الأحاديث المعلة في الطهارة [24]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأول حديث في هذا اليوم هو حديث أسيد عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ألبان الإبل، فقال: توضئوا منها وسئل عن ألبان الغنم، فقال: لا توضئوا منها )، هذا الحديث رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث معلول بعدة علل بمتنه، وكذلك بإسناده.

علل حديث أسيد في الوضوء من ألبان الإبل من جهة الإسناد

أولاً: من جهة الإسناد، فهذا الحديث قد وقع فيه اختلاف، فيرويه الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من أسيد بن حضير، وذلك لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما ولد قبل وفاة أسيد بنحو أربع سنين، ولا يمكن أن يكون قد سمع منه، وكذلك هذا الحديث جعله من مسند أسيد بن حضير منكر، والصواب أنه من حديث البراء عليه رضوان الله تعالى، وقد وقع في هذا الحديث جملة من الخلاف، والخلاف الذي قد وقع في هذا الحديث تارة يجعل من حديث ذي الغرة، ويرويه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويرويه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عبد الله بن عبد الله وهو مولى بني هاشم، ويرويه عن عبد الله بن عبد الله عبيدة بن معتب الضبي، أي: يرويه عبيدة بن معتب الضبي عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فجعله من مسند ذي الغرة، وقد أخرجه الطبراني في كتاب المعجم، وسمى ذا الغرة بالـجهني، وهذا الحديث أيضاً مضطرب وفيه وهم، وقد جاء أيضاً من مسند سليك الغطفاني كما رواه الطبراني في كتابه المعجم، فقد أخرجه من حديث عيسى بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سليك الغطفاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو وهم وغلط، وجاء من حديث عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، وهذا هو الصواب أنه من حديث البراء يرويه الأعمش بهذا الإسناد عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، ووقع في حديث البراء اختلاف عن حديث أسيد، وذلك أن حديث البراء جاء فيه ذكر اللحوم ولم يأت فيه ذكر اللبن، وخالف حديث أسيد من وجهين:

الوجه الأول: ما تقدم الإشارة إليه أنه ذكر اللحوم ولم يذكر اللبن.

الأمر الثاني: أنه جعله من مسند البراء، وذاك من مسند أسيد، والصواب في ذلك هو حديث الأعمش، أي: أنه من حديث البراء كما مال إلى هذا جماعة من الحفاظ، كـأبي حاتم عليه رحمة الله، كما نقله عنه ابنه ابن أبي حاتم في كتابه العلل.

وعلى هذا نقول: إن حديث أسيد منكر.

علل حديث أسيد في الوضوء من ألبان الإبل من جهة المتن

أما بالنسبة للعلة المتنية فما تقدم الإشارة إليه أن الحديث فيه ذكر اللبن، وتقدم معنا الإشارة إلى أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من النواقض أولى منها أن يكون اللبن لعموم البلوى به، فالناس يحتاجون إلى ألبان الإبل أكثر من حاجتهم إلى غيرها من الألبان كألبان الغنم والبقر ونحو ذلك، وذلك أن الإبل تكون عند الناس في حلهم وسفرهم، فإنهم يرتحلون عليها بخلاف البقر والغنم، وكما تقدم الإشارة إليه، فإن الأدلة قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الإبل، ولم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام في ألبانها، وينبغي أن يثبت الدليل في ذلك أكثر وأظهر، ولو ثبت في هذا لوجب أن يأتي بأسانيد صحيحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه أمر الغزاة وكذلك الرعاة والمسافرين أن يتوضأ من شيء من ذلك مع أن الدليل يقتضيه.

ومن العلل أيضاً في هذا المتن: أن فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة فقيه إمام، ولكنه كوفي، وهذا الحديث فيه التوضؤ من ألبان الإبل، فإذا قلنا: إن في الإسناد كوفياً وفقيهاً يلزم من هذا أن يكون القول بالوضوء من ألبان الإبل موجوداً في أهل الكوفة، وأهل الكوفة لا يقولون بذلك، لهذا نقول: إن هذا من علامات النكارة في هذا الحديث.

أهمية معرفة الرواة ومدارسهم لتمييز المتون المنكرة

وتقدم معنا مراراً إلى أن معرفة الرواة ومدارسهم من الأمور المهمة التي يميز بها الناقد نكارة المتون، وعلى هذا فإنا إذا تأملنا في الرواة نستطيع أن نستخرج من تأملنا في ذلك نقداً للمتن، والأصل في هذا أن الحديث إذا علمنا أنه قد دخل بلداً من البلدان أن يعمل أثره فيهم، وأن يكون له أثر فيهم خاصة في الفقهاء منهم، والأثر في الحديث إذا علمنا أنه دخل فيهم هو القول به على الأقل، ولو يكون القول في ذلك مرجوحاً، وقد تقدم معنا أن الرواة على نوعين راو دار، يعني: صاحب دراية، وراو لا يدري، راو ناقل حافظ، وتمييز الأول عن الثاني مهم جداً في أبواب النقد؛ لهذا إذا وقع لديك إسناد فيه مثلاً مدني، أو فيه بصري أو كوفي، وكان هذا الراوي فقيهاً، فيلزم من هذا أن تنظر في المدرسة التي ينتمي إليها ذلك الراوي الفقيه، ونستفيد من هذا أيضاً في أبواب الرواة الذين ليس لهم دراية أن هذا الحديث وجد في ميادينهم، فالقول به متحتم في حال صحته، وطالب العلم إذا كان عارفاً بالرواة ليس بعارف بالمدارس الفقيهة يقول: لديه النظر في أبواب النقد، ومن نظر في الأئمة الكبار الأوائل وجد أنهم يعلون الأحاديث كثيراً بسبب عدم العمل بها في بلدان الرواة، ولو لم ينصوا على ذلك، لكن الإشارات في ذلك ليست بالقليلة، ولهذا نقول: إن الراوي إذا كان فقيهاً فإننا نلتمس العلة في مواضع:

الموضع الأول في ذات الراوي: إذا وجدنا له قولاً في هذه المسألة يؤيد هذا الحديث الذي رواه فإن هذا من قرائن الاحتجاج والتقوية، إذا وجدنا له قولاً لا يؤيد هذا الحديث فإن هذا من قرائن الإعلال، وقد تقدم معنا الإشارة إلى هذا، وكذلك أيضاً في الفقهاء الذين في هذه البلدة في الطبقة ذاتها، طبقة عبد الرحمن بن أبي ليلى طبقة متقدمة، وهو من طبقة علقمة وأيضاً الأسود وأمثالهم، فيلزم أن يكون هذا القول في هذه الطبقة وجوداً، لا أن يكون قد حدث بعد ذلك.

وأشد مواضع العلل ظهوراً أن يوجد الحديث فيهم في سائر الطبقات ثم لا يقول به أحد منهم، ويليها بعد ذلك أن يوجد الحديث فيهم في طبقة من الطبقات مشهورة، ثم لا يوجد القول به في جميع الطبقات أيضاً، وهذا من علامات الإعلال، وأظهرها إذا كان الراوي فقيهاً ثم قال بخلاف قوله، وقد تقدم معنا الإشارة إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يميز هؤلاء الرواة بعضهم عن بعض، فيميز الراوي الذي له دراية، والراوي الذي ليس له دراية، حتى يكون من أهل الحذق والمعرفة في هذا.

وأما بالنسبة للراوي إذا كان من بلد معين، ولكنه ليس بصاحب فقه، ما الصنيع في ذلك؟ هل يظهر فيه الإعلال أم لا؟ نقول: يظهر الإعلال إذا كان من شيوخه أو من تلاميذه فقيه من أهل ذلك البلد، ولو لم يرو في هذا الحديث فوجد في كلام شيوخه وتلاميذه القول بخلاف الحديث الذي رواه فيكون هذا من قرائن الإعلال، وإذا وجد القول في شيوخه أو في تلاميذه يوافق الحديث ولكنه لم يرو عن هذا الراوي بذاته شيء، وذلك باعتبار أنه صاحب رواية وليس بصاحب دراية، وهذا من قرائن التقوية لهذا الحديث.

لهذا مزيد المعرفة بطبقات الرواة من جهة البلدان، ومزيد الدراية أيضاً في معرفة فتاوى كل طبقة من الطبقات من الأمور المترجحة في هذا الأمر في مسائل التعليل، وأيضاً عند طالب العلم وكذلك الناقد يكون من أهل النظر، وأميز العلل في ذلك العلل المتنية في هذا الحديث أن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه كوفي، وهو من كبار الفقهاء أيضاً من أهل الكوفة، وذلك أيضاً أنه كان له اعتبار في الكوفة أنه كان من أهل المدينة، ثم أصبح في أهل الكوفة، وأخذ عنه جماعة من أهل الكوفة، الحديث كذلك أيضاً كان له محل نظر وعناية عند الكوفيين؛ لأنه متقدم وأدرك بعض الخلفاء الراشدين، ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر من جهات متعددة، وما تقدم الإشارة إليه معنا أيضاً يعضد القول بهذه النكارة في مسألة ذكر الألبان في هذا الحديث.

وهل الانقطاع بين عبد الرحمن وبين أسيد يطعن في عبد الرحمن يعني: من جهة التدليس؟ نقول: إنما أوردنا هذه العلة مع أننا رجحنا أن الحديث من حديث البراء، والانقطاع هنا يؤكد القول أنه ليس من حديث أسيد، ولو قيل إنه من حديث أسيد نقول بانقطاعه، وابن أبي ليلى ممن هو معروف في هذا ثلاثة: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو الإمام الثقة، ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف، وعيسى بن أبي ليلى وهو ضعيف، والرابع عبد الله وهو بينهم وبين عبد الرحمن وأوثق هؤلاء وأجلهم هو عبد الرحمن بن أبي ليلى ومحمد هو أيضاً من مدرسة أهل الرأي، والعلماء من الفقهاء من أصحاب الرأي من أصحاب أبي حنيفة يأخذون برأيه، وإذا قالوا ابن أبي ليلى، فالغالب أنهم يشيرون إلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى .

أولاً: من جهة الإسناد، فهذا الحديث قد وقع فيه اختلاف، فيرويه الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من أسيد بن حضير، وذلك لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما ولد قبل وفاة أسيد بنحو أربع سنين، ولا يمكن أن يكون قد سمع منه، وكذلك هذا الحديث جعله من مسند أسيد بن حضير منكر، والصواب أنه من حديث البراء عليه رضوان الله تعالى، وقد وقع في هذا الحديث جملة من الخلاف، والخلاف الذي قد وقع في هذا الحديث تارة يجعل من حديث ذي الغرة، ويرويه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويرويه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عبد الله بن عبد الله وهو مولى بني هاشم، ويرويه عن عبد الله بن عبد الله عبيدة بن معتب الضبي، أي: يرويه عبيدة بن معتب الضبي عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فجعله من مسند ذي الغرة، وقد أخرجه الطبراني في كتاب المعجم، وسمى ذا الغرة بالـجهني، وهذا الحديث أيضاً مضطرب وفيه وهم، وقد جاء أيضاً من مسند سليك الغطفاني كما رواه الطبراني في كتابه المعجم، فقد أخرجه من حديث عيسى بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سليك الغطفاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو وهم وغلط، وجاء من حديث عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، وهذا هو الصواب أنه من حديث البراء يرويه الأعمش بهذا الإسناد عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، ووقع في حديث البراء اختلاف عن حديث أسيد، وذلك أن حديث البراء جاء فيه ذكر اللحوم ولم يأت فيه ذكر اللبن، وخالف حديث أسيد من وجهين:

الوجه الأول: ما تقدم الإشارة إليه أنه ذكر اللحوم ولم يذكر اللبن.

الأمر الثاني: أنه جعله من مسند البراء، وذاك من مسند أسيد، والصواب في ذلك هو حديث الأعمش، أي: أنه من حديث البراء كما مال إلى هذا جماعة من الحفاظ، كـأبي حاتم عليه رحمة الله، كما نقله عنه ابنه ابن أبي حاتم في كتابه العلل.

وعلى هذا نقول: إن حديث أسيد منكر.

أما بالنسبة للعلة المتنية فما تقدم الإشارة إليه أن الحديث فيه ذكر اللبن، وتقدم معنا الإشارة إلى أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من النواقض أولى منها أن يكون اللبن لعموم البلوى به، فالناس يحتاجون إلى ألبان الإبل أكثر من حاجتهم إلى غيرها من الألبان كألبان الغنم والبقر ونحو ذلك، وذلك أن الإبل تكون عند الناس في حلهم وسفرهم، فإنهم يرتحلون عليها بخلاف البقر والغنم، وكما تقدم الإشارة إليه، فإن الأدلة قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الإبل، ولم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام في ألبانها، وينبغي أن يثبت الدليل في ذلك أكثر وأظهر، ولو ثبت في هذا لوجب أن يأتي بأسانيد صحيحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه أمر الغزاة وكذلك الرعاة والمسافرين أن يتوضأ من شيء من ذلك مع أن الدليل يقتضيه.

ومن العلل أيضاً في هذا المتن: أن فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة فقيه إمام، ولكنه كوفي، وهذا الحديث فيه التوضؤ من ألبان الإبل، فإذا قلنا: إن في الإسناد كوفياً وفقيهاً يلزم من هذا أن يكون القول بالوضوء من ألبان الإبل موجوداً في أهل الكوفة، وأهل الكوفة لا يقولون بذلك، لهذا نقول: إن هذا من علامات النكارة في هذا الحديث.

وتقدم معنا مراراً إلى أن معرفة الرواة ومدارسهم من الأمور المهمة التي يميز بها الناقد نكارة المتون، وعلى هذا فإنا إذا تأملنا في الرواة نستطيع أن نستخرج من تأملنا في ذلك نقداً للمتن، والأصل في هذا أن الحديث إذا علمنا أنه قد دخل بلداً من البلدان أن يعمل أثره فيهم، وأن يكون له أثر فيهم خاصة في الفقهاء منهم، والأثر في الحديث إذا علمنا أنه دخل فيهم هو القول به على الأقل، ولو يكون القول في ذلك مرجوحاً، وقد تقدم معنا أن الرواة على نوعين راو دار، يعني: صاحب دراية، وراو لا يدري، راو ناقل حافظ، وتمييز الأول عن الثاني مهم جداً في أبواب النقد؛ لهذا إذا وقع لديك إسناد فيه مثلاً مدني، أو فيه بصري أو كوفي، وكان هذا الراوي فقيهاً، فيلزم من هذا أن تنظر في المدرسة التي ينتمي إليها ذلك الراوي الفقيه، ونستفيد من هذا أيضاً في أبواب الرواة الذين ليس لهم دراية أن هذا الحديث وجد في ميادينهم، فالقول به متحتم في حال صحته، وطالب العلم إذا كان عارفاً بالرواة ليس بعارف بالمدارس الفقيهة يقول: لديه النظر في أبواب النقد، ومن نظر في الأئمة الكبار الأوائل وجد أنهم يعلون الأحاديث كثيراً بسبب عدم العمل بها في بلدان الرواة، ولو لم ينصوا على ذلك، لكن الإشارات في ذلك ليست بالقليلة، ولهذا نقول: إن الراوي إذا كان فقيهاً فإننا نلتمس العلة في مواضع:

الموضع الأول في ذات الراوي: إذا وجدنا له قولاً في هذه المسألة يؤيد هذا الحديث الذي رواه فإن هذا من قرائن الاحتجاج والتقوية، إذا وجدنا له قولاً لا يؤيد هذا الحديث فإن هذا من قرائن الإعلال، وقد تقدم معنا الإشارة إلى هذا، وكذلك أيضاً في الفقهاء الذين في هذه البلدة في الطبقة ذاتها، طبقة عبد الرحمن بن أبي ليلى طبقة متقدمة، وهو من طبقة علقمة وأيضاً الأسود وأمثالهم، فيلزم أن يكون هذا القول في هذه الطبقة وجوداً، لا أن يكون قد حدث بعد ذلك.

وأشد مواضع العلل ظهوراً أن يوجد الحديث فيهم في سائر الطبقات ثم لا يقول به أحد منهم، ويليها بعد ذلك أن يوجد الحديث فيهم في طبقة من الطبقات مشهورة، ثم لا يوجد القول به في جميع الطبقات أيضاً، وهذا من علامات الإعلال، وأظهرها إذا كان الراوي فقيهاً ثم قال بخلاف قوله، وقد تقدم معنا الإشارة إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يميز هؤلاء الرواة بعضهم عن بعض، فيميز الراوي الذي له دراية، والراوي الذي ليس له دراية، حتى يكون من أهل الحذق والمعرفة في هذا.

وأما بالنسبة للراوي إذا كان من بلد معين، ولكنه ليس بصاحب فقه، ما الصنيع في ذلك؟ هل يظهر فيه الإعلال أم لا؟ نقول: يظهر الإعلال إذا كان من شيوخه أو من تلاميذه فقيه من أهل ذلك البلد، ولو لم يرو في هذا الحديث فوجد في كلام شيوخه وتلاميذه القول بخلاف الحديث الذي رواه فيكون هذا من قرائن الإعلال، وإذا وجد القول في شيوخه أو في تلاميذه يوافق الحديث ولكنه لم يرو عن هذا الراوي بذاته شيء، وذلك باعتبار أنه صاحب رواية وليس بصاحب دراية، وهذا من قرائن التقوية لهذا الحديث.

لهذا مزيد المعرفة بطبقات الرواة من جهة البلدان، ومزيد الدراية أيضاً في معرفة فتاوى كل طبقة من الطبقات من الأمور المترجحة في هذا الأمر في مسائل التعليل، وأيضاً عند طالب العلم وكذلك الناقد يكون من أهل النظر، وأميز العلل في ذلك العلل المتنية في هذا الحديث أن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه كوفي، وهو من كبار الفقهاء أيضاً من أهل الكوفة، وذلك أيضاً أنه كان له اعتبار في الكوفة أنه كان من أهل المدينة، ثم أصبح في أهل الكوفة، وأخذ عنه جماعة من أهل الكوفة، الحديث كذلك أيضاً كان له محل نظر وعناية عند الكوفيين؛ لأنه متقدم وأدرك بعض الخلفاء الراشدين، ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر من جهات متعددة، وما تقدم الإشارة إليه معنا أيضاً يعضد القول بهذه النكارة في مسألة ذكر الألبان في هذا الحديث.

وهل الانقطاع بين عبد الرحمن وبين أسيد يطعن في عبد الرحمن يعني: من جهة التدليس؟ نقول: إنما أوردنا هذه العلة مع أننا رجحنا أن الحديث من حديث البراء، والانقطاع هنا يؤكد القول أنه ليس من حديث أسيد، ولو قيل إنه من حديث أسيد نقول بانقطاعه، وابن أبي ليلى ممن هو معروف في هذا ثلاثة: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو الإمام الثقة، ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف، وعيسى بن أبي ليلى وهو ضعيف، والرابع عبد الله وهو بينهم وبين عبد الرحمن وأوثق هؤلاء وأجلهم هو عبد الرحمن بن أبي ليلى ومحمد هو أيضاً من مدرسة أهل الرأي، والعلماء من الفقهاء من أصحاب الرأي من أصحاب أبي حنيفة يأخذون برأيه، وإذا قالوا ابن أبي ليلى، فالغالب أنهم يشيرون إلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى .