الأحاديث المعلة في الطهارة [14]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

نكمل الأحاديث التي تكلم عليها العلماء في أبواب الطهارة، وقد ابتدأنا بأحاديث الوضوء في المجلس السابق:

وأول حديث هذا اليوم: هو حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود و النسائي في كتابه السنن من حديث محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

وهذا الحديث معلول بـيعقوب بن سلمة ؛ وذلك لجهالته، وقد جاء هذا الخبر عند الحاكم في كتابه المستدرك من حديث يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة ، فالأول: يعقوب بن سلمة ، وهذا يعقوب بن أبي سلمة ، والذي يظهر لي والله أعلم أن ما جاء عند الحاكم في كتابه المستدرك وهم وغلط، فوهم أنه يعقوب بن أبي سلمة ، والصواب في ذلك أنه يعقوب بن سلمة ، ولهذا صحح الحديث لما ظن أنه على هذا، و يعقوب بن سلمة مجهول وقد تكلم فيه غير واحد.

وكذلك هذا الخبر معلول بعدم ثبوت سماع يعقوب من أبيه، وسماع أبيه من أبي هريرة كما نص على ذلك البخاري في كتابه التاريخ.

وحديث أبي هريرة جاء عنه من وجوه أخرى، أعني: الأمر بالبسملة عند الوضوء، الوجه الأول: ما رواه الدارقطني في كتابه السنن من حديث إبراهيم بن محمد عن علي بن ثابت عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخبر منكر؛ لأنه تفرد به إبراهيم بن محمد ، ويرويه عنه عمرو بن أبي سلمة و إبراهيم بن محمد مدني كما ذكر ذلك غير واحد، وهذا الحديث لو كان في المدينة فحري أن يحمله الكبار، ولما حمله إبراهيم بن محمد ولا يحتمل منه ذلك، وكذلك فتفرد عمرو بن أبي سلمة عن إبراهيم بن محمد وهو مصري ثم أصبح شامياً بعد ذلك دليل على نكارة هذا الخبر.

الوجه الثاني: فيما رواه الطبراني من حديث هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، قال: ويسمي) ، والأمر بالتسمية هنا لا يصح؛ وذلك أن الخبر في ذلك منكر، وهو غريب عن هشام بن عروة عن أبي الزناد ، وهذا الخبر قد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة من طرق متعددة، وليس ذكر التسمية، فذكر التسمية فيها موضوع.

الوجه الثالث: هو حديث هشام بن عروة يرويه عنه عبد الله بن محمد وهو متروك الحديث كما نص على ذلك النسائي وغيره.

الحديث الثاني: هو حديث أبي سعيد الخدري عليه رضوان الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود في كتابه السنن من حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده، وجده هو أبو سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الخبر منكر؛ لأنه قد تفرد به ربيح بن عبد الرحمن وهو مجهول، وتفرد بروايته عنه كثير بن زيد وفي حديثه ضعف يسير، وقد أعل هذا الحديث الإمام أحمد عليه رحمة الله و البزار وغيرهم، وأشار إلى علته الطبراني.

وأصح الأحاديث في التسمية هو هذا الحديث حديث ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه، فقد نص على ذلك الإمام أحمد عليه رحمة الله كما في رواية حرب، وكذلك المروذي ونص البخاري و الترمذي على أنه أحسن شيء جاء في هذا الباب.

وهذا الحديث أعني حديث ربيح جاء من وجوه أخرى: رواه الإمام أحمد عليه رحمة الله في كتابه المسند، و الطحاوي من حديث ابن حرملة ، ويرويه ابن حرملة عن أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به عبد الرحمن بن حرملة حيث يرويه عن أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن ، و ابن حرملة قد اختلف عليه في ذلك، فيرويه سليمان بن بلال و أبو معشر كما جاء عند الإمام أحمد في كتابه المسند يرويه مرسلاً، يقول: عن جدته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله مرسلاً، وجدته هي أسماء بنت سعيد بن زيد ، قال بعض العلماء: إنه ليس لها صحبة، وصحبتها محتملة.

ورواه غيرهم: فرواه حفص بن ميسرة و وهيب عن ابن حرملة عن رباح بن عبد الرحمن عن أبيه عن أمه عن جدته، وبعض العلماء يصوب هذه الرواية، كما صوب ذلك الدارقطني و أبو حاتم في كتابه العلل.

ومع كل هذا فالحديث لا يصح، فقد أنكره الإمام أحمد ، وقال بعدم صحته أبو حاتم و أبو زرعة وجماعة.

الحديث الثالث في هذا الباب: هو حديث سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنحو ما سبق، وحديث سهل بن سعد أيضاً لا يصح؛ لأنه رواه الطبراني والإمام أحمد من حديث عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد ، و عبد المهيمن متروك، و عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد يرويه عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكنه قد جاء من وجه آخر كما رواه الطبراني و الدارقطني من حديث أبي بن العباس وهو أخو عبد المهيمن حيث يرويه عن أبيه عباس عن سهل بن سعد وهو جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث غلط، أعني: رواية أبي بن العباس ؛ وذلك أن الصواب في ذلك رواية عبد المهيمن ، وذكر أبي في هذا الحديث وهم وغلط؛ وذلك أنه قد جاء من رواية راو متروك عن ابن أبي فديك ، فهذا الحديث منكر وواه.

الحديث الرابع في هذا: حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى: ( أنها ذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يسمي عند وضوئه ) ، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وإسحاق ابن راهويه من حديث حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به حارثة بن أبي الرجال وهو ضعيف، فقد ضعفه الإمام أحمد و أبو زرعة و أبو حاتم ، وقال النسائي : متروك الحديث.

وقد طعن في هذا الحديث الإمام أحمد ولام إسحاق على روايته لهذا الحديث في كتابه المسند وجامعه، فإن الإمام إسحاق بن راهويه في كتابه المسند يورد أصح شيء في الباب عنده، فلما نظر الإمام أحمد في مسند إسحاق بن راهويه لامه على ذلك فقال: أول حديث في كتابه الجامع يجعله عن حارثة بن أبي الرجال ، وحديثه هذا أضعف حديث في هذا الباب، وهو ينتقي أصح شيء في الباب، فكأنه لامه على هذا، أي: أنه أورد أضعف شيء في الباب، ونقل الحربي عنه أنه قال: إن أصح شيء في الباب هو ما رواه ربيح بن عبد الرحمن كما تقدم عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث حديث عائشة واه ومنكر.

وقد جاء هذا الحديث أعني: ذكر البسملة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء في غير ما حديث، فجاء في حديث عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عمر عند الدارقطني ، و أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى، وجاء أيضاً من وجوه أخرى عند ابن عدي في كتابه الكامل من حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى وغيره، ولا يصح منها شيء.

وكما تقدم معنا: فإن أحاديث الباب في أبواب الطهارة تعل أحاديث الأمر، ومن هذه الأحاديث كما تقدم: الأحاديث في السنن الواردة في الوضوء مثل: المضمضة وعددها والاستنشاق والاستنثار ووضع اليدين في الإناء عند الاستيقاظ من النوم، وعدد الغسلات اثنتين وثلاثاً، وصفة مسح الرأس وهي من السنن، ومع ذلك جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث جياد، مما يدل على أنها دون حديث البسملة حكماً، فحديث البسملة من جهة الحكم والقوة واجب، ولهذا إسحاق بن راهويه عليه رحمة الله وكأنه يميل إلى هذا ولو على سبيل الاحتياط يقول بالوجوب وأن من تركها فوضوئه باطل، ولهذا صدر في كتابه الجامع هذا الحديث، وهو حديث الأمر بالبسملة، ويعذر في ذلك من تركها جاهلاً أو متأولاً.

وهذا الحديث لا يمكن أن يثبت فيه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وأمثل ما جاء في هذا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلمه يثبت عن الكبار من الصحابة كالعشرة المبشرين بالجنة، وإنما جاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى.

وقد نص غير واحد من العلماء على أنه لا يثبت في هذا الباب شيء، فنص على هذا الإمام أحمد و الترمذي و البزار و أبو الفرج بن الجوزي كما في كتابه العلل المتناهية، فهذا لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث الخامس: هو حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يتوضأ ويفصل بين المضمضة والاستنشاق ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود وغيرهما من حديث ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

علل حديث: (كان يتوضأ ويفصل بين المضمضة والاستنشاق)

وهذا الحديث معلول بعدة علل:

أولها وأقواها: تفرد ليث بن أبي سليم بهذا الحديث عن طلحة ، و ليث بن أبي سليم لا يتفرد بشيء ويكون صحيحاً، وحديثه في الأحكام على الإطلاق ضعيف، وقد حكى غير واحد من العلماء الاتفاق على ضعفه، وقد ضعفه سائر الأئمة، ويستثنى من حديثه ما يرويه في أبواب التفسير فحديثه في ذلك لا بأس به؛ وذلك أن له نسخة أخذها من القاسم بن أبي بزة ، ويرويها عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس أو من قول مجاهد بن جبر ، فنسخة التفسير صحيحة أما ما عداها فحديث ليث بن أبي سليم لا يحتج بها.

العلة الثانية في هذا: رواية طلحة بن مصرف ، و طلحة بن مصرف قال غير واحد من العلماء: إنه لا يعرف وهو مجهول، كما أشار إلى هذا أبو حاتم وغيره، وقد تفرد بهذا الحديث عن أبيه.

والعلة الثالثة في ذلك أيضاً: أبوه، فقيل: إنه لا يعرف.

والعلة الرابعة في هذا: جد طلحة فقد اختلف في صحبته، فأهل بيته يقولون: إنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وليس له صحبة، كما نص على ذلك يحيى بن معين ، حيث يقول يحيى بن معين : المحدثون يقولون: إن له صحبة وأهل بيته يقولون: ليس له صحبة، وعلى كل سواء كان له صحبة أو ليس له صحبة فالحديث لا يصح إليه.

والعلة الأخيرة في هذا: نكارة المتن، ولهذا أنكره الأئمة الحفاظ من فقهاء الحجاز؛ وذلك أن الثابت في وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع المضمضة والاستنشاق من كف واحدة ولا يفصل بينها، وأحاديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق واهية، ومنها هذا الحديث وحديث آخر يأتي الكلام عليه.

وقد أنكر الحفاظ رواية الفصل، فـسفيان بن عيينة حينما ذكر له هذا الحديث، قال: أيش! طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده! يعني: أنه يستنكر هذه الرواية، ولم تثبت إلا من هذا الوجه.

والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك خلافه، فقد جاء من حديث عبد الله بن زيد ، و عبد الله بن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من كف واحدة ) ، وحديث عبد الله بن زيد وحديث عبد الله بن عباس في الصحيح كما لا يخفى، وهذا دليل على نكارة حديث طلحة بن مصرف ، ولهذا أنكره الفقهاء المحدثون من أهل الحجاز وعلى رأسهم سفيان بن عيينة مع معرفته بالأحكام، فهو من أعرف أهل مكة في طبقته بالأحكام، وكذلك من أعلمهم بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما وإنكاره هذا الحديث على وجهه، وقد أنكره كذلك يحيى بن سعيد القطان و علي بن عبد الله المديني.

أهمية النظر عند الحكم على حديث في جميع ما يتعلق بالباب من أحاديث

وبهذا نعلم أنه ينبغي لطالب العلم حال نظره في حديث من الأحاديث أن ينظر في أحاديث الباب والدلالات الواردة في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغالب في فعل النبي عليه الصلاة والسلام في وضوئه أنه يستديم عليه أو يفعله على الأغلب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الغالب من فعله أنه يتوضأ لكل صلاة، والنادر أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات بوضوء واحد كما حدث في يوم الفتح كما في الصحيح، فحينما توضأ النبي عليه الصلاة والسلام بوضوء واحد وذكر عن الصحابة دليل على ندرة ذلك وقلته.

وفي هذا إشارة إلى أن فعل النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الاستدامة يشاهده الصحابة، ولهذا لما خرج عن عادته يوم الفتح ظهر للصحابة عليهم رضوان الله تعالى ذلك وحكوه عنه، مما يدل على أن هذا الفعل إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن ينقل.

وهذا الحديث معلول بعدة علل:

أولها وأقواها: تفرد ليث بن أبي سليم بهذا الحديث عن طلحة ، و ليث بن أبي سليم لا يتفرد بشيء ويكون صحيحاً، وحديثه في الأحكام على الإطلاق ضعيف، وقد حكى غير واحد من العلماء الاتفاق على ضعفه، وقد ضعفه سائر الأئمة، ويستثنى من حديثه ما يرويه في أبواب التفسير فحديثه في ذلك لا بأس به؛ وذلك أن له نسخة أخذها من القاسم بن أبي بزة ، ويرويها عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس أو من قول مجاهد بن جبر ، فنسخة التفسير صحيحة أما ما عداها فحديث ليث بن أبي سليم لا يحتج بها.

العلة الثانية في هذا: رواية طلحة بن مصرف ، و طلحة بن مصرف قال غير واحد من العلماء: إنه لا يعرف وهو مجهول، كما أشار إلى هذا أبو حاتم وغيره، وقد تفرد بهذا الحديث عن أبيه.

والعلة الثالثة في ذلك أيضاً: أبوه، فقيل: إنه لا يعرف.

والعلة الرابعة في هذا: جد طلحة فقد اختلف في صحبته، فأهل بيته يقولون: إنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وليس له صحبة، كما نص على ذلك يحيى بن معين ، حيث يقول يحيى بن معين : المحدثون يقولون: إن له صحبة وأهل بيته يقولون: ليس له صحبة، وعلى كل سواء كان له صحبة أو ليس له صحبة فالحديث لا يصح إليه.

والعلة الأخيرة في هذا: نكارة المتن، ولهذا أنكره الأئمة الحفاظ من فقهاء الحجاز؛ وذلك أن الثابت في وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع المضمضة والاستنشاق من كف واحدة ولا يفصل بينها، وأحاديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق واهية، ومنها هذا الحديث وحديث آخر يأتي الكلام عليه.

وقد أنكر الحفاظ رواية الفصل، فـسفيان بن عيينة حينما ذكر له هذا الحديث، قال: أيش! طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده! يعني: أنه يستنكر هذه الرواية، ولم تثبت إلا من هذا الوجه.

والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك خلافه، فقد جاء من حديث عبد الله بن زيد ، و عبد الله بن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من كف واحدة ) ، وحديث عبد الله بن زيد وحديث عبد الله بن عباس في الصحيح كما لا يخفى، وهذا دليل على نكارة حديث طلحة بن مصرف ، ولهذا أنكره الفقهاء المحدثون من أهل الحجاز وعلى رأسهم سفيان بن عيينة مع معرفته بالأحكام، فهو من أعرف أهل مكة في طبقته بالأحكام، وكذلك من أعلمهم بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما وإنكاره هذا الحديث على وجهه، وقد أنكره كذلك يحيى بن سعيد القطان و علي بن عبد الله المديني.

وبهذا نعلم أنه ينبغي لطالب العلم حال نظره في حديث من الأحاديث أن ينظر في أحاديث الباب والدلالات الواردة في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغالب في فعل النبي عليه الصلاة والسلام في وضوئه أنه يستديم عليه أو يفعله على الأغلب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الغالب من فعله أنه يتوضأ لكل صلاة، والنادر أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات بوضوء واحد كما حدث في يوم الفتح كما في الصحيح، فحينما توضأ النبي عليه الصلاة والسلام بوضوء واحد وذكر عن الصحابة دليل على ندرة ذلك وقلته.

وفي هذا إشارة إلى أن فعل النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الاستدامة يشاهده الصحابة، ولهذا لما خرج عن عادته يوم الفتح ظهر للصحابة عليهم رضوان الله تعالى ذلك وحكوه عنه، مما يدل على أن هذا الفعل إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن ينقل.

الحديث السادس في هذا: هو ما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث مختار بن نافع عن أبي مطر عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، فذكر الفصل بين المضمضة والاستنشاق في الوضوء.

وهو خبر منكر أيضاً، فقد أعله البخاري في كتابه التاريخ، فقال: مختار بن نافع عن أبي مطر منكر، يعني: لا يصح، و مختار بن نافع متروك الحديث وحديثه مردود.

وقد جاء هذا الحديث عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى من طرق متعددة وليس فيها الفصل، فجاء هذا الحديث في المسند والسنن من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في حكايته لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت في شيء من الطرق عن علي بن أبي طالب أنه ذكر الفصل بين المضمضة والاستنشاق، مما يدل على عدم ثبوته عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى.

الحديث السابع: ما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث زائدة بن قدامة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي بن أبي طالب : ( أنه تمضمض واستنشق بشماله ) ، وذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا فيه إشارة إلى استعمال الشمال في المضمضة والاستنشاق والاستنثار، وهذا الحديث تقدم معنا الإشارة إلى بعض وجوهه في استعمال الشمال، وهذا الخبر تفرد به زائدة بن قدامة عن خالد بن علقمة ، ورواه غيره عن خالد بن علقمة ولم يذكر الشمال فيه وإنما ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علي بن أبي طالب.

ويرويه عن خالد بن علقمة جماعة: فيرويه شعبة بن الحجاج و شريك و النعمان كلهم عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي بن أبي طالب ، ورواه كذلك جماعة عن عبد خير عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه الشمال، مما يدل على أن الأصل في الوضوء أنه على عادة الإنسان والأيسر له في ذلك، سواء تمضمض بيمينه أو تمضمض بشماله فالأمر في ذلك على السعة.

وتقدم معنا الكلام على هذا في حديث عائشة وغيرها في قولها: (وشماله لما كان من أذى).


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الطهارة [24] 2421 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [15] 2391 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [23] 2335 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [29] 2271 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [26] 2246 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [5] 2130 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [18] 1947 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [28] 1788 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [2] 1680 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [12] 1636 استماع