شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [3]


الحلقة مفرغة

تقد لنا شيء من شروط صحة النكاح في الدرس السابق، فتقدم لنا شرط الولاية، وأن أهل العلم اختلفوا في اشتراط الولاية، هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أو ليست شرطاً؟ على رأيين، وذكرنا أن رأي جمهور العلم رحمهم الله: أن ولاية النكاح شرط من شروط صحته, وعند أبي حنيفة أن المرأة إذا كانت بالغة حرة عاقلة لها أن تزوج نفسها, وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الجمهور لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ).

وأيضاً تقدم لنا الشرط الثاني شرط الشهادة, وهل الشهادة شرط من شروط صحة النكاح؟ ذكرنا في ذلك ثلاثة آراء، وأن جمهور أهل العلم أن الشهادة شرط من شروط صحة النكاح، والرأي الثاني أنه ليس شرطاً كسائر العقود تصح بلا شهادة, والرأي الثالث: التفصيل أنها ليست شرطاً عند العقد لكن لا بد منها عند الدخول.

أيضاً تكلمنا عن مراتب الولاية في باب النكاح, من الأولى بتزويج المرأة فذكرنا أنهم يرتبون, يبدأ بالأصول الأب ثم الجد وإن علا ثم بعد ذلك الفروع الابن ثم ابن الابن وإن نزل، ثم بعد ذلك الحواشي الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم, ثم بعد ذلك العصبة بالسبب, المعتق وفروعه ثم أصوله, المعتق أولاً إن كان موجوداً ثم بعد ذلك فروعه ثم بعد ذلك أصوله ثم بعد ذلك حواشيه.

تابع مسقطات ولاية النكاح

تكلمنا أيضاً عن مسقطات الولاية، وذكرنا شيئاً من هذه المسقطات.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يكون صبياً).

المسقط الأول: أن يكون الأقرب غير أهل للولاية لكونه صغيراً أو لكونه فاقد العقل أو لكونه ناقص العقل ونحو ذلك, فإذا كان ليس أهلاً للولاية فإن الولاية تنتقل إلى من بعده.

المسقط الثاني من مسقطات الولاية: المخالفة في الدين, فإذا كان مخالفاً لدين المرأة فإنه لا ولاية له عليها, وتقدم الكلام على هذه المسألة.

المسقط الثالث: العضل، الولي إذا عضل المرأة, وبينا متى يكون عاضلاً وذلك إذا منع كفئاً رضيته, إذا منع الولي كفئاً رضيته المرأة فإنه في هذا الحالة يكون عاضلاً لها, فتسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده.

قال المؤلف رحمه الله: [أو غاب غيبة بعيدة].

هذا هو المسقط الرابع, إذا غاب الولي الأقرب غيبة بعيدة فإن الولي الأبعد يزوج, وقال المؤلف رحمه الله: (إذا غاب غيبة بعيدة), ولم يقدر هذا البعد, يعني: لم يذكر مقدار هذا البعد, وقد حده بعض العلماء بقوله: إذا كانت لا تقطع إلا بكلفة ومشقة, قالوا: إذا غاب الولي غيبة بعيدة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وكونها لا تقطع إلا بكلفة ومشقة هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, فمثلاً: في وقتنا الحاضر يختلف عن الأزمنة فيما مضى لوجود الآن ما يتعلق بوسائل الاتصال، فيمكن أن يكون الشيء البعيد في الزمن السابق هو قريب بتقدم وسائل الاتصال في زمننا هذا.

المهم الرأي الثاني: قالوا: بأن الولي إذا غاب غيبة لا تقطع إلا بمشقة وكلفة فإنه تسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده, قالوا: إذا غاب غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء, فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده فلو مثلاً: أخو المرأة غاب غيبة بحيث لا يمكن أن يقدم إلا بعد أن يفوت الخاطب, الخاطب إذا لم يعط ولم يزوج فإنه ينتقل إلى غير هذه المرأة، فلمن بعده في الولاية كابنه أن يزوج, وهذا القول: هو الأقرب, نقول في تحديده: إذا كان الخاطب الكفء يفوت بسبب غيبة الولي فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وتقدم لنا أن أشرنا أن الولاية في عقد النكاح إنما شرعت لمصلحة المرأة, وإلا فإن المرأة تقدر على أن تزوج نفسها, كما أنها تقدر على أن تبيع وأن تشتري وأن تعقد العقود المالية.. إلخ.

وعلى هذا فإذا كان الولي غائباً فإنه ليس من مصلحة المرأة أن ننتظر هذا الولي, بل تنتقل الولاية إلى من بعده، فالصواب في ذلك نقول: إذا غاب الولي غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, فإذا كان هذا الخاطب قال: أنا لا أنتظر إلا يومين, ونعرف أن الولي الأقرب لا يقدم إلا بعد ثلاثة أيام أو لا يقدم إلى بعد عشرة أو بعد شهر..إلخ وقال هذا الخاطب: أنا لا أنتظر إلا يومين أو ثلاثة..إلخ فنقول: بأن ولاية الأقرب تسقط وتنتقل إلى من بعده.

أثر المخالفة في الدين في ولاية النكاح

قال المؤلف رحمه الله: [ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة].

يقول المؤلف رحمه الله: لا ولاية لأحد على مخالف لدينه, هذه المسألة تحتها أمران:

الأمر الأول: ولاية الكافر على المسلمة, فنقول: بأن الكافر ليس له ولاية على المسلمة مطلقاً, هذا هو الصواب, لقول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فلو كان عندنا نصرانية أسلمت وأبوها ليس مسلماً لم يزل نصرانياً فإنه لا ولاية له عليها في تزويج النكاح, وحينئذ يتولى تزويجها المسلمون، إن كان هناك أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها، فإن لم يكن أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها سلطان المسلمين أو رئيس المسلمين أو المسئول عنهم في تلك الديار.

الأمر الثاني: إذا كان العكس, إذا كان الولي مسلماً والزوجة كافرة فهل يتولى المسلم تزويجها أو لا؟ عكس المسألة السابقة, إذا كان الأب مسلماً أو الأخ مسلماً أو العم مسلماً, وموليته نصرانية تريد أن تتزوج فهل له أن يتولى عقد النكاح لها أو ليس له أن يتولى عقد النكاح لها؟

ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يتولى عقد النكاح لها, ولهذا قال: ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه, ولم يستثن من ذلك إلا مسألتين، والصواب في هذه أن المسلم يتولى على الكافرة, لما تقدم من قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وقد جعل الله عز وجل للمؤمنين على الكافرين سبيلاً، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فإذا كان الإسلام يعلو فإن المسلم يتولى تزويج الكافرة.

فالصواب في هذه المسألة أن المسلم إذا كان ولياً وكانت موليته كافرة فإن المسلم يتولى تزوجها؛ ولأنه مؤتمن عليها.

استثنى المؤلف رحمه الله السلطان فقال: (إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة), يعني: يقول: المسلم إذا كان سلطاناً فإنه يزوج الكافرة، والصواب في ذلك كما سبق لنا أن المسلم يزوج الكافرة سواء كان سلطاناً أو غير سلطان.

قال: (أو سيد أمة), سيد الأمة أيضاً يقوم بتزويجها حتى ولو كان كافراً، والصواب في ذلك أن سيد الأمة إذا كان كافراً لا يملك تزويجها؛ لما تقدم أن الكافر لا يكون ولياً على مسلمة, وإذا كان سيد الأمة مسلماً والأمة كافرة فإنه يتولى تزويجها.

الخلاصة في ذلك: ولاية المسلم على الكافرة صحيحة, وولاية الكافر على المسلمة غير صحيحة.

تكلمنا أيضاً عن مسقطات الولاية، وذكرنا شيئاً من هذه المسقطات.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يكون صبياً).

المسقط الأول: أن يكون الأقرب غير أهل للولاية لكونه صغيراً أو لكونه فاقد العقل أو لكونه ناقص العقل ونحو ذلك, فإذا كان ليس أهلاً للولاية فإن الولاية تنتقل إلى من بعده.

المسقط الثاني من مسقطات الولاية: المخالفة في الدين, فإذا كان مخالفاً لدين المرأة فإنه لا ولاية له عليها, وتقدم الكلام على هذه المسألة.

المسقط الثالث: العضل، الولي إذا عضل المرأة, وبينا متى يكون عاضلاً وذلك إذا منع كفئاً رضيته, إذا منع الولي كفئاً رضيته المرأة فإنه في هذا الحالة يكون عاضلاً لها, فتسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده.

قال المؤلف رحمه الله: [أو غاب غيبة بعيدة].

هذا هو المسقط الرابع, إذا غاب الولي الأقرب غيبة بعيدة فإن الولي الأبعد يزوج, وقال المؤلف رحمه الله: (إذا غاب غيبة بعيدة), ولم يقدر هذا البعد, يعني: لم يذكر مقدار هذا البعد, وقد حده بعض العلماء بقوله: إذا كانت لا تقطع إلا بكلفة ومشقة, قالوا: إذا غاب الولي غيبة بعيدة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وكونها لا تقطع إلا بكلفة ومشقة هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, فمثلاً: في وقتنا الحاضر يختلف عن الأزمنة فيما مضى لوجود الآن ما يتعلق بوسائل الاتصال، فيمكن أن يكون الشيء البعيد في الزمن السابق هو قريب بتقدم وسائل الاتصال في زمننا هذا.

المهم الرأي الثاني: قالوا: بأن الولي إذا غاب غيبة لا تقطع إلا بمشقة وكلفة فإنه تسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده, قالوا: إذا غاب غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء, فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده فلو مثلاً: أخو المرأة غاب غيبة بحيث لا يمكن أن يقدم إلا بعد أن يفوت الخاطب, الخاطب إذا لم يعط ولم يزوج فإنه ينتقل إلى غير هذه المرأة، فلمن بعده في الولاية كابنه أن يزوج, وهذا القول: هو الأقرب, نقول في تحديده: إذا كان الخاطب الكفء يفوت بسبب غيبة الولي فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وتقدم لنا أن أشرنا أن الولاية في عقد النكاح إنما شرعت لمصلحة المرأة, وإلا فإن المرأة تقدر على أن تزوج نفسها, كما أنها تقدر على أن تبيع وأن تشتري وأن تعقد العقود المالية.. إلخ.

وعلى هذا فإذا كان الولي غائباً فإنه ليس من مصلحة المرأة أن ننتظر هذا الولي, بل تنتقل الولاية إلى من بعده، فالصواب في ذلك نقول: إذا غاب الولي غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, فإذا كان هذا الخاطب قال: أنا لا أنتظر إلا يومين, ونعرف أن الولي الأقرب لا يقدم إلا بعد ثلاثة أيام أو لا يقدم إلى بعد عشرة أو بعد شهر..إلخ وقال هذا الخاطب: أنا لا أنتظر إلا يومين أو ثلاثة..إلخ فنقول: بأن ولاية الأقرب تسقط وتنتقل إلى من بعده.

قال المؤلف رحمه الله: [ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة].

يقول المؤلف رحمه الله: لا ولاية لأحد على مخالف لدينه, هذه المسألة تحتها أمران:

الأمر الأول: ولاية الكافر على المسلمة, فنقول: بأن الكافر ليس له ولاية على المسلمة مطلقاً, هذا هو الصواب, لقول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فلو كان عندنا نصرانية أسلمت وأبوها ليس مسلماً لم يزل نصرانياً فإنه لا ولاية له عليها في تزويج النكاح, وحينئذ يتولى تزويجها المسلمون، إن كان هناك أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها، فإن لم يكن أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها سلطان المسلمين أو رئيس المسلمين أو المسئول عنهم في تلك الديار.

الأمر الثاني: إذا كان العكس, إذا كان الولي مسلماً والزوجة كافرة فهل يتولى المسلم تزويجها أو لا؟ عكس المسألة السابقة, إذا كان الأب مسلماً أو الأخ مسلماً أو العم مسلماً, وموليته نصرانية تريد أن تتزوج فهل له أن يتولى عقد النكاح لها أو ليس له أن يتولى عقد النكاح لها؟

ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يتولى عقد النكاح لها, ولهذا قال: ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه, ولم يستثن من ذلك إلا مسألتين، والصواب في هذه أن المسلم يتولى على الكافرة, لما تقدم من قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وقد جعل الله عز وجل للمؤمنين على الكافرين سبيلاً، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فإذا كان الإسلام يعلو فإن المسلم يتولى تزويج الكافرة.

فالصواب في هذه المسألة أن المسلم إذا كان ولياً وكانت موليته كافرة فإن المسلم يتولى تزوجها؛ ولأنه مؤتمن عليها.

استثنى المؤلف رحمه الله السلطان فقال: (إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة), يعني: يقول: المسلم إذا كان سلطاناً فإنه يزوج الكافرة، والصواب في ذلك كما سبق لنا أن المسلم يزوج الكافرة سواء كان سلطاناً أو غير سلطان.

قال: (أو سيد أمة), سيد الأمة أيضاً يقوم بتزويجها حتى ولو كان كافراً، والصواب في ذلك أن سيد الأمة إذا كان كافراً لا يملك تزويجها؛ لما تقدم أن الكافر لا يكون ولياً على مسلمة, وإذا كان سيد الأمة مسلماً والأمة كافرة فإنه يتولى تزويجها.

الخلاصة في ذلك: ولاية المسلم على الكافرة صحيحة, وولاية الكافر على المسلمة غير صحيحة.

قال المؤلف رحمه الله: [فصل: وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم].

هذا هو الشرط الثالث من شروط صحة النكاح: رضا الزوجين, تقدم الشرط الأول وهو الولاية، والشرط الثاني وهو الشهادة، والشرط الثالث الآن شرع فيه المؤلف رحمه الله وهو رضا الزوجين, فهل الرضا معتبر في عقد النكاح أو ليس معتبراً في عقد النكاح؟

أفاد المؤلف رحمه الله أن رضا الزوجين ليس معتبراً دائماً في عقد النكاح, يعني: يشترط الرضا لكنه ليس معتبراً دائماً, فهناك من الأزواج من لا يعتبر رضاهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله, فنقول:

الشرط الثالث من شروط صحة النكاح: رضا الزوجين, ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ). أخرجه البخاري ومسلم , فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ), الأيم: التي لا زوج لها, ويراد بها في هذا الحديث الثيب.

والأدلة في ذلك كثيرة من ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه ( أن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم, فذكرت له أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، فرد النبي عليه الصلاة والسلام النكاح إليهم ), يعني: جعل الأمر موكولاً إليها. وأيضاً ثبت في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام خير الخنساء لما زوجها أبوها بغير رضاها.

إذاً: الشرط الثالث من شروط صحة النكاح رضا الزوجين في الجملة, لكن ذكر المؤلف رحمه الله أن هناك من الأزواج من لا يعتبر رضاهم.

من لا يعتبر رضاهم في النكاح

الذين لا يعتبر رضاهم كما أشار إليهم المؤلف رحمه الله ينقسمون إلى أقسام:

قال المؤلف رحمه الله: (وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم).

ذكر المؤلف رحمه الله أقساماً من الأزواج لا يعتبر إذنهم ولا رضاهم:

القسم الأول: الابن الصغير، هل لأبيه أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟ يعني: هل للأب أن يعقد لابنه الصغير على امرأة أو ليس له أن يعقد له على امرأة؟ هل له أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟

الصغير الذي لم يبلغ لا يستأذن؛ لأنه لا يعرف مصالح النكاح, لا إذن له معتبر أصلاً حتى ولو استأذنه أبوه مثلاً: له خمس سنوات أو ست سنوات حتى ولو استأذنه أبوه فإن إذنه غير معتبر, هذا الإذن لا فائدة منه، لكن هل له أن يعقد له النكاح أو ليس له أن يعقد له النكاح؟

المشهور من المذهب أن له أن يعقد له النكاح, لورود ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فأجاز زيد ذلك, وهذا أخرجه البيهقي .

الرأي الثاني: ليس للأب أن يزوج ابنه الصغير؛ لأن تزويج الأب لابنه الصغير يلزم الابن ببعض التكاليف المادية, كنفقة الزوجة وما يتعلق بذلك من الكسوة والطعام والشراب وغير ذلك.

الرأي الثالث: أن الأب له أن يزوج ابنه الصغير إذا كان هناك مصلحة, إذا ترتب على ذلك مصلحة فإن له أن يزوجه، فإن لم يكن له مصلحة فإنه لا يملك أن يعقد له عقد النكاح.

وهذا القول: هو الأقرب, ومنشؤه كما تقدم لنا أن الولاية في عقد النكاح تدور على المصلحة, فإذا كان هذا الابن يحتاج إلى من يقوم عليه من زوجة ترعى شؤونه لكون أمه مثلاً: غير موجودة فإنه لا بأس لأبيه أن يعقد له عقد النكاح, فهذا هو القسم الأول: الصبي الصغير, ذكرنا أن إذنه غير معتبر لكن هل لأبيه أن يعقد له عقد النكاح؟ الراجح في ذلك أنه يدور على المصلحة.

القسم الثاني: البنت الصغيرة, أيضاً هذه إذنها غير معتبر، فهل لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح أو ليس له أن يعقد لها عقد النكاح؟

المشهور من المذهب أنه لا بأس, يعني: حتى لو كان لها شهر أو كان لها يوم واحد فلأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, هذا هو المشهور من المذهب، وهذا أيضاً مذهب الشافعية وقول أكثر أهل العلم, أن البنت الصغيرة لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها ولها ست سنوات، ودخل بها ولها تسع سنوات.

وذهب طائفة من السلف إلى أن الأب لا يملك أن يعقد على ابنته الصغيرة؛ لأنه يشترط رضاها, والصغيرة لا إذن لها معتبر, حتى لو قالت له: رضيت، قولها هذا لا عبرة به؛ لأنها لا تعرف, فقالوا: الصغيرة يشترط رضاها, لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وإذا كانت صغيرة لا يمكن أن تستأذن، فننتظر حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح ثم بعد ذلك نستأذنها في تزويجها.

فعندنا العقد على البنت الصغيرة هل هو جائز أو ليس جائزاً؟

المشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم أنه جائز.

والرأي الثاني أنه ليس جائزاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وهذه البنت الصغيرة لا يمكن أن تستأذن, فلا يصح أن نعقد لها عقد النكاح حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح, فإذا عرفت مصالح النكاح فإننا نستأذنها في تزويجها.

والأقرب في ذلك أن نجمع بين القولين فنقول: يصح العقد على الصغيرة كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها, لكن نثبت لهذه الصغيرة الخيار إذا بلغت مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح، فيكون تصرف الولي هنا من باب التصرف الفضولي, فإن أجازت النكاح نفذ، وإن لم تجز النكاح لا ينفذ, فنقول: يصح ولا يدخل عليها الزوج حتى تبلغ مبلغاً يصح أن تختار وأن تستأذن وأن ينظر في رأيها، ويدل لذلك كما سبق حديث ابن عباس ( أن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له أن أباها قد زوجها من ابن أخيه لكي يرفع بها خسيسته فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها ).

قال المؤلف رحمه الله: (وبناته الأبكار).

يعني: البكر البالغة العاقلة لأبيها أن يزوجها بمن لا ترضى ولا يعتبر إذنها, قالوا: يستحب أن يستأذنها, وهذا قول أكثر أهل العلم أن البكر البالغة لأبيها أن يزوجها بغير إذنها، واستدلوا على ذلك بما أورده المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها )، الأيم الثيب أحق بنفسها من وليها, فدل ذلك على أن البكر وليها أحق بها, فالثيب لا بد من إذنها, لا بد من رضاها, هي أحق بنفسها من وليها، فيفهم من ذلك أن غير الثيب وليها أحق بها, هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني رأي أبي حنيفة وهو قول الأوزاعي أن البكر البالغة لا بد من إذنها، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ) أخرجاه في الصحيحين.

والصواب في هذه المسألة أن يقال كما تقدم: إن العقد على البكر بغير إذنها صحيح، لكن يجعل الأمر إليها, كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الجارية, فإذا عقد أبوها عقد النكاح لشخص من الأشخاص ننظر إلى رأي هذه الفتاة، فإن أجازت العقد صح ذلك، ويكون تصرف الولي من باب تصرف الفضولي، وإن ردت العقد فإنه لا ينفذ, كما تقدم في حديث ابن عباس في قصة الجارية التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته وهي لم ترضَ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها, فنقول: إذا زوج الأب ابنته البالغة العاقلة ولم يأخذ رأيها ولم يأخذ إذنها أو زوجها بغير رضاها, نقول: الأمر موكول إلى المرأة، فإن أجازت العقد نفذ، وإن لم تجزه فإنه لا ينفذ.

الاستئذان المرأة في النكاح

قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب استئذان البالغة].

هذا مبني على أن رضا البالغة ليس شرطاً ولا واجباً، لكن إذا قلنا: بأنه واجب، وأنه لا بد منه كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله فنقول: يجب استئذان البالغة ولا بد من رضاها.

قال المؤلف رحمه الله: [وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم].

تقدم أن الأب على المذهب له أن يعقد على ابنه الصغير، وتقدم كلام أهل العلم في هذه المسألة, لكن بالنسبة لابنه الكبير البالغ العاقل فليس له أن يعقد له إلا بإذنه, ولو عقد له على امرأة بلا إذنه فإنه ينظر إلى رأي الزوج فإن أجاز النكاح نفذ وإن رده فإنه لا ينفذ.

كذلك أيضاً الثيب ليس للأب أن يزوج ابنته الثيب التي وطئت في نكاح صحيح أو بزنا مع رضا ليس له أن يزوج هذه الثيب إلا بإذنها، ودليل ذلك كما تقدم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الأيم أحق بنفسها من وليها )، فالثيب بخلاف البكر، وتقدم كلامهم في البكر.

قال المؤلف رحمه الله: [وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها].

تزويج الابن الصغير هذا من خصوصيات الأب, لكن لو أن الأب متوفى فأراد الجد أن يزوج ابن ابنه الصغير الذي له سنتان أو ثلاث سنوات لا يملك ذلك, يعني: ملك تزويج الابن الصغير من خصائص الأب فقط, وتقدم الكلام على هذه المسألة, حتى الأب هناك من أهل العلم من يعارض في تزويجه.

كذلك أيضاً تزويج البنت الصغيرة هذا من خصائص الأب, أما غيره لو كان الأب متوفى والجد أراد أن يزوج بنت ابنه الصغيرة فإنه لا يملك ذلك أو الأخ أراد أن يزوج أخته الصغيرة فإنه لا يملك ذلك حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح وتستأمر وتشاور ويؤخذ إذنها, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).

قال: (ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها).

أيضاً البكر البالغة لا يعتبر رضاها بالنسبة للأب فقط, أما بالنسبة لباقي الأولياء فإنه لا بد من رضاها, وتقدم لنا أن الصحيح أنه لا فرق بين الأب وغيره, وأن الأب إذا زوج ابنته البالغة العاقلة بلا إذنها فإن هذا موكول إلى المرأة، فإن أجازت النكاح نفذ, وإن لم تجز النكاح فإنه لا ينفذ.

المهم أن سائر الأولياء ليس كالأب, الجد لا يملك أن يزوج ابنة ابنه البالغة العاقلة إلا برضاها, وأيضاً الأخ لا يملك أن يزوج أخته إلا برضاها، والعم لا يملك أن يزوج أبنة أخيه إلا برضاها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).

ما يكون به الإذن

قال المؤلف رحمه الله: [وإذن الثيب الكلام، وإذن البكر الصمات..الخ].

هنا الآن شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يكون به الإذن، فالثيب لا بد أن تتكلم فتستأمر، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ) يعني: تشاور من الاستئمار, يؤخذ أمرها في هذه المسألة هل تزوج أو لا تزوج, وأما بالنسبة للبكر فإذنها أن تسكت؛ لأن البكر لم تجرب الرجال فيغلب عليها الحياء, فإذا سكتت فإن ذلك علامة على الرضا في الغالب, وقد يكون السكوت ليس علامة على الرضا، ويرجع في ذلك إلى قرائن الأحوال, وإن تكلمت البكر وقالت: رضيت به، فهذا من باب أولى, خلافاً للظاهرية قالوا: بأنها لو تكلمت فهذا لا يعتبر إذناً, بل لابد أن تسكت جموداً على ظاهر النص.

الذين لا يعتبر رضاهم كما أشار إليهم المؤلف رحمه الله ينقسمون إلى أقسام:

قال المؤلف رحمه الله: (وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم).

ذكر المؤلف رحمه الله أقساماً من الأزواج لا يعتبر إذنهم ولا رضاهم:

القسم الأول: الابن الصغير، هل لأبيه أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟ يعني: هل للأب أن يعقد لابنه الصغير على امرأة أو ليس له أن يعقد له على امرأة؟ هل له أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟

الصغير الذي لم يبلغ لا يستأذن؛ لأنه لا يعرف مصالح النكاح, لا إذن له معتبر أصلاً حتى ولو استأذنه أبوه مثلاً: له خمس سنوات أو ست سنوات حتى ولو استأذنه أبوه فإن إذنه غير معتبر, هذا الإذن لا فائدة منه، لكن هل له أن يعقد له النكاح أو ليس له أن يعقد له النكاح؟

المشهور من المذهب أن له أن يعقد له النكاح, لورود ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فأجاز زيد ذلك, وهذا أخرجه البيهقي .

الرأي الثاني: ليس للأب أن يزوج ابنه الصغير؛ لأن تزويج الأب لابنه الصغير يلزم الابن ببعض التكاليف المادية, كنفقة الزوجة وما يتعلق بذلك من الكسوة والطعام والشراب وغير ذلك.

الرأي الثالث: أن الأب له أن يزوج ابنه الصغير إذا كان هناك مصلحة, إذا ترتب على ذلك مصلحة فإن له أن يزوجه، فإن لم يكن له مصلحة فإنه لا يملك أن يعقد له عقد النكاح.

وهذا القول: هو الأقرب, ومنشؤه كما تقدم لنا أن الولاية في عقد النكاح تدور على المصلحة, فإذا كان هذا الابن يحتاج إلى من يقوم عليه من زوجة ترعى شؤونه لكون أمه مثلاً: غير موجودة فإنه لا بأس لأبيه أن يعقد له عقد النكاح, فهذا هو القسم الأول: الصبي الصغير, ذكرنا أن إذنه غير معتبر لكن هل لأبيه أن يعقد له عقد النكاح؟ الراجح في ذلك أنه يدور على المصلحة.

القسم الثاني: البنت الصغيرة, أيضاً هذه إذنها غير معتبر، فهل لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح أو ليس له أن يعقد لها عقد النكاح؟

المشهور من المذهب أنه لا بأس, يعني: حتى لو كان لها شهر أو كان لها يوم واحد فلأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, هذا هو المشهور من المذهب، وهذا أيضاً مذهب الشافعية وقول أكثر أهل العلم, أن البنت الصغيرة لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها ولها ست سنوات، ودخل بها ولها تسع سنوات.

وذهب طائفة من السلف إلى أن الأب لا يملك أن يعقد على ابنته الصغيرة؛ لأنه يشترط رضاها, والصغيرة لا إذن لها معتبر, حتى لو قالت له: رضيت، قولها هذا لا عبرة به؛ لأنها لا تعرف, فقالوا: الصغيرة يشترط رضاها, لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وإذا كانت صغيرة لا يمكن أن تستأذن، فننتظر حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح ثم بعد ذلك نستأذنها في تزويجها.

فعندنا العقد على البنت الصغيرة هل هو جائز أو ليس جائزاً؟

المشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم أنه جائز.

والرأي الثاني أنه ليس جائزاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وهذه البنت الصغيرة لا يمكن أن تستأذن, فلا يصح أن نعقد لها عقد النكاح حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح, فإذا عرفت مصالح النكاح فإننا نستأذنها في تزويجها.

والأقرب في ذلك أن نجمع بين القولين فنقول: يصح العقد على الصغيرة كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها, لكن نثبت لهذه الصغيرة الخيار إذا بلغت مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح، فيكون تصرف الولي هنا من باب التصرف الفضولي, فإن أجازت النكاح نفذ، وإن لم تجز النكاح لا ينفذ, فنقول: يصح ولا يدخل عليها الزوج حتى تبلغ مبلغاً يصح أن تختار وأن تستأذن وأن ينظر في رأيها، ويدل لذلك كما سبق حديث ابن عباس ( أن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له أن أباها قد زوجها من ابن أخيه لكي يرفع بها خسيسته فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها ).

قال المؤلف رحمه الله: (وبناته الأبكار).

يعني: البكر البالغة العاقلة لأبيها أن يزوجها بمن لا ترضى ولا يعتبر إذنها, قالوا: يستحب أن يستأذنها, وهذا قول أكثر أهل العلم أن البكر البالغة لأبيها أن يزوجها بغير إذنها، واستدلوا على ذلك بما أورده المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها )، الأيم الثيب أحق بنفسها من وليها, فدل ذلك على أن البكر وليها أحق بها, فالثيب لا بد من إذنها, لا بد من رضاها, هي أحق بنفسها من وليها، فيفهم من ذلك أن غير الثيب وليها أحق بها, هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني رأي أبي حنيفة وهو قول الأوزاعي أن البكر البالغة لا بد من إذنها، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ) أخرجاه في الصحيحين.

والصواب في هذه المسألة أن يقال كما تقدم: إن العقد على البكر بغير إذنها صحيح، لكن يجعل الأمر إليها, كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الجارية, فإذا عقد أبوها عقد النكاح لشخص من الأشخاص ننظر إلى رأي هذه الفتاة، فإن أجازت العقد صح ذلك، ويكون تصرف الولي من باب تصرف الفضولي، وإن ردت العقد فإنه لا ينفذ, كما تقدم في حديث ابن عباس في قصة الجارية التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته وهي لم ترضَ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها, فنقول: إذا زوج الأب ابنته البالغة العاقلة ولم يأخذ رأيها ولم يأخذ إذنها أو زوجها بغير رضاها, نقول: الأمر موكول إلى المرأة، فإن أجازت العقد نفذ، وإن لم تجزه فإنه لا ينفذ.

قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب استئذان البالغة].

هذا مبني على أن رضا البالغة ليس شرطاً ولا واجباً، لكن إذا قلنا: بأنه واجب، وأنه لا بد منه كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله فنقول: يجب استئذان البالغة ولا بد من رضاها.

قال المؤلف رحمه الله: [وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم].

تقدم أن الأب على المذهب له أن يعقد على ابنه الصغير، وتقدم كلام أهل العلم في هذه المسألة, لكن بالنسبة لابنه الكبير البالغ العاقل فليس له أن يعقد له إلا بإذنه, ولو عقد له على امرأة بلا إذنه فإنه ينظر إلى رأي الزوج فإن أجاز النكاح نفذ وإن رده فإنه لا ينفذ.

كذلك أيضاً الثيب ليس للأب أن يزوج ابنته الثيب التي وطئت في نكاح صحيح أو بزنا مع رضا ليس له أن يزوج هذه الثيب إلا بإذنها، ودليل ذلك كما تقدم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الأيم أحق بنفسها من وليها )، فالثيب بخلاف البكر، وتقدم كلامهم في البكر.

قال المؤلف رحمه الله: [وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها].

تزويج الابن الصغير هذا من خصوصيات الأب, لكن لو أن الأب متوفى فأراد الجد أن يزوج ابن ابنه الصغير الذي له سنتان أو ثلاث سنوات لا يملك ذلك, يعني: ملك تزويج الابن الصغير من خصائص الأب فقط, وتقدم الكلام على هذه المسألة, حتى الأب هناك من أهل العلم من يعارض في تزويجه.

كذلك أيضاً تزويج البنت الصغيرة هذا من خصائص الأب, أما غيره لو كان الأب متوفى والجد أراد أن يزوج بنت ابنه الصغيرة فإنه لا يملك ذلك أو الأخ أراد أن يزوج أخته الصغيرة فإنه لا يملك ذلك حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح وتستأمر وتشاور ويؤخذ إذنها, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).

قال: (ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها).

أيضاً البكر البالغة لا يعتبر رضاها بالنسبة للأب فقط, أما بالنسبة لباقي الأولياء فإنه لا بد من رضاها, وتقدم لنا أن الصحيح أنه لا فرق بين الأب وغيره, وأن الأب إذا زوج ابنته البالغة العاقلة بلا إذنها فإن هذا موكول إلى المرأة، فإن أجازت النكاح نفذ, وإن لم تجز النكاح فإنه لا ينفذ.

المهم أن سائر الأولياء ليس كالأب, الجد لا يملك أن يزوج ابنة ابنه البالغة العاقلة إلا برضاها, وأيضاً الأخ لا يملك أن يزوج أخته إلا برضاها، والعم لا يملك أن يزوج أبنة أخيه إلا برضاها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).

قال المؤلف رحمه الله: [وإذن الثيب الكلام، وإذن البكر الصمات..الخ].

هنا الآن شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يكون به الإذن، فالثيب لا بد أن تتكلم فتستأمر، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ) يعني: تشاور من الاستئمار, يؤخذ أمرها في هذه المسألة هل تزوج أو لا تزوج, وأما بالنسبة للبكر فإذنها أن تسكت؛ لأن البكر لم تجرب الرجال فيغلب عليها الحياء, فإذا سكتت فإن ذلك علامة على الرضا في الغالب, وقد يكون السكوت ليس علامة على الرضا، ويرجع في ذلك إلى قرائن الأحوال, وإن تكلمت البكر وقالت: رضيت به، فهذا من باب أولى, خلافاً للظاهرية قالوا: بأنها لو تكلمت فهذا لا يعتبر إذناً, بل لابد أن تسكت جموداً على ظاهر النص.