأما بالنسبة للوقف فالإعلال فيه نظر، وذلك أن الأسانيد في ذلك صحيحة، فإنه قد رواه جماعة عن أبي الزبير , فرواه أيوب و ابن جريج و زهير و سفيان الثوري و حماد بن سلمة كلهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه، وقد صحح الوقف غير واحد من الأئمة ورجحه على الرفع، واحتمال ضعف الموقوف فيه نظر؛ وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يجتهدون في أبواب التصحيح وفي أبواب الأحكام؛ ففي أبواب الحلال والحرام لهم اجتهادات في ذلك يخالف بعضهم بعضاً، فالإعلال بمجرد ذلك فيه ما فيه، وأما كون ذلك ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصح عنه فإنه بحاجة إلى نقله بما هو أصلح وأقوى من هذه الطريق، خاصة لثبوت العموم في كلام الله جل وعلا بحل ميتة البحر، وكذلك ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم معنا في حديث أبي هريرة : ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، وما جاء في حديث عبد الله بن عمر : ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وغير ذلك من الأحاديث.

تفرد الراوي عن شيخه برواية حديث في مسائل الأصول دون غيره من مشاهير زملائه

ومن قرائن التعليل التي يستفاد منها في الكلام على هذا الخبر، النفس الذي ظهر من كلام البخاري بإعلاله لهذا الحديث أنه قال: بتركيب طريق ابن أبي ذئب عن أبي الزبير ، وهذا حينما يقف عليه، وقد وقف عليه بعض المتأخرين وحكم عليه بالصحة، باعتبار أن ابن أبي ذئب قد تابع إسماعيل بن أمية في روايته عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وقال: هذه المتابعة قوية وتكون حينئذ صحيحة، وهذا فيه نظر فإن تراكيب الإسناد مردها إلى معرفة الأخذ، فــأبو الزبير له أحاديث كثيرة عن جابر بن عبد الله ، وهذه الأحاديث التي يرويها أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أخذها عنه أصحابه، وثمة من أصحابه من هو مشهور بالأخذ عنه، وممن أخذ عنه شعبة بن الحجاج وجماعة، وأمثال هذه الرواية التي تروى بمثل هذا الأصل الذي جاء النص فيه في كلام الله جل وعلا وتفرد به من هو دونه دليل على النكارة ولو لم يركب الإسناد؛ لأنه بحاجة إلى ما هو أقوى من ذلك.

ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يتكلم على حديث من الأحاديث ووجد متابعات أن ينظر في الشيوخ والتلاميذ، وأن ينظر في بلدان المحدثين وأصحابهم، وأن ينظر في عدد الأحاديث التي رواها، فإذا نظرنا في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير فإننا لا نجد له أحاديث إلا هذا الحديث, وهذا من علامات النكارة التي يرد بها الحديث.

وهذا الإعلال من البخاري عليه رحمة الله لرواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير هو إعلال مهم لطالب العلم أن يتوقف عنده، والمراد من هذا أن طالب العلم لا ينبغي له أن ينظر إلى ذات الرواة ورسومهم، وإنما ينظر إلى تراكيب الإسناد وإن كان ظاهر الإسناد الصحة، فإننا إذا نظرنا إلى رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله نجد أن ظاهرها الحسن والصحة والجودة، ولكن إذا نظرنا إلى هذا التركيب نجد أن ابن أبي ذئب مع كونه له أحاديث عن جابر بن عبد الله إلا أنه لا تعرف له رواية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وهذا مرده إلى السبر؛ وأنه ينبغي لطالب العلم أن يسبر أحاديث الرواة، فيكون سابراً مثلاً لأحاديث جابر بن عبد الله ، وسابراً أيضاً لأحاديث أصحابه، فما خرج عن تلك القاعدة من رواية المشهورين فإنه لا ينبغي قبوله مع ظهور التوثيق فيه.

والعلة في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله يظهر أنها فيمن دون ابن أبي ذئب ، فإن ابن أبي ذئب مع كونه ثقة، وروايته عن أبي الزبير , و أبو الزبير أيضاً ثقة ويروي عن جابر بن عبد الله ؛ فالوهم حينئذ من غيرهم, فكان هذا الإسناد مركباً.

وبه نعلم أن معرفة الأسانيد المركبة والمقلوبة حيث أبدل راو براو أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسان إلا بإدامة نظر, وضبط للأسانيد, ومعرفة للشيوخ والتلاميذ، فإذا نظرنا في ترجمة ابن أبي ذئب فإننا لا نجد أنهم يذكرون من شيوخه أبا الزبير ، وكذلك حينما يترجمون لـمحمد بن مسلم بن تدرس وهو: أبو الزبير لا يذكرون من تلامذته ابن أبي ذئب ، وبهذا نعلم أن هذا من القرائن التي تدل على نكارة هذا الطريق.

وبه نعلم أيضاً أن هذا الطريق الذي يروى به مرفوعاً أنه منكر، والحمل في ذلك على الحسين بن يزيد , فإنه قد تفرد بهذه الرواية، وهو مضعف ولين الحديث.

وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح، والصواب في هذا الوقف.

وهل هذا الوقف صحيح ويقال به؟

أولاً: يقال بالنسبة لرفعه فإنه منكر ولا يصح؛ وذلك لما تقدم من الترجيح في أبواب الإسناد.

ثانياً: لما ثبت في ظاهر كلام الله جل وعلا، وظواهر النصوص من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عمل الصحابة أن ميتة البحر حلال بالإطلاق، سواء ما طفى عليه ميتاً أو ما قذفه البحر.

وهذا الحديث حديث جابر بن عبد الله يفرق بين الحالين، أن ما قذف به البحر بأمواجه إلى الشاطئ ومات على ذلك ووجد ميتاً، وما جزر عنه البحر، بمعنى: أنه كان على سطحه ثم جزر عنه البحر وبقي على أطرافه فهذا حلال، وأما ما طفى عليه ميتاً فهذا حرام، وهذا التفريق لا دليل عليه، والأصل في ميتة البحر أنها حلال، وجاء النص في ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحليل ميتة البحر الطافية, فجاء عن أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب و أبي هريرة و أبي أيوب و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر , وجاء أيضاً عن جماعة من فقهاء البلدان، فروي هذا عن سعيد بن المسيب , و عطاء بن أبي رباح , و مكحول و قتادة و إبراهيم النخعي ، وجماعة من فقهاء الكوفة وغيرهم، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله نفسه, -وهذا أيضاً من وجوه الإعلال- من الإطلاق في حلية ميتة البحر على سبيل العموم، وهذه القرائن التي دلت على نكارة هذا الحديث مرفوعاً.

لكن هل تدل على نكارته موقوفاً أم لا؟

بعض العلماء يميل إلى نكارته موقوفاً أيضاً, باعتبار أن ما عليه عمل الصحابة وظواهر الأدلة يخالف ذلك، وأنه يبعد على جابر بن عبد الله أن يفتي بمثل هذا القول، ويقال: إن إعلال الحديث مرفوعاً لا إشكال فيه، وأما بالنسبة للوقف فالإعلال فيه نظر، وذلك أن الأسانيد في ذلك صحيحة، فإنه قد رواه جماعة عن أبي الزبير , فرواه أيوب و ابن جريج و زهير و سفيان الثوري و حماد بن سلمة كلهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه، وقد صحح الوقف غير واحد من الأئمة ورجحه على الرفع، واحتمال ضعف الموقوف فيه نظر؛ وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يجتهدون في أبواب التصحيح وفي أبواب الأحكام؛ ففي أبواب الحلال والحرام لهم اجتهادات في ذلك يخالف بعضهم بعضاً، فالإعلال بمجرد ذلك فيه ما فيه، وأما كون ذلك ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصح عنه فإنه بحاجة إلى نقله بما هو أصلح وأقوى من هذه الطريق، خاصة لثبوت العموم في كلام الله جل وعلا بحل ميتة البحر، وكذلك ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم معنا في حديث أبي هريرة : ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، وما جاء في حديث عبد الله بن عمر : ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وغير ذلك من الأحاديث.

ومن قرائن التعليل التي يستفاد منها في الكلام على هذا الخبر، النفس الذي ظهر من كلام البخاري بإعلاله لهذا الحديث أنه قال: بتركيب طريق ابن أبي ذئب عن أبي الزبير ، وهذا حينما يقف عليه، وقد وقف عليه بعض المتأخرين وحكم عليه بالصحة، باعتبار أن ابن أبي ذئب قد تابع إسماعيل بن أمية في روايته عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وقال: هذه المتابعة قوية وتكون حينئذ صحيحة، وهذا فيه نظر فإن تراكيب الإسناد مردها إلى معرفة الأخذ، فــأبو الزبير له أحاديث كثيرة عن جابر بن عبد الله ، وهذه الأحاديث التي يرويها أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أخذها عنه أصحابه، وثمة من أصحابه من هو مشهور بالأخذ عنه، وممن أخذ عنه شعبة بن الحجاج وجماعة، وأمثال هذه الرواية التي تروى بمثل هذا الأصل الذي جاء النص فيه في كلام الله جل وعلا وتفرد به من هو دونه دليل على النكارة ولو لم يركب الإسناد؛ لأنه بحاجة إلى ما هو أقوى من ذلك.

ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يتكلم على حديث من الأحاديث ووجد متابعات أن ينظر في الشيوخ والتلاميذ، وأن ينظر في بلدان المحدثين وأصحابهم، وأن ينظر في عدد الأحاديث التي رواها، فإذا نظرنا في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير فإننا لا نجد له أحاديث إلا هذا الحديث, وهذا من علامات النكارة التي يرد بها الحديث.

الحديث الثاني: حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك ).

هذا الحديث رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه ، و الدارمي و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم وجماعة من حديث إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه أبو بردة بن عبد الله بن قيس عن عائشة عليها رضوان الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد تفرد بروايته إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ، و يوسف بن أبي بردة لا تعرف حاله وهو من المستورين، وهذا الحديث قد جاء من هذا الوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ بقوله: ( غفرانك ).

قد جاء عند ابن خزيمة في بعض النسخ: ( غفرانك ربنا وإليك المصير )، وجاء في نسخة: ( غفرانك وإليك المصير )، وهذه الزيادة زيادة منكرة، قد أنكرها غير واحد من الأئمة كالإمام البيهقي عليه رحمة الله تعالى كما في كتابه السنن، وقال: لعله زادها بعض أصحابه، أو بعض النساخ فزادها فيه؛ وذلك لعدم ورودها في مجموع المصنفات والطرق التي جاءت في الحديث عن إسرائيل عن يوسف بهذا, فلم تأتي من وجه من الوجوه.

قد جاءت في بعض النسخ كما ذكر البيهقي وغيره كـابن الملقن أنه قد جاء هذا الحديث في بعض النسخ الصحيحة، ولم تذكر هذه الزيادة مما يدل على اطراحها وعدم صحتها.

وهذا الحديث قد تفرد به يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة , وهو كما قال أبو حاتم : أصح شيئاً جاء في هذا الباب، والتفرد في ذلك قد نص عليه الترمذي و البزار و الدارقطني و الطبراني وغيرهم.

وأما قول أبو حاتم عليه رحمة الله: أنه أصح شيء جاء في هذا الباب، فيظهر من كلامه أنه يعل ما جاء في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: في أبواب الدعاء عند الخروج من الخلاء، لا عند الدخول، فإن حديث الدخول في الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث )، ومراده بذلك عند الخروج.

والغرابة في هذا الحديث في قول بعض الأئمة كـالبزار والترمذي وغيرهم: أنه لا يعرف إلا من حديث يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى، فيقال: إن مرادهم بذلك أنه لا يعرف من وجه يحتمل ويثبت، وإلا فقد جاء من وجه آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حديث عائشة ، فقد رواه ابن عدي في كتابه الكامل من حديث علباء بن أحمر و عبد الله بن بريدة عن أبيه، و علباء بن أحمر يرويه عن علي بن أبي طالب ، و عبد الله بن بريدة يرويه عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا الخبر منكر؛ فقد تفرد به حفص ، كما ذكر ذلك ابن عدي في كتابه الكامل، ولا يصح هذا الحديث إلا من حديث عائشة .

وأما العلة التي أعله بها بعض العلماء فإن هذا الحديث قد أعله بعض الحفاظ كـابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية، فإنه أورد هذه الخبر في كتابه الموضوعات، وكذلك ذكره الدارقطني عليه رحمة الله في كتابه الأفراد والغرائب, وقال: إنه قد تفرد به يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة وهو معل له بذلك.

وقد أعله أيضاً في ظاهر سياقه الذهبي عليه رحمة الله في كتابه ميزان الاعتدال، فإنه أورد هذا الحديث في ترجمة يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى.

بعض قرائن قبول حديث: (كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)

وهذا الحديث قد احتمله بعض الأئمة ولم يعله جماعة منهم ممن تكلم عليه، وإنما استعملوا عبارة أخرى وهي قولهم: أصح شيء في الباب، كما جاء عن أبي حاتم كما نقل عنه ابن أبي حاتم في كتابه العلل قوله: أصح شيء في الباب، مع كون الحديث في هذه العلة وتفرد يوسف وهو مستور إشارة إلى احتمال قبوله، واحتمال القبول جاء من وجه وهو أن يوسف بن أبي بردة مع كونه مستوراً فإنه يروي عن أبيه، ورواية المستور عن أبيه الثقة، وأبوه هو ابن أبي موسى الأشعري ، و ابن أبي موسى معروف وهو من الأئمة الثقات، يروي عن أبيه وعن عائشة عليها رضوان الله تعالى، ويروي أيضاً عن جماعة، فرواية المستور عن أبيه وهو أدرى بأبيه وإن كان مستوراً, فإذا أمنا نكارة المتن، وكذلك عرفنا القربى بين الراوي المستور وشيخه فإن هذا من قرائن القبول.

كذلك فإن الذي تفرد بروايته عنه إسرائيل وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي هو من الثقات النبلاء, وهو من رجال الصحيحين، وقد رواه عن إسرائيل بن يونس جماعة من الثقات، وعنه اشتهر واستفاض.

فلهذا يقال: بأن هذا الحديث محتمل التحسين ولا بأس به، ومن أعله فإعلاله فيه نظر؛ وذلك لما تقدمت الإشارة إليه.

الأمر الثاني: أن هذا الحديث لم يرو في بابه ما هو أقوى منه كحال الدخول، ولو ورد في الباب ما هو أقوى منه لملنا إلى إعلاله.

وقول أبي حاتم عليه رحمة الله: أصح شيء في الباب، إشارة إلى أنه ما جاء في الباب ما هو أصح منه فيعل، ولو ورد في الباب ما هو أقوى منه بإسناد أظهر قوة لدعانا إلى إعلاله، ولما كان كذلك لم يرد في الباب إلا هو فاحتمل.

الأمر الثالث: أن هذا الحديث في أبواب الأدعية والأذكار, وهو من أدنى مراتبها لا من أعلاها، وذلك أن الأذكار التي يراد منها حمد لله سبحانه وتعالى، ويراد منها حرز، والحرز يكون قبل مباشرة الحدث، يعني: قبل دخول الإنسان إلى الخلاء، ولهذا الدخول إلى الخلاء جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك بأسانيد كالشمس، وأما حديث الخروج لكونه متضمناً لحمد الله سبحانه وتعالى على نعمته فكان دون الدخول مرتبة, فحمل من هو دون ذلك، والرواة الكبار في روايات الأدعية والأذكار يهتمون بضبط الأحاديث التي فيها حرز في بابها، وأما ما كانت من جملة مطلق الأدعية والأذكار التي لا تتضمن حرزاً وإنما من الأذكار التي يثاب عليها الإنسان من حمد الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وغير ذلك، فإن هذا يرويه الواحد منهم ويدعه الجماعة، وهذا ظاهر في هذا الحديث.

وأيضاً فإن ذلك دلت عليه الأصول العامة وهو أن الإنسان إذا أزال الله جل وعلا عنه الأذى فإنه يحمد الله سبحانه وتعالى على ما أنعم عليه من زوال ذلك.

واختلف تعليل العلماء في سبب سؤال الله الغفران في علل مختلفة متباينة، ولا يظهر لي رجحان شيء منها.

وهذا يؤخذ منه أن الراوي المجهول لا يعل بإطلاق, وإنما يحتمل قبول روايته في بعض الأحيان، بالنظر إلى جملة القرائن المحتفة ببعض المتون، وكذلك النظر إلى شيوخه؛ فإذا كان مجهولاً يروي عن أبيه أو عن أمه، أو كان من النساء، أو أبوه أو جده ونحو ذلك, أو من بيت صحبة ونحو ذلك فإن ثمة وازعاً من الطبع يبعده عن الخلط المتعمد، أو عدم العناية بضبط المرويات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن يوسف بن أبي بردة يروي عن أبيه وجده أبي موسى الأشعري عليه رضوان الله تعالى، و أبو بردة هو من أجل التابعين وخيارهم وفضلائهم، وكذلك فإن روية الثقة عنه وهو إسرائيل مع تفرده بهذا الحديث وإخراج الأئمة لهذا الحديث في هذا الباب من قرائن قبوله.

وهذا الحديث قد احتمله بعض الأئمة ولم يعله جماعة منهم ممن تكلم عليه، وإنما استعملوا عبارة أخرى وهي قولهم: أصح شيء في الباب، كما جاء عن أبي حاتم كما نقل عنه ابن أبي حاتم في كتابه العلل قوله: أصح شيء في الباب، مع كون الحديث في هذه العلة وتفرد يوسف وهو مستور إشارة إلى احتمال قبوله، واحتمال القبول جاء من وجه وهو أن يوسف بن أبي بردة مع كونه مستوراً فإنه يروي عن أبيه، ورواية المستور عن أبيه الثقة، وأبوه هو ابن أبي موسى الأشعري ، و ابن أبي موسى معروف وهو من الأئمة الثقات، يروي عن أبيه وعن عائشة عليها رضوان الله تعالى، ويروي أيضاً عن جماعة، فرواية المستور عن أبيه وهو أدرى بأبيه وإن كان مستوراً, فإذا أمنا نكارة المتن، وكذلك عرفنا القربى بين الراوي المستور وشيخه فإن هذا من قرائن القبول.

كذلك فإن الذي تفرد بروايته عنه إسرائيل وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي هو من الثقات النبلاء, وهو من رجال الصحيحين، وقد رواه عن إسرائيل بن يونس جماعة من الثقات، وعنه اشتهر واستفاض.

فلهذا يقال: بأن هذا الحديث محتمل التحسين ولا بأس به، ومن أعله فإعلاله فيه نظر؛ وذلك لما تقدمت الإشارة إليه.

الأمر الثاني: أن هذا الحديث لم يرو في بابه ما هو أقوى منه كحال الدخول، ولو ورد في الباب ما هو أقوى منه لملنا إلى إعلاله.

وقول أبي حاتم عليه رحمة الله: أصح شيء في الباب، إشارة إلى أنه ما جاء في الباب ما هو أصح منه فيعل، ولو ورد في الباب ما هو أقوى منه بإسناد أظهر قوة لدعانا إلى إعلاله، ولما كان كذلك لم يرد في الباب إلا هو فاحتمل.

الأمر الثالث: أن هذا الحديث في أبواب الأدعية والأذكار, وهو من أدنى مراتبها لا من أعلاها، وذلك أن الأذكار التي يراد منها حمد لله سبحانه وتعالى، ويراد منها حرز، والحرز يكون قبل مباشرة الحدث، يعني: قبل دخول الإنسان إلى الخلاء، ولهذا الدخول إلى الخلاء جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك بأسانيد كالشمس، وأما حديث الخروج لكونه متضمناً لحمد الله سبحانه وتعالى على نعمته فكان دون الدخول مرتبة, فحمل من هو دون ذلك، والرواة الكبار في روايات الأدعية والأذكار يهتمون بضبط الأحاديث التي فيها حرز في بابها، وأما ما كانت من جملة مطلق الأدعية والأذكار التي لا تتضمن حرزاً وإنما من الأذكار التي يثاب عليها الإنسان من حمد الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وغير ذلك، فإن هذا يرويه الواحد منهم ويدعه الجماعة، وهذا ظاهر في هذا الحديث.

وأيضاً فإن ذلك دلت عليه الأصول العامة وهو أن الإنسان إذا أزال الله جل وعلا عنه الأذى فإنه يحمد الله سبحانه وتعالى على ما أنعم عليه من زوال ذلك.

واختلف تعليل العلماء في سبب سؤال الله الغفران في علل مختلفة متباينة، ولا يظهر لي رجحان شيء منها.

وهذا يؤخذ منه أن الراوي المجهول لا يعل بإطلاق, وإنما يحتمل قبول روايته في بعض الأحيان، بالنظر إلى جملة القرائن المحتفة ببعض المتون، وكذلك النظر إلى شيوخه؛ فإذا كان مجهولاً يروي عن أبيه أو عن أمه، أو كان من النساء، أو أبوه أو جده ونحو ذلك, أو من بيت صحبة ونحو ذلك فإن ثمة وازعاً من الطبع يبعده عن الخلط المتعمد، أو عدم العناية بضبط المرويات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن يوسف بن أبي بردة يروي عن أبيه وجده أبي موسى الأشعري عليه رضوان الله تعالى، و أبو بردة هو من أجل التابعين وخيارهم وفضلائهم، وكذلك فإن روية الثقة عنه وهو إسرائيل مع تفرده بهذا الحديث وإخراج الأئمة لهذا الحديث في هذا الباب من قرائن قبوله.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الطهارة [24] 2421 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [15] 2391 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [23] 2334 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [29] 2271 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [26] 2246 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [14] 2072 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [18] 1947 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [28] 1787 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [2] 1680 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [12] 1635 استماع