أرشيف المقالات

الأسس التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الأسس التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد انتشر في عالَمنا المعاصر الكثيرُ من فِرَق الزيغ والضلال، التي تحاول بشتى الوسائل صرفَ المسلمين عن دِينهم الذي ارتضاه اللهُ لنفسه، واختاره لعباده، وعن عقيدتهم السَّمحة، التي جاءت في القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، وإلى جانب ذلك فإن العالَم الإسلاميَّ يعاني من الجهل المطبِق بحقيقة هذا الدِّين، فانتشرت في كثيرٍ من ربوعه الخرافاتُ والأوهام.
 
فلم تعُدْ للإسلام صورته المشرقة بين من ينتسبون إليه، وأعظم شيءٍ ابتُلي به المسلمون هو الجهل بالعقيدة الصحيحة - عقيدة أهل السُّنة والجماعة - العقيدة التي كان عليها الرسولُ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة المفضلة؛ ولذلك سنحاول في هذه الكلمات أن نوجزَ ما جاءنا عن عقيدة أهل السُّنة والجماعة في نقاطٍ؛ حتى يكون المسلمُ على بيّنة من أمر نفسه في مجال العقيدة، ومَن أراد مزيد بيان فليراجع العقيدةَ الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك مؤلَّفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، ونبدأ فنقول:
إن عقيدة أهل السُّنة والجماعة تقوم على الأسس التالية:
1- الإسلام هو دِين الفطرة التي فطَر الله الناس عليها؛ فإنه دِينُ جميع الأنبياء والمرسلين من لدُنْ آدم حتى محمدٍ صلى الله على الجميع وسلم، وهو الدِّين الذي ارتضاه الله لعباده، فلا يقبَل دينًا غيره؛ ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85]، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وأركان الإسلام خمسة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: ((شهادة أن لا إلهَ إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)).
 
2- الإيمان بالله وبأسمائه الحسنى وصفاتِه العليا، وبكل ما جاء في كتاب الله وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الإيمانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِرِ والقَدَر.
 
3- أسماء الله التي سمَّى بها نفسَه كلُّها حُسنى، لائقةٌ به سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته التي وصَف بها نفسه، أو وصفه بها رسولُه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الصفاتِ التي جاءت في القرآن الكريم والسُّنة النبوية: الكلام، والسمع والبصر، والوجه واليدان والعينان، والإرادة، والاستواء على العرش، والنزول كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، والمجيء يوم القيامة للفصل بين الخلائق، والمحبَّة والرِّضا والغضب، وغير ذلك من الصفات التي تليق باللهِ سبحانه من غير تشبيهٍ أو تكييف أو تعطيل؛ فالله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
 
4- والإيمان عند أهل السُّنة والجماعة: قولٌ وعمل واعتقاد؛ فهو قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجَنان، وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124].
 
5- القرآنُ كلامُ الله، المنزَّلُ على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، والقرآن ليس مخلوقًا كما تقول بعض فِرَق الضلال؛ بل تكلَّم الله به حقيقةً لا مجازًا.
 
6- أهل السُّنة يؤمنون بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمور الآتية: عذاب القبر، وسؤال منكَر ونكير، والبعث بعد الموت والحساب، والميزان، وتطايُر الكتب، والصراط، والجنة والنار، والحوض، والشفاعة؛ وهي لا تحصُلُ إلا بشرطين: الأول: أن يأذَنَ اللهُ للشافع، والثاني: رضا اللهِ عن المشفوع فيه.
 
7- رؤية الله في الآخرة ثابتةٌ بالكتاب والسُّنة، ولا تكون إلا لأهل الإيمان والتوحيد.
 
8- أهل السُّنة يحبُّون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوالونهم؛ فهم أفضل هذه الأمَّة بعد رسوله، اختارهم الله لصُحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ونُصرة دِينه، وأفضلُ الصحابة أبو بكرٍ الصِّديقُ رضي الله عنه، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم جميعًا؛ فقد أمرنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقتديَ بسنَّتهم؛ فهم الخلفاءُ الراشدون بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأفضلُ الصحابة بعد الخلفاء الأربعة بقيةُ المبشَّرين بالجنة، ثم أهل بدرٍ، وأهل بيعةِ الرِّضوان، ثم بقية المهاجرين والأنصار من السابقين الأولين.
 
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ من واجبات شريعةِ الإسلام، وهو فرض كفايةٍ إذا قام به البعضُ سقَط عن الآخرين، والله جعَل خيريَّة هذه الأمة في كونِها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].
 
10- أهل السُّنة يحبُّون أولياءَ الله، ويوالونهم في حياتهم، ويَدْعون لهم بعد موتهم، ولا يسألونهم قضاءَ الحاجات، وتفريج الكربات؛ فالولي يُدعى له، ولا يُدعى من دون الله، ولا مع الله؛ لأنه بعد موته لا يملِكُ نفعَ نفسِه، فضلاً عن نفعِ غيره.
 
11- أهل السُّنة يصدِّقون بكرامات الأولياء التي يُجريها الله على أيديهم عند صلاح عقيدتهم واستقامتِهم وتقواهم، وذلك بخلاف ما يظهرُ على أيدي الكهَّان والمشعوذين من السَّحرةِ والدجَّالين، فليس ذلك مِن الكرامات في شيءٍ، بل هو من خرافاتِ الدجَّالين، وشطَحات الشياطينِ.
 
هذه بعضُ النِّقاط توضِّح ما كان عليه السلفُ الصالح في أمرِ العقيدة، فإذا أراد المسلِمون أن تعُودَ إليهم عزتُهم وكرامتُهم، فعليهم أن يأخذوا مما أخَذ منه السلفُ الصالح، فلن يُصلِح آخرَ هذه الأمَّةِ إلا ما أصلَح أوَّلَها؛ فالمسلِمون في هذا الزمان في أمسِّ الحاجةِ إلى عقيدةٍ صحيحة نقية من الشِّرك والخرافات، وإلى شريعة مستمدَّة من القرآن الكريم والسُّنة المطهرة حتى يعودَ إليهم مجدُهم الضائع.
 
المصدر: مجلة التوحيد، عدد المحرم 1416 هـ، صفحة 38.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢