الأحاديث المعلة في الطهارة [29]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأول أحاديث اليوم هو: حديث أبي بن عمارة أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أأمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثاً؟ قال: وما شئت ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والدارقطني وغيرهم، من حديث عبد الرحمن بن زيد عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن الكندي عن أبي بن عمارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث مع الجهالة في إسناده فإن عبد الرحمن بن زيد، وفي بعض الأسانيد يقال رزين، ومحمد بن يزيد بن أبي زياد وأيوب بن قطن كلهم مجاهيل، ومع الجهالة في إسناده قد وقع في هذا الحديث اضطراب؛ فإنه جاء من هذا الوجه من حديث أيوب بن قطن الكندي عن أبي بن عمارة عن رسول الله، تارة يجعل من حديث محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة، وتارة يجعل من حديث أيوب بن قطن عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة فيجعل بينهما عبادة بن نسي.

والحديث بكل حال ضعيف، وهو من جهة المتن منكر؛ وإنما كانت نكارته لعدم التوقيت، وذلك أن المسح على الخفين، كما هو معلوم في عمل السلف الصالح وكذلك ظواهر النصوص محدد بالنسبة للمقيم وبالنسبة للمسافر أيضاً، كما جاء في حديث صفوان بن عسال، وكذلك في حديث جابر بن عبد الله، وهي أيضاً فتاوى كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتن في ذلك منكر.

وقد جاء في هذا عند الإمام أحمد، وهو الحديث الثاني من حديث عمر بن إسحاق بن يسار عن عمه عطاء بن يسار أن عمر قرأ في كتاب عطاء بن يسار وعطاء حاضر، قال: ( سألت ميمونة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين، تمسح كل ساعة منه ولا تنزعه؟! قال عليه الصلاة والسلام: نعم ).

هذا الحديث هو أمثل شيء جاء في الإطلاق مع إعلاله، وعلته هي تفرد عمر بن إسحاق بن يسار، وعمر بن إسحاق بن يسار هو أخو محمد بن إسحاق صاحب السيرة المعروف، وهو مقل الراوية جداً، ويروي عن عمه عطاء بن يسار، ويروي عن غيره، وقد تفرد بهذا الحديث، وقد قال الدارقطني ليس بقوي، وهذا الحديث قد نقول بنكارته؛ لتفرد عمر بن إسحاق به، وقد سئل الإمام أحمد عليه رحمة الله عن عمر بن إسحاق فأجاب: أنه أخو محمد بن إسحاق، فسئل مرة أخرى عنه؛ فسكت.

والإمام أحمد لا يسكت عن راوٍ ثقة، وإنما يسكت إما عن مجهول، وإما عن شخص فيه ريبة، ولم يتفرد بشيء من الأحكام التي تغيّر حكماً من أحكام الشريعة، وهذا الحديث محتمل، والعلماء إذا أردنا أن ننظر إلى احتجاجات العلماء من الفقهاء الأربعة نجد أن هذا الحديث لا يدور عندهم، وهو من أقل الأحاديث دوراناً في هذا الباب في مسألة عدم تحديد الوقت للمسح على الخفين.

وقد قال أبو زرعة: سألت الإمام أحمد رحمه الله عن حديث ميمونة في المسح على الخفين كل ساعة، قال: نعم، فقال: هو كتاب. يعني: قرأه عمر بن إسحاق من كتاب عطاء.

في قول الإمام أحمد: هو كتاب إشارة إلى أن الوجادة المجردة أنها لا يحتج بها إلا لقرينة؛ وسبب عدم الاحتجاج بالوجادة أنك إذا وجدت في كتاب أحد أن الكتاب قد يكون المراد منه المذاكرة والمدارسة، وقد يطرأ في الكتاب الذي يكتبه الإنسان شك وريب، ويضعه للتذكر، وليس المراد بذلك الإقرار فهو يكتب، ولكنه لا يحدّث به للريبة، كحال الإنسان مثلاً يقيد بعض المسائل وهو في ريب منها يريد أن يستوثق من غيره، فإذا وجدها شخص في كتابه فقال: وجدت في كتاب فلان كذا وكذا، فهذا لا يعد عمدة على الإطلاق، حتى يعتمده بقوله، أو يكتب به ويعطيه إجازة؛ ولهذا الإمام أحمد عليه رحمة الله توقف في هذا الحديث، ولم يقل بالاحتجاج به مع أنه سئل عنه بعينه.

ومن النكارة في هذا: أن المتن الوارد في هذا الحديث يقتضي بطلان الوضوء، وبطلان الوضوء يقتضي بطلان الصلاة، وإذا قلنا: إن خروج الوقت بالنسبة للمقيم وهو الأغلب، أن الناس في الغالب أنهم أصحاب إقامة، فهو ناقض دائم.

إذا قلنا: بأن خروج اليوم والليلة عن الإنسان ناقض بالنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث.

من جهة الثبوت يجب فيه أن يثبت الدليل بأقوى الأسانيد؛ لأنه ناقض يومي، والعلماء يقولون: إن من صلى زيادة عن اليوم والليلة مسحًا، أنه يعيد الصلاة، الزيادة عن اليوم والليلة بالإطلاق. نقول: وإن كانت لا تدخل في أبواب الإعلال باعتبار أنها مخالفة للناقض؛ فالناقض هنا هو في اليوم والليلة، ولكن هذا الحديث، وكذلك حديث أبي بن عمارة هو حديث يفتح الباب للمسح فلا يجعل ناقضاً، نقول: إنه لا يجعل ناقضاً، لكن على أقل أحواله إننا نطلب قوة الإسناد وتفوق الأسانيد التي جاءت في إثبات النقض على أقل الأحوال؛ وذلك أن هذا يتعلق بمسألة من مسائل الصلاة، فيجب على الإنسان أن يحتاط فيها.

الحديث الثالث في هذا: ما جاء من حديث عبد الله بن عباس أنه قال: ( من السنة ألا يصلي المتيمم بتيممه إلا وضوءً واحداً ).

هذا الحديث رواه عبد الرزاق في كتاب المصنف، ورواه الدارقطني من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس.

وقوله: من السنة الأصل فيه أنه له حكم الرفع.

وتفرد بهذا الحديث الحسن بن عمارة وهو متروك كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله.

وهذا مع ضعف إسناده نقول بنكارة متنه جداً؛ وذلك أنه يتضمن أنه بمجرد خروج الوقت انتقض وضوء الإنسان، بل يقال: إنه أشد من ذلك، أنه يجب عليه أن يصلي عليه صلاة واحدة، فإذا كان يريد أن يصلي صلاتين مجموعتين يجب عليه أن يتيمم مرتين، وهذا يلزم معه أن يرد فيه الإسناد أقوى من سائر النواقض؛ لأن سائر النواقض عارضة وهذا ناقض دائم، بحيث أن الإنسان بمجرد ما يصلي انتقض تيممه، وهذا يقال بعدم وجوده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال حينئذ بنكارة هذا المتن الوارد في قوله من السنة.

ومن السنة هنا على التباين عند العلماء، ولكن الذي عليه الجماهير أن لها حكم الرفع.

الحديث الرابع في هذا: هو ما جاء في حديث محمد بن سنان عن عمرو عن هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين ).

هذا الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التيمم حديث منكر؛ وذلك أنه قد تفرد برفعه محمد بن سنان في روايته عن عمرو عن هشام، ومحمد بن سنان قد تقدم معنا أن في حديثه ضعف، وهو لين الحديث، وقد تفرد بهذا الحديث وجعله مرفوعاً، والصواب في هذا الحديث الوقف، ولكن ليس فيه المرفقان.

وهذا الحديث جاء موقوفاً على عبد الله بن عمر يرويه سائر أصحاب نافع، فرواه عن نافع جماعة؛ رواه يحيى بن سعيد، ورواه كذلك عبد الله بن عمر العمري، ورواه أيضاً عبيد الله بن عمر العمري من وجهٍ آخر يروونه عن نافع عن عبد الله بن عمر موقوفاً، وكذلك رواه سالم عن نافع عن عبد الله بن عمر موقوفاً وهذا هو الصواب.

وهذا الحديث في أن التيمم على ضربتين جاء فيه جملة من الأحاديث الضعيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمثلها هو حديث عبد الله بن عمر، والبقية أحاديث واهية لا تخلو من مجاهيل ومناكير وليست هي على شرطنا.

الحديث الخامس في هذا: هو حديث نافع عن عبد الله بن عمر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يتيمم، فضرب ضربة فمسح وجهه، وضرب أخرى فمسح كفيه ).

وهذا الحديث تفرد به محمد بن ثابت العبدي عن نافع عن عبد الله بن عمر، ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف الحديث وسائر أصحاب نافع، كما تقدم يجعلون هذا الحديث موقوفاً على عبد الله بن عمر.

الحديث السادس: ما يرويه نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام تيمم وهو في مربد للنعم )، وهو المكان يكون للإبل توسم به ويكون مراحاً لها، ( وهو يرعى بيوت المدينة ).

هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم مع إمكانه أو مع رؤيته البيوت، والبيوت فيها الماء، ولكن هذا الحديث منكر، لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، وعلته في هذا التفرد، والعلة في حديث نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى التفرد في ذلك، والتفرد في هذا أن سائر أصحاب نافع يروونه عن نافع عن عبد الله بن عمر، ويجعلونه من فعل عبد الله بن عمر.

وهذا الحديث يرويه محمد بن سنان أيضاً عن عمرو عن هشام عن عبيد الله، ويجعلونه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصواب فيه الوقف. رواه مالك بن أنس في كتابه الموطأ، ورواه أيضاً أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر، ورواه سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر، ورواه أبو معشر عن نافع عن عبد الله بن عمر، كل هؤلاء يروونه عن نافع عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه. يعني: هو الذي تيمم في مربد الإبل، وهو يرى بيوت المدينة.

وهذا الحديث له شاهد وهو الحديث السابع في حديثنا هذا، وهو حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم، فقيل له: إنه في مكان ما ماءً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أدري أأصل إليه، أم أبلغه، أم لا؟ ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عبد الله بن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن لهيعة قد تفرد بهذا الحديث وحديثه ضعيف، ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تيمم وهو يشاهد الماء أو يشاهد البيوت، بغض النظر عن هذه المسألة من جهة الراجح والمرجوح، ولكن الأحاديث في هذا الباب كلها معلولة.

وهذا الحديث حديث عبد الله بن عباس كما تقدم تفرد به عبد الله بن لهيعة، وحديث عبد الله بن لهيعة ضعيف على الدوام.

وللعلماء في عبد الله بن لهيعة كلام كثير؛ فهو ضعيف من جهة أصل حديثه، ثم اختلط؛ وذلك باحتراق كتبه فقد فقدها ثم اختلط، فلم يكن لديه كتب، وكان يرجع إليها عند الاستشكال، والأصل فيه أنه يحدث من حفظه، فزاد على ضعف ضعفاً، ولو كان يروي من كتاب قبل ذلك لاحتمل حديثه القبول، ولكن يقال: إن في مروياته الضعف، ولكن من يروي عنه قديماً حديثه أحسن من غيره، كحال العبادلة: كـعبد الله بن مبارك، وعبد الله بن وهب وغيرهم، ولكن الأصل أن حديثه سواء، يقول أبو حاتم رحمه الله: عبد الله بن لهيعة حديثه أوله وآخره سواء.

شاع في استعمالات كثير من المتأخرين أن عبد الله بن لهيعة من روى عنه من العبادلة فإن حديثه حسن، ومن روى عنه من غيرهم فإن حديثه ضعيف، ومنهم من يزيد على العبادلة كل من روى عنه من المتقدمين ممن روى عنه قبل اختلاط واحتراق كتبه.

والذي يظهر، والله أعلم أن عبد الله بن لهيعة أن الذي روى عنه قبل اختلاطه كثير، ولا يقتصر هذا على العبادلة، فقد روى عنه ذلك جماعة من الرواة كـقتيبة بن سعيد ووكيع وغيرهم، يروون عن عبد الله بن لهيعة أحاديث وحديثهم عنه ضعيف.

ولكن نستطيع أن نقسم أحاديث عبد الله بن لهيعة من جهة الضبط أو سهولة أو يسر الضعف أن نقول: إن ما يرويه عبد الله بن لهيعة قبل احتراق كتبه، ويرويه عنه أصحابه القدامى في أبواب القضاء فهذا أمثل حديثه؛ لأن عبد الله بن لهيعة كان قاضياً، والإنسان حين يمارس عملاً فإنه أقرب الناس إلى معرفة الأحكام وضبطها؛ ولهذا نجد أن الاختصاص عند العلماء معتبر، كحال بعض الرواة الذين يروون أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام فيضعفون ولكنهم أئمة في أبواب، كأبواب القراءات كـحفص بن عاصم، ونافع، وغيرهم، هؤلاء من جهة الرواية ضعفاء، ومن جهة ما يروونه في أبواب القراءة هم أئمة كبار، وعلى هذا نقول: إن الاختصاص في معرفة حال الراوي مطلب، هذه هي المرتبة الأولى.

يليها بعد ذلك مرتبة ما يروى عن عبد الله بن لهيعة من قدماء أصحابه عنه، ولكن في غير أبواب القضاء، فهذا يلي تلك المرتبة.

ثم بعد ذلك المرتبة الثالثة بعد هذا يقال: ما يرويه عبد الله بن لهيعة في أبواب القضاء فيما يرويه عنه من روى عنه بعد الاختلاط في آخر أمره.

ثم المرتبة الرابعة في ذلك: من روى عنه بعد الاختلاط في غير أبواب القضاء، فيكون حينئذٍ لدينا حديث على أربع مراتب.

وإنما ذكرنا أبواب القضاء أنه بالسبر لأحاديث عبد الله بن لهيعة في أمور القضاء أنها أمثل الأحاديث مع وجود الخطأ فيها، إلا أنها أقل الأحاديث خطأً، وهي بحاجة للتوقف فيها أيضاً عند التفرد، وذكرنا مراراً أن الاختصاص مطلب للتدقيق، وهذا الاختصاص له وجوه وقرائن وصور منها أن يكون الرجل مؤذناً، ومنها أن يكون الرجل مثلاً إماماً، أو يكون الرجل مثلاً مهتماً بالبيوع (تاجراً)، أو يكون الرجل مثلاً من أهل الجهاد في سبيل الله، أو أهل الأقضية، أو أهل القراءة، أو أهل السير والمغازي ونحو ذلك، هؤلاء في بابهم يضبطون مالا يضبطه غيرهم، وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له حال البحث عن الرواة وينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار.

وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك وإنما جاء فيه جملة من الأحاديث الموقوفة عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقطوعة على بعض التابعين، وهي من مسائل الاجتهاد السائغة، وإنما أوردنا هذه الأحاديث؛ لأنه لو ثبت شيء منها لكان حاسماً في هذه المسألة.

الحديث الثامن في هذا: هو حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا لبس أحدكم خفيه، فليمسح عليهما ولا ينزعهما إلا من جنابة ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد والدارقطني وأبو داود من حديث أسد بن موسى ويرويه عنه الربيع، يرويه أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله من مسند أنس بن مالك، وجعله أيضاً مرفوعاً.

وهذا الحديث جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى موقوفاً من وجه آخر، يرويه الربيع عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن زبيد بن الصلت عن عمر بن الخطاب موقوفاً رواه الدارقطني، وما يروى عن عمر بن الخطاب موقوفاً أشبه بالصواب، هذا الحديث وحديث أنس بن مالك، وحديث عمر بن الخطاب في النزع من الجنابة، أي: أنه لا ينزع من شيء آخر، هذا حديث منكر؛ وفي هذا الحديث علة سنذكرها.

سنذكر الإسناد، هذا الحديث يرويه الربيع مصري عن أسد بن موسى مصري عن حماد بن سلمة بصري عن عبيد الله بن أبي بكر، وثابت عن أنس بن مالك.

فهذا الإسناد ظاهره الجودة؛ وحماد بن سلمة راو من رواة البصرة، ينفرد عنه أسد بن موسى المصري في مثل هذا المتن، أين أصحابه البصريون؟ فتفرد المصريين بهذا الحديث منكر.

يقول ابن يونس: أسد بن موسى يتفرد بالأحاديث عن غيره، وابن يونس من العارفين أيضاً برجال مصر، وحماد بن سلمة راوية ومكثر وهو في البصرة، وهذا الحديث أعله الأئمة؛ لأنه لا يوجد عند أهل البصرة، والزمن الذي فيه حماد بن سلمة زمن تلهف على الرواية والتدوين والأخذ؛ ولهذا يقول البيهقي رحمه الله والحاكم مع تساهله وظاهر الإسناد الصحة، قال: هذا الحديث لا يوجد عند البصريين، ويقول الذهبي رحمه الله: لا يوجد عند البصريين وهو شاذ، مع كون ظاهر الإسناد الحسن، ولكن تنقّل الإسناد بين البلدان، ومروره بإمام في زمن الرواية في بلد، ثم لا يوجد في رواية أصحاب حماد، وأصحاب حماد كثر بمن يعتنون بمروياته حتى الضعيفة، مما يدل على أن في هذا الحديث وهماً.

لهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر وهو حديث شاذ، وهذا من الأمور التي ينبغي أن ينتبه لها، وقد أشرنا إليها مراراً أنه إذا نظرنا إلى راو من الرواة ننظر إلى بلده، وننظر إلى درايته وإلى الثقة.

الغالب من حال النقدة الذين يريدون أن يميزوا بين الأحاديث ينظرون إلى الراوي ثم ماذا يقول الأئمة عنه (ثقة أو ليس بثقة) وانتهى الأمر! ثم بعد ذلك يقومون بالتحسين والتصحيح مجرداً، بل يقال إنه ينظر إليه، ينظر إلى بلده، هذا الرجل ما ميزانه؟ ينظر إلى شيوخه.

حماد بن سلمة إذا أردت أن تنظر إلى شيوخه تصل عشرات، وتعجز وأنت تقرأ من هؤلاء الشيوخ الذين يأخذون من حديثه من تلامذته ممن يأخذون من حديثه الصحيح والضعيف، وكذلك أيضاً له شيوخ كثر، وله أقران أيضاً يأخذون أحاديثه، أي نوع مثل هذا الحديث.

ولو كان هذا الحديث من مسائل يسيرة، أو مثلاً تفرد به مصري في فضائل مصر، أو في فضائل الأعمال ونحو ذلك، لأمكن أن يقبل، لكن في قضية مهمة تتعلق بمسائل الطهارة، ولا ينقل عن حماد دليل على نكارته.

وأيضاً نقول: إنه كما أنه منكر عن أنس، فهو منكر أيضاً عن عمر؛ لأنه من هذا الوجه.

وقد رواه مصري آخر أيضاً من حديث عبد الغفار بن داود عن أسد بن موسى وهو مصري عن حماد بن سلمة وهو بصري يرويه عبد الغفار بن داود عن حماد وهو ضعيف، وهذا الإسناد ضعيف أيضاً.

الحديث التاسع في هذا: هو حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن متيمم متوضئاً).

هذا الحديث يرويه ابن شاهين في كتابه الناسخ والمنسوخ من حديث محمد بن عبد الملك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و محمد بن عبد الملك متروك الحديث، وقد طعن فيه غير واحد واتهمه في حفظه، وقد تفرد بهذا الحديث عن الزهري، والزهري له أصحاب كثر يروون عنه أحاديثه، ولو تفرد من هو أحسن حالاً من محمد بن عبد الملك لما قبل؛ لأن مثل هذا مما يحتاج إليه، والحديث في ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجب حينئذٍ أن يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقوى الأسانيد، وهذا حديث منكر، وقد جاء فيه أيضاً من حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى ولا يصح، وهو واه أيضاً، وأعله الحافظ ابن رجب عليه رحمة الله كما في الفتح، ورواه عبد الرزاق وغيره.

الحديث العاشر في هذا: حديث بلال: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الموقين ).

هذا الحديث والمراد بالموق هو الخف الغليظ الذي يوضع على خف خفيف، وهذا فيه أن يلبس الخف على خف، ذكر الموق فيه منكر، والصواب أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين لا على الموقين.

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين وما ذكر الموقين، وذكر الموقين في حديث بلال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منكر.