أرشيف المقالات

أعمال يسيرة وأجور كبيرة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أعمال يسيرة وأجور كبيرة

الحمد لله وحده، أما بعد: فقد أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جماعةً من الصحابة، منهم أبو هريرة، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، بثلاث: ركعتي الضحى، وأن يوتر قبل أن ينام، وصيام ثلاثة أيام من الشهر.
وهذه وصية عامَّة للأمَّة لأنها وصية بأعمال صالحة يسيرة رَتَّبَ اللهُ عليها أجورًا كثيرة؛ فكل مسلم بحاجة إليها: فأول تلك الوصايا: الوصية بركعتي الضحى؛ والمقصود بها سُنَّة الضحى، أقلُّها ركعتان، وأكثر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ثماني ركعات، ومَن زاد فهو خير له، ووقتُ الضحى وقتُ الصلاة كما في حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه؛ وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((فصلِّ؛ فإن الصلاة مشهودة))، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((عليك بكثرة السجود؛ فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك اللهُ بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة)).
وصلاة الضحى صلاةُ الأوَّابين، وتجزي عن ثلاثمائة صدقة، والتي مَن أدَّاها في يومٍ أمسَى وقد زَحْزَحَ نفسَه عن النار، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى يقول: ابنَ آدم، صلِّ لي مِن أول النهار أربع ركعات أكْفِك آخره))، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَن صلى مِن الضحى اثنتي عشرة ركعة بُنِيَ له بيتٌ في الجَنَّة))، وكان صلى الله عليه وسلم إذا فاته مِن حِزبه مِن صلاة الليل لمرض أو نحوه صلى مِن الضحى اثنتي عشرة ركعة.
أما الوصية الثانية: فهي الوصية بالوتر قبل النوم؛ وذلك بأن يُصلي المرء بعد صلاة العشاء وسُنَّتِها الراتبةِ ما تيسَّر له شفعًا ثم يختم بركعة واحدة توتر له صلاته، وصلاة الوتر صلاة زادنا الله إياها بين العشاء والفجر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أوتِروا يا أهلَ القرآن؛ فإن الله تعالى وترٌ يُحِبُّ الوتر))، وهي مِن صلاة الليل التي جعلها الله مِن أسباب النجاة مِن الفتن والنار، ومِن أسباب دخول الجنة، ووعد الله تعالى أهلها بقوله : ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، وورَد في فضلها نصوص كثيرة ليس هذا موضع بسْطها، وقد قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((والله ما تَرَك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل)).
وأقلُّ ما حُفظ عنه صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم – مِن صلاة الليل سبع ركعات، وأكثر ما حُفظ عنه إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ فليُوتر بواحدة))، وأقلُّ ما حُفظ عن الصحابة رضي الله عنهم ثلاث ركعات، وبإمكان المرء أن يفرق تلك الصلاة على أجزاء الليل حتى تخفَّ وتيسر عليه؛ فيصلي مثلًا بعد العشاء وسُنَّتها الراتبةِ ركعتين، وإذا أردا أن ينام توضأ حتى ينام على طهر.
فإن تلك مِن أسباب إجابة الدعاة أثناء الليل.
فإذا توضَّأ صلَّى بذلك الوضوء ما كتب له، وختم بركعة واحدة توتر له صلاته؛ فإن حُسن الوضوء، والصلاة بعده مِن أسباب مغفرة الذنوب، والسبق إلى الجَنَّة.
وإنما أوصَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأمثاله بالوتر قبل النوم؛ لأنهم كانوا يَسهرون أول الليل لمراجعة الحديث، فأولى بالطلاب ونحوهم ممَّن يَسهر أول الليل أن يوتروا قبل النوم، أما مَن طمع أن يستيقظ قبل أذان الفجر بوقتٍ يكفي للوتر فإن الوتر آخر الليل أفضل، وقد انتهى وتر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السَّحَر.
أما الوصية الثالثة: فهي صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر، وما أعظمها من وصية؛ فإن الصيام غنيمة للمؤمن، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فصيام يوم بعشرة أيام، وصيام ثلاثة أيام صيام ثلاثين يومًا ، فمَن صام مِن الشهر ثلاثة أيام فقد صام الشهر، ومَن صام مِن كل شهور السَّنَة ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، وما أعظم الصيام مِن عبادة، وما أَحَبَّه إلى الله تعالى، فالصوَّام أهل كرامة الله تعالى وأجره الكريم، وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الله تعالى: ((كلُّ عملِ ابنِ آدم له الحسنة بعشر أمثالها؛ إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، وناهيك بعملٍ جعَلَه اللهُ لنفسه، وجعل ثوابه وجزاءه عليه، وخص الصوم بباب مِن الجَنَّة يُقال له "الريان"، يدخلون منه لا يدخل منه غيرهم، فلما عطشوا في الدنيا من أجل الله تعالى دخلوا الجنة من باب الريان.
فحريٌّ بالمؤمن عامَّة، وطالب العِلم خاصَّة أن يغتنم هذه الأعمال اليسيرة لما فيها من الأجور الكبيرة.
صلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣